| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مصطفى محمد غريب

mousga@online.no

 

 

 

الجمعة 14/1/ 2011

 

الاحتقان الجماهيري بسبب البطالة وسياسة العصا الغليظة

مصطفى محمد غريب

الغليان الشعبي الذي يعم الكثير من الدول العربية يظهر بين فترة وأخرى على شكل تمردات اجتماعية ومظاهرات محدودة واضطرابات متعددة ، وبدلا ً من دراسة أسبابها ووضع الحلول المنطقية تجابه بقوات مسلحة تسليحاً عالي التكنيك لمثل هذه الحالات وتستعمل مختلف الأسلحة الاعتيادية والهراوات والعصي الكهربائية وبالنتيجة يسقط العديد من القتلى والجرحى ويزج بالمئات في المعتقلات لينالوا نصيبهم من التعذيب الجسدي والنفسي وقد يحال البعض منهم إلى المحاكم بتهم لا على البال ولا على الخاطر مثل ( الخيانة والتجسس والإرهاب والعمل للأجنبي..الخ) وبدلاً من حل القضية بطرق سلمية وتحريك الحوار الديمقراطي لحل الإشكالات والمشاكل وفي مقدمتها قضايا البطالة والفقر وارتفاع أسعار المواد الغذائية والمحروقات الملازمة لحياة الجماهير الشعبية تقوم السلطات بتعقيد الأمور حتى لو تم السيطرة على الأوضاع وهي سيطرة وقتية تزيد من تراكم الاحتقان والرفض والغليان الشعبي الذي يتحرك حتى يجد الوقت المناسب لينتقل إلى انتفاضات جماهيرية عارمة تؤدي إلى المزيد من الضحايا أو كنس السلطة الغاشمة، وهناك أمثلة كثيرة تبرهن على ما نقوله وآخرها الاضطرابات التي تعم تونس واستعمال سياسة العصا الغليظة المميتة التي أدت إلى حسب ما قالته قوى المعارضة التونسية إلى قتل (21) تونسياً وعلى ما يبدو أن هناك تضارباً في الأرقام نتيجة أعمال العنف في مدينة القصرين وغيرها حيث صرح مسؤول نقابي " عن عدد القتلى فاق 50 قتيلاً" حسب إحصائيات مستشفى المدينة والحبل كما يقال على الجرار وكان تصور الحاكم المطلق في تونس ومن يتبعه في المسؤولية أن الأمر سرعان ما ينتهي مثل السابق لكن هذا التوقع الساذج أصطدم بنوع آخر من التحدي لا بل هناك مخاوف من قبل الآخرين عن عدوى هذا الاحتقان الموجود في بلدان عربية وإسلامية أن ينتقل مثلما كان الأمر في الجزائر أو دول أخرى إلى مظاهرات واحتجاجات لا يمكن التوقع بنتائجها على المستوى الداخلي والخارجي .

تونس الخضراء التي كان منظرو النظام والمسؤولين والدول الغربية يعتبروها جنة المغرب العربي في العدالة والديمقراطية والاستقرار ظهرت على العكس من ذلك فهذه الجنة الخضراء!! التي يعيش فيه ( 10 ) ملايين إنسان أصبحت محط أنظار العالم وانكشف المستور حول معدل البطالة حوالي (14%) مثلما تقول المعطيات الرسمية وهي نسبة مشكوك فيها لأن معدل البطالة بين الشباب بلغت ( 30%) والاحتقان الجماهيري المتراكم طوال سنين حكم زين العابدين ( 23 ) اخذ طرقاً عديدة، لكن القبضة الحديدية على السلطة جعله يفلت من عقاله لمجرد قيام شاب عمره ( 26) عاماً وهو بائع خضار متجول بإحراق نفسه بسبب اعتداء الشرطة ومصادرة البضاعة التي كانت معه هذه الحادثة المؤلمة التي كانت مفتاحاً لفتح الأبواب أمام الغضب والاحتجاج والرفض المكبوت بسبب الأوضاع الاقتصادية والمعيشية المتردية للأكثرية وانتفاع طبقة محددة من النظام وانتشار الفساد إضافة إلى الاعتقالات ومحاربة الرأي الأخر الذي ينتقد إدارة البلاد، مع استمرار الاحتجاجات والمظاهرات وبدلاً من العمل الهادئ قامت قوات الأمن بمحاصرة مقرات أحزاب المعارضة والاتحاد العام للشغل ونقابة الصحفيين فضلاً عن إطلاق الرصاص على المتظاهرين وقتل ( 4 ) أشخاص كما تستمر المجزرة في مدينة القصرين إضافة إلى حادثة انتحار شاب جامعي بالتيار الكهربائي لترتفع حالات الانتحار إلى (5) حالات في تونس وبينما تشهد البعض من المدن اضطرابات واسعة .

