نسخة سهلة للطباعة
 

| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مصطفى القرة داغي

karadachi@hotmail.com

 

 

 

 

الثلاثاء 18/4/ 2006

 

كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 

 

المحاصصة وتهميش الآخرين في صفقات توزيع مناصب العراق الجديد
 


مصطفى القرة داغي
karadachi@hotmail.com

لقد كان الدكتور إبراهيم الجعفري غير موفقاً في جوابه على سؤال طرح عليه قبل أيام من قبل أحد الصحفيين في أحد مؤتمراته الصحفية والذي كان متعلقاً بأزمة تسميته رئيساً للحكومة القادمة تلك الأزمة التي دخلت شهرها الرابع من دون أن يظهر بصيص من الأمل على إنفراجها.. فلقد كان جواب الدكتور الجعفري هو " أن للآخرين آرائهم التي نحترمها ونقدرها ونحن لنا أرائنا.. وكما إن بعض الأخوة ومنهم سيادة الرئيس جلال الطلباني يرفضون ترشيحي لمنصب رئيس الوزراء وهذه وجهة نظرهم فإن لي رأيي في مسألة تولي الأستاذ جلال لمنصب رئيس الجمهورية وهي أنه لايصلح لهذا المنصب وقد قلت له رأيي هذا في جلسة خاصة وها أنا الآن أقوله لكم على الملأ وهذا الرأي ليس نابعاً من إعتراض على شخص الأستاذ جلال فهو أخ وصديق ومناضل ضد الديكتاتورية كما أنه يمتلك خبرة ومقدرة سياسية تؤهله لمثل هذا المنصب.. إلا أنني أرى أن هذا المنصب هو من حق الإخوة السُنّة العرب ".. ثم أعاد الدكتور أياد السامرائي كلاماً بنفس المعنى ولكن بصيغة مختلفة في مؤتمر صحفي تلى مؤتمر الدكتور الجعفري بيوم واحد فقط حيث قال في معرض رده على سؤال من أحد الصحفيين حول موقف جبهة التوافق من ترشيح الأستاذ جلال الطالباني لمنصب رئيس الجمهورية " هنالك فرق بين أن نكون ضد أو أن نرى بأحقية جهة على أخرى.. نحن لسنا ضد ترشيح الأستاذ جلال لمنصب رئيس الجمهورية ولكننا نرى بأن هذا المنصب هو من حق السُنّة العرب ولقد وضحنا ذلك للسيد رئيس الجمهورية وهنالك فرق بين الحالتين ".. فمالمقصود بكلمة من حق ؟.. ومن أين جاء هذا الحق ؟.. ومن الذي حدده ؟.. أهي نتائج الإنتخابات المهزلة ذات النتائج المشكوك فيها من ألفها الى يائها أم أنها صفقات الغرف المغلقة والمستمرة منذ أربعة أشهر ؟

إن مثل هذا الكلام والطرح خطير جداً جداً إذا قدر له أن يُطبّق ويصبح من ثوابت السياسة العراقية كونه سيؤسس بشكل نهائي لمبدأ المحاصصة الطائفية والعرقية في توزيع المناصب الرئيسية في الدولة خصوصاً وأنه لم يعد محصوراً في النخبة السياسية التي كانت في المعارضة والتي أسست وروجت لمثل هذا الطرح بل بدأ يتعداها الى النخبة السياسية التي برزت في الداخل بعد سقوط النظام والتي كانت حتى الأمس القريب تدّعي رفضها له إنطلاقاً من ثوابت وطنية بحتة إلا أنها اليوم أصبحت تنادي به بل وتساوم الآخرين على أساسه من باب الفعل ورد الفعل وهذه أحدى التداعيات الخطيرة لهذا الموضوع حيث وبدلاً من أن يصمد البعض بوجه هذا الطرح والتوجه نراه وقد بدأ ينجرف معه ويدخل في دوامته التي نخشى لاسمح الله أن تبتلع معها العراق.. أما التداعيات الخطيرة الآخرى له فهي كونه سيمهد ويؤسس لتهميش شرائح واسعة وأصيلة ومهمة من الشعب العراقي تمهيداً على مايبدوا لإلغائها كونها تمثل ( أقليات وربما أهل ذمّة ) بنظر أصحاب هذا الطرح الذين يرون أنفسهم اليوم أكثرية من حقها اللعب بمقدرات البلاد وتقاسم مناصبها ووزاراتها ومؤسساتها بين بعضهم البعض

