| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

محمد الكحط

 

 

 

 

الأربعاء 28 /3/ 2007

 

 

على شرف الذكرى ال73 لتأسيس حزبهم المجيد

مناضلان من الرعيل الأول


أجرى الحوار محمد الكحط - ستوكهولم -

أبو ذكرى الذي سيبلغ الثمانين عاماً، ورفيقة دربه أم ذكرى، من الرفاق الأوائل ومن ذلك الجيل الذي قدم دون انتظار مقابل ، نعم قدموا الكثير، الغالي والنفيس وها هم يكتفون بتخليد تأريخهم المجيد بعيداً عن الأضواء في هدوئهم المعروف الذي أعتادوا عليه، قليلةُ هي الكلمات التي تستطيع أن تعبر عن عطائهم ومشوارهم الكبير، ومهما كثرت فهي عاجزة عن التعبير عما كابدوه وقدموه من نضالٍ وتضحيات لشعبهم ولوطنهم.

الرفيق الدكتور عبد العزيز وطبان: تقول بطاقته الشخصية وهي غير دقيقة في تحديد يوم الميلاد كحال معظم العراقيين، أنه من مواليد البصرة في الأول من تموز 1927، وفي وثيقة أخرى 1929 ، حاصل على شهادة الماجستير والدكتوراة بالأقتصاد من جامعة موسكو. أما الرفيقة الدكتورة جليلة ناجي الهاشمي فهي كذلك من مواليد الأول من تموز 1936 وحاصلة على شهادة الدكتوراه من جامعة موسكو بالتاريخ، وهي رفيقة الدرب المشترك وفي كل الظروف.

إن توثيق ذكريات تعود لذلك الزمان هو شئ أشبه بالتحدي نظرا لكبر المسؤولية ولقدم الأحداث وتشابكها بل وتعقدها أيضاً. ومع ذلك سيدوَن الرفيق أبو ذكرى تلك الذكريات بل ذلك السفر والتاريخ المجيد كما وعدنا. وهنا نستذكر شذرات مما تحدث عنه، وما تناولناه كثير وبحاجة إلى جهد لإصداره وتوثيقه ، وسيكون ذلك في المستقبل القريب كما نأمل.

يقول أبو ذكرى لم يرشحني أحد للحزب بل أنني أهتديت إليه، حيث كنت طالباً في دار المعلمين الأبتدائية في البصرة سنة 1944-1945 وكان هنالك أحد الطلاب المنزوين بشكل ملفت للنظر في القسم الداخلي وهو من أهالي أبو الخصيب أسمه عبد الله *، شاهدته يقرأ في أوراق وألححت عليه أن أعرف ما هيّ إلا أنه رفض، وأمام إصراري طلب مني أن أقسم بأن لا أبوح لأحد عنها، وإذا بها جريدة القاعدة، وبعد قراءتها أحسست بصدق كلماتها وقربها من معاناة الناس والفقراء منهم بالذات، فكانت تتناول هموم العمال وبالذات عمال السكك، والبطالة ومواضيع ثقافية والتي كان يكتب فيها الرفيق فهد بأسماءٍ متعددة، فأصبحت مدمنا على قراءتها مقابل 4 فلوس للعدد الواحد، وكنت أعيدها له بعد أن أقرأها، وتأثرت بأفكارها.

