| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

موسى الخميسي

 

 

 

 

الخميس 17 / 5 / 2007

 




المجلس العراقي للثقافة وقرار التغيير


موسى الخميسي/ روما

يمتد دائما بيننا وبين انفسنا حوار عن التغيير، تغيير الاوضاع والاشياء خارج ذواتنا، انه حوار متصل، خفي احيانا ومعلن احيانا اخرى، الا انه حقيقي يسترسل عبر الايام العراقية المؤلمةو وفي كل هذا نحاول رصد التغيير في مجال ارتباطنا بالألم منتجين ومستهلكين. ومع الوهم فاننا عشنا بداية التغيير لعراق جديد، حملنا توق كبير ان يتحقق التغيير بصورة مغايرة لما تحقق لنا جميعا في زمن الفاشية. وفي فورة الخلاص، اصبحت كلمة تغيير ملازمة لنا في مختلف المجالات، كانت بمثابة ملح الطعام الذي تتداوله الالسن والاقلام والمنابر والمواقع الالكترونية، اصبحت عنصرا جوهريا في مكوناتنا واحلامنا وخططنا، تعدينا من خلالها اشياءاً كثيرة لنكون بعيدين من مستويات الوهم والتوهم، اذ لم يكن يشك احد مّنا في كون التغيير قد حصل وانه يتنامى في اتجاه الحرية التي ناضلنا من اجلها زمنا. وفي هذا الانتظار ظهرت لنا السلفية الظلامية باعتبارها الاطار الثقافي الايديولوجي للحركة الثقافية في البلاد، فعززت مكانها من خلال تحالفاتها مع قوى الظلام لتفرز تلاقحا جعل من امل التغيير تراجعا ينطوي على حقائق جديدة غير منفتحة, منجذبة على نفسها، فتقلص الحيز الثقافي شيئا فشيئا ليعلن استبعاد الثقافة والابداع الحقيقيين من فعاليتهما في الساحة الاجتماعية، ليدور في حلقات مفزعة ومفتقرة الى مخيلة التغيير الجريئة التي حلمنا بها, وأوعدنا بها فاصبحنا كمثقفين ومبدعين تحت طابع الظلامية التي تعيق التغيير العميق الذي كنا نظن انه يستلزم البدء بتغيير البنيات الثقافية في البلاد. وخلال اربع سنوات بعد الهزة الكبيرة في الواقع الاجتماعي والسياسي في عراقنا الحبيب، تنصلت فنون الموسيقى والرسم والمسرح والسينما من سمة التنشيط الثقافي والفني، وما قامت به مؤسسات الثقافة الرسمية من دور، هو تنشيط الموضوعات المتصلة بالتراث، ومن منظور تقليدي، وربطت الثقافة بالماضي وجعلتها مرادفا للحفاظ على الاصالة والشخصية الوطنية وحمايتها من كل تشويه او تبدل تاريخي، فتم الكشف عن نوايا ثنائية الاتجاه توفيقية, مداراة لمقتضيات الواقع لتحقق مصالح الفئات المستفيدة, كما انها مهدت لميلاد ثقافة غريبة تستمد تضاريسها ولغتها من واقع التغيير الذي كان يتحرك بايقاع متسارع وعنيف، وتجللت معالمه بتضحيات ودماء من خابت آمالهم.
والآن!! وبعيدا عن التدفق المحموم للاحداث وما رافق ويرافق ظهورها من سياقات ملتبسة في واقع الثقافة العراقية، تشرع على الابواب محاولة جديدة لتطل باشراقاتها على واقع الثقافة العراقية المحتضرة، اشراقات منتهكة, متعبة, ومنهكة، الا انها تحمل املا عميقا لربما ستحدثه في بنية الثقافة والمخيلة الانسانية، لربما هو امل رومانسي ، الا انه امل يملأ حنايا المثقفين ونفوسهم، ويحرك القادة السياسيين وسط حومة شاسعة الاطراف تبدو فيها التقاليد والعلائق العشائرية الموروثة وسط تبشيرات السلفية الساعية الى الملائمة بين الصالح والطالح، اشبه ما تكون، من يمضي باحتراز كل ما من شانه ان يغيير او يمزق غشاوات العيون من الادخنة السوداء التي تملأ سمائنا العراقية, والمحاولة الجديدة هي انبثاق المجلس العراقي للثقافة.
