| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مصطفى القرة داغي

karadachi@hotmail.com

 

 

 

الخميس 21/11/ 2009



هيئة مساءلة وعدالة أم هيئة تسقيط وتصفية حسابات ؟

مصطفى القرة داغي

خطوة غبية بإمتياز تلك التي أقدمت عليها ما تسمى بهيئة المساءلة والعدالة بتحريض وتحريك من أطراف وشخصيات باتت معروفة ومكشوفة لأغلب العراقيين حاولت خلال الفترة الماضية إظهار نفسها على أنها بدأت تنتهج نهجاً وطنياً إنخدع به البعض ولا يزال البعض الآخر يعوّل عليه إما سذاجة منه أو خوفاً على مَصالِحِه التي إرتبطت بها وبإستمرارها وبقائها على رأس السلطة في العراق.. نحمد الله إننا لم نكن مِمّن إنخدع بهذه الشخصيات ولم نقتنع بها أصلاً منذ اللحظة الأولى لتوليها السلطة في العراق بعد أن شخّصنا طائفيتهم وراديكاليتهم وظلاميتهم التي برزوا بها لواجهة الحياة السياسية العراقية بعد2003 والتي عكستها وجوههم المتجهمة ونظرات الحقد والكراهية التي تقدح من عيونهم وحذرنا من أن تعويل البعض عليهم لهو أشبه بتعويل البعض على صدام حسين بسبعينات القرن الماضي و وصفهم له آنذاك على أنه كاسترو العراق (وكأن كاسترو مما يضرب به المثل ويحتذى به) حتى إذا صفا له الجو وإستتب له الأمر إنقلب على كل أصدقائه وحلفائه وأقرب الناس إليه من أجل أن يبقى على رأس السلطة وقلنا بأن ما فعله صدام بل وما هو أسوء منه سيفعله هؤلاء حالما يستتب لهم الأمر ويثبّتون أنفسهم على الأرض ويُحكِمون سيطرتهم على الحياة السياسية والإجتماعية في العراق وحينها سترون منهم العَجَب العُجاب.. فهؤلاء ينطبق عليهم المثل القائل (من شَبّ على شيء شابَ عليه) إذ لا يمكن بين ليلة وضحاها وشهر وآخر أن يتحول أي إنسان نشأ وترعرع كطائفي مقيت الى وطني مخلص أو تكَوّنَت وتبَلوَرت شخصيّته كجاهل متخلف من الرعاع الى مثقف متمدن من النخبة المتنورة أو نَشَط وتحَرّك كداعِية لفكر ظلامي ومشروع راديكالي الى صاحب فِكر ليبرالي ومشروع دولة مدنية علمانية ولابد لمن يدّعي ذلك أن ينكشف في يوم من الأيام على حقيقته بعد أن يُكشِّرعن أنيابه ويزيل القناع الذي إرتداه لحين تلبية لمتطلبات فرضتها ظروف مرحلة معينة وهذا هو بالفعل ما يحصل اليوم مع إقتراب موعد الإنتخابات التي يُعَوّل عليها الخيّرين والمخلصين لإخراج العراق من النفق المظلم الذي أدخله فيه الإحتلال وأعوانه منذ 2003 فيما يُعَوّل عليها الظلاميون لتثبيت حكمهم وبسط نفوذهم وإحكام سيطرتهم على العراق لأبد الآبدين وهذا ما يجب ان لا يُسمح بحدوثه وحصوله بأي شكل من الأشكال ويجب تحشيد كل القوى الخيرة والوطنية لتحقيق ذلك .

