| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

محمود القبطان

 

 

 

                                                                                      الخميس 15/9/ 2011



متابعة لمقالة لماذا انهارت الدولة العراقية؟

محمود القبطان  

ظهر مقال للسيد عبد الخالق حسين في 14 أيلول وعلى أكثر من منبر صحفي الكتروني محاولا فيه تبيان أسباب انهيار الدولة العراقية والذي كان يشيد بها قبل فترة مادحا ما قدمته الحكومة العراقية متصورا إن ما قدمته الأخيرة خيرا ما نال الشعب منها.

بعد سرد تأريخي منذ تأسيس الدولة العراقية في 1921 والتي كانت تحمل"بذور انهيارها" ومرورا بعد ثورة تموز 1958 وعبورا الى حقبة البعث الأسود في 1063 ووصولا الى حقبة صدام الفاشية في 1968 لحين الاحتلال في 2003 قد بين أن كل تلك الفترات التي كانت فيها الدولة العراقية تحمل في رحمها جنين انهيار الدولة بالكامل,ولذلك كنتيجة طبيعية لكل تلك الأحداث فأنها انهارت في 2003 لتحمل مرة أخرى بجنين طبيعي ينتظر ولادة طبيعية لتحقيق دولة المواطنة والقانون والديمقراطية دولة الشعب...

حصل الاحتلال ونهبت الدولة بالكامل,نعم كان هناك حصارا جائرا لم ينل من تلك العذابات لا افندية الفنادق ذوي النجوم الخمسة ولا المعارضة في الخارج التي قدم قسما منها ألوف الشهداء,ولا نال من تلك العذابات دول الجوار والتي كانت تحرض على الحصار وتتنفس من فقر الشعب العراقي,نعم الحصار دمر الشعب العراقي في الوقت نفسه كان رئيس العراق الذي ملك الشجر والبشر يزيد من ثرواته ويبني القصور الواحد تلو الآخر, أما الإرهاب والقتل فهذا لا يختلف اثنان من العراقيين عليه لان الفاشية لم تعرف الرحمة في يوما ما,نعم حدث هذا لكن ما هو المبرر لتدمير البنى التحتية ومن كان وراءها؟ الفقر والتشفي في سقوط النظام إضافة الى الإرهاب الأعمى كان قد ضرب جذوره في كل الجسد العراقي لكن هل يكون مبررا لكل الأعمال النهب والسرقة؟ وهل كان بمعزل عن مرأى العين الأمريكية؟ كل متمعن في المشهد السياسي في أثناء سقوط الصنم الأبدي كان يعي أن الاحتلال هو من سهّل تلك السرقات والنهب اللا محدود.الم تنقل الفضائيات كيف سُرق المتحف العراقي,أقرأ التأريخ العراقي, ومن أمام أعين الجنود الأمريكان؟ألم يسرق جنود الاحتلال أغلى النفائس من المتحف؟من أين أرجعت بعض القطع الأثرية الى المتحف العراقي وقسما منها "نُسي" في مطبخ مكتب رئيس الوزراء لمدة عامين؟لماذا تم الحفاظ على وزارة النفط من النهب وبحماية جنود الاحتلال فقط؟ من نهب البنوك؟ وهنا يطرح سؤالا لماذا في كل فترة زمنية تظهر ظاهرة النهب وبشكل بشع ومؤلم؟ هل صحيح أن أمراة تحتاج الى كمية كبيرة من أواني المطبخ وترفعها على رأسها وتركض بها من بيت المجرم المدان طارق عزيز؟ماذا يفعل المرأ بإطار واحد لجرار ضخم؟هذه أسئلة تطرح لعلماء الاجتماع وعليهم الإجابة.ابتداء منذ هجرة يهود العراق الى يوم اندلاع ثورة تموز ووصولا الى يوم سقوط نظام صدام.انهار الاتحاد السوفيتي والمنظومة الاشتراكية السابقة دون المساس بالجيش أو الشرطة أو الأمن في حين كانت ولاءات تلك المؤسسات للحكم السابق وتغير ولاءها للحكم الجديد لا بل لم تطلق طلقة واحدة في ثاني أكبر دولة عظمى؟ وإذا توخينا الدقة المتناهية فيمكن القول إن بعض الرموز السياسية والتي احتلت موقعا في المؤسسات الأمنية والعسكرية قد أبعدت عن مناصبها لكن لم ينكل بها,وفي معظمهم ألان يشتركون في المعارضة السياسية مع احزابهم التي انهارت.ماذا حدث في العراق عند وقوع الاحتلال؟يعترف الدكتور حسين بأن خلف كل الكوارث العربية كانت المخابرات الأمريكية ,عند حديثه عن خطة الأمريكان منذ أربعينيات القرن الماضي,ويذكر علاقتهم بحسني الزعيم وجمال عبدالناصر وصدام,ويغيرون من يشاؤون عند الخروج عن عصا طاعتهم,لكنه يبرر بشكل مباشر الى ما قام به پول بريمر في حل الجيش والقوات الامنية في العراق بعد تنصيبه "رئيسا" فعليا مدنيا على العراق ليحل الخراب وانتشار الاسلحة التي تركها الجيش العراقي في شوارع العراق,لتصبح معظلة لا يمكن التخلص منها لعقود قادمة.وتتشكل عصابات اجرامية مسلحة على غرار ما هو موجود في المكسيك وامريكا وبلدان اخرى لتصبح آفة لا يمكن للقضاء, المتهرأ الان,أن ينال منها.