إذ يبدوا من سياق هذا الكلام الخطير بأن الصابئة أو الإيزيديين أو المسيحيين من الآشوريين أو الكلدان أبناء العراق الأوائل وبناة حضاراته العظيمة الأولى في تأريخ العالم أجمع من سومر الى أكد الى آشور الى بابل لامكان لهم في عراق اليوم العراق الجديد عراق المحاصصة وغير محسوبين أصلاً ضمن المعادلة السياسية المشوهة التي يريد البعض تأصيلها اليوم في الثقافة السياسية والإجتماعية العراقية.. فكلام الدكتور الجعفري والدكتور السامرائي يراد منه إيصال رسالة واضحة وخطيرة لجميع العراقيين الذين لايعترفون اليوم ولن يعترفوا يوماً بالأسلوب الذي يتبعه ساسة المعارضة السابقة في بناء العملية السياسية وهي أن هنالك ثوابت جديدة في طريقها الى التقديس في العراق الجديد تقول بأن منصب رئيس الجمهورية يجب أن يصبح حكراً على السُنَة العرب ومنصب رئاسة الحكومة أو الوزراء قد أصبح حكراً على الشيعة العرب وأخيراً فأن منصب رئيس البرلمان هو من حصة الأكراد وأن المساس بهذه الثوابت هو خط أحمر لاينبغي على الآخرين الأقتراب منه أو محاولة تجاوزه وإلا فالويل والثبور لهم أما باقي قوميات وطوائف الشعب العراقي والتي يصفها ساسة العراق الجديد بالأقليات رغم إنها أكثرية وفقاً للتأريخ الرافديني والأنساني فلتشرب من ماء دجلة والفرات الذين بنت على ضفتيهما بسواعد أبنائها قبل آلاف السنين أعظم وأعرق الحضارات البشرية ثم ليأتي اليوم من يزيحها عن ريادة هذه الأرض بدعوى الأكثرية والمظلومية أو ربما سيتصدق عليها بمنصب أو منصبين غير سياديين حسب ( تمثيلها السكاني ).. المشكلة هي أن هذا التوزيع الغير عادل بكل المقاييس جاء إعتماداً على نسب وأرقام أقرّتها أحزاب كانت في المعارضة ثم جائت بعد تسلمها للسلطة وبدلاً من بناء بلدها من شماله الى جنوبه ومن شرقه الى غربه بدون النظر الى طائفة هذا وقومية ذاك لتخلط الأمور ولتثير النزعات الطائفية والإثنية بين الناس بما يخدم هذا التوزيع الذي يضمن لها البقاء في السلطة والتحكم بمصائر الناس الى مالانهاية بأعتبارها الممثل الشرعي لها ولمصالحها الطائفية والقومية كما عمدت من أجل شرعنة ذلك التوزيع والتقسيم بشكل قانوني أمام المجتمع الدولي الى إقامة إنتخابات إستُخدِمت فيها كل الطرق والوسائل الغير مشروعة والغير قانونية وإقرار دستور مليء بالثغرات والقنابل الموقوتة .

أي قيم ومباديء وأي شريعة سماوية أو قوانين وضعية تقول بأن شخص كفوء ومقتدر وواعي ووطني ومخلص لوطنه وشعبه ليس من حقه تولي منصب رئاسة جمهورية العراق الجديد فقط ولا لشيء سوى لأنه ليس ( سُنّي عربي ) وإن كان ( شيعي عربي أو كردي أو تركماني أو آشوري أو كلداني أو صابئي أو إيزيدي ) عراقي !.. أو تمنع شخص بمثل المواصفات التي سبق ذكرها من تولي منصب رئاسة وزراء العراق الجديد فقط ولا لشيء سوى لأنه ليس ( شيعي عربي ) وإن كان ( سُنّي عربي أو كردي أو تركماني أو آشوري أو كلداني أو صابئي أو إيزيدي ) عراقي !.. أو لاتسمح لشخص بمثل المواصفات السابقة بتولي منصب رئاسة البرلمان العراقي فقط ولا لشيء سوى لأنه ليس ( كردي ) وإن كان ( شيعي عربي أو سُنّي عربي أو تركماني أو آشوري أو كلداني أو صابئي أو إيزيدي ) عراقي !.. هل أصبح الإنتماء الطائفي والقومي للمواطن العراقي سُبّة تمنعه من تولي بعض المناصب في عراقه الجديد ( الديموقراطي الفيدرالي التعددي الدستوري البرلماني !! ) ؟.. أسئلة كثيرة أعتقد بأن ألسِنة قادتنا الجدد ستنعقد عند محاولتهم الأجابة عليها بصراحة وموضوعية أمام أبناء شعبهم لأنهم وببساطة بعيدين كل البعد عن الصراحة والموضوعية فيما يصرحون به من كلام ومايقومون به من أفعال .

