| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

متي كلو

Sabti_kallo@hotmail.com

 

 

 

الأحد 27/12/ 2009



شاهدت .. سمعت .. قرأت من مكتبتي !
(11)

متي كلو

شاهدت
التقي مع احد الاصدقاء بين فترة واخرى في احد المقاهي العربية في المدينة ونتجاذب اطراف الحديث في كافة المواضيع ونتطرق الى اغلبها ولا نسمح بأن يفلت منا حديث الساعة سواء كان سياسيا او ثقافيا او اجتماعيا او فنيا بأغانيه الهابطة في هذا الزمن " الانترنيتي " ويكون الحديث الدائم في كافة جلساتنا مشكلة الشباب الذي وصل الى المغتربات وتسرب الكثير منهم من المدارس الثانوية وقلة الملتحقين في الجامعات بالرغم من كل الوسائل التشجيعية للطالب ، وانا انتظر صديقي فرأيته قادما وبصحبته شخص اخر اراه لاول مرة ، وعرفني عليه قائلا : الاستاذ غالب متقاعد مثلنا واحد اصدقائي في الحي الذي اسكنه .رحبت بهما ودعوتهما للجلوس ثم طلبت لهما القهوة العربية اللذيذة الذي يحضرها لنا " داغر" صاحب المقهى بنكهة عربية لذيذة ومطعمة بالهيل ، لاحظت الضيف وعلامات القلق بادية عليه ولا يرغب بالتعليق على احاديثنا الا بكلمات مقتضبة او يهز رأسه موافقا واحيانا شارد الذهن يستنشق دخان سيجارته و يسحب عدة انفاس متتالية ثم ينفثها مرة واحدة .مضى وقت وانا وصديقي في حديث عام ولكن ضيفنا ما زال شاردا احيانا واحيانا مستمعا ، ثم تجرأت وسألته : سيدي الفاضل ،هل ترغب بالانتقال الى مقهى اخر اذا كان الجلوس في هذا المكان يضايقك !اجابني على الفور : كلا كلا واسف لاني شارد الذهن بعض الشئ ، لان هناك موضوع شغلني من الامس ! قال صديقي له : منذ ان استصحبتك من البيت وانت لم تفصح عن همك يا صاحبي ! اخذ ابو غالب نفسا عميقا وقال : ان سبب همي هو ولدي مروان ، تصرفاته اصبحت لا تطاق ولم يعير اي اهمية لتقاليدنا الاصيلة وقطع كل صلة بجذورنا العريقة واخذ يكلمني ووالدته كأننا غرباء ونعيش في فندق وكأنه مسافر وعلى رحيل في اية لحظة . قال له صاحبي : شبابنا تفصله مسافات بين الرفض والقبول وبين الواقع والجذور وانا شخصيا استسلمت للامر الواقع ولم يعد يشغل تفكيري كثيرا لاني اريد اعيش بقية حياتي في راحة وارجو ان لا تنعتني باللامبالاة !ولم يعد هناك شاب عربي هنا الا مثله مثل مروان ونظر الي صاحبي قائلا : اكيد توافقني في ذلك ! قلت له اعتقد هنا الكثير امثال مروان ولكن هناك ايضا الكثير من الشباب وصلوا هنا اطفالا ولكن عندما تشاهد تصرفاتهم تشعر انك امام شاب وصل بالامس من الوطن .. وقاطعني الاستاذ غائب : انها مجرد حكايات !! وليس في الواقع شئ منها .
قلت له اسمع يا استاذي العزيز ، ما شاهدته قبل بضعة اسابيع ، شاب في الحادي والعشرون من عمره وصل هنا طفلا ولم يتجاوز عمره بضعة سنوات لينحنى صباحا لتقبيل يد والده ثم يطبع قبلة اخرى على خده .ويقول له صباح الخير وهذا نموذج وانا متأكد هناك الكثيرين امثاله .

