| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

موسى الخميسي

 

 

 

الأربعاء 9/5/ 2012



ديوان المراني (من الهمزة الى الياء)
سفر شعري كتب بالحبر العباسي

موسى الخميسي

عند التأمل والتحليل في تجربة الشاعر العراقي الراحل تريكو المراني ، نجد في رؤيته الابداعية نزوعا نحو تزاوج الاضداد، فلكل قصيدة خصوصيتها، عروضها واجروميتها وإيقاعها ومناخها، اي هي متفردة بعاملها الخاص، ولكن هذا التفرد والخصوصية ليسا انقطاعا عن الواقع، بل هما تحليل واعادة صياغة للواقع صياغة مدهشة ومثيرة تجعل القارىء يكتشف هذا الواقع اكتشافا جديدا، بحركيته لابجموده، بإمكانياته ولانهائيته. كما ان هذه الرؤية الجديدة لشاعر تقيد بالقافية الشعرية وموسيقاها العذبة، تدفع المتلقي لان يدخل القصيدة في عالمه هو، فتجعله يحرر خياله ويغوص في ذاته ويكتشف اعماقه.

والقصيدة عند المراني عالم متكامل، كائن حي، نسيج نابض ينبثق من الواقع ليصب فيه.

إذا المرء لم يدرك اله العوالــم فكيف يعيش المرء عيش المكارم
سعيت فلم اعشق من الكون ظله كما عشق الجهال مرأى المظالم
وأيقنت ان المـــــرء عبد عقيدة مرواغـــــــــة تذوي بغير جرائم
فلـــــــم يعبد الرب ابتغاء هداية سوى قانـــــع راض بسيط مسالم
يحب فعال الخير في كل موطن ويحنو على كل الورى والسوائم

وقال

لو كُنتَ تعلمُ ما في الكونِ مِنْ نـُظـُـمِ ومنْ قوانن فوقَ السـمعِ والبصــرِ
لاشتقتَ أن تذرفَ الدمعَ الغزيرَ على ما فاتَ من ضائعِ الأيامِ والسـّـــيرِ

وقال

هوَ الربُّ لا عيني تراهُ ولا يدي تمسُــــــهُ لكنّي بقلبي أعــــــهدُ
هو النـَّفسُ بالعقلِ العظيـمِ وإنني بمعرفتي الجمعَ العظيـمَ موَحـِّدُ

وقال

ألا عِمْ صـباحاً أيـُّها الفـَننُ الغضُّ فلي فيــكَ في عَهدِ الصـِّــبا بَعضُ
ونحنُ جميعــــاً في ثـَرانــا منابتٌ تـُدَفـِّئـنا شــــــمسٌ وتُطعِمُنا أرضُ
ومنـّا بديــــــعٌ أو بهِ حـُـلوُ مَـأخـذٍ ومنـّا قبيـــحٌ أو بهِ المُرُّ والحمضُ
فـذا يحتويهِ حـبُّــنا وابتهاجـُنـــــــا وذا يحتويهِ السَّخطُ والذمُّ والبُغضُ

وقال

ليسَ الغنيُّ جَــــــواداً في عطايــــاهُ إن لم يكُنْ جُــــودُهُ يحكي نوايـاهُ
فلا يغـُـرَّكَ منهُ حـُســــــــنُ مظهرِهِ فالمرءُ قيمةُ ما يأتي بهِ ســـجاياهُ
لا يُحسبُ الجُّـودُ إنساناً إذا بُسِـطَتْ يـدٌ الأميرِ لِمَدحٍ مِن رعــايـــــاهُ
كمْ منْ أميــــرٍ أفاضــوا في مدائِحـِهِ ثمَّ انثـنوا بهجـــاءٍ في خـطايـــاهُ

ومع ان العديد من قصائدة تذهب بعيدا في الواقع الذي يحيطه، الا ان هذه العلاقة بين الشعر والواقع ليست علاقة محاكاة مبسطة، فقصيدته لاتحاكي ولاتقلد الواقع، وانما ان صح التعبير فهي تخدش وتهز هذا الواقع لتعيد صياغته من جديد، تنزع قشوره، ترفع عنه القناع، تعريه لتكشف اسراره وخفاياه.

