| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مصطفى القرة داغي

karadachi@hotmail.com

 

 

 

الثلاثاء 3/11/ 2009



العراق بين الإبتِلاع الإيراني والإحتِضان العربي

مصطفى القرة داغي

مقدمة :
لقد كان العراق ومنذ يوم وُجد يمثل أمة تمتلك كل المُقوّمات التي تؤهلها لتؤسس الحضارة وتقود البشرية وهذا ماحدث بالفعل بمراحل عديدة من التأريخ فقد حبى الله العراق بخيرات وموارد طبيعية وبشرية نادراً ما توفرت لبقعة من بقاع الأرض وبسبب ذلك ظل العراق على مَر التأريخ ولايزال مطمعاً لكل الدول والإمبراطوريات التي قامت بالقرب منه والى جواره وهو حافل بما تعَرّض له العراق من طعنات مستمرة وغزوات متواصلة كان الغرض منها على الدوام النيل من العراق وتدمير الحضارات والإمبراطوريات التي قامت على أرضه والتي كان يَنظُر إليها الجميع بذهول وحَسَد بدئاً من العيلاميين والحوثيين مروراً بالساسانيين والمغول والسلاجقة والبويهيين وصولاً الى الصفويين والعثمانيين .

الإبتلاع الإيراني :
لقد كان مصدر الخطر الرئيسي الذي يُهدّد العراق عبر التأريخ يأتي إما من تركيا أو مِن إيران فالدولتان كبيرتان وتمتلكان كثافة سُكّان عالية وتقعان بجانِب العراق وتربطهما به حدود مشتركة طويلة وللإثنتان بعد قومي لذا فقد كانتا على الدوام تتوجّسان من نهوض العراق وقوّته وتهميشه لهما ولدورهما في المنطقة ومن هنا كانت الهجمات المتكرّرة التي تعرّض لها العراق من الدولتين عبر التأريخ رغم تغيّر الحكومات والدول فالعَقلية واحدة والهدف واحد وهو إضعاف العراق وعرقلة نهوضه وبَعد أن كان مَشروع الدولتين مدفوعاً بالحَسَد والغيرة والخوف من العراق جاء دخول الإسلام للدولتين عُنوة عن طريق العراق ليُضيف للموضوع بُعداً ثأرياً حيث بدأتا بإستجماع قواهما لتعيدا الكَرّة ولكن هذه المرة بإسم الإسلام فكانت الدولتان البويهية والسلجوقية وماحدث بينهما والصفوية والعثمانية وماحدث بينهما مِن معارك كان مَسرَحها على الدوام العراق وضحاياها على الدوام أبناء العراق.. وبعد سقوط الأخيرتين أخذ المشروع القومي التركي بُعداً وطنياً أيام أتاتورك الذي إتجه للنهوض ببلاده فيما ظل المشروع الإيراني ذو بُعد توسّعي يَسعى للسيطرة على المنطقة والتحكم بمقدراتها وجعلها وشعوبها تحت تصرّفه فقد كانت إيران الشاه تسعى دائماً لزعزعة إستقرار المنطقة عبر دَعمها للحركات المسلحة في دولها وسميّت حينها بشرطي الخليج لما كانت تسبّبه من خوف ورُعب لهذه الدول ولم يتغيّر الأمر بعد سقوط نظام الشاه وسيطرة نظام الملالي وآيات الله على السلطة بل زاد الطين بلة وأخذ الموضوع هذه المَرّة بُعداً قُدسياً وشرعية إلهية بعد أن بات إسم الدولة هو الجمهورية الإسلامية وبدأ الترويج لكونها دولة الإمام المهدي(ع) وبأنها أول دولة للشيعة في التأريخ فقد إعتمدت جمهورية إيران الإسلامية الحالية في نشأتها على فكرة دأبت بعض المؤسسات الدينية الشيعية على ترويجها بين عوام الشيعة منذ مئات السنين وخصوصاً في العقود الأخيرة تقول بأن الشيعة كطائفة لم تكن لهم في يوم من الأيام دولة شيعية تجمَعهم وتحكمهم بإسم التشيّع وإنهم كانوا مَحكومين على الدوام مِن قِبَل دُوَل سُنية تتبنّى أحد مَذاهِب السُنّة مَذهباً رسمياً لها لذا فأنهم بتأسيسهم لما سُمّي بالجمهورية الإسلامية الإيرانية قد حققوا المُعجزة وحوّلوا الحُلم الى حقيقة وهي فِكرة مغلوطة من ناحيتين :
- ناحية إجتماعية : لأن تطور الأمَم والشعوب والمجتمعات أثبت وبما لايَدَع مجالاً للشك بأن تأسيس الدول يجب أن يكون على أساس المواطنة وليس على أساس الدين أو الطائفة أو القومية فجميع الدول التي قامت على هذه الأسُس كانت نهايتها الفشل لمؤسسيها والدمار لشعوبها لأن صبغتها الدينية أو الطائفية أو القومية كانت على الدوام مبعثاً للمشاكل والنزاعات بين مكونات مجتمعاتها الإنسانية .
- ناحية تأريخية : لأن التأريخ يَدحض هذه الفكرة جُملةً وتفصيلاً..فالدولة الإسماعيلية كانت شيعية والدولة الفاطمية كانت شيعية والدولة البويهية كانت شيعية والدولة الزيدية كانت شيعية ودولة تيمورلنك كانت شيعية والدولة الصفوية كانت شيعية وطبعاً هذه الدول الشيعية السابقة لم يكن لها من التشيّع سوى الأسم حالها كحال الجمهورية الإسلامية الحالية.. ولاندري هل إن ترويج البعض للفكرة السابقة ونكرانهم لحقيقة وجود هذه الدول وتبنيها للتشيّع كمذهب رسمي للدولة هو من باب الخجل وبالتالي التنصل والبراءة منها ومن سِيَر وأفعال حُكّامها وأنظِمتها السياسية أم من باب تزوير التأريخ وتزييف الحقائق للإستمرار بخداع البُسطاء والسُذّج والتلاعب بمقدراتهم !!