ان الثقافة التي نريدها الان من هذا المجلس الثقافي، هي ثقافة مناهضة للثقافة السائدة، ثقافة قادرة على نسج غلالة للتغيير عبر وحدتنا، وعبر تضامننا، فهي منطق التاريخ الذي نطمح الى تحقيقة، ثقافة غير متعجلة ولاتقبل التريث ولا تدور حول نفسها بالمراوغة، فسنوات الجمر لم تدع لاي منا فسحة للانتظار والتساؤل او مراعاة مسافة بين النهاية والبدء من جديد.
علينا ان يكون لنا حضور في مؤسسات الدولة بالداخل والخارج، علينا بدور ملتزم وواعد في رحلة البحث عن الجذور وعن الحاضر وعن صور المستقبل، وعلى ضوء ما افرزته حصيلة الصراعات حول السلطة التي تدور احيانا في حيز مقفل.
ستكون لنا لغة جديدة رافضة للحلقات المفرغة، وللخواء، ولسياسات حجب الثقافة، وضد التحايل واجترار الماضي والغناء على الامجاد، فالوضع الراهن لايستعيد، كما قد يظن، قدرة على التوالد الخلاق، بدون التحرك الثقافي ووضع الشروط التي تتحلى بالجرأة النقدية، وبالتفاعل مع ما يجري في الساحة الداخلية، ولكي يكون المجلس العراقي للثقافة ، منذ الان دليلا فاعلا، يتحتم عليه ان يكون متقدماً على مستوين: بالنسبة للواقع الاجتماعي الداخلي الذي يجب ان نساعد في تحويله، وبالنسبة للوجود العراقي في المهجر الذي نتخذه مرجعا، وان التداخل بين المجتمعين الداخلي والخارجي نجتاز السياسي به للوصول الى الثقافي ليتبوأ فعلنا مكانة مركزية تقاس بكل ما يمكن تحقيقه.
لابد من بديل، ولابد من مخاطبة الدولة بافساح المجال امام المثقفين في استلام المهمات والمسؤوليات والمؤسسات من قبل المبدعين الذين قدموا من دمائهم الكثير من امثال سهيل سامي نادر, عبد الرحمن طهمازي, الفريد سمعان, ومالك المطلبي وعشرات غيرهم، لتدشين خطاب جديد نستوحي اجوائه الحلمية، الخيالية، من مختزنات الذات ومن الذكريات والرموز، ومن الاستيهامات ولغة الشعر، ومن نضال مثقفينا ومواقفهم الرائعة، لننسج عالما مغايرا للواقع القائم، عالما يحاكي الصراعات البشرية بتلاوينها النفسية وبتسلسلها التاريخي ويحاكي الوقائع في عواقبها وتراكبها المعقد، وان نسعى جميعا لتعميق النقد واعادة النظر في القيم والتصورات الثقافية والايديولوجية السابقة.
ان ما يميز هذا المشروع الثقافي الجديد هو انتماؤه الى المجتمع المدني الذي نحلم به جميعا، وبكل تعبير من تعابيره عن طموحات وتطلعات الاغلبية المثقفة التي عانت من الخيبة والتهميش وتعثر الخطوات .
من هذا المنظور يمكن اعتبار المجلس العراقي للثقافة بمثابة تدشين لمرحلة الاكتساب التدريجي لوعي الشخصية العراقية، لذلك فان المثقفين العراقيين اينما كانوا يضطلعون من خلال ابداعهم ومواقفهم، اي كانت انتماءاتهم السياسية والفكرية، بدور كبير في بلورة الوعي الذاتي النقدي، لكن لكي يصبح التغيير متجسدا عبر الواقع الاجتماعي الحالي، فان الممارسة تصبح شرطا اساسيا وهي التي تكشف عن مدى صلابة الثقافة الجديدة التي سنتبناها, وعن قدرتها على التجذر والاتساع ليصبح التغيير قيمة مستنبطة من الداخل وتمثيلا متجسدا في تصرفاتنا وعلاقاتنا وطموحاتنا.