واذا كانت الحجة بأن الجيش والمؤسسات الامنية الاخري كانت مؤدلجة الى حد العبادة الشخصية فأظهرت نتائج الحرب عكس ذلك ,فالامثلة كثيرة لا تحصى عما قام به الكثير من الضباط الكبار في تسريح الضباط الصغار والجنود واعطائهم حرية البقاء من عدمه في ساحة القتال.وانهيار المنظومة العسكرية تماما الا في بعض الجبهات وبعض الوحدات المقاتلة والتي كانت تدين بالولاء المطلق للقائد الهارب لكنها كانت حصرا في بغداد ,أما في الجنوب فكانت بعض القطعات تدافع عن العراق وليس عن صدام وحزبه وقد بقت بعض القوات في الفاو تقاوم وبشراسة ضد القوات البريطانية ليس حبا بمن جرهم للحرب وانما بسبب الانتماء للوطن .لقد انهار الاتحاد السوفيتي وباقي الدول الاشتراكية ولكن لم تنهار المنظومة العسكرية,ومن رحم النظام السوفيتي والكي جي بي جاء پوتين كان شيوعيا لكنه ليس عقائديا ,كما تبين لاحقا.ولكن لا ننسى أن النظام الحالي الذي يقف معه دوما بالحق والباطل السيد حسين قد عيّن كبار ضباطه من ضباط النظام السابق,لنأخذ بعض الأمثلة المعروفة:قاسم عطا,عبود قنبر,الغانم وآخرين لا تحضرني أسمائهم,ولا أشك في إخلاصهم للوطن,لكن لماذا يتخوف النظام الجديد من أعادة القسم الأعظم من ضباط النظام السابق ما دام اندحر ذلك النظام وفي الامكان الاستفادة من الخبرات السابقة لبناء الجيش الجديد على أسس وطنية فقط لا حزبية ولا طائفية؟

الأسماء والتشبيه

كانت ظاهرة إطلاق التسميات على مؤسسات الدولة أوجدها المعتوه صدام لوصول حالة الپرونويد عنده متصورا انه كل شيء, وكل شيء يبدأ وينتهي حيث هو.فأطلق التسميات على المستشفيات والمدارس والطرق والمدن ...وماذا يحدث ألان؟إطلاق أسماء على أماكن شعبية وكأنها اشتريت بالمزاد بأسماء دينية,وأقصد الشهيد الصدر الثاني,وإذا لم يتسنى إطلاق الاسم على مكانين في بغداد فأستحدث أسم مدينة الصدرين. المدارس ,المستشفيات والجامعات... لكن النظام الجديد نسى أن اسم شارع 14 رمضان في كل محافظات العراق فأبقاها ولم يبدلها حتى باسم الصدر. شارع 14 رمضان في المنصور وجامع 14 رمضان في ساحة الفردوس, على سبيل المثال وليس الحصر,.

لم يضع الدكتور حسين أسباب انهيار الدولة العراقية على السكة الصحيحة بسبب تعامله مع القضية من منظار المؤيد لها لان في حسابه وتوقعاته إنها حتمية لبناء دولة حديثة ديمقراطية.. ولكن اعتقد إنها حتمية ليس بسبب التأسيس الجديد ومتطلبات البناء الجديد الديمقراطي وانما بسبب التالي:

- التجاوز على الدستور والذي وضعته الأحزاب المسيطرة على الدولة بأيديهم فهم يتجاوزون على بنوده ويحرفون ما يريدون.

- انتشار الفساد المالي والإداري بحيث أصبح العراق يتصدر الدول في هذا المجال.

- بسبب الفقر والبطالة التي تطال ملايين الناس المحرومين وأصحاب الشهادات الحقيقية.

