| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مصطفى محمد غريب

mousga@online.no

 

 

 

 

الأحد 15/7/ 2007

 


 

الجمود وإلغاء الآخر عقدة الفكر التكفيري السلفي الأصولي


مصطفى محمد غريب

يكمن العداء والحقد في عقدة الفكر التكفيري ومنظماته المختلفة الموجه ضد الأديان الأخرى واعتبارها باطلة بالمقارنة مع الدين الإسلامي وعليه حسب مفهومه يجب اتخاذ مواقف تتدرج ما بين العنف الجسدي والنفسي ضد أتباع الديانات الأخرى ومن هنا تنطلق عقدة الفكر التكفيري في العراق المعادية للمسيحيين والصابئة والأزيديين وغيرهم من الأديان غير الإسلامية وضد القوميات غير العربية ويتجلى هذا العداء في عدم مواكبة متطلبات العصر الحضارية التي يراها هذا الفكر عبارة عن نعش جاهز لمنهجه وموت حتمي لأفكاره وتطلعاته وأهدافه البعيدة والقريبة ولطالما عاش هذا الفكر غموض المعرفة واعتماد التفسير آحادي الجانب ولم يفرق في الزمن الذي تجاوز ( 1400 ) ما بين البداية والحاضر ولهذا استغلت المنظمات الإرهابية السلفية والأصولية على حد سواء الدين الإسلامي
أولاً: لنشر مفاهيم الأولين بدون التمييز ما بين حقبة تاريخية وحقبة أخرى
وثانياً: الأوضاع المزرية التي أنتجت الفقر والعوز وضعف الوعي الاجتماعي وتخلفه بسبب التعتيم وسياسة الإقصاء والتفرد
وثالثا:ً غياب الديمقراطية والحريات وممارسة سياسة تسلطية قمعية ضد أكثرية الجماهير الكادحة وفي مقدمتها القوى الديمقراطية والعلمية .
هذا الاستغلال تجلي في التعاليم التي نشرتها وتنشرها بشكل دوري ومستمر حيث أصبحت بعد فترة قوة مادية وروحية للكثير ممن غرر بهم ودُفعوا في أتون حرب مستعرة ضد مواطنيهم أو مواطنين من دول أخرى بحجة الدفاع عن الدين الإسلامي والشريعة وصب منذ البداية ذلك الحقد المبني على الجهل وعدم المعرفة والإطلاع ضد كل ما هو تنويري ووجد مكاناً خصباً في الساحة العراقية انطلاقاً مما حالت إليه الأوضاع قَبْلَ وبعد السقوط والاحتلال والفراغ الأمني المؤسساتي وانهيار الدولة وأجهزتها .
لقد سعى الإرهاب بشقيه السلفي والأصولي كما أسلفنا في جعل قضية الدين الإسلامي كواجهة ووسيلة لمحاربة الأديان الأخرى وكلما سعى إليه من تفجير الكنائس وأماكن العبادة لغير المسلمين كان يصب في خلق الرعب في الأقليات الدينية وجعلها هدفاً يراد منه تفتيت الوحدة الوطنية العراقية التي بقت متلازمة آلاف السنين ومورست عمليات الخطف والاغتيالات وطالت رموزاً دنية من قسس ورهبان وشماسين ورجال دين صابئة وأزيديين وغيرهم للغرض نفسه انطلاقاً من النهج التكفيري الذي يؤمن بالقتل والرجم أو الجزية لغير المسلمين ولقد أثارت استياء واسع النطاق تلك البيانات التي أصدرها التكفيريون التي دعت غير المسلمين إلى " أما اعتناق الدين الإسلامي أو دفع الجزية أو ترك دورهم بدون نقل أية حاجة منها " أما البيان ألتهديدي الصادر من قبل ما يسمى ( الإمارة الإسلامية في الموصل ) الذي طالب بخروج المسيحيين من الموصل خلال ( 3 ) أيام وإلا ستقطع رؤوسهم فهو خير دليل على السلوك الإجرامي للفكر التكفيري وليس بالبعيد عن اغتيال حوالي ( 8 ) مسيحيين وموظفة مسيحية تعمل في البنك المركزي في الموصل فضلاً عن الاغتيالات ضد العمال الأزيدين، كما يجري استهجان واستنكار فتوى صدرت في البعض من مناطق الجنوب والوسط بخصوص المحرمات وهي غير معقولة، و تناقلت الأخبار عن هجرة غير قليلة بين الأقليات الدينية وفي مقدمتهم الإخوة المسجيين والصابئة إلى كردستان أو خارج البلاد تاركين دورهم وأملاكهم مخلفين خلفهم ذكرياتهم ومرتع صباهم واجداهم خوفاً من التهديدات والتصفيات والاغتيالات والخطف التي وجهت لهم بشكل مباشر أو عن طريق الرسائل والمنشورات وهم يعيشون في الشتات وبخاصة سوريا والأردن بشكل مضني يعصر القلوب ويدمي المهج لما آل إليه وضعهم النفسي والاقتصادي ومجهولية المصير وما يمرون به من ضنك العيش واشتداد الحاجة ولم يسلم من تلك التهديدات والاضطراب الأمني أيضاً عشرات آلاف من العوائل العراقية المسلمة من كلا الطرفين وتتناقل الأخبار عن أوضاعهم المزرية وما أصابهم من العاهات الاجتماعية والأخلاقية بسبب العوز وقلة الدخول فالتجأ القسم منها إلى طرق غير سليمة ومنافية لعادات وتقاليد مجتمعنا الإيجابية وكل ذلك من اجل لقمة العيش.
