| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. محمد الكحط

mk_obaid@hotmail.com

 

 

 

                                                                                   الأحد 9/10/ 2011

 

ربيع الشعوب العربية أم خريف الأنظمة الإستبدادية

محمد الكحط

وددت بالبداية التأكيد على أن هذا الربيع العربي المنتظر لم يكتمل بعد، كما أن مستقبله لازال غامضا رغم الأمل بتحقيقه على أفضل وجه، فالشعوب العربية عانت ولقرون من الأنظمة الأستبدادية المتعاقبة، وقلة قليلة منها عاشت حياة ديمقراطية لكنها واجهت الويلات كالنموذج اللبناني، حيث التآمر الخارجي والتدخلات المستمرة، واليوم تبدو تجربة مصر وتونس لازالت تواجه معضلات على أمل أن تسير الأمور نحو الأمام بشكل إيجابي ودون معوقات.

لنعود قليلا الى الوراء حيث كانت تجربة العراق في التغيير بفعل العامل الخارجي مائة في المئة، وأدى ذلك الى ما أدى من نتائج كارثية لازالت تبعاتها مستمرة، ولا زال المحتل يعبث ويتحكم بالبلد، وليس هنالك مؤشرات جادة على أنهاء التواجد الأجنبي بشكل كامل، وهنالك خوف كبير وحقيقي من عودة النظام الأستبدادي وخنق للحريات من جديد حيث محاربة الحريات والتضييق على الممارسات الديمقراطية، والتنصل من المبادئ والقيم الديمقراطية التي كان ينتظرها شعبنا وناضل من أجلها طيلة عقود مريرة، هذه التجربة كان يفترض أن تكون على بال القوى السياسية التي تقود اليوم الحركات الثورية في ما يسمى مجازا بالربيع العربي، لكن يبدو أن التدخل الخارجي لم يكن بعيدا وبطرق مباشرة وغير مباشرة، ووقوف الجامعة العربية موقف المتفرج وهي التي لم تمثل يوما الشعوب العربية، بقدر ما مثلت الأنظمة الاستبدادية ومصالحها، بل وغالبا ما كانت مسرحا لتبادل الأتهامات وسوء النية وحتى مكانا للصراعات بين الأنظمة العربية، مما سمح ان تتدخل دول مجاورة كتركيا لأخذ أدوارا نضع عليها علامات أستفهام كبيرة، فالخوف على مستقبل هذه البلدان وشعوبها بالذات، خصوصا ما نشاهده من ممارسات القتل والدمار والخراب وتوقف الحياة الاقتصادية هنا وهناك.

لقد فرح العديد من أنصار الديمقراطية، وعلينا أن نفرح بل ونبتهج ونتفائل مما حصل من تغيير وزوال لأنظمة كانت كالكابوس الجاثم على صدور هذه الشعوب لفترات طويلة، فحتى لو جاء نبيٌ من السماء وبقيّ أربعون عاما يحكم مجموعة من البشر لملوه أو حتى قد يسعون لمحاربته، فكيف بأنظمة رثة مستبدة جائرة، فالتغيير ضرورة حتمية، ومن أجل أن يكون هذا التغيير نحو الأمام، يجب الحذر من التدخلات الأجنبية، ومن العودة الى الوراء بفعل قوى رجعية لا ترتضي التغيير التقدمي، وقوى أخرى تتعرض مصالحها للخطر وليس من السهولة ترضخ للتغيير المرتقب، خصوصا أنها كانت لفترة طويلة تمتلك قوة متنفذة في السلطات الحاكمة السابقة.

فقوى الردة ستبقى تحارب حتى النهاية، ناهيك عن أزلام تلك الأنظمة نفسها وأفراد الأمن والشرطة ورجال الإعلام الذين كانوا يحافظون ويبشرون بعدالة تلك الأنظمة.

