| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مصطفى محمد غريب

mousga@online.no

 

 

 

                                                                                  الأثنين 10/10/ 2011

 

المكارثية الجديدة وإرهاب المثقفين والعلماء والصحافيين في العراق

مصطفى محمد غريب

لست بصدد سرد وتحليل النهج المكارثي الأمريكي ضد المثقفين التقدميين الأمريكيين واتهامهم بالشيوعية والتجسس للاتحاد السوفيتي حينذاك وهم من العلماء والشعراء والكتاب والروائيين والفنانين (*) وغيرهم لأنها معروفة في تاريخ السياسة الأمريكية التي كانت موجهة ضد الأدب التقدمي وشخوصه المعروفين والذي أدت إلى إسقاط العشرات وتدمير العشرات وهروب الكثير منهم خوفاً من السياسة المكارثية نسبة إلى مهندسها ( جوزيف ريموند مكارثي ) وهو نائب جمهوري في الكونغرس الأمريكي ، هذه السياسة التي أصبحت علامة عار في جبين الإدارة الأمريكية لما حملته من حقد وعنصرية اعتمدت الإرهاب الفكري والنفسي والجسدي وخلق حالة من الرعب والخوف (**) لدى الأكثرية من المثقفين الأمريكيين كما أصبحت شعار عام يطلق على الأنظمة ونهجها المعادي للديمقراطية والمثقفين التقدميين، ومن هذا المنطلق نشخص حالة النهج العدائي بدءاً من الضغط النفسي والملاحقة البوليسية والاعتقالات والاغتيالات بعد عام 9 نيسان 2003 التي راحت تباشيره تستكمل النهج البعثفاشي في محاربة واغتيال المثقفين العراقيين من علماء وكتاب وشعراء وصحافيين وبخاصة المعارضين منهم لسياسة الاحتواء والاستئثار ومحاولات خنق الحريات الشخصية والعامة فضلاً عما قامت وتقوم به المنظمات الإرهابية الأصولية والسلفية من تصفيات لهذه الفئة الوطنية مما أدى إلى هجرة العشرات منهم خوفاً على حياتهم.

إن الاسلوب المكارثي الذي يتكرر في العراق بشكل آخر لكن هدفه واحد يكاد أن يكون شبيها للتوجهات الميكافيلية التي تعتمد اسلوب الإزاحة نفسياً أو جسدياً ضد المثقفين والإعلاميين العراقيين وإرهابهم لخلق حالة من الذعر والخوف والإحباط والانعزال، وللمتابعة نجد أن عشرات المثقفين يعيشون حالة من التوجس والخوف على حياتهم بسبب التهديدات والاعتقالات والاغتيالات التي طالت رموزاً في الثقافة والإعلام العراقي، وقد أدلى البعض منهم ولا سيما الذين اختطفوا وأطلق سراحهم بعد الفضح والاستنكار الجماهيري من قبل منظمات المجتمع المدني : أن أجهزة أمنية حكومية كانت خلف خطفهم واعتقالهم وتعرضهم للتعذيب لتغيير توجهاتهم السياسية والفكرية المعارضة أو عدم القيام بنشاطات تؤدي إلى كشف عيوب وفساد الأجهزة والحكومة، وأدلى العديد من المعتقلين المثقفين والصحافيين بوقائع التعذيب التي تنوعت ما بين التهديد من قبل القوى الأمنية والضرب والتعذيب بعد الاعتقال، كما كانت هناك ممارسات غير إنسانية للمعتقلات اللواتي نشطن في حركة الاحتجاجات التي تطالب بالإصلاح والخدمات وبالقضاء على الفساد المستشري في العديد من أجهزة الدولة، وقد نقل مؤخراً عن إحداهن (آية اللامي وحديثها لوسائل الإعلام) حيث اعتقلت بطريقة تشبه طرق مافيا الجريمة المنظمة وتعرضت للضرب المبرح والشتائم اللاأخلاقية والتهديد بالاغتصاب الجماعي إذا لم تكف من التظاهر في ساحة التحرير، وهناك العديد من الحالات السابقة المشابهة لهذه الناشطة النسائية، وكان على الأقل بعد فضحها ونشرها أن يتدخل رئيس الوزراء باعتباره راس السلطة التنفيذية والقائد العام للقوات المسلحة ومنع مثل هذه الممارسات وتقديم المجرمين إلى العدالة، لكن صمت رئيس الوزراء والمسؤولين عن هذه الأجهزة الأمنية يدل على القبول والموافقة على هذه الممارسات المنافية للقوانين والدستور والتي تكررت في العديد من الحالات ونشرت في وسائل الإعلام وقدمت شكاوى قانونية ضد الذين مارسوا تعذيب المواطنين من قبل الأجهزة الأمنية والمرتبطة كما أعلن عنها برئيس الوزراء نفسه.

