| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مصطفى محمد غريب

 

 

 

 

الأحد 15/1/ 2006

 

 

 

الديمقراطية والأفكار المستوردة ما بين الادعاء والتطبيق الحقيقي

 

مصطفى محمد غريب

الكل متفق بان العراق يعيش مخاض نتائج الانتخابات التي ستعلنها المفوضية العليا حسب التصريحات بعد عيد الاضحى بينما تجري خلف الكواليس الاتصالات والحوارات والمباحثات لتشكيل حكومة الوحدة الوطنية او حكومة المشاركة كما اعلن عنها السيد عبد العزيز الحكيم ، البعض يتحدث عن الاستحقاق الانتخابي على علاته والآخر يتحدث عن الخروقات والتجاوزات والتزوير متهماً اولئك الذين استفادوا منه والذي لولا هذه الخروقات والتجاوزات والتزوير لما حصل على تلك النسبة اضافة ما يحيط بالبلاد من مخاطر الارهاب والقتل العشوائي والمفخخات والتفجريات ومخاطر الحرب الاهلية والتقسيم على اساس فيدرالية للعرب الشيعة وفيدرالية للعرب السنة وربما فيدرالية لبغداد او تقسيم بغداد فيدراليات مثل فيدرالية مدينة الثورة وفيدرالية ابو غريب وهلم جرا.. وحسب اعتقادي انها موجهة لتعويم وتسخيف فيدرالية كردستان العراق التي اتفق الجميع عليها الا الذين لديهم وجهين في التعامل مع الآخرين وكذلك مخاطرالتدخل الخارجي، فان الاكثرية تتفق بهذا الشكل او ذاك حول ضرورة الالتزام بمبادئ الديمقراطية هذا المصطلح القادم من اليونانية الذي يحمل في سمته الاساسية مبدأ حكم سلطة الشعب، اي بصريح العبارة مشاركة المواطنين في الادارة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ونواحي عديدة اخرى وتنص مبادئها الاساسية على التساوي امام القوانين وبتحقيق قدر معين وليس المطلق من الحقوق والحريات الشخصية والعامة وفي مقدمتها الحرية والاخاء والمساواة.
ان مضامين مبادئ الديمقراطية الحقيقية تتنافى وتتضادد مع القسرية والتسلط والارهاب والاستئثار وعندما ننقل الحقيقية نشير ان هذه المبادئ قد تُستغل من قبل اي سلطة جائرة او اي حزب او فئة تنتظر الفرصة للغدر والوثوب على السلطة كشعارات تضليلية لخداع وعي الجماهير وبخاصة الكادحة منها التي تشكل الاكثرية في المجتمع العراقي فلو اخذنا المناطق الريفية سنجد تفشي الامية والفقر والبطالة والامراض وتدني الوعي يصل الى مستويات عالية بالنسبة للمدن بما يسهل خداعها وتضليلها وبخاصة في القضايا الدينية والطائفية، واتبعت الحكومات السابقة سياسة الهيمنة والتسلط والارهاب والقمع بهدف حماية سلطتها واستغلت بمساعدة الكثير من رجال الدين الشعارات الدينية والطائفية والقومية في بعض الاحيان لتحقيق ما تربو اليه وما تريد تمريره من مخططات لحماية انفسها من الاضطرابات الاجتماعية، وتراها من ناحية اخرى تدّعي هذه الحكومات العدالة والمساواة وتقف بالضد من الديمقراطية حيث تتهمها بعدم صلاحيتها للبلدان العربية والاسلامية لانها مستوردة من خارج الحدود وتتعارض مع الروح الوطنية والتعاليم الاسلامية وينسون ان الدين الاسلامي نشأ في الجزيرة العربية لكنه انتشر في الكثير من بقاع العالم كما هي المسيحية والديانات والفلسفات الاخرى اي انتقلت هذه الديانات من حدودها الجغرافية الى بلدان ومناطق عديدة في العالم، وحسب نظرتهم المعادية للديمقراطية فهم يبتكرون احياناً مفاهيم غريبة للتطبيق ويدعون انها افضل من الديمقراطية الغربية حيث يُكفر من يطالب بتحقيق ولو قدر بسيط منها ومن حقوق الانسان او تعتبر الدعوة بدعة تضليلية ضد الدين الاسلامي ويحاولون بهذه الاتهامات تأليه السلطات والحكام باعتبارهم يمثلون الدين الاسلامي ولهم قدسية دينية اولي الامر في البلاد.