وفي مَسعاها لإنجاح مشروعها التوسُّعي وتصدير تجربتها الإسلامية وبسط نفوذها الى كامل دول المنطقة التي يعيش الشيعة بغالبيتها كالعراق ولبنان والبحرين والكويت وسوريا واليمن تبنّت إيران منذ زمن وفق خُطّة مدروسة مجموعة أشخاص بهذه الدول وإستنفرتهم ووجهتهم لتشكيل أحزاب وحركات سياسية فيها تروّج لنظرية مظلومية الشيعة عبر التأريخ وتدّعي تمثيلهم والدفاع عن حقوقهم السَليبة بأوطانهم كونهم كانوا محكومين دائماً من قبل حكومات سُنية وهي نظرية أثبتنا عدم صحّتها بالأسطر السابقة والتي لاقَت ولاتزال رواجاً لدى شريحة ليسَت بالصغيرة في أوساط الشيعة العرب ما أوجد شَرخاً لم يكن موجوداً قبل عقود قليلة بينهم وبين أهلهم وأخوانهم وأصدقائهم من السُنّة وخلق حاجزاً بينهم وبين شُركائهم بالوطن وقد آتت هذه الخطوة ثمارها بالعراق ولبنان حيث تُسيطرهذه الأحزاب حالياً على المشهد السياسي والإجتماعي للبلدين ونجَحَت حتى الآن بتنفيذ مشروعها وبالتالي فإن المشروع الإيراني الحالي حاله حال كل المشاريع السياسية التي شهدتها الحياة السياسية الإيرانية هو مشروع قومي بَحت لايختلف عن سابقيه سوى بالمَظهر حيث يَستعير مُصطلحات دينية لهاصداها بنفوس بسطاء الشيعة والمسلمين أما الجوهر والدوافع والأسباب والأهداف العامة فنفسها سواء مَن كان بالسلطة مُعمّماً أو أفندياً أو إسلامياً أو علمانيا فهو مَشروع يؤمن ويَرى بتمَيّز الأمة الإيرانية وأفضليتها على باقي الأمم خصوصاً المجاورة بل يَرى بأن بعض أراضي هذه الأمم وشعوبها جزء منها ولابُد أن يأتي اليوم الذي تعود فيه لرحم الأم وهي تعمل للوصول الى هذا الهدف حتى وإن كان على حساب مصالح هذه الأمم الجارة وأرواح شعوبها الصديقة بل ويتم إستخدام كل الطرق والوسائل الممكنة للوصول إليه وما يحدث اليوم بالعراق ولبنان واليمن خير مثال على ذلك .

