نسخة سهلة للطباعة
 

| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مصطفى محمد غريب

mousga@online.no

 

 

 

 

الثلاثاء 15/8/ 2006

 

 

الدعوة إلى تشكيل اللجان الشعبية هذه المرة لحل معضلة الاضطراب الأمني

 

مصطفى محمد غريب

تظهر بين آونة وأخرى دعوات لتشكيل اللجان الشعبية في الأحياء السكنية للدفاع عن نفسها وتوفير الأمن في تلك المناطق وقد أطلقت هذه الدعوات آخر مرة على لسان بعض القادة من الائتلاف العراقي الموحد وفي مقدمتهم هادي العامري رئيس لجنة شؤون الدفاع والأمن في البرلمان ورئيس منظمة بدر" فيلق بدر العسكري " التابع للمجلس الأعلى للثورة الإسلامية، وقد يحضرني مثل هذه الدعوة في بداية الاحتلال وسقوط النظام الصدامي حيث دعا الحزب الشيوعي العراقي بسبب الفراغ الذي أحدثه الاحتلال وهروب أقطاب النظام وترك الوزارات والدوائر الرسمية والمؤسسات الأمنية وبخاصة الشرطة والمواطنين بدون أية حماية للدفاع عن أنفسهم من اللصوص والمخربين والمجرمين إلى تشكيل لجان شعبية في المناطق لكي تقوم بحماية أرواح وممتلكات الناس وكذلك مؤسسات الدولة والحفاظ عليها لكن الدعوة المذكورة أهملت لا بل أصيب البعض بالطرش التام حيالها وبدلاً عنها بدأت المليشيات المسلحة تقوى وتزيد من أسلحتها وتأخذ مكانها وتتحكم في الكثير من المرافق ونصبت نفسها بقوة السلاح والتهديد قيّماً متحكماً على المناطق التي سيطرت عليها مما أدى إلى ممارسات غير مسؤولة وبعيدة عن روح القوانين المرعية لا بل وضعت نفسها بديلاً للمؤسسات التشريعية والتنفيذية والقضائية والأمنية وقسماً منها تحول بقدرة البعض إلى مليشيات لفرق الموت والخطف والقتل على الهوية ومافيات تصفوية إجرامية لاحقت ومازالت تلاحق الذين يختلفون معها حتى بالفكرة والرأي، كما أضيفت إليها الأعمال الإرهابية التي مارستها تنظيمات القاعدة وكذلك فلول النظام الصدامي، نقول إن دعوة الحزب الشيوعي حينذاك كانت على حق وبهدف وطني مشروع حيثُ حُلّ الجيش والمؤسسات الأمنية وأصبحت البلاد تحت طائلة الاحتلال والعقول الإجرامية وفلول النظام مما شجع أصحاب النفوس المريضة فاقدي الضمير إلى نهب المؤسسات ودوائر الدولة والبنوك والمتاحف والاستيلاء على ملايين القطع من الأسلحة المختلفة وكل ما طالت إليه أيديهم وأمام أنظار ومسمع جنود الاحتلال.. لماذا لم يستمع أحد لتلك الدعوة الخالصة النقية؟ فهذه قضية باتت معروفة وغير طلسمية ، ونجيب بكل بساطة: بسبب الأهداف التي كانت مرسومة والخطط المعدة إلى ما بعد الاحتلال، وبعد مرور أكثر من ثلاث سنوات والأمل يراود المواطنين العراقيين في استتباب الأمن وإقامة النظام وفرض القانون وبناء المؤسسات الأمنية من جيش وشرطة وحرس حدود والدوائر الأخرى تطرح هذه المسألة بحجة وجود الشكوك على قدرات القوات العراقية في حفظ الأمن مع العلم وخلال هذه المدة تم صرف مئات الملايين من الدولارات وفي مختلف الجهات وتجنيد عشرات الآلاف من المواطنين في هذه المؤسسات ووجود عشرات الآلاف من جنود التحالف ويأتي من يطلب ويا ليت مواطناً "عادياً" ليس له دراية بما يجري ولكن مسؤولاً أساسياً ومهماً في الدولة وفي الائتلاف العراقي وقائداً لمنظمة أسست في إيران على أساس منظمة عسكرية بضرورة تشكيل اللجان الشعبية وعلى أساس طائفي أيضاً، وإلا كيف يمكن تفسير تشكيل هذه اللجان في بغداد وغرب العراق ووسطها إذا كان ذلك محسوماً لمن يسيطر بالقوة على الجنوب وبعض محافظات الوسط، ثم كيف يتم هذا التشكيل وعلى أي أسس ؟ ومن هو المسؤول عن ذلك؟ الأحزاب والمنظمات السياسية الدينية، المجلس الإسلامي الأعلى والحزب الإسلامي و حزب الدعوة بمشتقاته و حزب الفضيلة والعصابات المنظمة وغيرهم أم المنظمات المسلحة كمنظمة بدر وجيش المهدي والميلشيات المسلحة لحزب الفضيلة والإرهابيين تحت يافطات وأسماء معروفة؟ وهل ستكون هذه اللجان الشعبية بديلاً لقوى الأمن؟ وكيف ستقاد؟ ومن يقودها هل بشكل هرمي أو أي شكل آخر ؟ وإلى من تتبع أو تأخذ الأوامر والتوجيهات، لوزارة الداخلية أم لوزارة الدفاع أو غيرهما؟ ومن سيحاسبها عن أخطائها وتصرفاتها غير المسؤولة؟ ثم ألا يحتاج ذلك إلى تشريع قانوني من البرلمان العراقي باعتباره أعلى سلطة تشريعية؟
إن هذه الدعوة كما تبدو للحريصين على سلامة وحدة البلاد والمتابعين للأوضاع الأمنية المتردية تتلازم مع كل دعوة جديدة لإقامة فيدرالية طائفية التي تعتبر خطراً فعلياً على الوحدة الوطنية لأنها ستكون بأيدٍ غير أمينة وتقطر بالطائفية الحاقدة وعند ذلك ستبدأ الحرب الحقيقية.
أولاً: في المناطق التي تسيطر عليها حيث تفرض نفسها كقوة مسلحة قانونياً معترف بها ويقع تحت طائلتها المواطنين في مناطقها أو أحيائها وتتصرف فيهم كالآمر الناهي والا فالويل لمن يخرج عن طريقها.
وثانياً: بين اللجان الشعبية نفسها وبخاصة أن الأحياء والمناطق متلاصقة وليست تعيش لوحدها في كوكب المريخ أو كوكب الزهرة أو عطارد لتجر البلاد إلى انهار من الدماء.
وبدلاً من الحديث عن ضرورة تقوية الجيش والشرطة والأجهزة الأمنية الوطنية المخلصة للوطن دون غيره تتكرر هذه الدعوات وهي تبطن أموراً يخطط لها ونحن نعرف إلى أين ستصل بالعراق وبكل صراحة إلى الاقتتال والتصرف حسب الأهواء والمصالح الذاتية والحزبية الضيقة والروح الطائفية وضرب القوانين بعرض الحائط بحجة المحافظة على الأمن ووحدة العراق ؟
أية مهزلة تراجيدية تحاك ضد هذا الوطن المنكوب المبتلى والمهدد بالتقسيم والنهب والفساد المنتشر كسرطان يتفشى في جسده بدون أي رقيب أو طبيب يعالجه من أمراضه التي أصبحت تشكل بؤرة للتوترات ومأزقاً لا يمكن التخلص منه إلا بروح المسؤولية الوطنية والإخلاص لقضية الوطن وإبعاد المصالح الفئوية الضيقة والارتقاء بالعمل الوطني الجماعي المسؤول إلى مستوى الحرص والإخلاص له.
كان من المفروض بهادي العامري أن يعالج القضايا الأمنية بحكمة ومسؤولية باعتباره عضواً في البرلمان العراقي ومسؤولاً في الحكومة ورئيس لجنة شؤون الدفاع والأمن ورئيساً لمنظمة مسلحة تابعة للمجلس الإسلامي الأعلى وان طليت في الآونة الأخيرة بطلاء المنظمة السياسية المدنية، وان يقدم ما في جعبته لا من اجل تشكيل اللجان الشعبية بل تقوية المؤسسات الأمنية وتجهيزها بالأجهزة والمعدات المتطورة وتحسين أدائها الأمني وحل المليشيات وفرق الحماية المبطنة وتخليصها من الاختراقات الإرهابية والطائفية والمليشيات وفلول النظام الحاقدة على الشعب العراقي وهو الطريق السليم الذي يكفل زيادة قدرات القوات العراقية لتأخذ دورها الوطني ويتم تسليم الملف الأمني للعراق كله حتى يخرج آخر جندي أجنبي من أراضيه، أما لجان شعبية بهذه الطريقة فهي لتمزيق الصف وزيادة تصاعد العنف بين الجهات المتصارعة أساسا بدون هذه اللجان الشعبية .