نسخة سهلة للطباعة
 

| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مصطفى محمد غريب

mousga@online.no

 

 

 

 

الأربعاء 19/4/ 2006

 

 

 

المسؤولون عن ضحايا الفراغ السياسي في العراق!..

 

مصطفى محمد غريب

المسلسل الدموي الذي صاحب العملية السياسية له اسبابه العديدة الا ان السبب الرئيسي يكمن في الفراغ السياسي الذي حدث لمرتين و تماطلت بعض القوى السياسية وفي مقدمتها الاحزاب والتنظيمات السياسية الدينية وراحت تلهث خلف التسلط والاستئثار او الزعامة والمناصب الحكومية السيادية تحت ذرائع شتى اكثرها باطل لتمويه الحقائق عن دور هذه التنظيمات في المسلسل المذكور بهذه الطريقة او تلك. وقد يكون الى جانب هذا السبب الرئيسي سبباً آخر هو الاحتلال وسياسته ذات المكيالين وما اقترفه منذ البداية من اخطاء وتداعيات لكي يستمر في الادعاء لنجاح مشروعه وبخاصة الامريكي الذي يدعي بتحقيق الديمقراطية والمثل الاحسن في المنطقة!! ومع هذا فاننا نجد ان دور الاحزاب السياسية الدينية وفي مقدمتها الائتلاف العراقي الموحد قد لعبت دوراً سلبياً في عدم خلق المناخ الوطني العراقي الصحيح والتحلي بالمسؤولية الوطنية تجاه الوطن والشعب العراقي، وشذت عن قاعدة سياستها وتوجهاتها التي اعلنتها سابقاً في زمن النظام الشمولي او فيما بعد اثناء مجلس الحكم او الحكومات المتعاقبة.
ان الحقبة الزمنية التي تلت الانتخابات الاولى وانبثقت عنها الحكومة الطائفية والقومية الضيقة تعد اسوء حقبة زمنية فيما بعد السقوط والاحتلال فخلال ثلاثة اشهر من الفراغ السياسي الى حين تشكيل الحكومة دفعت الجماهير الشعبية ثمناً باهضاً بالارواح والممتلكات حيث تصاعد الارهاب البعثسلفي وتزايدت قدرات المليشيات التابعة للائتلاف للفتك بالناس, هذه الحقبة التي تربعت فيها على قيادة البلاد حكومة السيد الجعفري تميزت ايضاً بضيقها وضيق افقها الوطني وبتفرد رئيس الوزراء ووزراء الائتلاف العراقي الموحد وتهميش وزراء الاتحاد الكردستاني والتنصل من الاتفاق الذي تم التوقيع عليه من قبل الطرفين وفي مقدمتها قضية الفيدرالية حيث قام الائتلاف وعلى لسان السيد عبد العزيز الحكيم والبعض من قادته المعممين بالاعلان عن ضرورة قيام اقاليم وكأنه يريد بذلك تقسيم العراق الى مناطق طائفية ، شيعية وسنية وكردية وعلى باقي القوميات الاخرى الف سلام وايضاً توبيش الفيدرالية لكردستان العراق، والقضية الثانية هي قضية كركوك وعدم ايجاد الحلول الوطنية الصحيحة لعودتها الى طبيعتها وموقعها الحقيقي، كما تجلت هذه الحقبة باتساع الاعمال الارهابية المختلفة وشجعت توسع المليشيات المسلحة ومنحتها باشكال مختلفة مهمات المؤسسات الامنية الرسمية مما نتج عنها تأسيس فرق الموت وفرق اخرى تلاحق الذين يختلفون معهم وفق مخطط التصفيات الجسدية وكذلك القتل على الهوية التي يتم تشجيعها من قبل جهات حكومية مسؤولة لتوسيع شقة الخلافات وخلق واقعاً جديداً يتميز بالاحتقان الطائفي وصولاً الى التقسيم المراد تحقيقه، كما لمسنا تردي الاوضاع الاقتصادية والمعيشية واتساع الفساد الاداري والرشاوي والسرقات وشيوع الفقر وسوء الخدمات الصحية والبيئية وتفشي الامراض والبطالة والعصابات الاجرامية المختلفة تحت يافطات سياسية وحزبية للتمويه عنها وعن اعمالها الاجرامية ، ونتج عن هذه السياسة المعادية لطموحات اكثرية الشعب العراقي حالة من الاضطراب الامني وزيادة العنف الطائفي. وبمجرد انتهاء الانتخابات الثانية تصاعدت وتائر التصريحات المتمسكة بالكراسي السيادية وكأنها ورثاً يجب ان يعود لأصحابه، وبدأت المشاحنات المختلفة بحجة الحوارات وانتقلت الى تهديدات وفضائح وتحريض البعض ضد البعض الآخر وتجلت هذه الحقبة من الفراغ السياسي الثاني كما هو حال الفراغ السياسي الاول بمختلف مظاهر العنف والاعمال الارهابية لكنها تميزت عن الاولى بدفع البلاد الى الحرب الاهلية وزيادة تدخل الدولة الايرانية في الشؤون الداخلية و استمرار تعنت السيد الجعفري الذي يراهن عليه بالاعلان عن ضرورة الاسراع في تشكيل حكومة انقاذ وطني وتجميد الدستور وحل البرلمان العراقي وربما غلق جميع الاحزاب وتنظيمات المجتمع المدني والاعلان عن حالة الطوارئ في البلاد وهذا يسهل عملياً توجيه الضربات العسكرية القوية لمن يقف ضد هذه الحكومة وحينها نكون قد وصلنا الى الباب المغلق الذي ترجم في الخطاب السياسي الطائفي والقومي الضيق وترك الابواب الاخرى الاكثر شراً مفتوحة لعواصف قاصفة لا يمكن التنبؤ بنتائجها القادمة.. اما المشروع الوطني الديمقرطي الذي استطاع الظلاميون تحجيمه وتهميشه فدوره محصور في اثارة المواقف المضادة ضد المشروعين الآنفي الذكر ودفع الوعي الشعبي باتجاه فهم قوة وقيمة الرفض الشعبي لهما وهذه المسألة تحتاج الى وقت قد يطول احياناً او هزة اجتماعية تفلت الامور فيها من ايدي المهيمنين على العملية السياسية وكذلك قوات الاحتلال..
ان ضحايا الفراغ السياسي حصراً تتحمله الكتل الكبيرة التي فازت في الانتخابات الاخيرة وفي مقدمتها الائتلاف العراقي الموحد فهذا الوقت الضائع عبارة عن فخ موبوء بالجرائم والقتل وكل الاعمال الارهابية والاجرامية، والضحايا من الفقراء والمعدومين، من الطبقة العاملة والفلاحين والمثقفين الثوريين والكسبة والموظفين هم الذين خرجوا الى الانتخابات الاولى والثانية والاستفتاء على الدستور وخلفهم عشرات الآلاف من الذين تضرروا من هذه الحقبتين ومازالوا يدفعون الثمن دماً غالياً بينما المهيمنين على القيادات يتمتعون بكل شيء تقريباً ولا يفكرون بالملايين الذين خرجوا متحدين الارهاب وصوتوا لكي تنتهي هذه الحالة المزرية وتبدأ قضية الحصاد النافع لانقاذ العراق  .