- تقليص الحريات التي يجيزها الدستور,والتضييق على الصحافة .

- انتشار القتل لاسباب سياسية بالكاتم ,آخر حادثة للتصفيات السياسية الشهيد هادي المهدي,وانتشار الميليشيات المسلحة والتي قال عنها محمود المشهداني مرة : كل الأحزاب تمتلك ميليشيات مسلحة عدا الحزب الشيوعي العراقي.

- عدم الجدية بمعاقبة عتاة المجرمين سواء من رجالات النظام السابق أو الإرهابيين أو العصابات المنظمة.حيث يسعى كل حزب وكتلة طائفية لإطلاق سراح اخطر المجرمين بسبب البقاء في السلطة وعدم التحول الى المعارضة لإسقاط الحكومة.انتشار ظاهرة هروب اخطر السجناء من إرهابيي القاعدة والبعث,عدم تنفيذ الأحكام الصادرة بحقهم وتركها للمزايدات السياسية,وانتشار الرشوة بين حراس السجون وعلى كافة المستويات من الضباط والأفراد.

- قتل الكفاءات العلمية وقف خطة معدة مسبقا لتدمير الجامعات والتدريس وتجهيل العدد الأكبر من الشعب ليبقى يدور في حلقة الجهل والمرض.

- تفريغ العراق من فئات الشعب العراقي ذو الأقليات الدينية وإجبارهم على الهجرة عبر القتل الجماعي وتضييق الخناق على أعمالهم.

- إجبار الناس على تقاليد لم يعرفها العراق من السابق,دينيا وعشائريا وحيث أرجعت القضية العشائرية الى الواجهة لتحل محل القانون ويكون الولاء للعشيرة قبل العراق,وتشجيع الحكومة على هذا المد الجديد والخطير ,وعقد المؤتمرات والتسابق على عقدها من قبل الطائفتين للعشائر لتقديم الولاءات لتفتيت اللحمة الوطنية.

- انتشار ظاهرة المطالبة بالأقاليم والضغط على الحكومة بهذا الاتجاه لخطة معدة أيضا لتقسيم العراق سواء بمعرفة من المنادين به أم بجهل منها.

هذه باختصار أسباب انهيار الدولة العراقية لا يمكن بناء العراق الحديث بغير تغيير المفاهيم السائدة في استيلاء الأحزاب الدينية وفرضها شروطها في إدارة الدولة لتصبح دولة دينية.

وأخيرا أن تغيير النظام ألبعثي العبثي لا يعني انهيار الدولة العراقية ,كما تفضل به السيد حسين,"لإعادة بنائها من جديد على أسس حضارية حديثة ودولة المواطنة والديمقراطية..." وانما فعلا البناء الصحيح المدروس يؤسس على الاعتماد على الكوادر العلمية الوطنية المخلصة وليس اللصوص والذين لا يتكلمون إلا والعديد من الحراس الأمنيين حولهم في وقت ما كانوا يحلمون بمرتب بسيط في يوما ما.وبناء الدولة الحديثة لا يتم عبر تشكيل حكومة قوامها 45 وزيرا لا يعملون إلا القليل وهدر المال العام للترضية.انهارت الدولة العراقية لأنها لم توفر الخدمات ولا العمل للعاطلين ولانتشار الفساد في أعلى الهرم السلطوي.فعن أي دولة حديثة يتحدث عنها السيد عبدالخالق حسين؟أي دولة قانون يتحدث عندما يقتل المتظاهرون المطالبين بالعمل ومحاربة الفساد والذي يعترف به رأس السلطة التنفيذية ويهدد بفضحها بين الحين والآخر؟أي دولة شعب يريدها السيد حسين بدون تمييز عرقي أو ديني أو طائفي والوزارات مقسمة على هذا المثلث الأعوج؟

الشعب يريد دولة التقدم والعلم واحترام المواطن ,وتوفر العمل ودولة عدم التمييز على أساس العرق والدين والطائفة,دولة القانون التي تحترم القانون والدستور ,دولة يخلو منها الفساد والفاسدين,دولة لا تهدر أموالها على عقود وهمية ورشاوى ورواتب خيالية وشهداء لم"يموتوا" ليحصلوا على امتيازات ,دولة يكون أكفاءها ذوو شهادات حقيقية وليس من سوق مريدي.وقتها سوف يقول الجميع نريد هكذا دولة حقيقية ويفتخر بها من يحمل جوازها مرفوع الرأس في كل أنحاء العالم.فهل العراق سائر بهذا الاتجاه الصحيح؟

 

20110915
 

 
 


 

free web counter