| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

موسى الخميسي

 

 

 

 

السبت 23/9/ 2006

 

كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 

المثقف المندائي ورهان المستقبل


موسى الخميسي/ روما

ماهو الدور الذي يمكن ان يضطلع به المثقف المندائي في المشهد السياسي الدامي في العراق الملغوم والمشحون بالقتل والدمار وتصفية الاخر والذي يصطلي بلضاه ابناء المندائية الان؟
سؤال متفاعل ومتناسل، بالغ الاهمية والحساسية يؤكد ان ثمة رسالة سياسية واخلاقية في عنق هذا المثقف ، مهما حاول التنصل منها والتحرر من اعبائها واقتضاءاتها والترفع عن مشاكلها وهمومها.
كان المثقف المندائي في منتصف القرن الماضي ، منخرطا في السياسة مسكونا بهمومها واسئلتها ومنغمرا في غماراتها، ومنها الى هموم المجتمع ومواقف السلطة السياسية النافذة آنذاك، الى جانب انشغالاته الفكرية بهموم العالم واسئلته وقضاياه المصيرية، وكان مشاركا فعالا بالحركة الوطنية في نضالاتها، وقدم العديد منهم الثمن الغالي، بالاعتقال والسجن والشهادة او الموت.
اليوم ..المثقف المندائي ، وهو يجد نفسه ملتحما باسئلة المرحلة الساخنة، اصبح حالة اصغاء عميقة لنبض الواقع الاجتماعي، زاهدا في السياسة عازفا عنها في احيان كثيرة، ويحاول جهد امكانه صون حقوق الانسان والدفاع عن انسانيته ومجابهة كل ما يتهدد هذه الانسانية وينتهك كرامتها وحرمتها التي تتعرض في العراق من انكسارات واحباطات سياسية ومصيرية.
هو ضمير جماعته ولسانها الناطق الصادع بالحق، لايتوانى في حمل المشاعل في الليالي الحالكة والشدائد الفاتكة التي يعيشها ابناء جلدته، فهو منذور لان يكون عضوا بامتياز، حسب المنظور الذي حدده الايطالي غرامشي.
هذا المثقف يجب ان يكون سلوكه معياريا ونقديا، فنحن لايسعنا هذا اليوم ان نغير ما حدث، لكن في استطاعتنا ان نغير نظرتنا اليه ، وهي الرؤية التي تعتبر عنصرا اساسيا في مواقفنا كمثقفين، فالمهمة الرئيسية للمثقف المندائي اليوم ، ان يصلح ويقوّم ويؤسس، وهو ما يعني يقينا اصلاح وتقويم وتأسيس وظيفته النقدية على اسس ديمقراطية، ذلك ان الديمقراطية هي النظام المتأسس بشكل واضح على الرأي وتصادم الآراء وصوغ رأي عام.
على المثقف المندائي ان يعي تماما بان الثقافي هو رهاننا على المستقبل، فهو الدعامة لرؤيتنا لامتحان وجودنا وحفظ تواصلنا واستمرارنا،، فالعامل الثقافي ، هو الذي يرتبط بجهودنا الانسانية ويرمي الى تحسين شروط واقعنا الى الافضل. والمثقف يمثل التعبير الاكثر نضجا وعضوية في التقاليد والقيم وطرائق التفكير في عالم اليوم، وهو قادر على كشف التناقضات التي تعتري مسيرة اي جماعة او طائفة وتعريتها ،ومحاولة بناء تجمع انساني يتمتع بأطر اجتماعية حرة ترفع الناس نحو حياة افضل اكثر انسانية واكثر اشراقا وتنسجم مع اطر ومتغيرات العصر.
ان وجود المثقف المندائي اصبح اليوم امرا حيويا وذا دلالات مهمة لانه عنوان مهم لطائفتنا الضعيفة عددا وقوة لايمكن ان يستغنى عن وجوده الذي يمكن ان يترجم ويصور الاحداث التي تجري بصورة معرفية محاولا بيان اسباب وآثار هذه الظروف والارهاصات التي تجري للطائفة في محاولة لالغاء وتهميش هذا التجمع التاريخي البشري العريق من قبل قوى الظلام والسلفية.
