نسخة سهلة للطباعة
 

| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مصطفى محمد غريب

mousga@online.no

 

 

 

 

السبت 12/8/ 2006

 

 


نزيف العقول العلمية العراقية وخسارة العراق

 

مصطفى محمد غريب

ان النزيف غير المعقول المستمر للعقول العلمية والثقافية العراقية لم يتوقف يوماً من الأيام ومن يريد التحقق من ذلك ما عليه إلا مراجعة الإحصائيات الرقمية والحقب التاريخية التي أدت إلى هذا النزيف المتنوع ما بين القمع والاضطهاد والهجرة إلى دول أخرى هرباً من التسلط والإرهاب أو الحاجة المادية والتخلص من الاضطراب السياسي الذي يهدد الحياة الاقتصادية والمعيشية.. وشكل عقدي حكم البعث العراقي سابقة متطورة في هذا المضمار، وتدل الاحصائيات الرسمية وغير الرسمية على تصفيات مروعة للعقول العلمية التي لم تطع تنفيذ رغبات الحكام الدكتاتوريين وهجرة المئات منهم إلى خارج الوطن، وسجلت أعلى الأرقام عن العهود السابقة منذ مجيء نظام البعث العراقي الثاني في انقلاب 17/ تموز/1968 حيث ترك العراق علماء ومدرسيين جامعيين وغير جامعيين وأطباء ومهندسين ومثقفين وصحافيين وقد زاد الطين بله قيام الحرب العراقية الإيرانية وشن حرب الابادة ضد الشعب الكردي بواسطة الأنفال واستخدام الأسلحة المحرمة دولياً وحرب الخليج الثانية بسبب احتلال الكويت وما تل! ته من أحداث أبان الحصار الاقتصادي الذي أنتج كوارث إنسانية لا تحصى.
بعد الاحتلال وسقوط النظام بدأت مرحلة جديدة وكأنها مهيأة لتنفيذ المخطط السابق ولكن بطرق أكثر إجرامية ولا أخلاقية ولم تمر سوى فترة قصيرة جداً حتى بدأ المسلسل الإجرامي يتخذ طريقه في التنفيذ حيث بدأت التصفيات ضد الطيارين العسكريين العراقيين بحجة اشتراكهم بالحرب ضد إيران وقد أشير في هذا المضمار إلى دور هذه الدولة في الانتقام منهم من خلال البعض من أجهزتها الأمنية ومساعدة البعض من التابعين لها وهنا يطرح استفسار ملح: ماذا تريد إيران من العراق بعد الإطاحة بصدام حسين ونظامه واحتلاله؟ ولماذا تسعى دائماً للتدخل في شؤونه الداخلية وتشجع على استمرار الاضطرابات الأمنية وهو يعاني من مآزق تتآكله بمختلف الطرق ؟ وهل تتصور أن منازلتها وتصفية حساباتها مع أمريكا على الساحة العراقية سيجنبها ما تخطط له أمريكا ؟ أليس من الأفضل لها عراق مستقر وحر بدون جيوش أجنبية تكسب صداقته وتبني معه علاقات مبنية على اسس صحيحة والشعور بالمسؤولية تجاه الآخر؟
ان جميع علامات الاستفهام لم تحظ بجواب مقنع وتحولت التصفيات ضد المعارضين لفكرة تدخل الدولة الإيرانية في الشؤون الداخلية العراقية بحجة الطائفية ولم تكن الاتهامات تأتي من فراغ فقد قدمت الدلائل بالملموس المادي وفي مختلف المجالات.
ان اخطر ما مر به العراق هو مرحلة تصفية كوادره العلمية المجربة لتفريغه من الطاقات العلمية كي لا يعاد بنائه وعرقلة تقدمه في المستقبل ولم يكن تصريح رئيس رابطة التدريسيين الجامعيين العراقيين بان هذا المخطط يهدف إلى عرقلة عملية البناء ونجاح العملية السياسية ثم أشار حول عدد الذين تم اغتيالهم من الأساتذة الجامعيين حيث يربو على ( 172 ) وإذا ما أضيف لهم الاستشاريين والمحاضرين فقد يتجاوز الرقم أعلاه ( 300 ) قتيل وهذا الرقم لا يشمل الأطباء الاستشاريين والمعلمين والمدرسين والمهندسين وأئمة المساجد الحاصلين على شهادات عليا إضافة إلى المثقفين من كتاب وشعراء وفنانين والصحفيين والإعلاميين أما عدد المهاجرين الذين فروا من الإرهاب وفرق الموت والمافيا المنظمة فيربو! على ( 3000 ) عقل علمي، غير الذين يتم اختطافهم وتعذيبهم من أطباء ورجال أعمال ومهندسين وطلب الفديات لهم، هذا الكم الهائل من العلماء والمثقفين وفي زمن ثورة الوسائط المعلوماتية (الانفوميديا) كان يجب المحافظة عليه والاهتمام به وإيجاد الحماية اللازمة وتقديم الدعم المادي والمعنوي له وبخاصة أن البلاد تمر بظروف غاية في التعقيد لكن ولشديد الأسف نجد بالعكس من كل ذلك فالإهمال سيد الموقف وعدم الانتباه للمخاطر التي تحيط بهم كأنه سياسة مخططة لها بينما نجد البعض من الوزارات، مثل وزارة التربية ووزارة التعليم العالي ووزارة الثقافة والجامعات وغيرهم غير مبالية لما يحدث لهم وعدم وجود أية خطط لمنع إفراغ الساحة العراقية من العقول العلمية والثقافية والإعلامية أو على الأقل إعادة وتكريم ومنح التسهيلات واحتساب مدة الفصل أو السجن لأغراض الترقية والتقاعد لاولئك الذين هربوا من جحيم الدكتاتورية والمفصولين السياسيين وبخاصة غير المنتمين للأحزاب التي تقود هذه الوزارات وغيرها أو المنتمين لأحزاب أخرى ونجد بدلاً من كل ذلك وضع العراقيل المستمرة أمام عودة الكثيرين من! هم بحجج بائسة منها عدم وجود تزكيات من الأحزاب السياسية الدينية حتى وان كانت هناك تزكيات من أحزاب معارضة معروفة آو منظمات وطنية ديمقراطية وغيرها.
ان العد التنازلي المستمر لهذه العقول سنجده شئنا أم أبينا يؤدي إلى كارثة افتقار العراق للثروة العلمية والثقافية وبالتالي المساهمة بأن يسود الجهل والفقر الحضاري وعدم مواكبة التطورات العلمية الجارية في العالم وهذه المسألة لن تبقى مقتصرة على هذا الجانب فهي تهدد الوعي الاجتماعي بالتشويه والتخلف والعودة للمفاهيم الظلامية التي تحاول إبقاء هذا الوعي في دائرة قطرية لا يخرج منها لكي تستطيع أن تفرض أفكارها السوداء عليه من مفاهيم سلفية وأصولية ورجعية المضمون ومن هنا يتم تفريخ الإرهاب والعنف والعنف المضاد ووسائل الجريمة المنفلتة تحت يافطات دينية أو غير دينية متطرفة وقد تحتاج البلاد بعد ذلك إلى حقب زمنية طويلة لكي تتخلص من هذا الفقر العلمي والتخلف الحضاري وا! لثقافي والاجتماعي وتحقيق الأمان والسلام ولكن بعد أن يسير العالم مبتعداً عشرات السنين في البناء والتقدم والتطور في كافة مجالات الحياة.