| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مصطفى محمد غريب

mousga@online.no

 

 

 

                                                                                  الأربعاء 21/9/ 2011

 

التلاعب بالتصريحات استخفاف بمطاليب المتظاهرين

مصطفى محمد غريب

عندما تضيع المقاييس تضيع الحكمة في الموقف وفي الرأي ويبدأ التخبط حتى يكتسب بجدارة صفة الهزلية بتداخل ركيك ما بين الخداع والترقب والاختفاء خلف دعوى هي للاستهلاك وليس لإيجاد حلول تنصف المظلومين وتعاقب الظالمين بل لتوريط ذهنية المجموع بدعوات هلامية تدفع إلى اللامبالاة بدلاً من التوجه للدفاع عن ما يؤمن به المجموع وبخاصة إذا أدخلت المقولات الدينية المتطرفة أو الطائفية كمنهاج يغلق سبل المعرفة ويفتح أبواب السفاهات، ففي العراق وبعد عام الاحتلال والسقوط والتخلص من الخشية والخوف برزت ظاهرة تعدد القوى وبخاصة أحزاب الإسلام السياسي التي استطاعت الهيمنة على السلطة السياسية بطريقتين أولها : الدعم الأمريكي المتمثل بالحاكم الأمريكي المدني بريمر وثانيها: خداع الوعي الجماهيري بالمقولات والفتاوى الدينية الطائفية لخدمة الأهداف السياسية وليس كما تدعي الدين الإسلامي، والمتابع لتطورات الأوضاع السياسية بعد رحيل بريمر يجد أن هناك تدرجاً لهيمنة هذه القوى بدءً من سن الدستور الذي وجد أكثر من خبير قانوني نواقصه المضرة ثم القوانين اللاحقة التي أجازت لهذه القوى الزحف بشكل حثيث وتبؤها المراكز الرئيسية في الدولة بواسطة تحالفات مصلحية سرعان ما انفرط البعض منها لتقوم تحالفات بدلاً عنها هدفها التفاهم لتقسيم المراكز ووفق ما أطلقوا عليه " التوافق بين الكتل أو المصلحة الوطنية أو الشراكة الوطنية " لكن والحقيقة تقول أن كل هذه التوافقات كانت لمصلحة المحاصصة الحزبية السياسية والطائفية الدينية التي بدأت تنخر جسم المجتمع العراقي وتقيم اهرامات من التكتل الطائفي مما أدى إلى خلق عدم الثقة بين الفسيفساء العراقية التي تعايشت عشرات السنين مع بعضها بشكل سلمي متقارب إلا فترات قصيرة من بينها السياسة القمعية التي انتهجتها الأحزاب القومية العربية المتطرفة وفي مقدمتها حزب البعث العراقي.