تدّعي إيران بأن مشروعها بالمنطقة هو مشروع إسلامي إلا أنه في الحقيقة مشروع قومي إيراني صِرف بشعارات إسلامية ولمحاولة إثبات إدعائاتها فإنها تواصل منذ سنوات دَعمَها للكثير من القوى الإسلامية في منطقة الشرق الأوسط والمنطقة العربية بالذات بغض النظر عن إنتمائاتها الطائفية وهو كلام وإن كان في ضاهِره صَحيحاً إلا أنه كلام حق يُراد به باطل لأننا إذا نظرنا بدقة الى تلك القوى التي تدعمها إيران لوجدنا بأنها أشد قوى الإسلام السياسي بالمنطقة تطرّفاً ومُشاكَسَةً لحكومات دولها ودول الغرب العلمانية.. فإيران تقدم الدعم فقط للقوى التي تتبنّى العمَل المُسلّح ولاتؤمن بالحلول السلمية للوصول لأهدافها وللقوى المعروفة بكونها حَجَر عَثرة أمام أي مشروع حضاري تنويري مُمكن أن ينهض بدول المنطقة وشعوبها ومجتمعاتها سواء كان مشروعاً محلياً أو مُستورداً لأنها لا تؤمِن سوى بالمشروع الإسلامي وتعمل على الدوام لإبرازه وتسويقه على أنه الخيار الأوحد لشعوب الأمة كما أنها تدعَم اليوم أغلب القوى التي تريد أن تُبقي المنطقة العربية والإسلامية جَبهة مُشتعِلة بصِراعات مفتعلة داخلية أو مع أمريكا التي يَحلوا لقادة إيران تسمِيتها بالشيطان الأكبر وكمثال على ذلك مايُشاع عن وجود تحالف غَير رَسمي بين بعض الجهات بإيران وتنظيم القاعدة رغم الخلاف العقائدي بينهما إذ أين للنظام الإيراني أن يجد هكذا قرابين مستعدّين لتفجير أنفسهم بالأمريكان والعراقيين لحمايته وإنقاذه من السقوط المريع الذي كان ينتظره في حال إستقرّ العراق وتحوّل لدولة ديمقراطية حقيقية .

الإحتضان العربي :
إن المشروع العربي بالعراق هذا إن وُجد لا يُريد إبتلاع العراق لأنه بالنسبة إليه ليس بلداً صغيراً ووجوده بالمشروع ليس شكلياً ومكملاً لصورته النهائية فقط.. فهذا المشروع بنظر المُرَوّجين له لا يُمكن النهوض به وتحقيقه دون أن يكون العراق اللولب والمحرك ونقطة الإرتكاز الأساسية له لأن الأساسات التأريخية والحديثة لهذا المشروع بُنيت بالعراق فالإمبراطورية والحضارة العربية ما كان لها أن تقوم لولا العراق الذي ظل على مدى قرون مَركز هذه الحضارة وكانت بغداد مَركز إشعاعها كما إن ملامح الكيان العربي الحديث ما كان لها أن تتشكل لولا رجال العراق الذين ساهموا في بدايات القرن الماضي بالنهضة العربية وكانوا في طليعة المشاركين بالثورة العربية الكبرى الى جانب الشريف حسين وأولاده ثم ساهموا مع ولده فيصل ملك العراق بجمع العرب وتوحيد صفوفهم عبر الكثير من المواقف منها على سبيل المثال دورهم الريادي والأساسي بتأسيس جامعة الدول العربية التي تمثل اليوم رغم بعض سلبياتها الكيان الوحيد الذي يجمع كلمة العرب ويمثلهم جميعاً أو مشروع الهلال الخصيب الذي كان من المُمكِن أن يكون نواة وحدة عربية مصغرة بين أقطار بلاد الشام والعراق لولا تعثره بسبب المُعَوقات التي وضعت في طريقه وطريق مُقترحيه وهو موضوع لا مجال للحديث عنه هنا وسنتناوله في مقالات قادمة.. وبالتالي فإن هذا المشروع وعلى النقيض من المشروع الإيراني يَرى بأن العراق أب للعرب ومُتفضل عليهم وعلى الحضارة العربية لذا فهو يدين للعراق بالفضل والولاء وليس العكس .