إذا انت كنت من أبناء آدم إخوتي فانت اخــــي لكنني منك أعــلم
وإن كنت من خلـــــق الاله فإنني اخوك ولكن أنت في الخلق أظلم

انه يذهب بعيدا مع الرأي القائل ان الشعراء يجب ان يكتبوا عن شؤون زمانهم بلغة الحياة اليومية

لا يمهل الموت نفسا إن أراد لها عز الخلاص من الدنيا وما فيها
كنـــــا قصائد لا يسطيع ناظمها أن يذكر اسما لها إلا قـــــوافيها

ولهذا نرى لغة الشعر عند هذا المبدع الذي ظل بعيدا عن الاضواء حتى نهاية عمره، تحي المفهوم الجاهلي الاسلوب الشعري كرؤية ،ببصيرة اشمل وانقذ، استطاع من خلالها استخدام المفردات والاستعارات الكلاسيكية في الحديث عن الاطروحات المعاصرة.

آمن بالنفس إيماني ببارئــــــها وتكشف النفس اسرارا لقارئها
واوضح الكتب الدنيا لفاهمـها وأيسر الظلم العليــــــا لدارئها
 


* عن دار لوتس للاعلان والنشر في مدينة دبي صدر ديوان الشاعر العراقي تريكو صكر المراني(1925- 2011) بحجم من القطع الكبير(782 صفحة) وبطباعة انيقة، احتفاء بالذكرى السنوية الاولى لوفاة الشاعر في دمشق التي تصادف هذه الايام. تخرج من كلية الحقوق في بغداد عام 1946، رسام ونحات وخطاط واشتهر بمهنة النقش على المصوغات الفضية، وكان مرجعا في اللغة العربية والنحو والعروض، له العديد من المؤلفات الغير منشورة منها : الموشح، في العروض، الاصل في بحور الشعر، النثر، وغيرها، كذلك له عدد من الكتب المترجمة عن الانكليزية


