| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

موسى الخميسي

 

 

 

الأحد 6/9/ 2009



بيان من اجل انقاذ طائفة الصابئة

موسى الخميسي

ما كان من الممكن لهذه المظاهر المتزايدة في ابادة الاقليات الدينية في العراق وبالاخص طائفة الصابئة المندائيين ان تستقيم وتستقر بهذه السرعة، لو لم يكن فكر العديد من الطوائف الدينية الاخرى التي تتحكم بمصير البلاد، ظل يحمل في رحمه منذ عصور طويلة البذور العفنة والمسوخ الفظيعة لابادة الاخر ومحوه من الوجود. وهو تاريخ تكوين عبودية جديدة، عبودية الاغلبية التي تستكمل بناء اركانها يوما بعد اخر. لكن الغريب هو ان نعتقد ونعمل ونحن مجردي من سلاح القتل والتصفيات التي يمتلكها الاخرون، على اساس ،ان الاخر الذي شاركناه الدفاع عن حرية الشعب وقدمنا الكثير من دماء ابنائنا على مذبح درب النضال الطويل، بحثا عن توحيد الكلمة واشاعة الديمقراطية لشعب حلمنا زمنا بان سيكون سعيدا يوما ما. فان هذا الاخر وهو الاخ الكبير، يبتعد عن صرخاتنا، ولم يعد ينصت الى محنة وجودنا، التي تطرق ابوابها كوارث حقيقية تنثر قوى الارهاب والتسلط بذورها في ارض الوطن.

لايظهر التاريخ اذن ومنذ عقود طويلة على الاقل خطا متصلا لتكوين امة عراقية موحدة، تعكسها وحدته الاجتماعية والثقافية ووحدته السياسية، ولكنة وطيلة هذه المسيرة الطويلة التي عمدها الالم وضراوة النضال ، في العهود الغابرة ، عبرت عن التفكك الثقافي والاجتماعي والسياسي والاخلاقي، نتيجة تزايد تسلط وهيمنة بما يفترض بهم ان يكونوا اخوتنا الكبار ، وعن تفاقم الخضوع والتبعية الذليلة لهم على كل الاصعدة ، من اجل مراضاتهم وطلب مودتهم واخذ أمن وجودنا من بركاتهم وتسامحهم معنا ونحن من بناة مبدأ التسامح. وهذا يعكس النتيجة التي وصلنا اليها في السنوات الاخيرة بعد عملية التغيير السياسية التي اطاحت بالحكم الديكتاتوري الفاشي ، لتتحررطوائف وفئات ، وتستعمر طوائف اصغر منها، وتنهار احزاب وتصعد احزاب... الخ.

هذا هو تاريخ اخفاقنا الوطني المستمر، الكامل والشامل، هذا الاخفاق الذي هو تاريخنا الحقيقي في الزمن الراهن. والسؤال الكبير الذي يستحق ان يطرح اليوم هو التالي: لماذا يظهر تاريخ العراق منذ سقوط النظام السابق على الاقل الى اليوم كسلسلة متصلة من الاخفاقات على جميع الاصعدة وكعودة دائمة الى الصفر؟ وقمة هذه الاخفاقات دون شك هو الاخفاق في حفظ صورة التضامن الحقيقية والفعلية، بين جميع مكونات الشعب العراقي، بدلا من السعي لاضعاف اصغر حلقات هذا البناء وفقدانها القدرة يوما بعد اخر على صيانة نفسها ووجودها المادي داخل تركيبة هذه الامة، وهو ما يعكسه هذا التقهقر، وما عمليات الاغتيال المستمرة لابناء الاقليات العراقية الصغيرة وعلى رأسها ابناء المندائية ، الا صورة لفقدان وسائل الدفاع عن الذات والاستسلام للابادة النهائية من اجل تغير ميزان القوى نهائيا ولصالح طوائف وفئات دينية كبرى متحكمة.