كلنا نعلم بأن لا الأردن ولا السعودية ولا الإمارات ولا الكويت ولا سوريا تريد أو تخطط أو بنيّتها إحتلال العراق وبأنه ليس بأجندة أو فكر أو ثقافة هذه الدول مايقول أو حتى يوحي بأنها تعتبر أن العراق كان تابعاً لها أو جزء منها في يوم من الأيام كما لا يَروي لنا التأريخ القريب أو البعيد بأن إحدى هذه الدول قد قامت يوماً ما بإحتلال العراق أو مُحاولة إحتلاله في حين أن كثيراً من الأدلة والقرائن تثبت أن الأنظمة الإيرانية كانت لديها على مَر التأريخ تطلعات بهذا الشكل أو ذاك تجاه العراق بدئاً من العيلاميين والحيثيين أيام الدولة السومرية والآشورية والبابلية مروراً بالساسانيين أيام مملكة الحيرة والبويهيين أيام الدولة العباسية والصفويين أيام السلطنة العثمانية وصولاً لنظام الشاه وتحرشاته وتجاوزاته على الأراضي العراقية ثم النظام الحالي وتصريحات رموزه المستفزة منذ قيامه للسيادة العراقية وتجاوزاته عليها إضافة لدوره غير المريح في ما يحدث داخل العراق اليوم.. لقد تعاملت أغلب الدول العربية وخصوصاً دول الجوار العربي بإيجابية مع التغيير الذي حصل بالعراق بعد 2003 ومع الأحزاب السياسية التي جائت معه مُدّعية رغبتها ببناء العراق وإقامة نظام ديمقراطي فيه رغم التجربة السيئة لأغلب هذه الدول العربية خُصوصاً الخليجية منها مع بعض هذه الأحزاب خُصوصاً الإسلامية منها يوم كانت متواجدة بأراضيها فقد سارعت الكثير منها كالأردن والكويت ومصر والسعودية والإمارات والمغرب والبحرين لفتح سفاراتها وإرسال بعثاتها الدبلوماسية للعراق ولكن ماذا كانت النتيجة ؟.. لقد تم تفجير السفارة الأردنية ثم قُتِل السفير المصري وجرت عِدة محاولات لإغتيال مُمثلي وسُفراء الإمارات والسعودية والبحرين والمغرب وذهبت مُطالبات هذه الدول للحكومة العراقية بتوفير الحماية لبعثاتها الدبلوماسية أو نقل مقراتها داخل المنطقة الخضراء المُحَصّنة أدراج الرياح وقوبلت بفتور واضح مِن قبل مسؤولي الحكومة العراقية الذين لم يكتفوا بإهمالهم لهذه الطلبات بل زادوا عليها بهجماتهم المتكررة على مسؤولي هذه الدول ووَصفهم لرعاياها داخل العراق بالإرهابيين وإنتقاداتهم المتواصلة لمواقفها السلبية تجاه العراق وكان كل ذلك على ما يبدو مُخطّط مقصود الهدف منه إيصال رسالة واضحة لهذه الدول مِن جهات إقليمية وداخلية بإبعاد مُمثليها وبعثاتها الدبلوماسية عن العراق ومَنعها من لعب دَور إيجابي وحَيوي فيه.. بالمقابل كانت السفارة الإيرانية بالعراق ولا تزال تحضى بمعاملة خاصة وتنال كل الرعاية والإهتمام من لدُن الحكومة العراقية ومسؤوليها وكان مَقرّها وما يزال مَحجّاً لأغلب ساسة العراق فيما سَفيرها ودبلوماسييها يَصولون ويَجولون ويَسرَحون ويَمرَحون بالمنطقة الخضراء أما المسؤولين العراقيين فلا يدَعون فرصة تمُر دون الإشادة بالدور الإيجابي والبنّاء للجمهورية الإسلامية الإيرانية في بناء العراق بل كوفئت بالسماح لها بفتح قنصليات بعدد من المحافظات العراقية كما تم الإستغناء عن خدمات أشخاص مُهمّين في الدولة العراقية الحالية كالفريق وفيق السامرائي والفريق محمد الشهواني لإنتقادهم لها ولدورها المريب في العراق !