لكن عالم اليوم قد تغير ولم يعد هنالك شيء مخفي، وما خفي اليوم سيظهر غدا بشكل جلي، ولم يعد العالم لا يبالي بما يحصل هنا وهناك، فوسائل الإعلام المختلفة تنقل كل حدث بسرعة لكل أنحاء العالم، كما أن العالم لا يمكنه السكوت عن جرائم ضد الإنسانية تحصل في أية بقعة من الأرض، وهذا مكسب كبير للقيم الإنسانية، ومن جهة أخرى يجب اليقظة، ممن يحاولون الحصول على ثمرة تلك التغييرات لمصالحهم الستراتيجية، وتفريغ تلك الثورات الشعبية السلمية من محتوياتها الوطنية والتقدمية، فالتدخل الأجنبي في العراق لم يكن من أجل مصلحة الشعب العراقي، بل من أجل ضمان مصالح سترتيجية لمن قاموا بالتغيير بالقوة العسكرية، وتحديدا الولايات المتحدة الامريكية والمملكة المتحدة ومن معهما، وهكذا سيكون الحال في ليبيا، فالتدخل الأوربي ليس بلا هدف، فليبيا كعكة كبيرة ولذيذة لهم، فهناك جودة النفط الليبي ووفرته وقربه من أوربا، ومصالح كبيرة تربطهم بهذا البلد منذ السابق، فكيف اليوم وسيحتاج الى إعادة البناء، فالمغريات كثيرة وبلا حدود، والتدمير الذي عملوه اليوم في ليبيا هو تمهيد لسوق كبيرة لهم لاحقا.

تبقى مسألة اليمن وسوريا والتي يبدو أن كلا النظامين أدركا جسامة الوضع وعليهما الأنصياع للتغيير رغما عنهما، فالمسألة مسألة وقت للتغيير الفعلي، والطموح أن يجري بدون خسائر بشرية وتدمير للبنى التحتية لهذه البلدان، لكن الأمنيات تتعارض مع العقلية التي يفكر بها القادة الذين يمسكون بزمام السلطة فيهما.

فالربيع لا زال في بداياته، وقد يكون عسيرا والمطر ليس مدرارا، الأمل أن تعي طبقات الشعوب هذه مصالحها وتمسك بزمام الأمور وتقود السفينة برصانة الى الأمام كي يكون الربيع مزهرا.

فالى أية حالة ستستقر عندها هذه البلدان....؟.

هل ستتبوء السلطة قوى ديمقراطية حقة...، وليست فئة جديدة من الحرامية واللصوص والقتلة والجهلة كما حصل في العراق؟

هل ستحل المشكلات الاجتماعية والسياسية، وتتحقق أهداف تلك الثورات السلمية...؟

هل ستتجنب التدخلات الأجنبية، وتبتعد عن الأزمات...؟

هل سيعم الأمن والأستقرار في هذه البلدان...؟

أذا تحقق كل ذلك يمكن حينها الحديث عن ربيع حقيقي، ودونه سراب، كسرابنا نحن في العراق، حيث أقتصرت الديمقراطية على المساهمة في صناديق الأقتراع، وعزلت القوى السياسية والديمقراطية والمناضلة ضد الدكتاتورية بسبب السلوك الطائفي والعرقي وسياسة المحاصصة البغيضة التي غرسها المعتوه بريمر في أساس بناء الدولة العراقية الجديدة.

يقول المثل "لا تقل سمسم إلا بعد أن تلهم"، لذا فلا يمكن الحديث عن ربيع حقيقي الآن.

كما أنه من المحتمل أن التغيير سيستمر في بلدان أخرى وبطرق وأشكال أخرى، وربما ستكون هنالك مفاجئات، بسبب بسيط، كون لازالت العديد من الدول العربية تتحكم فيها قوى سياسية وأنظمة عفى عليها الزمن ولم تعد صالحة لهذا الوقت، وحتى الولايات المتحدة والدول الغربية التي تدعمها تواجه معضلة التناقض بين دعمها للتنوير والتحضر والديمقراطية من جهة، ودعمها وصداقتها لهذه الأنظمة المنقرضة سلفا بفعل التطور البشري المعاصر من جهة أخرى، فهي محرجة أمام شعوبها وأمام العالم وهذا ما يجعلها تسعى للضغط من أجل التغيير بشكل ما يحافظ على مصالحها الستراتيجية في هذه الدول.

فهذه الأنظمة الأستبدادية تعيش في مرحلة خريف وخريف حرج، ولن تتمكن من الحكم بنفس أساليبها القديمة وقد تقدم على تنازلات صعبة من أجل إطالة فترة بقائها، لكنها زائلة لامحالة، فالعالم يسير الى الأمام بخطى سريعة وسريعة جدا، لا تستطع معها هذه الأنظمة الصمود طويلا، وربما ستدوسها خطوات وأقدام شعوبها الواثقة قريبا.

 

 

free web counter