موقع الناس     http://al-nnas.com/

المرأة العراقية و( 8 ) آذار ما بين الواقع والطموح


مصطفى محمد غريب

الجمعة 10/3/ 2006

لا ريب ان قضية حقوق المرأة المشروعة وحقها في موقعها الذي يشكل نصف المجتمع اصبح شاغل الكثير من الذين يرون في تحرر المرأة من قيود العقلية الظلامية والتقاليد البالية والحقوق المبنية على بعض الاعراف الجاهلية هو انتصار للفكر التنويري الاسلامي والعلماني على حد سواء فكلا الطرفين وان اختلفت بعض الآراء ووجهات النظر يؤكدان ان بتحرير المرأة يكمن تحرير المجتمع ككل من التخلف والعقلية الجاهلية التي ترى في المرأة عورة ثم مساهمتها ومشاركتها الفعالة في البناء والتقدم والازدهار كتفا بكتف مع الرجل لا بل امتازت في الكثير من الاحيان في وظائفها ونضالها السياسي والاجتماعي وتبؤت مناصب مهمة في الدولة وصولاً الى رئاسة الجمهورية وبهذا اصبح الحديث عن " الناقصة " غير المتمكنة عبارة عن هراء فارغ يصدر من عقليات متخلفة تناصب حقوقها العداء والمواقف الحاقدة التي تهدف الى اعادتها الى " الحظيرة الذكورية " واستغلالها بحجة الدين او التقاليد ومسميات سخفتها الحياة والتطورات اللاحقة على الوعي البشري التنويري المتحضر.
لقد استمرت عملية تشويه الوعي عقود طويلة فيما يخص المرأة ودورها في المجتمع وحددت حقوقها وفق شرعية ذكورية بدائية باعتبارها للزواج والمتعة وخدمة المنزل وانجاب الاطفال لكنها في الوقت نفسه كانت تساق في الريف في اعمال كثيرة اخرى منها العمل في الحقول والبساتين ومنذ نعومة اظافرنا كنا نسمع لا بل نلقن ان شرف الرجل هو المرأة وان هذه القضية تكاد ان تكون معيار للرجل في المجتمع الذي يعيشه اما القضايا السلبية والمشوهة فتعتبرثانوية ولا يمكن اعتبارها خلل يمس شرف الرجل اذا مارسها وهذه دلالة على عدم التزام المجتمع او اكثرية المجتمع العراقي بمعايير اخرى صحيحة يراها العالم المتمدن انها من الاولويات لتمييز الفرد الملتزم ذو الاخلاق الجيدة عن الآخر المسيء، فقضية الاخلاص والوفاء والاخلاق وعدم الاخلال بالواجبات واحترام الحقوق والصدق ونبذ الكذب والغش والسرقة وعدم الامانة والموقف من العمل وغيرها من القضايا الاجتماعية تعد قضايا ثانوية على شرف الذكورية وهي تنعدم امام شرف الرجل بالمرأة ومن هذا المنطلق جعل العقل الذكوري الجاهلي قوانينه تتحتم على اطاعة هذا المفهوم وكأنه من المقدسات التي لا يمكن المساس بها.
لقد اثبتت الحياة وتجارب الشعوب المتقدمة والافكار التنويرية ان قيمة الرجل وشرفه الاجتماعي والشخصي متساوية مع قيمة المرأة، وقوة تأثيره وتفاعله معها يجعل الحياة افضل واحسن لخدمة المجتمع و قيام عائلة متساوية الحقوق ومن اجل هذه المفاهيم العلمية والحضارية نحتاج الى عقول نيرة لا ترى ماتراه تلك العقول المنغمسة في غلواء التمييز بين الرجل والمرأة لطمس حقوقها ولهذا نحتاج في ظروفنا الراهنة ونحن نتحدث عن المساواة والحريات والديمقراطية وحقوق الانسان الى تشريع قوانين تلغي التمييز وتقر وتطبق حقوق المراة وفق مبدأ التساوي مع اخيها الرجل في العمل والبيت والحقوق السياسية والاجتماعية والثقافية وحمايتها من العنف في البيت وغيرها وهذا يتطلب تطوير قانون الاحوال الشخصية ليكون قانوناً حضارياً يكفل بمشاركتها الفعالة في البناء والتقدم,
لقد عانت المرأة العراقية الكثير من الاضطهاد والعنف ومآسي الحروب الداخلية والخارجية وهي لم تكن بعيدة عن ساحات النضال الوطني والطبقي والقومي والدفاع عن حقوقها المشروعة والتي غيبتْها الحكومات الظالمة والطغم المعادية لتلك الحقوق وفي هذا المضمار وبجانب تضحياتها الاجتماعية شاركت في اكثرية الانتفاضات والمظاهرات وحمل السلاح في كردستان العراق وفي العمل السري وتعرضت للملاحقات البوليسية والمخابراتية الارهابية ودخلت السجون والمعتقلات وتعرضت للتعذيب بما فيها التضحية بالنفس والشهادة من اجل شعبها ووطنها ولم تكن يوماً بخيلة في مواقفها البطولية في الصراع ضد الدكتاتورية وحكم التسلط والارهاب البعثصدامي ولمعت اسماء الشهيدات العراقيات في سماء العراق حيث اصبحن رمزاً من رموزنا الوطنية وستبقى على مر الاجيال باقية في الذاكرة البشرية.
ان قضية المرأة وحقوقها هي بالضبط حقوق الشعب وقضيته في الحرية والديمقراطية ولا يمكن الفصل بينهما على اساس الجنس الانساني حيث تتداخل الحقوق العامة وتصبح واحدة ومن منظار الرؤيا العلمية ان اي شعب يحترم نفسه يقر بالاساس تلك الحقوق ويضعها في الاولويات من نضاله في الكفاح والبناء على حد سواء اما في ظروف العراق الحالية فنحتاج ان تكون الحقوق حقائق ثابتة في الدستور وسن القوانين والمساواة في العمل وغيرها من القضايا التي ستكون عضادات لدعائم بناء الدولة وتقدمها وتربية الاجيال بروح الوطنية والمسؤولية وتحقيق التطابقات في الحقوق والواجبات للفرد العراقي وبدون الحقوق والوعي ومعرفة المرأة طريقها في التحرروالانعتاق من مخلفات الرجعية سوف تبقى المرأة في العراق اسيرة وبلا حقوق ومتخلفة عن ركب المرأة التقدمية في العالم.