إن العقدة المستفحلة في التفكير الإرهابي التكفيري هي تاريخية وليست وليدة الساعة أو الظرف الراهن أو ما آلت إليه ظروف العراق أثناء الحكم الاستبدادي أو بعد سقوطه واحتلال البلاد وهي تكمن في الالتزام بالسلفية المحافظة التي تعادي الحركة الاجتماعية وتعادي الحركة الفكرية التي تدعو دائماً إلى التطور والقيم الحضارية العصرية وبالضد من الجمود وحسب المتغيرات على الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، لقد استغل هذا الفكر التصنيفات التي وضعها الاحتلال الأمريكي للبلاد " هذا سني وذاك شيعي" كما نرى في الإعلام العربي والعالمي وحتى في الكثير من الإعلام العراقي " رئيس الجمهورية كردي سني نائب رئيس الجمهورية عربي سني وذاك عربي شيعي رئيس الوزراء عربي شيعي ونائبيه شيعي وسني رئيس البرلمان عربي سني الوزير الفلاني شيعي وآخر سني الأكثرية المظلومة والأقلية الظالمة" ، هذه المياه العكرة التي لم يألفها العراقيون في السابق أصبحت في عهد الاحتلال والحكومات العراقية المتعاقبة عبارة عن موقع للصيد والتمترس الطائفي واشتداد العنف بين المنظمات والمليشيات المسلحة على الأساس جر الشعب إلى مواقع التقسيم الطائفي والقتال المذهبي ووجد الفكر التكفيري نفسه يتطور وفق آليات استطاعت تكوين أرضية خصبة لانفلاته من عقاله والخروج تحت تسميات مختلفة وشعارات تدعو لتمسك بالتعاليم الإسلامية ومحاربة الاحتلال لكن الذي أتضح من خلال الممارسة والنهج لا يمت للدين بصلة، وقتل العراقيين بمختلف الطرق الهمجية والعداء ضد الأديان والقوميات لا يمت في الواقع بصلة مع الدعوة لمحاربة الاحتلال، ولهذا يكمن في الجوهر السعي لقيام الدولة الدينية التكفيرية التي تهدف إلى قيام سلطة دينية محافظة لا تختلف من حيث المضمون عن جمهورية طلبان في أفغانستان والأخر لا تختلف عن ولاية الفقية والنظام الإيراني الحالي، أي بكل وضوح أن طروحات الفكر التكفيري لا تكمن فقط في الجانب السلفي فحسب وإنما في الجانب الأصولي أيضا مع اختلاف التسميات، فالهدف الأخير قيام السلطة الدينية الدكتاتورية التي تريد أن تسلب الحريات وتقف بالضد من التطور إلا بما يخدم مصالحها وتوجهاتها التوسعية وتحقيق سياستها الثقافية القمعية التي تلغي الآخر ولا تعترف به وتلغي بالتالي التقسيمات الاجتماعية والقومية والعرقية تحت طائلة الدين الإسلامي لتحدد أسلوب التفكير والوعي الفردي والاجتماعي وتعتبر كل وجهات النظر المخالفة عبارة عن زندقة وكفر والحاد وخروج عن الشريعة.
إن الظروف الكارثية المتأزمة التي يمر بها العراق وما آلت إليه العملية السياسية من إخفاقات تحتاج إلى عمل وطني واع لإصلاح العملية السياسية، يتمثل بالعودة للمشروع الوطني الديمقراطي وحكومة الوحدة الوطنية الحقيقية عبر حوار وطني مسؤول والتخلص نهائياً من المحاصصة الطائفية والقومية واعتماد المواطنة والمصالحة الوطنية في برنامج حكومي جديد يهدف إلى التخلص من الإرهاب والمليشيات والاحتلال لإحلال الأمن والاستقرار والحياة الطبيعية ومحاربة الفساد المالي والإداري بكل السبل والحفاظ على ثروات البلاد وفي مقدمتها النفط العراقي الذي يسيل له لعاب المتربصين من خارج الحدود والحرامية الذين لا ضمير لهم في الداخل وإصرارهم على تمرير مشروع قانون النفط الجديد وإقراره الذي سيكرس الطائفية والمحاصصة الضيقة ويكون نهباً قانونياً للشركات الأجنبية، وبدون ذلك لن يتحقق السلم الاجتماعي وإعادة بناء الدولة ومؤسساتها وفق معايير حضارية تخدم بالدرجة الأولى مصلحة الشعب العراقي بجميع أطيافه ومشاربه الفكرية.