سمعت
وصلته دعوة عشاء للحضور مع زوجته الى حفل في احدى قاعات المدينة ، حضرا معا واخذا مقعدين على طاولة دائرية مع اصدقاء اخرين ، وكانت الطاولة عامرة بالمقبلات الحارة والباردة ولم يبخل صاحب الدعوة على ضيوفه بشئ وكانت طلبات المدعوين تلبى فور طلبها ، وحان وقت تقديم طبق العشاء الذي زخم باللحوم منها الحمراء ومنها البيضاء والمطرز بالوان زاهية من السلاطة الموسمية ، وهمست الزوجة بأذن زوجها انه طبق دسم فأعتقد ان طبقا واحدا يكفي لنا معا ، ولا تنسى الوجبة الدسمة تسبب لك المتاعب وانك تعاني من ارتفاع الضغط والكرستول وزيادة الوزن ، هز الزوج رأسه بالموافقة ولم ينبس ببنت شفة. تم توزيع الاطباق على الطاولة وباشر الزوجان بالتقاط قطع اللحم والدجاج والخضروات وكانت لها حصة الاسد ! بعدها جاء النادل ليرفع الاطباق وليأتي بطبق الفواكه وعندما مد يده الى الطبق الممتلئ والمتخم باللحوم البيضاء والحمراء طلبت منه الزوجة ان يضع محتويات الطبق في علبة ليحملاها الى المسكن بعد انتهاء الحفل الساهر ، فكان لها ما طلبت وهي تبتسم للزوج هامسة قائلة ، غدا يوم عطلة وراحة ويكفي لنا وجبة الغداء هذه ، وكالعادة اومأ بالموافقة . كانت الساعة تقارب العاشرة مساء عندما استقرت محتويات الطبق داخل العلبة ، وبعد انتهاء الحفل في الثالثة فجرا كان الزوج يحمل العلبة محملة بوجبة دسمة لليوم التالي وفي السيارة اخذت العلبة من زوجها لتضعها في حضنها وفي رعايتها وليقود هو السيارة بأمان ولم يسمع منها سوى الحديث عن الاكل الدسم الذي قدم في الحفل وعن فكرتها الرائعة في العلبة. وصلا متعبان الى المسكن فوضعت الزوجة العلبة على طاولة المطبخ مطمئنة لوصولها " سلامات "
نهضا في الساعة الثانية عشرة ظهرا واخذت الزوجة العلبة وافرغتها في طبق كبير وسخنتها لتضعها على الطاولة بعد ان احضرت طبقا اخر من " السلاطة " وجلست وهي في غاية السعادة والانشراح قائلة لزوجها ، امس اكلت وجبة دسمة فلك طبق السلاطة لكي لا ترتفع عندك نسبة الكرستول وربما تسبب لك مضاعفات نحن في غنى عنها ، اومأ الزوج برأسه موافقا .
في الثالثة ظهرا رفع الزوج سماعة الهاتف ليتصل بولده طالبا منه الحضور بسرعة لمرافقة الوالدة الى المستشفى لربما تحتاج الى " غسل معدة " وعندما استفسر من والده هل اكلت طعاما بائتا اومأ الزوج برأسه !!! واغلق السماعة .

قرأت
من كتاب "
مذكرات في سجن النساء " لنوال السعداوي – دار الاداب .
اصابعي ترسم فوق التراب ، حروفا ودوائر متداخلة . يدي ترتعش بالغضب . دقات قلبي تسرع . لو لم تعرف اصابعي القلم ربما عرفت الفاس . القلم اثمن شئ في حياتي . كلماتي فوق الورق اثمن من حياتي .اثمن من اولادي أثمن من زوجي . اثمن من حريتي.
افضل مكاني في السجن عن اكتب شيئا لا ينبع من عقلي . الكلمة الصادقة تتطلب شجاعة مثل شجاعة القتل وربما اكثر .
 
 


 

free web counter