قصة هذا الديوان كما يرويها ابن الشاعر السيد ضياء المراني


قصة..... ديوان المرّاني

ضياء تريكو صكر

كان أحد أيام الخريف السـوري... سألت والدي.. هل تسمح أن أحمل نتاجك أو على الأقل ديوان المراني معي إلى موطني الجديد... سكت برهة من الزمن... أجابتني دموعه... هل تريدني أن أموت وما زال قلبي ينبض حياة ؟؟
قبلت يده... عفوا أبتي... إعتقدت أنها أكثر أمانا هناك.. ومسحت دموعه بدموعي ولسان حالي يعذره إن كان نتاجه... هو حياته.. وهل أكثر مني يعرف هذه الحقيقة؟
ما هي إلا سويعات ويأتيني والدي بقدح الشاي الذي أقدسه، وقال.. بإمكانك أن تأخذ الديوان والمؤلفات الأدبية..وبكيت أكثر... هكذا حملت الكنز معي من جرمانا إلى أوكلاند..
لم يمض عام.. وجاء الربيع السوري "مع أني لا أشم رائحة الورد"، وأصيب والدي بتخثر في الدماغ ليقيم في غرفة العناية المركزة في مشفى الشـــفاء... وحلم جديد راودني... أن أقبل يده وهي تنبض... ولا أخفيكم.. لم يشجعني أي من أقاربي ومعارفي على زيارته في زمن الربيع باسثناء حبيبتي... صديقتي وزوجتي التي تقرأ قلبي قبل عيوني.. وهكذا حقق الله لي أن أقبل يده... والعجيب... كل العجب.. إذ نادته أختي وهو في غيبوبته ... بابا.. هذا ضياء يقبّل يدك... كانت عيونه تلتفت ولا يقوى رأسه على الحركة.. فتسيل دموعه... وأنامل يده يحركها حين أقبلها.. لن أنسى والله هذا..
بمثل ما استقبلته، ودعته بعد أسبوعين... وعدت... وجاء الخبر مع رنين الهاتف... وعويل النساء يزف جسد والدي إلى السويداء...
وجلست.. لأتعب... وجفت دموعي لشدة ألمي.. وما زلت أذكر برودة دمع حبيبتي على خدي الساخن.. سألت نضجها.. بودي أن أصرخ... هيا.. قالت............. وكانت................ بـــــــــــــــــــــــــابـــــــــــــــــا
أنتهت المراسم... وجاء زمن الوفاء
النقود... ممكن تدبيرها... كل ما نملك... ويمكن أن نأخذ قرضا من البنك.. (بالمناسبة... قد صرفنا، أخي كامل وأنا كل ما نملك إضافة إلى قرض البنك... وبدون مبالغة)
ولكن.. كيف والديوان في نيوزنلاندة... وكيف يمكن أن نسلم هذا الكنز لأيادٍ غريبة.. وأية ضمانات ونرى غدر الإخوان قبل الأغراب....؟؟؟
قالوا العراق.. وسوريا... ومصر.. وتونس... والأردن... سألت واستقصيت.. فاستقر الحال أول الأمرعلى لندن... وللإمانة، كانت إرادة الله توجه الخير أمامي بشكل عجيب... وما وقعت في مشكلة حتى نرى حلها بلمح البصر... لقد نصحني مالك الشركة في لندن بالذهاب إلى دبي.. وكان لصاحبنا في لندن صديق في نيوزنلاندا أسمه أبو ريا... نصحني بالإتصال برئيس مجلس إدارة إحدى المؤسسات الخاصة بالتصاميم والإنتاج الفني... محمد فهمي... وهو عراقي الأصل يعيش في دبي منذ ٣٥ عاما... وتشاء الصدف أن ألتقيه بعد أسبوع واحد.. وعن شهامة هذا الرجل يمكنني أن أؤلف كتابا
تم عمل نسختين من الديوان... ختمت كل صفحة... تم التوقيع على محضر استلام كل النسخ بالأختام والتواقيع.. تم التوقيع على عقد التزامات الطرفين ومن بينها مخاطبة وزارة الثقافة والإعلام الإماراتية ومن خلالها الجهات الدولية للحصول على الرقم الدولي وحقوق النشر والطبع.. وكذلك مراجعتي للتصحيح اللغوي بعد التنظيد... وهنا واجهتني أكبر مشكلة... حيث أن المصحح اللغوي كان كثير الأخطاء في النحو وهو لا يعرف من العروض شيئا، علما بأن كل كلمة في الديوان كانت محركة من قبل والدي... شكلت لجنة للفصل بيني وبينه، وكان رئيسها أستاذ اللغة في جامعة الشارقة... وأنصفتني اللجنة، وقد ساعدتني في حججي خمس معاجم للغة وكتابان عن ميزان الشعر وعروضه... حمدا لله
كان علي أن أراجع كل كلمة من آلاف الكلمات.. وعملت ما بوسعي.. والحق أقول أنه جلّ من لا يخطيء... فقد وجدت بعض الأخطاء، وسأتجاوزها في الطبعة الثانية بإذن الله.. فعذرا لوالدي... ولكم
بعد ثمانية أشهر.. جاءت البشرى مع الرقم الدولي... وكانت أي الشموس
حرصنا على أن تكون الطباعة جيدة بمواصفات الورق والتغليف... فكانت شركتان.. إحداهما للطبع، والأخرى للتغليف
وهكذا.. صدر ديوان المراني... وللأمانة التاريخية فقد أضفت عبارة من الهمزة إلى الياء فقط... لم يحذف أو يضاف حرف واحد
تم طبع ٢٠٠٠ نسخة فقط، وزعت بحدود ٣٠٠ نسخة كهدايا لحد الآن
تم شحن ٣٠٠ نسخة لكل من... العراق، السـويد ونوزنلاندا والباقي في دبي وأبو ظبي
أكرر ما قلته مرارا وتكرارا... لنرقب التاريخ والزمان... فهما خير منصفين
وآه.......ليتني وفيت











 


 

free web counter