عبر رؤية المثقف الفكرية العميقة ومن خلال مفاهيم نقدية والتزام ثقافي وعبر آ لية تطبيق هذه الرؤية يستطيع المساهمة الفعالة في ارساء قيم انسانية وعصرية في واقع تسودة حالة التشاؤم، الا ان هذا المثقف عليه ان لايفقد الحرية من خلال اختياره المغلق لهويته الدينية، فلا وجود لـ" الانا" الدينية والقومية والطائفية اذا لم تكن متضمنة " الاخر". فوجود " الانا" لايكون الا اذا كان يتضمن " الاخر" في داخله، والا اذا كان يشترط معرفته ايضا، لذا علينا الابتعاد عن الترويج السطحي لمفهوم الهوية الطائفية، الذي هو بمعنى مضادة " الاخر" وهو ما سائد عن بعض من مثقفينا المندائيين.
ان احد اهم مقومات هوياتنا كمثقفين، هو الدين، ففي الوقت الذي لاتزال مفروضة علينا، ومنذ عشرات السنين امكانية الكشف التاريخي لوحدانيتنا وايماننا بالاله الواحد، فانه يمكن الاشارة الى ناحيتين في تمسكنا الديني : الاولى وهي الاعتقاد النفسي الذي يتجلى بالايمان حيث تتحدد وظيفتة الرمزية في ممارساتنا الحياتية اليومية، والناحية الثانية وهي النظرة الى العالم والتعاملات البشرية بعدل ومسؤولية وانفتاح، وهي الناحية التي يجب ان نخوض فيها تفكيرنا وفعلنا التاريخي ،وننال من خلالها القيمة المتمثلة في الهوية الروحية.
والمثقف المندائي، بكونه ضرورة صحية في واقعنا الحالي الذي يتصف بمرارة مواجهة تصفيته والغاء تاريخه له دور يتحتم عليه القيام به وان يكون نواة مفتوحة لتغيرات العصر وان يساهم في ممارسة نقد مستمر لاي ظاهرة تستدعي النقد، وان لايكون ملتصقا بالحاكم مهما كان ذلك الحاكم، وانما مطالبته ازاء من يحكم بان يكون عادلا وليس شيء اخر، وهذا هو مكمن قوة المثقف الروحية والاخلاقية، لان الثقافة هي جزء هام من تكوين سيمائيات اي جماعة انسانية، اذ لايمكن ان يحصل اي نوع من التغيير او التطور دون ان تكون هناك ممارسة فكرية للمثقفين ،لانهم الشريحة التي يمكن ان تستشرف المستقبل وتجد السبيل الذي يمكن من خلاله توحدنا.
علينا واجب يتمثل بتفعيل كل الوسائل المتاحة وغير المتاحة، لحفظ تواصل واستمرار المندائية وبقائها، ومركب الانقاذ الوحيد هو الجانب الثقافي، فهو الجسر الممدود وهو رهان المستقبل، وعلى المثقفين ورجال الدين المتنورين ، ان لاتثنيهم الظروف التي يمر بها العراق عن الاستمرار في نهجهم الثقافي، وان يكون لكل منهم حضور في المنديات الثقافية العراقية والعربية والعالمية، حضور لمأساتنا وحقوقنا المهضومة قبل ان يكون حضورا للمثقف نفسه. لابد من تنظيم دقيق وسليم ومراجعة حكيمة وسريعة لشؤوننا وطقوسنا وشعائرنا بما يتوافق ويحقق توازنا صحيحا بين مصالح الطائفة وديمومتها واستمرارها، ويراعي متطلبات العصر، ويضمن حقوق الانسان المندائي الجديد، عبر عمليات مراجعة بناءة، عميقة وصبورة وطويلة النفس، نكرم بها انفسنا ووطننا العزيز بدل ان ننتظر تكريما من الوطن نفسه.