| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مصطفى محمد غريب

mousga@online.no

 

 

 

                                                                                  الثلاثاء 19/7/ 2011

 

 تداعيات ثورة 14 تموز ما بين التغيير والتأثير والتراجع

مصطفى محمد غريب

ثورة 14 تموز 1985 التي كتب عنها الكثير لم تكن حدثاً مفاجئاً بالمعنى التقليدي بل امتداداً طبيعياً للاحتقان الشعبي الملازم للتراكمات الثورية السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية وحاول العديد من الباحثين والمثقفين تفسير مجري العملية الثورية خلال حقبة الحكم الملكي بالإجابات المقنعة وتوصلوا أن هذا التغيير على جميع المستويات تحكمت فيه قوانين التطور الاجتماعي العلمي حيث أنتجت التغيير النوعي المرتبط بنشاط القوى الوطنية والجماهير الشعبية، ومن نتائج تلك الحقبة انبثاق هذه الثورة على يد القوات المسلحة العراقية التي هبت جماهير الشعب منذ أول اللحظات لتغيير مسارها من انقلاب عسكري عادي إلى ثورة جماهيرية.

اليوم لن نتحدث عن النتائج الايجابية أو السلبية لذلك التغيير بقدر ما نريد الاستفادة منه في ظروف العراق بعد سقوط الدكتاتورية واحتلال العراق ثم هيمنة أحزاب الإسلام السياسي بشقيها، هذا الهيمنة التي كانت سبباً آخراً في تراجع العراق لإعادة البناء الحقيقي وإقامة الديمقراطية وتخلصه من التركة الاستبداية التي عطلت دوره الوطني والقومي والإنساني، ولا بد من دراسة هذه الظاهرة وأسبابها والخروج برؤيا علمية لإنقاذ البلاد من مخاطر عديدة تحوم حوله منتظرة الظرف المناسب، ويبدو أن التجربة التاريخية التي مرت على البلاد منذ تشكيل الدولة العراقية لم تكن كافية لبعض القوى السياسية وأحزاب الإسلام السياسي التي أصبحت بحكم واقع الاحتلال والاتفاق معه ثم ما أفرزته الانتخابات من تداعيات وخروقات وتزوير وشراء الذمم واستغلال اسم المرجعيات الدينية تتحكم في القرار والسلطة، وأحدى أهم التجارب هي تجربة انتكاسة ثورة 14 تموز ونتائجها المريرة التي صاحبت الحياة السياسية وبالأخص بعد انقلاب ( 8 شباط 1963) الذي قاده حزب البعث العراقي بتحالفه مع القوى القومية والرجعية في الداخل وفي المنطقة، وعندما نتحدث عن ضرورة الاستفادة من تجارب التاريخ لا نعني استنساخ ما قيل أو كتب من دراسات اعتمدت على " لو " لما حدث الذي حدث ولابد من إعادة الرؤيا بصيغة الحدث الحالي وما يدور في الساحة السياسية في الوقت الراهن واستشراف المستقبل اعتماداً على التجربة التاريخية.

إن المتابع للأوضاع السياسية خلال حقبة الثمان سنوات المنصرمة سيجد أن الأزمة السياسية التي تفاقمت خلال السنتين الأخيرتين عبارة عن خروج من جميع الاتفاقيات العلنية والسرية التي اتفقت عليها الكتل السياسية التي تهيمن على القرار، وما التصعيد الإعلامي الذي تجاوز حدود المنطق وقفز على روحية الحوار لإيجاد صيغ لحلول مناسبة وواقعية بهدف الاستقرار السياسي الذي يعتبر المفتاح الذي يفتح بوابة التفاعل والتقدير لما هو فائدة البلاد والشعب العراقي، أما إذا بقى الانغلاق والاحتراب والتشويه والتربص فذلك سيدفع البلاد إلى الهاوية ولن تكون نتائجه إلا أسوء من نتائج ما حدث لثورة 14 تموز وما بعدها، فإذا كانت الانقلابات العسكرية المباشرة قد أدت إلى كارثة مجيء حزب البعث والقوى المتكالبة والمتحالفة مع الرجعية والإمبريالية وبخاصة الأمريكية لمرتين آخرها انقلاب ( 17 تموز 1968) فان نتائج الاحتراب الطائفي والحزبي والسياسي والإعلامي ستجر البلاد إلى مأزق لن يسلم منه أحداً لأنها بالمعنى الواضح الحرب الأهلية الطائفية ومن نتائجها مزالق تقسيم العراق والأخطر من ذلك التدخل الخارجي ولا سيما إيران وتركيا والمحاولات الحثيثة للسيطرة وضم أراضي عراقية بالقوة أو عن طريق الحلفاء الذين يختفون تحت قبعات الوطنية، وهؤلاء الحلفاء موجودين بين ظهرانينا ويعملون بشكل علني ومخفي تحت واجهات عديدة قاعدتها الميليشيات الخاصة المسلحة الموالية التي تنتظر الفرصة المحددة للقيام بمهمتها الموكلة بها.

من هذا المنطلق تقع على عاتق القوى الوطنية والديمقراطية والقومية الشريفة وعلى عاتق منظمات المجتمع المدني وجماهير شعبنا وفي مقدمتهم شغيلة اليد والفكر والفلاحين والكسبة والكادحين التصدي لمن يسعى إلى تدمير العراق تحت واجهات وشعارات دينية أو طائفية أو قومية ضيقة مثلما حدث لثورة 14 تموز ( مع الفارق ما بين تلك الثورة والواقع بعد 2003 ) وما خَلَفه انقلاب ( 8 شباط الدموي 1963 وانقلاب 17/ تموز/1968 ) عليهم جميعاً واجب مقدس بعد تجربة مريرة معروفة دفع شعبنا ثمنها الباهظ، المشاركة الحقيقية والفعالة في جميع الفعاليات التي تطالب الحكومة أن تكون حكومة الجميع، حكومة وطنية تخرج من مرض الطائفية عدوة شعبنا لكي تقوم بمهماتها وفي مقدمتها تنفيذ مطالب الجماهير التي خرجت من أجلها في بغداد وأكثرية المحافظات والعمل الجاد من اجل إنهاء الوجود الأجنبي والحفاظ على الوحدة الوطنية والرجوع إلى شعار الشعب والوطن فوق المصالح الفئوية والحزبية الضيقة.

نستلهم من ذكرى ( ثورة 14 تموز 1958) تلك المثل الوطنية وما أحدثته من تغييرات ايجابية سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية وفي المقدمة استقلال العراق من براثن الاستعمار وحلف بغداد الرجعي ومن الجنيه الإسترليني، لا بد الاستفادة من تجربة انتكاسة 14 تموز لأنها تجربة غنية بمصائب البلاد المذكورة في كل سطر كتب عن تاريخ وحقبة حكم البعثصدامي وغيره ، ونأخذ منها ما يجري من دمار وخراب وقتل ووحشية ومحاولات للتدخل وإعادة الاستعمار تحت تسميات مختلفة في الوقت الراهن، كل ذلك كان ومازال نتيجة من نتائج الانتكاسة، ولعل هذا الاستلهام وهذا التذكر يجعل من القابضين على السلطة أن يفكروا بتغيير هذا الواقع المرير للاستفادة من دروس وتجارب لشعوب وبلدان أخرى تجاوزت محنات كبيرة عندما قررت اختيار طريق بناء الدولة المدنية الديمقراطية التعددية وأصبح قانون تبادل السلطة سلمياً عرفاً قانونياً وأخلاقياً استطاعت على الأقل تجنب مصائب عديدة، وجعلت من خلافاتها الاحتكام للقانون والاعتراف بالرأي الآخر لا بل احترامه وتحقيق المواطنة لكل المواطنين على اختلاف أديانهم وقومياتهم وأعراقهم، هذا ما يحتاجه الشعب العراقي في هذه الظروف العصية، الديمقراطية والمجتمع المدني والحريات المدنية وليس التطاحن على الكراسي والاحتقان الطائفي والقومي المتطرف .. ما يحتاجه التمعن ودراسة تجربة انتكاسة ثورة 14 تموز وما خلفته من مآسي دفع ثمنها شعبنا وستبقى تدفع ثمنها الأجيال العراقية مستقبلاً إذا لم يجر التغيير في العقلية والسلوك السياسي والحزبي.










 

 

 


 

free web counter