| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

موسى الخميسي

 

 

 

الأحد 2 / 11 / 2014



خائفون

موسى الخميسي

نعم ، نحن المندائيون نخاف. نقولها علانية وقد انتبهنا أنها، لفرط بداهتها، لم تعد هناك حاجة لقولها. لفرط ما ألفناها ، ومنذ زمن بعيد ، امتدت طيلة اعمارنا واعمارآبائنا واجدادنا ، لم تعد كلمة فحسب صارت في دمنا وفي وجودنا. نخاف بل نحيا في عالم من الخوف. يمكننا القول، إننا الان، لم نخاف في اي يوم من ايامنا الماضية من اعمارنا بهذا القدر من الخوف ، رغم أننا تربينا على الخوف وعشنا في كنفه. لم نخف يوماً بهذا القدر لا لأن الخوف درجات فحسب، بل لأننا صرنا في يوم ليس فيه إلا الخوف.

الخوف وحده الآن صنمنا وإمامنا, الخوف وحده الآن سيدنا ومعبودنا، عشناه في مدارسنا وبيوتنا واماكن عملنا، وكنا نخفي انتماءاتنا الدينية عمدنا، لئلايفتضح انتماءنا الديني .

انه خوف طفولي، وهو يمثل حالة انتكاس إلى خوف طفولي، في لاوعينا، أو الباطن ، للحد الذي اصبح عند بعضنا نوعاً من فوبيا. انه خوف مشخّص مجسّد، خوف من خطر يقترب على الباب في كل مرة، نشعر اننا ابناء طائفة دينية تعتبر نفسها ،اول الديانات التوحيدية ، خوف من خطر ماثل حاضر، انه خوف شيوخنا ورجال ديننا وآبائنا ، الذين كانوا يمشون في الطرقات المظلمة عودة الى بيوتهم، يخفون لحاهم في كوفياتهم، خوفا من اعتداءات الغير عليهم (لحية الصبّي مكناسة) خوف نسائنا اللواتي كنّ يحضرن مآتم المسلمين في شهر محرم، ويصمن في رمضان، ويلطمن على سيد الشهداء الحسين بن علي، وخوف اطفالنا في المدارس (صبّي ما ياكل باميا الا مخطانة بالجدر)، الذين كانوا يحضرون درس الدين وقراءة القرآن الكريم وحفظ سوره، خوفا من حقد المعلمين الذين لا يتورعون عن ضربهم بعصا الطاعة، بدون اي سبب او مبرر، سوى انهم اكثر نباهة وحفظا في درس الدين . انه خوف من الماضي، يمتد الى الحاضر ومنه الى المستقبل، من أنفسنا ومن غيرنا، من عالم يزداد انحطاطاً وجنوناً وعسفاً، يحمل صورة داعش واخوانه.

نعم نحن في طور الانتكاس والانحطاط والتخلف، كلمات ثلاث ولكل واحدة هولها.

لنقف على واحدة منها. لنقل إنها الانحطاط. مر بجميع من مروا في مرحلة عمري الستينية، عاشوا قيم واساليب هذا الانحطاط ، التي تكرست وصارت في ذاكرة وتاريخ كل منّا. وقد تأسس مثل هذا الخوف في هوياتنا وشخصياتنا، ولحق ببعضنا حد الحذر من تدمير للذات ونسف الأسس السلوكية السليمة وإطلاق سراح العنف والانتقام، فانتمى بعضنا دفاعا عن النفس والعيش، ومن اجل امتلاك موقع في مؤسسة المسؤولية، الى حزب الفاشية التي عنيت بالسلوك العدائي للاخر واحتقاره ومحاولة هدمه وابادة كل من اتصل بالثقافة أو العلم والمعرفة، وها هو المثال الذي يتراءى لنا الان ويحفز فينا تلك المخاوف القديمة، حينما نفكر بداعش،. هذه المنظمة الارهابية التي تريد خلق الإنسان يزداد إمعاناً في تدمير الجمال والحبّ والخير والسلام والحقّ والعدل والحرية؟. إنها طهرانية تنقلب إلى ذبح مطلق السراح. انه خوف يجيء من استرداد أو غزو المثال المرعب الذي يؤدي إلى استئصال كل من يملك بسبب انتماءه الديني وعقيدته ومذهبه اختلافا.

وهذا الخوف (الشرّ) الذي يتحكّم بالعقل البشري، وهو يحمل هذا الكم من المظالم الكارثية التي نشهد الكثيف منها في ديارنا العراقية الذي يتنقل بهلوساته وأحلامه وكوابيسه وشحناته ومطامحه المرعبة، من قفزة عمياء إلى قفزة عمياء أخرى. انه سباق مع الزمن كان يعيش في ذهن الاجداد والاباء وانتفض في نفوسنا،(متمنيا ان لاتنتقل عدواه لاولادنا) حتى وان كنّا بعيدين عن ارض الوطن ، لا نستطيع رفضه لأن في أساسه الرفض اللاواعي للخوف .

لكن، هل علينا حقاً أن نظل خائفين ؟.
 

free web counter