نسوق هذا الكلام تعقيباً على ما حصل قبل أيام مع الدكتور صالح المطلك وتياره السياسي ومعه العديد من التيارات السياسية التي سبق أن تم تسجيلها لدى مفوضية الإنتخابات ككيانات سياسية مشاركة بالإنتخابات العراقية كتحالف الوحدة الوطنية برئاسة الدكتور نهرو محمد عبد الكريم أو قائمة الرافدين الوطنية برئاسة الأستاذ يونادم كنا التي فاجأتنا ما تسمى بهيئة المساءلة والعدالة ذلك الجسم الغريب في جسد الدولة العراقية بشمولهم بمبدأ إجتثاث البعث وشطبهم من قائمة الكيانات المشاركة بالإنتخابات بتهمة الترويج لفكر البعث أو العثور على وثائق تثبت إرتباطهم بحزب البعث والنظام السابق وليس الإنتماء إليه كماهو متعارف عليه وهي حُجّة جديدة ومضحكة تطالعنا بها هذه الهيئة بعد أن أسقِط بيَدها ويَد مَن ورائها ووجدت أن بعض منافسيها من السياسيين لم يكونوا أصلاً في حزب البعث كالأستاذ يونادم كنا أو الدكتور نهرو وأن الدرجة الحزبية للبعض الآخر كالدكتور المطلك الذي ترك حزب البعث منذ عقود لا تُمكّنها من إجتثاثه من العملية السياسية فلجأت لمثل هذه الإدعاءات السَخيفة لتحقيق مآربها ومآرب مُحَرّكيها من بعض أحزاب السلطة.. الغريب هنا هو الموقف المتشدد الذي تتخذه هذه الهيئة من حزب البعث ومن يُروّج له ويرتبط به كما تدّعي مقابل تهاونها الواضح مع تيارات أخرى موجودة بالعراق منذ 2003 حاربت قبل هذا التأريخ ضد أبناء جلدتها ووطنها الى جانب جيوش وأجهزة مخابرات دول إقليمية كانت تتبناها وتغدِق عليها وعلى زعمائها الذين يتحكم بعضهم اليوم بمصير العراق وشعبه رغم إحتفاظهم بجنسيات تلك الدول وتتبنى فكراً دخيلاً أكثر شمولية ودكتاتورية من فكر البعث إضافة لمشروعها الظلامي المتخلف وممارساتها الإجرامية الوحشية تجاه العراقيين خلال السنوات الماضية والتي سُجِّلت اليوم ككيانات لها حَق المُشارَكة بالإنتخابات القادمة وتتهيأ وتتحرك اليوم بكل راحتها مستخدمة كل الأساليب غير الشرعية وغير القانونية للترويج لنفسها في الإنتخابات القادمة وتحمل أسماءً ما أنزل الله بها من سلطان والتي تضم في صفوفها ما لم يعرفه ويسمع به العراقيون من سقط المتاع فأين الهيئة من هؤلاء وأحزابهم وتياراتهم ومن الخطر الذي يُشكِّله بقائهم وبقاء أمثالهم من الطارئين ليس فقط على السياسية العراقية بل وعلى العراق كله .