يقول الشاعر والباحث خزعل الماجدي في مقدمة كتابه القيّم (متون سومر) لامُصوراً نهاية شعب بلاد سومر الذين يصفهم بذوي الرؤوس السود المليئة بالحكمة والمعرفة وإنهيار أم الحضارات البشرية والإنسانية الحضارة السومرية بإيجاز "هذا الشعب الذي شغل التأريخ لأكثر من 1500 سنة وقدم نواميس الحضارة لمَن حَوله ومَعَه من الشعوب طَعَنته شعوب مَعه وحَوله كانت تتطلع الى مُنجزاته بذهول وعَجز وتكرّرت الطعنات حتى سقط بداية الألف الثاني قبل الميلاد وبدأ صوته بالخفوت".. واليوم وبعد مرور آلاف السنين هاهُم يَعودون يتملكهم نفس الخوف والذهول ونفس عُقد النقص والعَجز ليَستغلوا الفرصة التي وفّرَتها لهم ظروف ساهموا هُم بتهيئتها منذ عقود للثأر والإنتقام من أحفاد ذوي الرؤوس السود عندما وجدوا بأنهم مازالوا يَحملون أسرار الحكمة والمعرفة التي حمَلها أجدادهم العِظام وأنهم في طريقهم لبناء بلاد الرافدين وإعمارها على غِرار مافَعَل أجدادهم فإنقضوا عليهم من كل حَدب وصَوب وياخوفي أن يُعيد التأريخ نفسه وتتكرّر الطعنات وتتواصل حتى سقوط الدولة العراقية الحديثة الحالية التي لم تدُم سوى قرابة قرن من الزمان إلا أننا نقول لهؤلاء حتى وإن حدث ذلك لاسَمح الله فأن العراق باقٍ وشعبه باقٍ والتأريخ شاهد على ذلك إذ سرعان ما سيَنهَض من تحت الرَماد كالعنقاء ليُعيد كدأبه على مَر الزمان بناء الدول العظيمة على أرضه المباركة وليُساهم ببناء الحضارة وكتابة التأريخ البشري.. لقد كان ساسة النظام الملكي مُصيبين حتى في طريقة تعاملهم مع هذا الخطر وأرادوا منذ ذلك الحين أن يجنِّبوا العراق وشعبه ماحدث في العقود الأخيرة وما يحدث اليوم عندما عَملوا على إدخال إيران وتركيا وباكستان وبريطانيا ورَبطهم جميعاً بحِلف بغداد الذي كان سيَمنع إيران وتركيا مِن التجاوز على العراق وزعزعة إستقراره والتدخل بشؤونه ويَحد من أحلامهما التوسعية تجاهه بل ويَجعلهما خطوط دفاع لحِماية حدوده الشمالية والشرقية كما كان جلالة المَلك الشهيد فيصل الثاني سيَتزوّج من الأميرة المصرية التركية فاضلة التي كان يُفترَض أن تُصبح مَلكة للعراقيين وأن يُصبح إبنها وإبن المَلك فيصل الثاني مَلكاً للعراقيين وهو ماكان سَيَضمن تقدير تركيا للعراق الى الأبد لكن الجَهل والسَطحية والمُراهقة السياسية التي كانت ولا تزال تميّز عقلية غالبية الأحزاب السياسية العراقية أدت الى تحطيم وتبديد كل هذا وبالتالي أوصلتنا الى ما نحن عليه اليوم .