ان العزف على نوتة الافكار المستوردة لم يتوقف يوماً من الايام وهو اتهام جاهز ضد اي فكرة تقدمية او ديمقراطية تهدف الاصلاح الحقيقي في البلاد والغاء القسرية والقمع السياسي وغير السياسي، الا ان هذا الاتهام لم يبق كالسابق قوياً مأثراً ومخادعا للكثيرين فالتحولات الكبير في العالم وما جرى من تطورات في مجال العلم والتكنلوجيا وعصر اكتشاف الفضاء والثورة المعلوماتية قربت الحقائق واخبار الشعوب وكشفت زيف الادعاءات والتشويهات والسياسة الاعلامية المبتورة التي بقت لسنوات طويلة مهيمنة على الوعي عند الناس، ولهذا نجد ان العديد من الدول العربية والاسلامية بدأت تتحدث عن اهمية الديمقراطية وتحاول ان تموسق مفاهيمها ومبادئها حزب امزجة وتوجهات السلطة ومصالح ممثليها وهي تدعو لديمقراطية الشكل دون المضمون وهذا ما شكل خطراً جديداً لا يقل خطورته عن موقف رفض الديمقراطية لأنه ينوي افراغ محتواها وتطبيق قشرتها للدعاية الاعلامية للسلطة والطبقات والفئات الحاكمة، ولهذا نجد ان امكانية تطبيق الديمقراطية ممكنة وبسيطة اذا تخلت عقول الحكام والمسؤولين من سياسة الغاء الآخر وحتما عند لتطبيق سيجري اختزال المجتمع وفسيفساء تكويناته ــ الدينية والقومية والعرقية ـ في وعاء الديمقراطية بشرط ان تكون هناك آلية من الشفافية والنزاهة واحترام الرأي والرأي الآخر الذي سيقف بالضد من القسرية والتسلط والخداع من قبل السلطة او الحزب او الجماعة التي تحاول استغلال الديمقراطية لأفشالها مثلما تجري المحاولات من قبل البعض في العراق.
ان الادعاء بان الديمقراطية افكار مستوردة من خارج الحدود وهي لا تصلح للدول العربية وبخاصة الاسلامية ادعاء باطل من اساسه، لأن الديمقراطية شهدت اشكالاً ملموسة في اماكن عديدة من العالم وطورت بتطبيقاتها النسبية المختلفة الاداء السياسيى للمجتمعات الغربية التي كانت تعيش في ظلامية القرون الوسطى واحزمة العفة للنساء وهي اي الديمقراطية عالمية المفهوم وعالمية التطبيق.
البشرية هي وحدة موضوعية تجتمع بجميع شعوبها وتكويناتها في آخر المطاف في المفهوم الانساني للعنصر البشري حتى في اختلاف الالوان واللغات والشعوب ، اي لا توجد حدود وهمية بين العنصر البشري وهم متساوون ويختلفون في الثانويات فقط، الشعب العراقي مثال ساطع على ذلك فهو يتكون من عرب وكرد وتركمان وكلدوآشورين واعراق اخرى اضافة الى الديانات والطوائف لكنهم في الاساس يشكلون العنصر البشري العراقي.
ان للبشرية مصالح مشتركة ثابتة في مقدمتها البقاء للعنصر البشري وابعاد الحرب النووية والاستفادة من التجارب والاكتشافات والعلوم وغيرها .. يذكرني مصطلح الافكار المستوردة الذي يطرحه البعض بخصوص عدم صلاحية الديمقراطية للمجتمع الاسلامي بمقابلة تلفزيونية مع صدام حسين حين قال بما معناه " ان العراقيين متخلفون عن الديمقراطية الغربية ويحتاجون الى زمن طويل للفهم والوصول اليها كي يمارسونها، والديمقراطية الغربية لا تصلح لنا ثم لنا ديمقراطيتنا التي تلائم العراقيين وهم يفهمونها " انه مفهوم تسلطي قسري يلغي حق الفرد والجماعة في الاختيار الحر ولطالما يتمسك به الحكام المستبدين والاحزاب العرقية والطائفية والقومية الشوفينية والتعصب القومي وهم لا يتوانون من استعمال كافة الاساليب والطرق لتشويه مبادئ الديمقراطية واستغلالها بما فيها التزوير والخرق وممارسة العنف النفسي والجسدي وهذه ما لمسناه بشكل حقيقي من قبل بعض الجماعات قبل واثناء الانتخابات العراقية الاولى والثانية.
الديمقراطية ليست بدعة او مختصة لشعب دون الآخر وهي كمفهوم انساني شعبي وكمبدأ في التطبيق والممارسة الصحيحة ممكن تطبيقها في في اوربا وغيرها او في العراق ايضاً شرط الالتزام بمبادئها الاساسية وعدم القفز عليها واستغلالها لصالح المنافع الضيقة وهي علاج صحي لأدران العراق وللتخلص من الارهاب والقتل الجماعي والمليشيات الحزبية المسلحة العلنية والسرية والتخلف والتسلط الكتاتوري في المستقبل. وبواسطتها ممكن اختزال الشعب العراقي وتمتين وحدته الوطنية وهي حافز لاعادة بناء العراق من جميع النواحي وفي مقدمتها العملية السياسية وخروج القوات الاجنبية من البلاد.