إن تحرك هذه الهيئة تجاه الدكتور المطلك وغيره من السياسيين في هذا الوقت بالذات هو تحرك مكشوف وواضح الأهداف مدفوع من بعض أحزاب السلطة الحالية التي بدأت تعي جيداً إفلاسها وإفلاس رؤاها وخطابها لدى الشارع العراقي بسبب مواقف المطلك بشكل خاص والكتلة العراقية ورموزها ككل بشكل عام والتي باتت من وجهة نظَر هذه الأحزاب خطراً كبيراً بدأ يتهدّدها ويتهدّد بقائها على رأس السلطة بالعراق وسَدّاً منيعاً قد يقف بوجهها ووجه مخططاتها لتدمير العراق وتحويله لبلد مفكك متأخر والتي يُعوّل عليها الكثير من العراقيين لإخراجهم وإنقاذهم من المأزق الذي هم فيه.. وربما والله أعلم ليس ببعيد عن هذا التحرك أصابع الجارة إيران التي كان وزير خارجيتها في زيارة الى العراق قبل إتخاذ هذه القرار بحَق المطلك المعروف بمواقفه مِن إيران ومِن تدخلاتها وتجاوزاتها السافرة في العراق وليس بعيداً عنه أيضاً تعليقه الأخير حول الرسالة الإنتخابية التي طرحها رئيس الوزراء المالكي (ولا أدري منذ متى باتت أحزاب الإسلام السياسي الشمولية فكراً وممارسةً التي لا تؤمن بالديمقراطية وآلياتها تطرح عقود إجتماعية ورسائل إنتخابية على شاكلة جون لوك وجان جاك روسو وجورج واشنطن!).. إن خطورة هذا التحرك تتمثل بأنه سيدفع بعض شرائح الشعب العراقي المثقفة والمتنورة وما أقلها وليس التي تنعق مع كل ناعق والتي يَسُوقها البعض كالخراف وما أكثرها لإعادة حساباتها بمسألة المشاركة بالإنتخابات بعد أن بدأت ملامح التزوير والتسقيط والتصفية تلوح بالأفق ولسان حالهم يقول (الجواب باين من عنوانه) فإن كان هذا هو عنوان الجواب فما هو محتواه؟ وهو ربما ما ترمي إليه الهيئة ومن يقف ورائها ويُحرّكها من شخصيات وأحزاب مفلسة بدأت تعي جيداً أن تربعها على هرم السلطة بالعراق لا يُمكِن أن يتم بالطرق الديمقراطية النزيهة بل باللف والدوران وتسقيط الخصوم وتصفيتهم وهو أمر ليس بغريب أو جديد عليها بل هو من صَميم ثقافتها وجزء من ممارسات إعتادت عليها.. وإلا ما سِر هذه القوة والدَعم اللذان تحظى بهما هذه الهيئة وقراراتها اللاقانونية الجائرة من قبل البعض رغم عدم شرعيتها وكونها وريثة لهيئة إجتثاث البعث غير الشرعية هي الأخرى والتي شكلها الحاكم الأمريكي السابق للعراق بول بريمر بدفع من بعض القوى السياسية التي أثبتت الإنتخابات المتعاقبة بعد 2003 إفلاسها ؟ وما سِر هذه اللجنة التي لم يُشكِّلها مجلس رئاسي ولم يصادق عليها حتى الآن برلمان ومن هُم موظفوها المطعون بنزاهة بعضهم والمحكوم بعضهم بتهم جنائية لصلته بفِرَق موت وميليشيات قتلت أبناء شعبنا لا يعرفهم ولا يعرف ماضيهم أحد ولا كيف تم تعيينهم بهذا المكان ومِنهم من هو مُرشّح عن قوائم وكتل إنتخابية أخرى أي إنه من ضمن المتنافسين على الإنتخابات ليُفتوا ويأمروا بمَنع سياسيين عراقيين مشتركين منذ سنوات بالعملية السياسية وبكتابة الدستور وبعضهم رؤساء كتل برلمانية لديها 11 مقعد بالبرلمان منذ 4 سنوات تمثل ألوف العراقيين من السُخف وصفهم جميعاً بالبعثيين والصداميين من المشاركة بالإنتخابات ؟.. ثم دعونا نحتكم للعقل.. نحن جميعاً نعلم بأن الدكتورأحمد الجلبي ومؤتمره الوطني كان عرّاب فكرة إجتثاث البعث ومن أوائل الداعين لتشكيل هيئة إجتثاث البعث بل ومن مسؤوليها الأوائل وقد ملأ الدنيا ضجيجاً قبل 7 سنوات عن إنه بدعوته لتشكيل هذه الهيئة ثم بتشكيله لها يُمثل رغبة ملايين العراقيين بإجتثاث البعثيين من بينهم ومن دوائر الدولة ومؤسساتها وفعلاً شُكِّلت هذه الهيئة كما أسلفنا من قبل بريمر ومارست أعمالها إلا أنها لم تلقَ ترحيباً من قبل الكثيرين وجاء عدم إعطاء العراقيين لأصواتهم لقائمة المؤتمرالوطني العراقي وللدكتور الجلبي بدورتين إنتخابيتين وعدم حصوله على (رُبع مَقعَد) بالبرلمان دليلاً قاطعاً وحاسماً على رفضهم لطروحات الجلبي ومؤتمره الوطني ولنظرية إجتثاث بعضهم البعض وليس مِن قبيل الصدفة أن رئيس هيئة المساءلة والعدالة هو اليوم ضِمن مُرشّحي الجلبي ومؤتمره الوطني ضمن مايسمى بالإئتلاف الوطني العراقي! بالمقابل تمكن الدكتور المطلك وجبهته للحوار الوطني وبأصوات العراقيين من الحصول على 11 مقعد بإنتخابات 2005 يشغلها منذ 4 سنوات في البرلمان العراقي وكان من المشاركين في كتابة الدستور الحالي وبحساب رياضي بسيط نستطيع أن نعرف من يُمثل بعض شرائح الشعب العراقي ومن لا يُمثل أي أحد من الشعب العراقي الذي لا يريد ولا يسعى للإنتقام أو الثأر من بعضه بل إن بعض ساسة المعارضة السابقة هم من خططوا للإنتقام ممن سبقهم بعد وصولهم الى السلطة في 2003 والشعب العراقي كان ولا يزال هو الضحية ويدفع ثمن هذه الثارات يومياً من دماء أبنائه .

