| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

محمد الكحط

 

 

 

 

الأربعاء 16 /8/ 2006

 

 

وداعاً أم سلام، وداعاً أيتها الشيوعية الباسلة

 

محمد الكحط - ستوكهولم -

هي الفقيدة الرفيقة خيرية مريوش مسلم وهي صبرية وهي أم سلام وهي أسماء أخرى في محطات مختلفة أقتضتها رحلتها النضالية، وهي ليست قائدة ولا مفكرة ولا أديبة، بل هي إنسانة بسيطة وشبه أمية، هي أخت المناضلين، عربي مريوش ودلي مريوش، ولدت في الناصرية سنة 1928، وفي بداية حياتها ومنذ طفولتها إرتبطت بالعمل النضالي، كونها من عائلة مناضلة وطنية عرفت بعدائها للأستعمار والحكومات الملكية المتعاقبة ومن ثم النظام الدكتاتوري العفلقي.
أم سلام أرتبطت روحيا مع أخيها دلي مريوش هذا المناضل العنيد بصموده، وكانت كظله لا تفارقه وعندما ضاقت به السبل في الناصرية وأضطر إلى مغادرتها هرباً من جلاوزة وأعين السلطات الملكية في الخمسينيات متوجها للأختفاء في بغداد أنتقلت معه وهي الفتاة الأمية البسيطة، التي بدأت بالكاد تتهجى الحروف وتقرأ المناشير والبيانات الحزبية، لكنها أرتبطت فطريا بهذا الحزب منذ بداية حياتها ولم تفارقه حتى الممات، وكانت ساعية البريد الحزبي الأولى في أصعب وأحلك الظروف، عرفتها البيوت الحزبية السرية وعرفها قادة الحزب منذ الخمسينيات وحتى الآن وكانت مستودع أسرار أمين ومؤتمن، تحملت أقسى الظروف والحرمانات، وقامت بالعديد من النشاطات الحزبية والنضالية الصعبة والخطرة وأنقذت أخيها دلي وهربته من سجن نقرة السلمان بملابس الشرطة في الخمسينيات في العهد الملكي ومن ثم هربته إلى كردستان سنة 1963 بعد الانقلاب الفاشي الأسود بعد أن دبرت له ملابس ملازم بالجيش العراقي، تحملت المطاردات والتشرد، وتعرضت لإعتقالات متعددة، وكانت في إحدى المرات تحت رحمة المجرم ناظم كزار يعذبها بيديه، ولكنها خرجت من كل تلك المحن مرفوعة الرأس وقوية كالفولاذ الذي لا يلين بسهولة، تصلب عودها النضالي في أصعب ظروف الحزب والحركة الوطنية العراقية السياسية والنضالية. وبقي هذا التعلق والحب الفطري بحزبها الشيوعي العراقي واستعدادها للتضحية في سبيله إلى آخر أيام حياتها.
بعد الهجمة الدكتاتورية في نهاية السبعينيات على مناضلي الحزب الشيوعي العراقي غادرت الوطن متوجهة إلى بلغاريا، سميت هناك بالرفيقة أم سلام و تعرف عليها العديد من الرفاق، عرفوا طيبتها وعلموا من أي معدنٍ هذه الإنسانة، بل هذهِ الجندية المجهولة التي كانت تتنقل من مكان إلى آخر كخلية النحل توزع البريد والمناشير والبيانات وتوصل أخبار الحزب إلى السجناء والمعتقلين، لقد أحبها الجميع لما لمسوه منها من حب وحنان وتضحية، لم تسمح لها الظروف النضالية أن تُكوّن عائلة وأطفال فكان الجميع أبناءها وعائلتها، وهناك في بلغاريا لم تجد نفسها ولم تتحمل الغربة فعادت إلى الوطن في نهاية الثمانينات وبقيت في العراق حتى وفاتها يوم 28 تموز 2006، عن عمر يناهز ال78 سنة، وكانت في آخر أيامها تعاني من المرض، وفي عيد رأس السنة المندائية الأخير ((العيد الكبير - الكرصة-))تحسنت صحتها قليلا، فأخذت تغني عدة أغاني وطنية لمن حولها وكانت أجمل تلك الأغاني والتي تمجد نضالها البطولي أغنية ((مكبعه ورحت أمشي يمه بالدرابين الفقيرة....مكبعه ورحت أمشي يمه وآنه من ديره على ديره...وزعت كل المناشير كل المناشير وخبرهم....وعيني ما تيهت ما تيهت دربهم...)) وكأن هذه الأغنية لها هي لا لغيرها وأظن أنها تستحق أكثر من أغنية وأكثر من تمثال يمجدها، يمجد هذه الأنسانة العراقية المناضلة هذا النموذج البشري الرائع.
نداء لمن يعرف هذه الأنسانة وعمل معها، عليه واجب الكتابة عنها ليعرفها الجميع ولتعرفها الأجيال اللاحقة وليعرفوا أية بسالة وأي تأريخ مجيد صنعته المرأة العراقية.