ثم مادخل تولي كردي لمنصب رئيس الجمهورية بمحيط العراق وإمتداده العربي !.. وهل نسي أصحاب هذا الطرح أو حتى بعض المحيط العربي الذي يرفض أو ( لايبلع ) وجود شخص كردي يرأس دولة العراق بأن صلاح الدين الأيوبي الذي حكم ومن بعده أبنائه وأحفاده من الأيوبيين جزئاً كبيراً من المدن والأمصار العربية من العراق حتى مصر مروراً بالشام والذي حرر القدس العربية من الأحتلال الصليبي قبل 1300 عام كان كردياً مسلماً يوم كان الخلفاء والأمراء العرب المسلمين يغطون في نوم عميق عن أراضيهم السليبة ؟

أن مايحدث الآن هو تأسيس لشكل من أشكال الحكم على غرار الشكل الذي خرج به مؤتمر الطائف للبنان وهو نظام ديموقراطي طائفي أي تجري فيه إنتخابات برلمانية عادية لإنتخاب مجلس نواب فقط أما المناصب السيادية في الدولة فهي محسومة للقوائم التي تمثل الطوائف والقوميات الرئيسية في البلاد والتي من المنتظر أن تستمر في ريادتها وسيطرتها على صنع القرار وبالتالي تولي المناصب السيادية في الدولة.. إلا أن الأخوة الساسة على مايبدوا يمهدون لهذه الفكرة في العراق بشكل تدريجي من باب ( العافية بالتساهيل ) خوفاً من الغضب الشعبي العراقي الذي يرفض مجرد فكرة الحديث عن مثل هكذا مؤتمر للعراق الذي يختلف كلياً في نسيجه الإجتماعي الفسيفسائي الجميل عن لبنان.. فأنا حتى هذه اللحظة لاأفهم ولاأريد أن أفهم لماذا يجب أن يكون رئيس جمهورية لبنان مسيحياً مارونياً ورئيس وزرائها سُنّياً ورئيس مجلس نوابها شيعياً لذلك فأنا غير مستعد البتة أن أتقبل أو أستوعب أو حتى أناقش ومهما كانت المبررات فكرة أن تُسحب نفس هذه التوليفة على العراق بشكل مبطن وغير مباشر أو أن نأخذ وشعبنا الحبيب المسكين المبتلي على مايبدوا قصداً بالموت والدمار وعدم الأستقرار وضياع الأمن على حين غرة لنجد بأن المناصب السيادية في عراقنا الجديد الذي كنا نحلم بأن يكون لجميع العراقيين أصبحت حكراً على طوائف أو قوميات بعينها مما يعني بأننا نؤسس لدولة مشوهة ولنظام سياسي غير عادل لايساوي في الحقوق والواجبات بين مواطنية بل يعطي الأفضلية لطائفة منهم على أخرى ولقومية منهم على أخرى في تولي المناصب السيادية بل وربما حتى في التعيين في مؤسسات ودوائر الدولة لأسباب واهية غير منطقية وغير مقبولة البتة من أي شخص له ضمير وطني حقيقي يؤمن بالعراق.. لماذا لايكون رئيس جمهورية العراق صابئياً ورئيس وزرائه مسيحياً ورئيس برلمانه إيزيدياً أو العكس ؟.. ومالمانع أن يكون رئيس جمهورية العراق ورمز دولته كردياً أو تركمانياً أو كلدانياً أو آشورياً ؟

يجب على بعض الأحزاب ومن يتبعها ويؤيدها من العراقيين أن تعي وتفهم جيداً بأن العراق ليس مُلك لها ولطوائفها وقومياتها فهي لم ترثه من أحد ( بسَنَد طابو ) كما أننا لانرضى بأن تكون السيطرة على وطننا والتحكم بأموره بل واللعب بمقدراته ومقدرات أبنائه وتحديد مصائرهم ( عوضاً ) تُدفِعُنا أياه هذه الأحزاب ثمناً لمعارضتها للنظام السابق لأننا تربينا على مفهوم أن من يقف بوجه الظلم والديكتاتورية والباطل من أجل قيمة أو مبدأ أو ضمير حي لايطلب ولايريد بعد تحقيق هدفه عوضاً عن عمله هذا إلا إذا كان ماقام به أصلاً هو متاجرة بهذه القيم والمباديء ينتظر مردودها بعد نجاحه سلطة أو مال.. أن العراق بكل مافيه كان وسيبقى ملك لجميع أبنائه على إختلاف طوائفهم وقومياتهم وأديانهم لافرق بين أحد منهم وآخر إلا بمقدار حبه للعراق وإخلاصه له وتضحيته في سبيله وتفانيه في خدمته وخدمة أبنائه .