| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مصطفى محمد غريب

mousga@online.no

 

 

 

 

الخميس 19/10/ 2006

 

 

هل يحتاج العراق لدولة دينية سياسية؟

 

مصطفى محمد غريب

لم تكن الآراء التي سبقت أو بعدما اسقط النظام واحتل العراق حول قضية مستقبل الدولة العراقية بعد حكم شمولي قسري استمر 35 عاماً، كيف يجب أن تكون الدولة القادمة مستقبلياً شكلاً وجوهراً! وقد كانت أكثرية هذه الآراء قد أشارت إلى أهمية قيام دولة المجتمع المدني وتخليصها من الاستئثارات القديمة بدون تأثيرات دينية لاحقة والمعنى الصريح فصل الدولة السياسية عن الدين الروحاني وهو مطلب أكدته الأحزاب الوطنية والديمقراطية ومنظمات المجتمع المدني وجماهير واسعة والعديد من علماء الدين على مختلف مشاربهم واتجاهاتهم لكي يتمتع الدين وشرائعه بالاستقلالية وعدم تدخله في شؤون الدولة وعدم استغلال الدولة الدين لمحاربة معارضيها وهذا يعني في الجوهر فصل السلطات الثلاثة لتأخذ كل واحدة فيها دورها الحقيقي المستقل وبدون تأثيرات أو تدخلات في شؤونها الذي ينص عليه القانون.
إن تجربة الشعب العراقي غنية في هذا المضمار فمنذ نشوء الدولة وحتى سقوطها وعلى الرغم من أنها لم تكن دولة دينية حسب الدستور الدائم والدساتير غير الدائمة كما هو الحال في جمهورية إيران الإسلامية بعد سقوط الشاه أو المملكة السعودية كان الدين يستعمل حسب مصالح الفئات والحكام السياسيين حتى لو اقتضى الحال إلى اتهام رجال دين وآخرين بتهم الزندقة والإلحاد أو الخروج عن الشريعة ومع هذا فقد كانت الدولة العراقية في العهد الملكي تنأى شكلياً عن الدولة الدينية ومن جاء بعدها بعد ثورة 14 تموز 1958 لكنها في ظروف معينة كان الدين يستعمل بيد الدولة كهراوة الشرطي المستعد دائما للضرب متى أريد استعمالها وبتفنن الأساليب في كسر رؤوس المعارضين والمخالفين من الجهات الأخرى وليس بالبعيد ما جرى في زمن البعثصدامي وبخاصة في السنين الأخيرة حيث انقلبت الدولة التي كانت تدعي العلمانية بقدرة قادر إلى دولة الإيمان المتشدد في عملية تمويهية لتشويه وعي الجماهير من جهة وركب الموجة الجديدة من جهة أخرى، وكلنا على معرفة كيف استغل الدين لإعدام وتعذيب رجال دين معروفين ومحاربة المعارضين تحت طائلة الزندقة والكفر والإلحاد والخيانة وغيرها من التهم وهو ما يفسر لنا أسباب قيام الدولة الدينية الإيرانية محاربة البعض من آياتهم الكبار والبعض من رجال الدين تحت طائلة مخالفة الشريعة أو بالضد من ولاية الفقية وغيرها من القضايا التي يستغل فيها الدين والشريعة الإسلامية.
من هذا المنطلق عندما ندعو إلى فصل الدين عن الدولة حتى تلعب المؤسسات الدينية دوراً إيجابياً فيما يخص قضايا المجتمع الروحية ولتكن ركناً من أركان تحقيق الأمن والسلام والمساواة بين المواطنين أمام القوانين والشرائع السماوية والوضعية ومن هذا الهدف يكون خلق توازن حقيقي بين حقوق الفرد والجماعة وحقوق الدولة السياسية تلك الحقوق التي يجب أن تكون وفق مقاييس الدولة التعددية الديمقراطية، دولة القانون والمؤسسات المدنية، دولة لا تستغل الدين والبعض من رجال الدين ولا يجري فيها التجاوز على حقوق الإنسان ولا تتدخل في فرض أهدافها السياسية بحجة الدين لمصلحة فئة على حساب فئة أخرى وهذه العملية لا يمكن أن تتحقق في ظل الدولة الدينية بمقاييس بعض رجال الدين الذين يحاولون تسييس الدين حسب أرادتهم الفئوية وتسخير الدولة وأجهزتها لخدمة إغراضهم وتوجهاتهم على أساس وصايا أو اجتهاداً في الشريعة يجب أن يطبق بدون أي اعتراض أو رأي مخالف والا سيكون العقاب الإعلان عن خروجهم من الطريق .
إن تجربتنا مع الدولة والحكومات التي جاءت مملوءة بالمرارة والعذاب ونقول إذا كانت هذه الدولة وهي غير دينية قد استعملت الدين كشماعة تعلق عليها إرهابها وتسلطها وقمعها للمعارضين والذين يختلفون معها في الرأي وكثير من الأحيان باسم الدين فكيف إذا كانت الدولة دينية سياسية يقودها رجال دين لا يعترفون أساساً بالرأي الآخر ويعتبرون الديمقراطية شر شيطاني خارج عن تقاليدهم وشعاراتهم وتوجهاتهم، وكما نرى أن استغلال الدين أبشع استغلال وبخاصة في المجتمع الطبقي التناحري ينطلق القمع وعدم الثقة والصراع ما بين القوى المهيمنة على السلطة والمال وانتشار الفقر والجوع والحروب الداخلية وحتى الخارجية وفقدان العدالة الاجتماعية وقمع الحريات بمبررات يسوغها من يريد فرض نهجه وسياسته حتى على الذين من جلدته لمجرد الخلاف معهم، وليس بدعة عندما دعا البعض من رجال الدين في العراق إلى تكوين لجنة أو هيئة من رجال الدين لمراقبة البرلمان والقوانين التي يصدرها كي لا تخالف الشريعة اكبر دليل على الإلغاء دوره هذه المؤسسة التشريعية ودلالة على عدم القبول بفصل السلطات وعدم التدخل في شؤونها وهذا الطلب يقترب بهذا الشكل أو ذاك من الشكل الإيراني الذي أجاز لمصلحة نظام مراقبة البرلمان الإيراني وحبس إرادته كي لا يختلف مع ولاية الفقية وبحجة الشريعة وعدم الخروج عنها. ولو أجيز لمثل هذه الهيئة أن تشكل فذلك يعني إرجاع العراق إلى الماضي السحيق حيث كان الحكم الديني الاتوقراطي يتحكم بمصائر الناس وبأموالهم وكذلك التحكم في الدولة واستغلال الدين لغرض تحقيق الأهداف السلطوية الجائرة.
إن العراق وتطوره اللاحق لا يحتاج إلى دولة دينية سياسية لأسباب عديدة في مقدمتها الأطياف التي تعيش فيه والمُكونات الدينية والسياسية والقومية والعرقية وإن اكبر انتصار لقضية الدولة الديمقراطية المدنية واحترام الدين والمؤسسة الدينية هو فصل الدين عن الدولة وهذا يعني جدية توجهاتنا للحفاظ على الدين وعدم استغلاله واحترام مكانة المؤسسات الدينية بكل إشكالها وعدم التدخل في قضاياها الروحية التي تخص مواطنيها والمنتمين تحت لوائها الديني.