|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

 الخميس 19/4/ 2012                               مصطفى محمد غريب                              كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

الديمقراطية المستهلكة

مصطفى محمد غريب

في الظروف الراهنة يبرز السؤال القديم الجديد ـــ هل تنفع الديمقراطية في الوقت الراهن للشعب العراقي، أم يحتاج الشعب الى نوع من الحكم التسلطي القمعي الذي يخيف ويجعله تابعاً لا يعترض لان الديمقراطية التي لا يفهمها ستكون وبالاً عليه لانها تخلق الفوضى وهو يحتاج الى استعمال القوة والتسلط والاخضاع كي يكون شعباً بناء ينجز ما عليه من واجبات اما الحقوق ففي خانة النسيان؟ هذا السؤال يجيب عليه البعض ممن يناصرون فكرة مركزية الدولة ويحنون الى الماضي المعروف بعدائه للشعب كالشكل التالي ـــ لا تنفع الديمقراطية للشعب العراقي بكل مكوناته العربية والكردية والتركمانية والكلدواشورية بل يحتاج الى استعمال الشدة والقوة فتاريخ العراق الحديث لم يشهد حاكماً ديمقراطياً ،وكان الحكم المركزي هو السائد في العهد الملكي والجمهوري وفترة حكم حزب البعث العراقي وفي كل تلك الفترات كان يحكم العراق فرد له سلطات مطلقة تقريباً فهو الرجل القائد الذي يفكر ويخطط ويقرر وعلى البقية التنفيذ والا لو كان غير ذلك لعمت الفوضى وعدم الاستقرار جميع مرافق البلاد، ومن هنا فإن الشعب العراقي في الوقت الراهن وفي ظل عدم الاستقرار وفقدان الامن والصراعات على السلطة... الخ يحتاج الى نوع من هذا الحكم والى حاكم فردي قوي يقرر ويخطط ويطلب من الجميع التنفيذ، والا فإن ادوات القمع والهيمنة والاستحواذ ستكون القانون الذي يعلو على الدستور والقوانين الاخرى ، حاكم وزعيم بنفس الوقت يوصله الى شاطئ الامان والبناء، هذه النظرية قديمة طورها النظام السابق لتحل محل التوجهات نحو تطبيق شكل من اشكال الديمقراطية النسبية وكانها شيء طبيعي ملزم دنيوياً بفضل الايديولوجية الفاشية العنصرية ودينياً باستغلال الدين على شكل سياسي طائفي، هذه النظرية والتوجه التطبيقي لها بدأت تسيطر على حيز البعض من العقول في الحكومة الحالية وبخاصة في ائتلاف دولة القانون وعلى رأسها السيد رئيس الوزراء نوري المالكي بسبب العقلية الاستبدادية الطائفية والفشل الذريع في ادارة دفة البلاد وخلق مستلزمات الحكم الديمقراطي التعددي وتبادل السلطة سلمياً، ولولا هذا الاستحواذ لم ينفرد نوري المالكي ومن حوله بتصريحات عن الحكم المركزي القوي والوقوف بالضد من بنود الدستور حول الفيدرالية التي كما صرح " انها غير مفيدة في الوقت الحاضر " ويبدو أن هذه الفكرة قد راقت لرئيس الوزراء فقد توجه للاستحواذ على اهم المناصب والمراكز في الدولة فهو رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة ووزير الدفاع " وان وضع الدليمي بالوكالة" ووزير الداخلية ورئيس حزب الدعوة الحاكم والعديد من المراكز الامنية فضلاً عن محاولاته لربط المفوضية المستقلة للانتخابات والبنك المركزي برئاسة مجلس الوزراء ولم يكتف نوري المالكي بهذه المناصب والالقاب فقد بدأ يشن حرباً سرية وعلنية على شركائه في العملية السياسية وبعد ان تقمص شخصية الرجل الاسلامي الليبرالي صرح بفشل الليبرالية والعلمانية والافكار والايدلوجيات التقدمية وهاجم الحزب الشيوعي بمحاولة الهيمنة على مقره في الاندلس وهو يعرف واكثرية شعبنا يعرف كم من الاملاك والدوائر والاراضي امتلكها وحزبه واعضاء قيادته ثم توجهاته لقمع المظاهرات السلمية واخيراً الاعتداء الاثيم على مقر جريدة صوت الشعب ولم تكن الذرائع التي قدمت الا استهلاكاً اعلامياً ولم يقتصر الهجوم على هذا القسم الوطني الديمقراطي فقد خطط منذ البداية للتخلص من شركائه في القائمة العراقية الذين يفكرون بالطريقة نفسها لو سيطروا على السلطة والبعض منهم يكيل الاتهامات جزافاً، والدليل على فردية رئيس الوزراء عدم التزامه بتطبيق اتفاقية اربيل بالرغم من توقيعه عليها وبعد اتهام طارق الهاشمي الذي كان من المفروض حسب اتهامه له كشف اعماله ونواياه قبل (3) سنوات، وعزل نائبه المطلق من العراقية لأن الأخير اتهمه بالدكتاتورية، ثم انتقل الرجل لخلق الازمات مع حليفه التحالف الكردستاني بإعفاء الضباط الكرد من مسؤولياتهم ومراكزهم في القوات المسلحة او نقلهم الى مواقع ادارية ثم الضغط بحجب حصة الاقليم والعمل على خلق المشاكل بدفع اعضاء في ائتلاف القانون باطلاق تصريحات مغلوطة وللاساءة لقادة الاقليم واتهامهم بالتحيز الى الانفصال لقيام دولة كردية بدون اي سند مادي سوى دفع الكراهية والعداء بين مكونات الشعب العراقي مع العلم ان هناك تاكيدات من قادة كرد بالضد من الانفصال وهاهو رئيس الجمهورية الطلباني يؤكد " لا ارى امكانية بأن يتمكن اقليم كردستان من تشكيل دولة مستقلة على الأقل في القريب المنظور" وفي الجانب الثاني فقد اطلقت الاتهامات من قبل رئيس الأقليم مسعود البرزاني والبعض من التحالف الكردستاني وباعتقادنا كان المفروض معالجة النواقص بشكل سريع ووفق منظور ديمقراطي وعدم الانتظار لتراكمها.

