| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

موسى غافل الشطري

 

 

 

الجمعة 27/8/ 2010

     

متى يلجم قياد الفضائيات عن صناعة الفضائح؟!

موسى غافل الشطري 

العراق من الدول المعدودة التي حظيت بشرف اعتبارها من دول العجائب السبع.غير أن الحياة بدأت تتخطى تلك الحدود المرسومة. فكما كان أهل الصحراء يتصورون أن البعير هو من عجائب الدنيا ، جائت العجائب و الغرئب و محت هذه المعتقدات و تحول البعير ألى ساحات السباق يمتطيه الأطفال و لم يعد بعد الآن اسماً لامعاً.

فمن عجائب الدنيا العملاقة التي ينبغي لنا أن نتخطى كلمة العجائب السبع . إلى من العجائب الحداثوية : أن صدام حسين زرع مليارات الألغام و الصواريخ و القنابل والقنابر و الإطلاقات و امتدت حدود ذلك من الأهواز ثم الكويت و من ثم الخفجي التي كانت بداية أقصى مشروع مرحلي - و ليس استراتيجي ـ للهيمنة على الإحساء و من ثم الساحل الشرقي الذي يغطي أكبر خزين للبترول في العالم. أي أن من يسيطر عليه باستطاعته أن يتحكم برقاب العالم بالكامل ، وكما نشرته الثورة البعثية باعتبارها امتداداً لحدود العرق الطبيعية . و كان صدام لا يهتم بالملايين من المتفجرات بل بالمليارات.

ويبدو هذا الوباء المعدي لم يترك لديمقراطيتنا أن تتنصل من ديمقراطية صدام التي أوصل بها عدد منتخبيه في الانتخابات من ابناء الشعب العراقي ، الذين هم بعثيون و إن لم ينتموا إلى 99% 99  و لنا حديث لاحق عن ذلك. و بالطبع من حق صدام حسين أن يكون متطرفاً بالأرقام ، و متطرفاً في بناء القصور التي تعد من عجائب الدنيا و التي أراد أن يتخطى فيها جنائن بابل المعلقة .

و هذه العدوى بقيت ظاهرتها الوبائية تتلاحق و تصيب العهد الجديد في سويداء القلب .

من هذه العجائب اختطاف مئات مليارات الدولارات و العهدة على القائل .التي لو وضع دولارٌ إلى جنب دولار لغطت المساحة التي رسمها صدام في مخيلته ، من الاحساء إلى الاهواز، إلى زاخو و حتى الحدود الغربية من العراق . و هذا التزام اخلاقي بالأرقام الخيالية. فمن الطريف و المدهش ما جرى من حديث على قناة الحرة الفضائية بين معالي وزير المالية و مقدم البرنامج الحواري ، حول أسباب عدم حظوره الدعوة التي وجهت إليه من قبل دولة رئيس الوزراء لمسائلته أمام الوزراء حول بعض القضايا المالية ، و لماذا رفض معالي وزير المالية الحضور . فأجاب و ملامح هيمنتة على زمام الأمور تبدو متجلية : ــ أنه مستعد للحظور شرط أن يتم استدعاء جميع فضائيات العالم ، لكونه لا يرغب أن يكون الحديث أمام مصوري رئاسة الوزراء و من ثم يختفي ما دار في اللقاء.

حينذاك سأل مقدم الحوار : ــ هل تعني اختفاء (300) مليار دولار ؟

ضحك بقصد يعبر عن مكنون صدره و قال ما معناه : ــ أنا أطلب أن تكون جلسة المناقشة المعنية بالأمر أمام فضائيات العالم و لا أقبل بغير ذلك .

و يبدو أن الموضوع له أبعاد خطيرة ، فمعالي السيد الوزير، كأنه يقصد : ـ إذا تمّ مساءلته على قضايا معينة تنال من نزاهة الوزارة فلديه ما هو أدهى . أي أذا كان محاسبته عن سمكة صغيرة فهو قادر أن يكشف عن التهام حيتان عملاقة . الوزير من حقه أن يلوّح بما لديه لكي يغلق الموضوع بكامله .

و هذا يدخلنا في ( زاغور ) ،ربما لم يحسب معالي السيد الوزير له حساب ,. أي ما ما يتبادر إلى ذهن المتابع و ربما هو لا يقصد ذلك بالضبط : أنت إسكت لكي أسكت غير أن هذه ال (أسكت) تدخلنا في مغارة من الابهام العميقة : هي أنك ما دمت وزير مالية و مسؤول عن صيانة الأموال العراقية . فلماذا هذا الصمت ؟ هل هي موضوع بحث ؟ أليس من الأنسب و قطعاً لما يؤل ، أن تسمي الأشياء بأسمائها ؟

و الموضوع سيقطع شأفة الشك وما يُتداول من إشاعات ، وما لم يكن خافياً عن تداول هكذا أُمور بين الناس و من ليس بالقصير .. لم يكن محرجاً لمعالي الوزير . كما لم يكن محرجاً أو هو استهانة بأمر لا يبدو ذي أهمية أو فيه إثارة لدولة السيد رئيس الوزراء . بدليل .. لو كان هناك إحراج لاستدعي معالي الوزير و تمت مناقشة و توضيح الأمر أمام ملايين العراقيين المتابعين بكل حرص لكي لا يفوتهم حرفاً واحداً لهكذا مواضيع تطرح في الفضائيات بمنتهى الشفافية . ولكان قد تم تقديم اعتذار من الجهة التي قدمت الأرقام عبر الفضائيات ( و أُسيء فهمها ) .