وبعد الحرب العالمية الثانية وسقوط النازية تصاعدت موجة الديمقراطية في كل أنحاء العالم وتوفرت ظروف إيجابية للأحزاب السياسية وللحركة النقابية في العراق بتأسيس كياناتها بشكل رسمي، وكان الرفيق فهد يفكر منذ البداية بحزب رديف علني، وقد طرحت الفكرة في جريدة القاعدة سنة 1943 وأعد الرفيق فهد برنامجا لهذا الحزب وسمي حزب الإتحاد الوطني، ولكن ألقي القبض على جميع أعضائه، وظلت الفكرة لحين توفر الظروف الجديدة بعد الحرب، فتم تقديم طلب بأسم حزب الشعب، وكان على رأس الهيئة المؤسسة عزيز شريف ، أما جريدة الحزب فكان أسمها "الشعب" والمسؤول عنها هو يحيى قاسم، ولكن يحيى أراد الأستفراد بالجريدة فقدم عزيز شريف طلب ترخيص جريدة جديدة بأسم الوطن، والعمل بشكل مستقل عن الحزب، فبدأ صراع جديد أنتهى بتكليف الرفيق حسين محمد الشبيبي بتأسيس حزب التحرر الوطني وجريدة له، وبعد تقديم الطلب بدأ العمل لحين إصدار الموافقات .كان نشاط الحزب واضحا فأنضممت أليه وكان تنظيمه محلي وليس على أساس العراق كله وفترة الترشيح له ستة أسابيع فقط، ولكن عمل هذا الحزب العلني لم يدم طويلاً، فتحول إلى العمل السري، ومن ثم أصدر الحزب قراراً بحله سنة 1948 خصوصاً بعد أضطراب الأوضاع السياسية وأعتقال الرفاق في قيادة الحزب وألقاء القبض على الرفيق حسين الشبيبي، وعند حل حزب التحرر الوطني خير أعضاؤه بين الأنضمام للحزب الشيوعي أو الأستقاله فأنضم معظم أعضائه للحزب الشيوعي، وكنت واحدا منهم، و أعتبرت فترة الأنضمام لحزب التحرر الوطني بمثابة فترة الترشيح للحزب، وهكذا كنت عضوا فاعلاً في صفوف الحزب الشيوعي العراقي منذ ذلك اليوم.

ثم ينتقل بنا الرفيق عزيز وطبان إلى ظروف الأعتقالات والمطاردات التي شنتها السلطات الحاكمة بإيعاز من القوى الرجعية والتوجيهات من الحكام الإنكليز المرتبطين بالسياسة الإمبريالية والمصالح الرأسمالية والتي كانت تخشى من تصاعد المد الشيوعي في العراق والعالم. يحدثنا كيف كان الرفيق فهد وقيادة الحزب المعتقلة في السجن يشرفون على تنظيم الحزب وتوجيهه، ويستذكر مواقف الرفيق زكي بسيم في السجن وكيف كان منظماً ومهذباً ودبلوماسياً من الدرجة الأولى وكانت علاقته جيدة مع مدير السجن وهو إنسان طيب مما كان له الأثر الكبير على سير الأمور داخل السجن لصالح الرفاق، وكان البريد الحزبي يتواصل بين قيادة الحزب وبقية الرفاق دون تلكؤ. وكانت المحاضر تصل و يتم يرد عليها وتجري الترشيحات والتدقيقات وغير ذلك بشكل طبيعي، باختصار كان الحزب يدار بفعالية، وهذا حسب أعتقاده هو أحد الأسباب التي جعلت الرفيق فهد لا يفكر بالهرب رغم توفر الإمكانيات ولسهولة ذلك، فلم يكن في سجن الكوت سوى حائط بسيط يفصله عن مدرسة تقع جنبه تكون خالية بعد الساعة السادسة مساءاً، كذلك كان هنالك مخزن للمواد الغذائية كان بالأمكان فتحه والهروب من خلاله. ثم حصلت أحداث كبيرة آنذاك منها الأعتقالات والأعترافات والأخطاء التي وقع فيها الرفاق الذين كانوا يتولون قيادة الحزب خارج السجن مما كشف للسلطات أن الرفيق فهد ورفاقه الآخرين هم من كان يقود ويوجه نشاط الحزب، وكبست المطبعة والأسرار التي كانت بالموقع والذي لم يقم المسؤول عنه آنذاك ( عزيز الحاج) بتغيير مكانه وهو أمر طبيعي بعد أعتقال أي شخص له علاقة بالأمر بحجة أن الرفيق فهد طلب عدم تغيير المكان قبل أعتقاله، وهذا ما جعل السلطات تعيد محاكمة الرفاق وتقرر أعدامهم.

ويحدثنا الرفيق أبو ذكرى عن دوره في إصدار البيانات والمواد الحزبية والجريدة من البصرة وعن دور الرفيق ساسون دلال المهم في هذه النشاطات، وتوفر مطبعة لمحلية البصرة ،لأن عيون السلطات كانت مركزة على بغداد وعلى القطار الصاعد من بغداد للألوية الذي يفتش بأستمرار، عكس القطار العائد إلى بغداد، ونجحت الفكرة لولا أخطاء وقعت من قبل بعض الرفاق. وهذه القضية لم يتطرق لها أحد، وحتى كتاب الرفيق عزيز سباهي لم يذكر ذلك في كتابه عن تاريخ الحزب، كما قامت هذه المطبعة بإصدار بعض الكراريس المهمة حول أركان الماركسية وحول الأمميات الثلاث والعديد من بيانات التضامن.