ان الديمقراطية حسب المفهوم العام والخاص ليس في الاقوال والادعاء او إتخاذها ستارا لتوجهات لا ترتبط بالديمقراطية باي رابط، انما في السلوك والعمل والتطبيق والعلاقة وسن القوانين وتنظيم العلاقات الديمقراطية بين مكونات الشعب وليس خلق الشقاق والتحيز الى جانب مكون ديني او طائفي أو قومي او عرقي، وبدلاً من وضع العصا في الدولاب لعرقلة دورانه السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي عندما تتعرض المصالح الذاتية والشخصية لبعض التراجعات امام المصلحة العامة، ولا يمكن اختصار الديمقراطية على الدعاية والاعلام الفضفاض والانكفاء عن التصريحات والادعاءات بالديمقراطية والدستور لمجرد الخلافات في الراي اوفي وجهات النظر لتبدو كأنها ديمقراطية للاستهلاك الوقتي المصلحي الخاضعة لمقولة " الغاية تبرر الوسيلة "

ان الاقتناع بفكرة المركزية المطلقة وزعامة الزعيم القوي الذي يُخضع الجميع لما يقوله او لسياسته وافكاره لا يمكن ان تنجح امام ارادة الشعب ومفاهيم الحرية والديمقراطية وحقوق الفرد والجماعات، واذا كان رئيس الوزراء نوري المالكي أو غيره قد غير قناعاته فهي مصيبة اما اذا كان بالاساس ليس لدية قناعة بالمواطنة للجميع وبالعمل المشترك الجماعي والالتزام بالقانون والدستور العليل اصلاً فتلك مصيبة اعظم، لأننا سنرى في نهجه وتصرفه ما يقربه الى اسلافه من الحكام اللاديمقرطيين والدكتاتوريين والفرديين الذين خسروا ثقة حتى المقربين منهم ومن هؤلاء، صدام حسين وزين العابدين ومعمر القذافي وغيرهم وهو أمثلة ليس بالغريبة عنه وعن الذين يلتفون حوله مصورين له العظمة والجاه والقدرة والاقتدار وانه العظيم القادر على اخضاع الكل له مثلما صوروا لصدام حسين بأنه الفذ في قدرته وجبروته وامكانياته الفكرية والمادية والشخصية بالاضافة الى ما يحمله من صفات العنهية والاجرام وحب الذات واهمية الاخرين وللديمقراطية فجعلوه دكتاتوراً مطلقاً فكانت نهايته غير حميدة ولا اسف عليها، بهذا لا نشبه لمجرد التشبيه ونحن نعتقد انه يختلف عنهم ولكن بوادر هذا الوباء بدء بالظهور على الاعمال والتحركات والقرارات الفردية والتجاوز على باقي السلطات التشريعية والقضائية، كما أننا نريد التذكير بأن الانعزال التدريجي عن الشعب كارثة وطريق يقود بالنهاية الى الهاوية التي لا يمكن الانقاذ منها إلا بتعديل النهج قولاً وفعلاً وانقاذ ما يمكن انقاذه بالتوجه الى المصالحة الحقيقية بين الشعب وليس مع الذين تلطخت دمائهم بدمائه، والايمان بان الديمقراطية ليست مثلما قلنا للاستهلاك لانها ستكون ديمقراطية مستهلكة لا قيمة لها ولا نفع منها الا اللهم لذوي الافكار الفردية التي لا تؤمن بالحريات العامة واحترام الرأي الآخر وبقدرات الجماهير ولا بمكوناتها ولا بقواها الوطنية والديمقراطية لانها تفكر بشكل آحادي مغلق يعتمد الانعزال والطائفية والنهج السياسي المعادي للحريات وللرأي الآخر.

 
 
 
 
 
 
 
 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter