| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

موسى الخميسي

 

 

 

 

الأحد 1 / 4 / 2007

 



الدموع لا تليق بـفرج عريبــــــي


موسى الخميسي *

عندما فكرت بألم ، بالكتابة عن هذا العلم المندائي الذي تنحى جسده عنا ليذهب الى الغياب البعيد، وليظل حضوره عامرا بذاكرتنا، قادني التفكير من غير عناء الى بغداد، التي اقمنا فيها ولاتزال تقيم فينا، والتي تتحول هذا اليوم تحت وطأة هواجس الموت لتصبح اشبه بالثكنات العسكرية المتكاثرة في العديد من احيائها وشوارعها ومنازلها، تذكرت الفقيد ابا نبيل العزيز في اروقة العديد من الصحف والمجلات العراقية التي كنت اتواجد فيها ، الف باء، مجلتي ، المزمار..الخ، بقامته القصيرة وملامح الفرح الدائم على وجهه ، وقلم الرصاص الذي لايفارق اذنه اليمنى ، وابتسامته العريضة التي لاتهاجر وجهه المندائي الجميل . لقد كان اسطورة فرح حقيقية ، كمن يبحث عن سر الحياة في قلب الحياة نفسها، طافحا بنفسه وابداعه ودعاباته وذكائه الذي لاينضب ، وتلك خصال لاتنشأ من اهواء النفس وحدها بل تنشأ من رحم ثقافة وتاريخ. وقد مثل الفقيد بحق ثقافة الابداع وسار بها الى نهاياتها. لقد كان حفيد الاتساع والتحول وابن المعرفة العلمية واللغوية اينما حلت، وكان ابن عصر من الوعود والصواعق والاحلام الانسانية النبيلة. واذ كان كثيرون تزعزعوا في نصف الطريق، فان هذا المربي الكبير زاد تشبثا بالمبادىء الانسانية بقدر ما كانت معاول الفاشية والعنصرية تخسف بالاحلام التي كنا نعيشها. لقد كان ورشة وطاحونة افكار وانتاج لاتنضب، كان قادرا على ان يصل بكل شيء الى حافة النهاية، قادرا على الرجوع الى الصفر والابتداء من جديد. انها ملكات كثيرة ساقها صاحبها بموهبة حقيقية كبيرة لاتتعب نفسها من عناء او تحدي . كان سعيدا بفكرة انشاء دار نشر مندائية اقامها اتحاد الجمعيات المندائية في المهجر، واول المتبرعين لدعمها ماديا ومعنويا، وكان اكثر سعادة بفكرة رابطة مندائية للمثقفين المندائيين، واول من طلب الانضمام اليها، وكتب لي عدة مرات " بضرورة الانصراف خارج احزاننا لان سرعان ما ستدور الحياة دورتها وسرعان ما نعود الى ما كنا عليه نكافح بالكلمة حد السيف" وها نحن نقول في غيابهم وحضورهم اننا ايضا مثلهم نستطيع ان نجبر من يترصد وحدتنا على التخفي والاندثار.
لازلت احفظ وصاياه لي في محبة الابداع وروعة البحث عن الجمال ، والحقيقة، والحرية، وعدم القبول بالعيش في النقصان.نعم سنتفرق، والالم بفقدانه باق، ومعه تأبى ذكراه ان تفارقنا نحن الذين عرفناه، فهو سينتصر معنا، مع شعب اعزل مسالم ممتلىء بالمعرفة، فذكرى مثل هؤلاء تظل مشرعة للضوء القادم، تذكرنا بعناد محباتهم للحرية التي نناضل من اجلها.
لربما تصمت بعض الكلمات امام هذا الموت الذي يأخذ احبائنا، الا ان بعضها سيقود طريقنا لنقول الى ابناء الجيل الذي تلانا كم اننا نحب الحياة وكم اننا لانزال نملك احلامنا الكبيرة في بساطتها، فنحن نتعلم من الغائبين كيف نقبل بالرأي المخالف، كيف نصبح مواطنين في الحرية . علينا ونحن نودع ابا نبيل الوداع الاخير، ان نحتفظ بذكراه في قلوبنا ووجداننا، لانه واحد من الذين اسسوا لنا هذا المستقبل الذي لانريد ان نقفده بعد ان اضعنا الماضي.
ونحن نودعه، لابد ان يكون الوداع مناسبة لحبس الدموع وخلق التماسك، ودرسا في التمرد والانطلاق الذي وسم حياة هذا العلم المندائي الموسوعي، حتى لايستطيع التشتت الذي نعيشه الان ان يهدد كياننا، فقد كان مدافعا عن وجودنا وحريتنا التي كان يرى بها دفاعا عن العراق، دفاعا عن العين الممتلئة بالماء والاحلام لا بالدمع والدم ، عن الروح التي تسكنها المعرفة، لا الروح الممزقة اشلاء في الخراب والتلاشي. الدفاع عن الحرية التي كان يرى بها دفاعا ضد الهيمنة الطائفية والمذهبية والعنصرية، الدفاع ضد قتل الآخر.
نعاهدك يا فرج عريبي ان نبقى كما كنت تريد ان نبقى متنوعين بتفاعل، وان يستمر التاريخ فينا
يخلق الامل بالمستقبل الافضل.

* سكرتير رابطة الكتاب والصحفيين والفنانين الصابئة المندائيين