ليس غريباً حملة المقالات التي شنّتها ولا تزال بعض إمعات وطبول أحزاب الإسلام السياسي والسلطة الحالية التي تدّعي الثقافة وحُسِبت عليها زوراً وبهتاناً والتي تتهجم وتُحَرّض على الدكتور صالح المطلك وتياره السياسي فهي جزء من خطة هذه الأحزاب لتسقيط المطلك والعراقية وكل تيار وطني ليبرالي يقف بوجه خططها المريبة وفكرها الطائفي المقيت لكن الغريب والمؤسف هو إندفاع بعض الكتاب والمثقفين المحسوبين على اليسار خلف هذه الحملة وتطبيلهم مع الطبّالين وترويجهم لقصص خيالية مُفبرَكة عن المطلك وتأريخه السياسي والأكاديمي مثل ما حدث قبل أيام مع أحد الكتاب الذي جلس بدون تعب أو وَجَل ليُتحفنا بمقالة ركيكة عن تأريخ الدكتور المطلك في كلية الزراعة والذي لم يُبق صفة سيئة بمعجم اللغة العربية إلا وصفه بها.. وهو أمر يدفعني لطرح سؤال طالما ألح عليّ على بعض الأخوة من كتاب اليسار وهو لماذا تنشطون في البحث والتقصّي دون كلل أو ملل عن ماضي بعض السياسيين الحاليين الذين ربما كانوا في يوم من الأيام بعثيين أو قوميين إلا أنهم وبجميع الأحوال يتفقون معكم في ليبراليتهم وعلمانيتهم ومشروعهم السياسي الوطني ولا تدّخرون وسعاً بالتشهير بهم دون أن يَرف لكم جِفن كما فعل بعضكم ولا يزال مع الدكتور علاوي وكما تفعلون اليوم مع الدكتور المطلك فيما تصمتون صَمت القبور عن الماضي الأسود معكم ومع غيركم ومع العراق لبعض شخصيات الإسلام السياسي التي لا تزال تتبنّى الفكر الرجعي الظلامي الذي كان وراء تكفيرها لكم في يوم من الأيام بل وتفتخر به حتى اللحظة وتريد له أن يكون الفكر السائد بعراق ما بعد 2003 الذي يفترض أنكم تريدونه ديمقراطياً وأنتم أعلم الناس بأنها عدوة للديمقراطية وكانت ولا تزال تبنى مشروعاً ظلامياً راديكالياً لا يتفق مع ما تريدون بأي شكل من الأشكال ؟

نحن لسنا ضد المساءلة والعدالة كما سيحاول أن يُلمِّح البعض بعد أن يجتزء جُمَل من كلامنا في هذا المقال ويخرجها من سياقه العام بل على العكس..فنحن مع تشكيل هيئة للمساءلة والعدالة بأسرع وقت ممكن على أن تضم بصُفوفها أشخاص مِهنيّون مُستقِلون مشهود بكفاءتهم وليس روزخونية خريجي سجون محسوبين على قوى وتيارات سياسية طائفية معروفة بتوجهاتها المريبة وعلى أن تعمل فعلاً على مساءلة كل من أساء الى الشعب العراقي في كل زمان ومكان ومهما كان إنتمائه السياسي وتحقيق العدالة بحقه سواء كان ذلك قبل 2003 أو بعده وما أكثر هؤلاء مِمّن لازالوا يشغلون مناصب رفيعة في الدولة العراقية ويُنظر إليهم الى الآن على أنهم أبطال ومناضلون!.. وفي حال لم يتحقق ذلك وبقي الحال على ما هو عليه الآن وأستمرت هذه السياسات والممارسات المريضة تجاه المنافسين من قبل بعض الأطراف المتنفذة بالحكومة العراقية فإن الثقة شبه المعدومة أصلاً لدى الكثيرين بنظافة ونزاهة الإنتخابات القادمة ستصبح معدومة تماماً وستفقدها شرعيتها التي باتت اليوم على المحك وموضع تساؤل وتشكيك مِن قبل كثير مِن الأطراف سواء داخل العراق أو خارجه كالحكومة الأمريكية والإتحاد الأوروبي والأمم المتحدة التي بدأت تلمّح الى إحتمال نزع الإعتراف بشرعية الإنتخابات القادمة خصوصاً إذا جاءت نتائجها مخالفة لأغلب إستطلاعات الرأي التي تُجرى حالياً والتي تؤشر تقدماً واضحاً ومريحاً للقوائم التي تضم بصفوفها قوى وتيارات ليبرالية وعلمانية طالها الإجتثاث الأخير مقابل القوائم التي تضم بصفوفها قوى إسلام سياسي وتيارات قومية تتربع اليوم على رأس السلطة في العراق وتتبنى عملية الإجتثاث الأخيرة وتروّج لها .

 

 

free web counter