و ما أدرانا بحقيقة أمر المليارات و أرقامها ؟ فقد بدا معالي الوزير مسيطراً. و كما يقول المثل الشعبي (يا غافلين إلكم الله) .

و لعل مثل هذا الأمر يطرح علامة استفهام كبيرة !!هي : كم هناك شفافية وفّرتها الديمقراطية، ذات الخصوصية العراقية ؟

أي أن المواطن الذي يعيش على راتب ، ربما لا يتجاوز في المتوسط 150 ألف دينا ر، و ليس دولار . تجاه المليارات من الدولارات التي تبتلع ـ و ليس الدنانير ـ المعنية و المخفية ، حسب ما تم طرحه من محاور الفضائية و من ثم عدم اعتراض السيد معالي الوزير و تكذيب هذه الأرقام التي طرحت امامه .

فإن المواطن العراقي سينتبه بالتأكيد إلى جدية الديمقراطية، هذه المتوفرة لدينا ، التي أباحت له ـ دون تحفظ ـ أن يتناول وجبة غذائه في إناء واحد مع أي مخلوق جعلته المليارات ديناصوراً عراقي االمنشأ ، كتعبير عن تطبيق مفهوم الديمقراطية ذات الخصوصية العراقية ، و التي لا يتوقف قرعها على أكف قارعي طبولها عبر الفضائيات. وما أدرانا بمصير أرقام هذه المليارات و كيف جرى ابتلاعها . لكن المواطن، الذي قيل عنه (مفتش باللبن) يعرف إن بعض القوارض حين تحفر لها ملاذاً تحت الأرض، تفتح لها منافذ عديدة تحسبأً لاحتمال محاولة اصطيادها.

وسيدرك هذا المواطن: إن هذه المليارات من الدولارات ، التي يصفوا عليها الماء بين ليلة و ضحاها ، و التي يمكنها أن تكون بساطاً ـ لا سامح الله ـ يتخطى بطوله و عرضه حدود العراق حتى المساحات التي رسم حدودها صدام في خارطته التي أظهرها ـ بعد غزو الكويت ـ على الصفحة الأولى من جريدة الثورة لحزب البعث كونها الخارطة الشرعية للعراق .

و في الغالب لا يمكن أن يخفى خافٍ على أحد: إن كل ما يجري من استيراد أرذل أنواع السلع ، ومنها الغذائية و كذلك المولدات ، التي يزداد استيرادها نتيجة افتعال سوء حالة التيار الكهربائي. واستيراد السيارات المندثرة من دول الجوار و غيرها . و ما يصرف على المشاريع الوهمية . و ما يصرف على التسلح . و نهب البنوك والسلب ، و حدّث و لا حرج مما لا يخفى على المواطن (المفتش باللبن) .

ولا أدري .. إن كان حاشا لله ، لا يعلم فيه جل جلاله. و يفوته ما يجري . و يفوته كيف تُقرأ و تؤّل تعاليمه و ثوابه و عقابه. ومن هم الفاعلون و ماذا يرتدون ؟

و لا يخفى عليه : من هم الذين عرّضوا الدين للمهانة .و من حق الفاعلين أن يفعلوا ما يحلو لهم ، ما دامت مخافة الله قد نُسيت . و إن مخافة الشعب أصبحت في خبر كان . و إن من اعتبروه ملحدين لكي يمروا هم فقط الوحيدون بين كل هؤلاء لم يتدنسوا. وهم فقط الذين يعرفون كل ما أوصت فيه الأديان السماوية و حتى الوثنية من قيم شريفة .

هكذا هي الديمقراطيات . ديمقراطية صدام التي حازبها على ثقة الشعب بنسبة 99%99بالمئة.

و ديمقراطيتنا الحديثة التي تبيح تناول وجبة لذيذة في إناء واحد بين إخوين من بلد واحد و شعور واحد بالمواطنة . بين ديناصور عملاق عراقي المنشأ و الانتماء و مواطن هزيل الجسم ، ما أن يزدرد لقمته اليتيمة ، حتى يجد أخاه و قد أبتلع كل شيء. و على هذا المواطن أن يحمد ربه على اللقمة اليتيمة و يثني عليه ، و يكيّف نفسه لما هو أسوأ .

فعند انتهاء الصراع مع الديناصورات القادمة بقوة، و هي متلهفة حقاً لما ينعم فيه سلفهم ، و عودة فراخهم الذين أُرسلوا لحاضنات الخارج ، حينئذٍ سيترحم المواطن ،و قد ترحم على الحصة التموينية التي وفرها الديناصور المنقرض لسد الرمق و ترويض تمردهم .

في كل الأحوال : لكي لا نظلم بختنا فإن ديناصورنا القائم ، السياسي الوطني ( للكشر ) يتعامل بأقصى حدود الود و المحبة مع أخيه المواطن ـ وهذا شأن ا لقوي المقتدر ـ ومع كل هذا و بكل تواضع يتفسح معه جنباً إلى جنب في أرض الله و الأنبياء الشاسعة.

و إذا كان المواطن الذي لم يحظ بخلقة ديناصورية غير قادر على اللحاق بخطوات ساقي أخيه الديناصور ، في منافسته للكسب الرزق ، فالذنب يكمن في رداءة مقدرة ساقَيْ المواطن .
 

free web counter