لقد تصدرت اغتيالات الصحافيين منذ 2003 إلى 2011 والتي بلغت حسب المصادر الرسمية والإنسانية ووسائل الإعلام حوالي ( 368 ) صحافي كما نشرت هذه المؤسسات عن اغتيال أكثر من ( 3 ) آلاف مثقف وصحافي وناشط في العراق بأساليب مختلفة، وهناك العديد من المثقفين ونشطاء في المنظمات المدنية تعرضوا للحالة نفسها بدون أي كشف عن الفاعلين الحقيقيين المحميين من قبل أجهزتهم الأمنية السرية، ولم تقتصر حالات التهديد بالاغتيال وإرهاب العلماء والباحثين والأساتذة بل جرى حسب تصريح سابق ( لأسامة عبد المجيد ) رئيس دائرة البحوث والتطوير في وزارة التعليم العالي العراقية إنه تم فصل حوالي ( 15500 ألف ) مما أدى إلى هجرة الكثيرين منهم وقد قدروا بالآلاف خوفاً من الاغتيال والاعتقال وبتهم الانتماء للقوى الإرهابية أو معاداة الحكومة، وتشير التقارير المقدمة من منظمات حقوق الإنسان والمنظمات الإنسانية عراقية وغير عراقية ونشرتها وسائل الإعلام أن هناك فضلاً عن ما تقوم به قوى الإرهاب السلفي والأصولي، أجهزة أمنية حكومية تمارس الاضطهاد والتجاوز على حقوق الإنسان في العراق، ويبدو أن سياسة إخافة المثقفين التقدميين والديمقراطيين وبخاصة أولئك الذين عادوا إلى البلاد بعد السقوط ليساهموا في ترسيخ مفاهيم الثقافة الوطنية والديمقراطية، مخطط لها وتنفذ عبر مراحل بعد خلط الأوراق باتهام جهات معينة لا تقل دموية وإرهاباً لإبعاد التحقيق عن مساره الحقيقي لمعرفة الجناة وانتماءاتهم، والهدف واضح وهو تفريغ البلاد من مثقفيها وعلمائها ومفكريها ليتسنى لهذه القوى التحكم بالثقافة الوطنية وتشويهها بالبديل الثقافي الرجعي المشوه للوعي الاجتماعي والثقافي الذي تمارسه بعض القوى المهيمنة تحت شعار " رفض الثقافة والفكر المستورد " أو الاتهام بالعمالة والتجسس لدول أخرى مثلما كان في المكارثية في الخمسينيات من القرن العشرين التي طبقت في الولايات المتحدة الأمريكية كما طبقها بشكل آخر النظام السابق بحق المثقفين الوطنيين الديمقراطيين مما أدى إلى هروب وهجرة المئات منهم خوفاً من الإرهاب والبطش بهدف إذلالهم وحرفهم عن مبادئهم وأفكارهم التقدمية.

إن سياسة القمع والاضطهاد والاعتقال والاغتيال ضد رموز الثقافة الإنسانية والإعلام العراقي الحر التي جابهتها مظاهرات واحتجاجات مئات المثقفين والصحافيين العراقيين وطالبت بعدم تكبيل المثقفين والصحافيين وتعريضهم إلى الملاحقة والخطف وحمايتهم أدت في بعض الأحيان إلى نزوع المثقفين والصحافيين من مواصلة عملهم الثقافي والإعلامي بسبب البطش الموجه ضدهم وليس اعتباطاً عندما صرح البعض منهم في الفترة الأخيرة بعد اغتيال الصحافي هادي المهدي " لقد أصبحنا نشعر بخوف شديد مما نقوم به ومما نكتبه، إننا نغير أماكن الاجتماعات ولا ننام في منازلنا " انه شعور عام بالقلق وهو شعور مشروع أمام سياسة إلغاء الآخر ودفع الصراع نحو الكراهية وخلق صراعات ثانوية لأبعاد الشعب عن الحقائق التي تخفى تحت كم واسع من التصريحات والخطابات السياسية والدينية الطائفية،

- فهل سيبقى الصمت حيال هذه الأعمال الإجرامية والأسلوب المكارثي الجديد مستمراً؟
- كيف يمكن مقارنة قانون الصحافة الذي أقر في البرلمان بالرغم من نواقصه الملموسة وسياسة الضغط والتهديد والاعتقال المنظم والاغتيال ضد الصحافيين والإعلاميين العراقيين؟
- متى ستنشر نتائج التحقيقات حول اغتيال المثقفين والإعلاميين والعلماء التي وعدت الحكومة بإجرائها وشكلت لجان تحقيق للوصول إلى المجرمين وكشفهم وكشف مموليهم ومن ورائهم وبخاصة قضية اغتيال كامل شياع حتى اغتيال هادي المهدي؟

لكن نسأل بحق..

- هل هناك لجان تحقيق فعلية شكلتْ أم كان ذلك للاستهلاك الإعلامي الذي يقال اقل ما يقال فيه سوف ينسى الناس والنسيان فضل من الله عز وجل؟

لا بد في آخر الأمر حتى لا نسهب أكثر أن نقول يبدو أن " السكوت علامة الرضا ".

 

(*) دونت أسماء في القائمة السوداء حوالي (150) فناناً أمريكياً ومنعوا في العمل في شركات إنتاج أمريكية كبيرة
(**) في عام 1959 أثناء توزيع جوائز الأوسكار أعلن عن فوز كاتب سيناريو ( روبرت ريتش ) بالجائزة لكن ظهر انه اسم مستعار حيث لم بتقدم أي شخص لاستلام الجائزة لان صاحبها الحقيقي كان من بين أسماء ال(150) في القائمة السوداء




 

free web counter