الخلاصة:
إذاً العراقيون اليوم بين خيارين لا ثالث لهما.. إما الإبتلاع الإيراني أو الإحتضان العربي.. بَين أن يَبتلعهم من يَرى أن بلادهم ضَيعة من ضَيعات بلاده وبَين أن يَحتضنهم من يَرى أن بلادهم عمق تأريخي لبلاده!.. بَين أن يَبتلعهم من يَرى بأن أرضهم جُزء من بلاده وبَين أن يَحتضنهم من يَرى بأن بلادهم عُمق جغرافي لبلاده!.. بَين أن يَبتلعهم من يَرى بأن بغداد ولاية من ولايات إمبراطوريته التي يَحلُم بها ويُريد لها ولأهلها الذل والهَوان وبَين أن يَحتضنهم من يَرى بأن بغداد هي رمز تأريخه ومركز إشعاع حَضارته ويَصِفها بقلعة الأسود وكعبة المَجد والخلود ومَدينة الشعراء والصُور والسَلام ويَدعوا لها دوماً بالنَصر والعِزّة!.. بَين أن يَبتلعهم من يَستصغِرهم ويَنظُر إليهم كأتباع وعبيد له وبَين أن يحتضنهم من يُعظِّمَهم ويَنظُر إليهم كمثل أعلى وسادَة له!.. لذا على العراقيين التفكير بسُرعة لأن الإبتلاع يَجري بسُرعة فيما الإحتضان هذا إن وجد يَجري بتهاون وبُطأ!.. إن جُملة أحداث مِن قبيل ما قاله الرئيس الإيراني نجاد في مؤتمر صحفي عقده أثناء إحدى زياراته للعراق بأن العراقيين لايُحبّون القوات الأمريكية وكأنهم يُحبّون القوات الإيرانية متحدثاً نيابة عن العراقيين وبلسانهم دون صدور رَد فِعل وتعليق مِن قِبل أحد المَسؤولين العراقيين رفيعي المُستوى الذين حَضروا المؤتمر طارحاً نفسَه كبديل عن رئيس أمريكا وقواته كبديلة عن القوات الأمريكية خصوصاً وأنه قد صَرّح قبلها "أننا مستعدون لملأ الفراغ بالعراق حال خروج وإنسحاب القوات الأمريكية منه".. ومِن قبيل ماحَدث قبل سنوات في مؤتمر البرلمانيين العرب الذي عُقِد بأربيل حول مَوضوع الجُزُر الإماراتية الثلاث التي تحتلّها إيران والمَوقف المُخجل لبَعض أطراف الوَفد العراقي ومُطالبة نفس هؤلاء البَعض من داخل قبّة البرلمان العراقي وبعلو حِسِّهم بدَفع العراق تعويضات لإيران عن حرب الثمانينات.. ومِن قبيل التصعيد الذي تُمارسُه بَعض شخصيات وأحزاب الحكومة العراقية بَين حين وآخر ومُنذ فترة تجاه الجارة الشقيقة السعودية وإتهامها بدعم الإرهاب الذي تلاحقه في كل زاوية من أراضيها والتصعيد الدعائي الأخيرالمبالغ به والهستيري تجاه الجارة الشقيقة سوريا وإتهامها بدَعم الإرهابيين وتسهّيل دخولهم للعراق وبأنها وراء تفجيرات الأربعاء الدامي رغم أنها كانت تحتضِن بالأمس أغلب هذه الشخصيات والأحزاب إضافة لإحتضانها حتى اللحظة لأكثر من مليون عراقي رغم إمكاناتها الإقتصادية المَحدودة ورَفض مُبادرة الجامعة العربية لحَل الأزمة مُقابل السكوت والصَمت المُطبق تجاه الدور الإيراني الذي لم يَعُد خافياً على أحد في دَعم التوَتّر وعَدَم الإستقرار بالعراق عِبر غَض الطَرف عن الإرهاب البشري والإقتصادي والإجتماعي الذي يتسلل عبرها يومياً للعراق ودعم الميليشيات المُسلحة والمَجاميع الخاصة التي تعيث بالعراق فساداً منذ 6 سنوات وأخيراً وليس آخراً طبعاً قطعَها للمياة عن جنوب العراق والذي سَيؤدي الى تدمير الثروة الزراعية والحيوانية بتلك المنطقة بل ويُهدّد بهجرة وإبادة جماعية لسكانها وبالأخص الأهوار التي كانت رُموز المُعارضة السابقة تتباكى عليها بدموع التماسيح بل وتقوم هذه الأيام بمُحاكمة مَجموعة من مسؤولي النظام السابق بتهمة تدميرها وإبادة سكانها جماعياً!.. كل هذا وغَيره مِما لا ولن تسَعَه مُجلدات يُقدّم لنا دليلاً واضحاً على إن إيران باتت في قلب الحياة السياسية العراقية والوَضع العراقي الحالي وهي تُمسٍك اليوم بعَصَب الدولة العراقية وبيَدها مفاتيح التحكّم بها وبمفاصِلها مِما يَعني بأن العراق قد إبتُلع من قبل إيران أو على وشك الإبتلاع وبأن الوقت قد تأخر جداً و رُبما فات على الإحتضان العربي له خُصوصاً وأن هنالك بعض الأطراف داخل السلطة الحالية بالعراق هي التي تُريد وتدفع بإتجاه بَلع العراق من قِبل إيران وإبعاده عن حُضنه العربي !



 

free web counter