هذا الاخفاق المذهل للمؤسسات الامنية والدينية والسياسية الكبرى في دولة العراق من اجل حماية وصيانة اللحمة العراقية والحفاظ على وحدتها ، ليست، لا عارضة ولا معلقة في الهواء، انها الحلقة الاخيرة في تاريخ طويل وثمرة ونتيجة له. هذا التاريخ الذي بنى نفسه على التناحر وتسلط الاقوى على الاضعف ، الاقوى الذي تحاول زعاماته ان تبيض بشرتها وتلميع شعرها، وتساعدها في ذلك النعمة البادية على الوجوه والتي اكتسبتها في السنوات الاخيرة ليضيق افق العديد من ابنائها وتتحدد ذهنيتهم، وليخلقوا اوهامهم، ويقدسوا القوة، اي باختصار الملاء الكاذب والفارغ والاستلاب والمنفخة والغرور والتظاهر، وهذا يمثل هزيمة منكرة للامة العراقية والتي هي اولا هزيمة طبيعة الانظمة وتحصصاتها وطوائفها .

التحديث والعصرنة والدفاع عن ابناء المندائية بالداخل هي الكلمات النزيهة والحيادية التي يطالب بها البعض من ابنائنا والتي وصلت ببعض المخلصين الى طلب اصدار فتاوى من الجهات والهيئات والمرجعيات، صاحبة الامر ، لانقاذ الاقليات وتوقف ظاهرة التوحش المتفاقم عند بعض الفئات المنفلتة، ومحاولاتها، في انهاء مصير هذه الاقليات الضعيفة. ان نمو ثقافة الكبير وتسلطها يعني تاريخيا القضاء على الوعي الوطني الجامع، اي على الجهد الجدي والمثابر لادراك وفهم الواقع والكشف عن حلول للمشكلات التي تعترض الجماعة الدينية والاثنية الصغيرة من الموت الذي يركن الى جانب ابوابها. ان الصورة الماثلة امامنا هذا اليوم تقوم على مبدأ قتل الاخر وانهاء وجوده وحصيلته الاسترقاق والاستعباد الديني المطلق.

ليس الوصول الى هذه النتائج، لامن قبيل الصدفة ولابسبب جهل ولاثمرة اخطاء معينة لهذه الجماعة او تلك ولهذه الطائفة او تلك ، بل هو التطور الذي سار به النظام الاجتماعي العراقي الذي استندت عليه وخلقته حركات التطرف، والتي تقوم على عزل الاخر والاستئثار بالسلطة والثروة والوجود، والتركيز على الفروق والتمايزات الطائفية والقومية وتقوية مواقع الاكثرية، وعزل الاقلية، واستبدال وتأمين اجهزة قمع جديدة لحفظ السلطة والنفوذ وامتداد سيطرة القهر.

لهذا نطالب الامانة العامة للدفاع عن الاقليات الدينية في العراق بعقد مؤتمر عاجل لوقف مسلسل ابادة الاقليات العراقية، حتى لايكون عمل هذه الامانة منحصرا فقط باصدار بيانات الاستنكار، اذ يترتب على هذه المنظمة القديرة، وبالتعاون مع الروابط والتجمعات والمنظمات والاحزاب السياسية العراقية والعالمية، ايجاد مخرج منقذ يسمح بتعزيز التضامن الوطني الذي يسير نحو التآكل، وان تتم مطالبة صريحة ومباشرة لكل اصحاب الامر سياسيا ودينيا وامنيا ، الى وقف نزيف الاغتيالات والاغتصاب واجبار الناس على تغيير عقائدها الدينية بقوة السلاح ، وايقاف فرض الاتاوات، وممارسة الابتزاز المتسلط على ابناء الاقليات باعتبارهم من( اهل الذمة).

نحو مؤتمر تتجسد فيه وحدتنا بما ينسجم مع امكاناتنا وقدراتنا وآمالنا وطموحات ابناء جميع الاقليات العراقية، وكل قوى الخير من ابناء شعبنا العراقي.

 


 

free web counter