إن الساحة العراقية السياسية المتمثلة بالكتل المهيمنة على القرار والأحزاب الوطنية الديمقراطية التي تتصارع من منطلق سلمي لتغيير السياسة الاستحواذية وحشد الجماهير الشعبية خلف شعاراتها الوطنية والمطلبية مهددة بالاحتراب العنفي الطائفي تارة والاحتراب الحزبي تارة أخرى وهذا ما يشكل خطورة كبيرة على مستقبل بناء الدولة المدنية والعمل على إعادة البناء وما دمرته هذه السياسة الرعناء التي لا يهمها إلا المصالح الذاتية للكتل المهيمنة، وعندما بدأت محاولات التظاهر السلمي للضغط باتجاه تعديل الأوضاع وإشعار هذه الكتل وبخاصة كتلة رئيس الوزراء وتحالفاتها بخطورة المرحلة تم تفسيرها على أساس إسقاطها والاستيلاء على السلطة وبهذا بدأت بسياسة العنف ومحاولات إلغاء الآخر عن طرق الاعتقال والسجن والملاحقة وحتى الاغتيال ولم تنحصر محاولاتها بهذه الطرق بل سعت إلى تأجيج الأوضاع بدفع البعض من مؤيديها للقيام بمظاهرات معاكسة والاعتداء على المتظاهرين السلميين، وهذه السياسة تدل على عدم الحكمة وبالضد من مصلحة أولاً البلاد المحاطة بالتدخل الخارجي المسلح وغير المسلح، وثانياً مدى الأضرار التي ستلحق بالجماهير الغفيرة التي تنتظر الحلول الجذرية والمنطقية للكثير من مشاكلها وفي مقدمتها مشاكلها الخدمية والمعيشية، أما الحالة الثالثة التي تدل على عدم الفطنة ومحاولات تمرير الأهداف السياسية هي الدعوات للمظاهرات المليونية تارة بتهديد الحكومةوأخرى التأييد لها تحت طائلة التصريحات الديماغوغية التي تستهدف تحجيم المظاهرات والاعتصامات والاضرابات التي تطالب بتنفيذ وعود الكتل والحكومة بإصلاح الأوضاع وتنفيذ الوعود قبل وما بعد الانتخابات التشريعية وانتخابات مجالس المحافظات، لكن المفاجأة الأخرى هي التصريحات الأخيرة التي تدعو إلى تأييد الحكومة الذي أثار لغطاً ليس بين الجماهير التي أحست بمخطط التجاوز على حقوقها فحسب بل بين جماهير أصحاب هذه التصريحات فهي تعيش واقعاً مأساوياً تدرك انه من مخلفات الحكومات المتعاقبة وبخاصة الحكومة الأخيرة، وبين ما هو غير معروف ودعائي لخدمة أغراض حكومية وسياسية لأجل حرفها باتجاه آخر ومما أثار الاستهجان هو موقف الحكومة برئاسة نوري المالكي والقوات التي تأتمر بأوامره بأنهم سيحمون مظاهرة التأييد بإغلاق الطرق المؤدية إلى ساحة التحرير في بغداد وتحليق الطائرات المروحية لحماية المظاهرة التي دعوا إليها بينما شنت القوات الأمنية هجوماً على المظاهرات السلمية التي خرجت من اجل مطالبها المشروع، وبهذا تنكشف ألاعيب التصريحات والتهديدات والخطابات الرنانة التي تطالب الحكومة بحل قضايا الجماهير المطلبية وكأنها خارج الحكومة وكل المطلعين على حيثيات التحالفات يعلمون علم اليقين أن الذين يتحدثون عن الحقوق وترحيل ما تبقى من قوات الاحتلال وطرد الشركات الأمنية أهم ضلع من أضلاع الحكومة الرئيسية، وهم يشاركونها في كل شيء، ولا تنحصر المشاركة بالوزارات ومراكز كبيرة في الدولة بل أكثر من ذلك بكثير وفي مقدمتها المحافظة على المظاهرة وحمايتها أمنياً ،وقد صرح البعض من أقطابها أنهم " حصلوا على الموافقات الرسمية والأصولية لتنظيم التظاهرات في بغداد والمحافظات، وان التظاهرات ستكون شكراً للحكومة ( التي هم احد مكوناتها الأساسية ) على إخراج المحتل ( وهو خارج نهاية هذه السنة ) " وكذلك شكر الحكومة التي لديهم وزراء فيها بالجملة ويحتفظون بمقاعد غير قليلة في البرلمان على تنفيذ شروطهم وكأن شروطهم الحزبية تعوض بؤس وشقاء الملايين من أبناء الشعب وعن الظروف المعيشية والخدمية البائسة.

إن الدعوة للمظاهرة المليونية المحمية بالأجهزة الأمنية والطائرات المروحية لشكر الحكومة العراقية حسب ما صرح به المشاركين فيها تدل على استخفاف هذه القوى بأصوات مئات الآلاف من الشعب المطالبة بالإصلاح وتنفيذ الوعود في مجال الخدمات من كهرباء وماء وفي مجال الأمن وتحقيق الاستقرار وهي تسعى إعلامياً للتمويه على المظاهرات التي تقام منذ شهور وتحاول تجييرها لصالح الحكومة وبهذا تتعرى التصريحات البهلوانية التي تطلق بين فترة وأخرى حول الحقوق وبالضد من الفساد لأنها اتضحت ما هي إلا عبارة عن سياسة للخداع والتمويه عما يختمر في ذهنية هؤلاء المطبلين والسعي للهيمنة والاستئثار أكثر فأكثر وعلى الشعب العراقي أن يفقه بأن التصريح الفضفاض ليس هو الحل بل العمل على تحقيق الوعود بخصوص القضايا المطلبية وقضايا الديمقراطية والحقوق المدنية، على الشعب العراقي أن يعي بأن الخروج من المأزق الذي يعصف بالبلاد لا يمكن أن ينتهي إلا بالتكاتف والوحدة الوطنية والاستمرار في الاحتجاج حتى تنفيذ المطاليب والتخلص من المنافسات والمحاصصات الحزبية والطائفية والانتقال إلى التنافس الوطني الديمقراطي وانتقال السلطة السلمي وفق ما نص عليه الدستور والقوانين التي تكون القاعدة الأساسية لدولة المواطنة.


 

 

free web counter