ومما يؤكده في حديثه الشيق مما يستدعي التوقف الجدي عنده، أن أحد الرفاق وأسمه علي تايه **  صرح أمامه بأنه كان جندياً مكلفاً آنذاك ضمن الطوق العسكري الذي نصبوه حول منصة إعدام الرفيق فهد في منطقة العلاوي - ساحة المتحف- وهو يؤكد أن المنصة كانت بنفس المكان الذي وضع فيه تمثال أسد بابل أمام المتحف لاحقاً، ويتساءل هل هي مصادفة أم شيئاً متعمداً من قبل البعض لتخليد هذا المكان الذي شهد موقفاً بطولياً ومأثرة وطنية سيمجدها شعبنا.

يحدثنا عن أعتقاله بعد العثور على مطبعة البصرة وما لاقاه من صنوف التعذيب وعن محاكمته ونقله من سجن إلى سجن وعن مآثر الرفاق في سجن نقرة السلمان وإضرابهم ومعاركهم وصراعاتهم السياسية والفكرية ومعاناته مع مرض الروماتيزم وعن العديد من المفارقات المضحكة والمبكية، وعن التنظيم الحزبي في نقرة السلمان وكيف كان يدار، وعندما أجبروهم على التفرقة إلى قسمين كيف كانوا يتحايلون لتبادل البريد وإرساله مع الأكل بواسطة عظم الفخذ بعد أفراغه وتغطية الفتحة بعد إدخال الرسائل، أو مع غطاء القدر( جدر الأكل)، وكيف صادف مرة أن أحد الجنود رمى العظم دون تعمد للكلب والذي تلقفه ليبتلع البريد الحزبي، وعن مساهماته مع الرفاق في السجن في إصدار جريدة السجين الثوري وكفاح السجين الثوري وإرسال منها نسخ لخارج السجن لتكثر وتوزع، ويقول أن جريدة السجين الثوري كانت متطورة ومنسقة وكان يشرف على تحريرها الرفاق زكي خيري وعزيز الحاج وحميد عثمان، وكانت مصدرا للصراعات التي خفت كثيراً بعد هروب حميد عثمان من السجن. كما تناولت الذكريات محاولات الهروب من سجن بعقوبة وسجن الكوت من قبل مجموعة من الرفاق وما رافق ذلك من ملابسات، ولم يكن الرفيق أبو ذكرى وحده في كل هذه المصاعب، بل كانت رفيقة دربه الرفيقة أم ذكرى معه مناضلة صبورة تحملت الويلات والمصاعب ووقفت بجانبه ومع رفاقها وأصابها ما أصابهم، ناهيك عن نشاطها المتميز في صفوف رابطة المرأة العراقية ونضالها في سبيل تحرر المرأة في ظروف بالغة التعقيد.

أحاديث كثيرة وصفحات مجيدة ومواقف نضالية مشهودة قدماها ورفاقهم الأوائل في صفوف الحزب الذي قدم التضحيات والقرابين في سبيل قضية الوطن والشعب ولا زال يقدم ويناضل دون كلل، ونحن إذ نستذكر هذه المواقف على عجالة فأنها سفر غني وكنز ثمين من التجارب والخبرات آملين من الرفيق أبو ذكرى كما وعدنا أن يكتب كل ذلك ويوثقه.

وعلى شرف الذكرى ال73 لتأسيس الحزب الشيوعي العراقي نقدم للرفيقة أم ذكرى ولرفيق دربها أبو ذكرى باقات الورد الحمراء، و عطاؤهم ونضالهم هو منار للأجيال القادمة ،و أن

مشعل التحرر الذي أوقدوه لن ينطفئ أبداً.

* الرفيق عبد الله : وهو معلم من أهالي الخصيب، كان يعتبر نفسه هو من كسب الرفيق أبو ذكرى للحزب، وعندما أعتقل أبو ذكرى هرب هو من مدرسته خوفاً من أن يأتي ذكر أسمه في التحقيقات، وعندما تأكد من صلابة الرفاق عاد إلى مزاولة دوامه معتذرا للمدرسة التي كان يعمل فيها معلماً كونه كان مريضاً.
**  الرفيق علي تايه : أصبح بعد ثورة 14 تموز أحد مقدمي البرنامج الإذاعي الركن الزراعي- صوت الفلاح.

- نشر في جريدة طريق الشعب العدد 135 الصادر يوم 25 آذار 2007