| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مصطفى كامل الكاظمي

 

 

 

الخميس 11/6/ 2009

 

 الصداقة البراغماتية - 6
صديق عدوي (صديقي)

مصطفى كامل الكاظمي

قال امير المؤمنين عليه السلام: (واللَّه ما معاوية بأدهى منّي، ولكنّه يغدر ويفجر، ولولا كراهية الغدر لكنت من أدهى الناس، ولكن كلّ غدرة فجرة، وكلّ فجرة كفرة، ولكلّ غادر لواء يعرف به يوم القيامة. واللَّه ما اُستَغفَلُ بالمكيدة، ولا اُستَغمَزُ بالشديدة) نهج‏البلاغة: الخطبة 200- ينابيع المودّة: الجزء الاول ص 454.

قيل ان البراغماتي وكذا الميكافيللي له القدرة على قلب بعض الموازين العرفية او الاخلاقية ومنها ميزان: صديق عدوي عدوي الى صديق عدوي صديقي،! مع ان البراغماتية أكثر ظهوراً في الفشل السياسي. فيكون عنوان مقالنا صحيحا 99.9%.!
ففي أجلى صورة يصف القرآن الكريم الحالة الظاهرية والباطنية للتذبذب البشري: "كأنهم خشب مسندة يحسبون كل صيحة عليهم هم العدو فاحذرهم..." المنافقون/الاية 4
عجيبة هذه السورة، وأعجب منها سورة براءة المسماة بالفاضحة لانها فضحت النفاق، ولولا الحكمة لكشف الرسول الاقدس اسماء من نافق باسم الصداقة والصحبة، ممن يحسبون كل صيحة عليهم وكل كلمة تتقصدهم،! ولذلك كانوا يتلصصون خشية ان تنزل بهم آية تفضحهم.

هذا في الوقت الذي جاءت مقالاتنا السابقة عن الصداقة ضمن سلسلة سياقات متواصلة لم تعتن بـ (ذي) ولا بـ (ذا) فلا نقيم للمتذبذب وزناَ، لاننا في معرض البحث عن جوهر الصداقة الحقيقية فقط، ومع هذا فالفكرة قابلة للنقاش، وقد تعودنا رغم مرارة زماننا الاغبر على تلقي الجدال بروح رياضية لاثراء الموضوع من دون الحاجة الى التذكير بان سرقة جهود الاخرين الاعلامية ونشاطاتهم الواضحة ومن ثم تجييرها زوراً وبطريقة الـ "اللفلف ميكنه" كما تلف "الدولمه" وتصويرها لسيد النعمة "الحزبي" على انها جهود مَنْ لم يخف فشله وبدرجة امتياز عكسي يصل الى عدم امكانية تحرير جملة على كافة الصعد. فهذه قمة البراغماتية كما اظن.!

ونذكر انه في وقت الدعة،! لاقت فكرة الحديث عن الصداقة بجنبتيها الحقيقية وضدها مقبولية تامة في خماسية نشرناها في الصحافة الالكترونية، فلم تصادفنا إنّة أو هنّة او اعتراض من (ذي) ولا من (ذا) أبداً، ومن هنا ربما يكون من المفيد ان نضع القارئ في جو هذه النادرة، وهي لطيفة تمس موضوعنا الصداقوي:
يحكى ان اقطاعيا كان له حلال كثير- بقر وأغنام - وعنده رعاة كثيرون يرعونها لكثرتها. وذات صباح استيقظ الاقطاعي فلم يجد مسبحته وهي من نوع "الكهرب" الثمين، فتش عنها كل جيوبه ومخابئه فلم يجد لها اثراً، وسأل أهل بيته ومن في حزانته فلم يعثر على المسبحة. فقال: ربما فـُقدت مسبحتي أو سـُرقت المهم ضاعت.
وعند المساء، عاد الرعاة من رعيهم، ومن دون أن يسألهم احد عن مسبحة الاقطاعي نط واحد منهم فرفع يديه وهتف عاليا: تعالوا فتشوني فانا لم أسرق المسبحة ولم أرها،!
هنا بحلق الاقطاعي في هذا الراعي طويلاً، وصار الشرر يتطاير من عينيه.. ثم صرخ به :
تعال هنا يا... وصار يقرّع الراعي بسوط بيده وهو يقول: والله ما سرقها غيرك، أخرجها والا فلقت هامتك.!
وبالفعل، استشفع الراعي بالحاضرين لينقذوه من سخط الاقطاعي ثم انطلق الى مكان قريب فحفر حفرة واخرج المسبحة.

رباط (الحجي) ان البراغماتي يرتبك في مثل هذه الحالة فيهم ليبعد التهمة، ويعج بالثرثرة فتخرج من فيه كلمة تفضحه أو ربما تظهر على وجهه علامة تلعنه وتكشفه، وصدق أمير المؤمنين علي عليه السلام حينما قال: "ما أضمر أحد شيئا إلا ظهر في فلتات لسانه أو على صفحة وجهه "راجع نهج البلاغة.
ويؤكد عليه السلام ايضا: "الاخوان صنفان: إخوان الثقة وإخوان المكاشرة"بحار الانوار.

من هنا كذلك، تظهر اهمية التفتيش والبحث عن الصديق بنوعيه: الحقيقي والمزيف. والاخير يمثل حالة أقل ما يمكن وصفها انها نفاقية سرعان ما تطفح على سطح كل علاقة تبنى على أسس مغلوطة. هذا فيما يقرّ علماء الاجتماع بوجود ظروف تلعب دورا خطيرا في حرف "الجيد" عن مبدأ الصداقة، فتوقعه في بئر سحيق من خلال دفعة غادرة من براغماتي يسعى لاقتناص بعض الغافلين فيستزلهم.
الذي يبدو، أن البراغماتية تتعكز على سياسة "فرق تسد" وهي سياسة يهودية المنشأ بريطانية التنفيذ، وألف تحية للمهاتما غاندي عظيم الهند حينما قال: "لو اختلفت سمكتان في اعماق البحر فلا تبرئوا بريطانيا".!

هذا من ناحية المؤثر الخارجي السيئ الصيت، وهناك مؤثر يرتبط بالبيئة، وهو ما أشار اليه المتنبي الذي يرى أن أسوأ البلاد تلك التي لا يجد فيها المرء صديقا حقيقيا:

شر البلاد بلاد لا صديق بها              وشر ما يكسب الانسان ما يصم

واخيراً تبقى الحكمة الخالدة سارية المفعول: [ليس العيب ان تعثر فتسقط ، انما العيب ان تبقى ساقطاً].

في الحلقة القادمة سنعالج سبل الصداقة الحقيقية.


ملبورن- شتاء 2009
 

free web counter