قام الرئيس زين العابدين بإلقاء خطاب أُعتبر مخيباً بعدما كان المتوقع أنه سوف يساهم في معالجة الأوضاع السيئة التي تعيشها طبقات الشعب الكادحة إلا انه وكالعادة أتهم قوى خارجية على التدخل والقيام بتدهور الأوضاع كما أثار استياء واسع بسبب ما قاله عن " أطرافا مناوئة ومأجورة أقلقها تقدم ونجاح تونس" وهو اتهام يطلق فوراً ولمجرد الاحتجاج والمعارضة على ألّسنة المسؤولين بدلاً من التروي والتأني والتفكير بإيجاد حلول موضوعية فكيف يمكن لعشرات الآلاف أن يكونوا مأجورين وإرهابيين وخونة تدفعهم قوى خارجية بالضد من تونس المحمية الغربية؟

ومع استمرار تردي الوضع وتفاقم المشكلة تراجع زين العابدين وقام بإقالة وزير الداخلية وإجراء تحقيق حول الفساد وإطلاق سراح المعتقلين وتعهد بـ ( 300 ) وظيفة، فكيف يفسر ما قاله في الخطاب حول العصابات المجرمة والملثمين متوعداً إياهم بالملاحقة القانونية ثم يقوم بعد فترة قصيرة جداً بإطلاق سراحهم وإجراء تحقيق حول المسؤولين الفاسدين ؟ لكن على ما يبدو هي محاولة لكسب الوقت وتخدير الجماهير المنتفضة بالوعود والتعهد وقد تتخذ إجراءات لن تكون جذرية لكنها حلول وسطية والحلول الوسطية لن تكون حلاً للازمة التي تعيشها تونس وهي أزمة مستفحلة على المستوى الاقتصادي والمعيشي وكذلك الحريات واحترام حقوق الإنسان، ومن منطلق الالتفاف على مطالب الجماهير تقرر فرض حظر التجول ليلاً للحد من الغليان الشعبي الآخذ بالتطور والازدياد ثم أخذ زمام المبادرة .

إن التسابق على الثراء واستغلال السلطة وانتهاج سياسة العصا الغليظة وحرمان فئات الشعب الكادحة بتفشي ظاهرة البطالة والفقر وحجب الحريات مما يؤدي ومهما طال الزمن إلى بلورة الحس الرافض والمتصدي للسياسة القمعية بالانتقال إلى تراكم الاحتقان الاجتماعي إلى نوعية الاحتجاجات والمظاهرات والانتفاضات وكلما كانت الحلول فوقية مرائية للتهدئة فإنها تستفحل وتزداد وتأخذ طرقاً مختلفة قد يكون العنف المضاد وسيلة للدفاع بالضد من قوى الأمن المسلحة التي لا تتوانى عن قتل المواطنين لمجرد احتجاجاتهم السلمية وما عمليات الانتحار إلا دليل على تفاقم السخط الشعبي وتردي الأوضاع للجماهير تزامناً مع الثراء الفاحش بسبب الفساد في قمة السلطة والعائلة والحاشية المستفيدة، لا بد للتراكم أن يتحول إلى نوعية جديدة ولا بد للاحتقان الجماهيري أن يتحول إلى هبات وانتفاضات وحتى ثورات بعد نضوج الظرف الذاتي والموضوعي ، وعلامة السكوت الطويلة عن ممارسة الحكام وأساليبهم القمعية الدموية لن تستمر إلى الأبد ولا بد أن تأخذ طريقها بعد تكاملها إلى موجات من الصراخ أولاً ثم الانفجار ثانياً وعند ذلك لن تنفع الترقيعات وإن نفعت فترة من الوقت لكن سرعان ما تعود أقوى وأوسع من ذي قبل.

لن تنقذ الحلول الوسطية أو محاولات الالتفاف على وعي الجماهير بالوعود والتعهد المخطط الرامي إلى التراجع المنظم لحين استغلال الوقت والتهيؤ لإعادة الهجوم لكسر شوكة المحتجين واستغلال تصديقهم بالحلول المطروحة لان ذلك سرعان ما يتجدد الرفض والاحتجاج والاضطرابات، وأفضل من كل ذلك إيجاد حلول جذرية والاهتمام بمطالب الجماهير الشعبية التي تخص حياتها الاقتصادية والمعيشية وإطلاق الحريات واحترام حقوق الإنسان وانتمائه الفكري والحفاظ على كرامته كانسان له الحق في الحياة الكريمة








 

free web counter