| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

موسى الخميسي

 

 

 

 

الأربعاء 13 / 12 / 2006

 



هل هي نهاية تاريخ العراق؟


موسى الخميسي

على غرارالسؤال الذي طرحه المفكر الاميركي فرانسيس فوكاياما عام 1989،" هل هي نهاية التاريخ" تعليقا على المتغيرات العاصفة ، التي شهدها العالم آنذاك ، ثمة اسئلة عديدة مشابهة حول وضعنا العراقي ، يمكن لنا تقديمها بصورة اجمالية، ما يمكن اعتباره قدر غير مألوف للاراء والافكار والمشاعر الغامضة والمتناقضة التي تجتاح افكار وقناعات ورؤى العديد من المثقفين العراقيين والعرب لما يتنامى يوما بعد اخر من قلق بدأ يلامس بصورة فعلية حدود الذعر والهلع في الاوساط الحكومية والشعبية، على نطاق يتسع يوما بعد اخرى على نحو سريع، وما سيسفر عنه من تبدلات في ظل حرب الطوائف المعلنة داخليا، متزامنة مع نهاية الكثير من الايديولوجيات والقناعات والتآلفات التقليدية التي عشناها، والكل يمضي في متاهة تاريخية لايمكن معرفة لنهاياتها. لقد تم اختصار الصراع ،ما بين الانا السفلى في الانسان العراقي الطائفي، واختها الانا السفلى في الانسان الاخر، وصاحب ذلك افتراق المفاهيم ، وتلاشي في بناءات الدولة ، واضمحلال اجهزتها الادراية والامنية ، و ساد الانتكاس وظيفتها بادارة المجتمع ورعاية مصالحه وحقوق مواطنيها، وقد اثار هذا الوضع اسئلة ضخمة وغير مألوفة من قبل، حضارية ،انسانية ، ومصيرية، امام كل الركائز والبناءات والمؤسسات والقيم والاعراف والتقاليد التي تترنح وتقترب من نهايتها، وهو ما يمثل احتضار شامل لنمط الحياة الطبيعية التي ألفناها فيما مضى.
مشروع غزو العراق واحتلاله من قبل امريكا كان قائما على فرضية ان يكون هذا البلد مركزا لاعادة صياغة المنطقة العربية واعادة بنائها من جديد. الا ان ما تنبأ به الامريكيون بتساقط الديكتاتوريات والمشايخ والرجعيات العربية الواحدة بعد الاخرى في واحة الديمقراطية ، انقلب بجهود هذه الحكومات وخاصة دول الجوار الخائفة على كياناتها السيساسية، انقلب الى نذير بتساقطها المحتمل في المستقبل القريب في برك التخلف والتفكك وحتى الانقراض. والسؤال الذي يطرح نفسه ويتجاهل الاجابة عليه الجميع: هل ستتوقف الحروب الطائفية وصراعات السلطة في العراق ، وهل ستنطفىء حرائق الفوضى وزحف الافغنة الى معظم الدول العربية والاسلامية حال انسحاب قوات الاحتلال الاميركي؟.
اليوم نشعر اكثر من اي وقت مضى باننا شركاء بالرغم من ارادتنا او عدم ارادتنا في استقبال نتائج هذا القدر الكبير من التحولات التي تعيشها بلادنا. ولربما شعرنا ، ولاول مرة بهذا القدر من المرارة والاسى، ازاء وحدة مصير الوطن وترابطه ، فان ما يحدث لايخص هذا المثقف دون ذاك او هذه الفئة دون الاخرى ، او هذه الطائفة او تلك ، بل اصبحنا جميعا في الداخل والخارج، في زاوية واحدة نشكل جزء من مسرح الاحداث الدامية في بلادنا، بنقطة اندفاعها، وبتحولها التاريخي الضخم، فثمة مشاعر غامضة، واسئلة مبهمة، وخليط من الخوف والقلق تشق طريقها بعنف في قلوبنا وبموازاة هذا التحول الخطير والمهول في سرعته.
لاريب ان سؤال نهاية التاريخ العراقي لاتزال محتملة الحدوث، وقد ولدّت في غمرتها الصاخبة هذا الطوفان الكبير، ليتقدم السؤال الذي يحمل قلق وخوف كبيرين، حول اتجاهات مثل هذه النهايات في وجود بلد يعتبر مهد للحضارات الانسانية ، وما يتبع ذلك من افكار وانهدامات وتفكك لمراحل وايديولوجيات. ولاجل اظهار قيمة واهمية تأمل هذا النوع الاستغراقي في مثل هذه القضية الشائكة، لابد من السير ابعد بكثير من الحدود التي يرسمها لاول وهلة امامنا مثل هذا التساؤل الخطير. فالحقيقة الماثلة امام ابصارنا، تشي بوضوح، بان ما يجري الان ،هو بألتاكيد مرشح لانهيارات اكثر في كل ميادين الحياة، لايمكن النأي بانفسنا عن نتائجها القادمة، لانها ستطال حقول المعرفة ( الامر باغلاق الجامعات والمعاهد والمدارس)، كما تطال نظام الحكم والنخب السياسية والثقافية، كما تدخل في مجالات الصناعة ( غلق العشرات من المصانع والمعامل يوميا) والاقتصاد والصحة ( غلق مئات الصيدليات وعيادات الاطباء الخاصة في العديد من احياء بغداد واغتيال وخطف الاطباء واساتذة الجامعات) كما في الثقافة بشكل عام.
واذ لايجد المرء مفرا من التعامل مع مثل هذه " النبوءة " بـ " نهاية تاريخ العراق " على انها تجريد فلسفي بلغة سياسية او ثقافية ، فانه والحال هذه وجود مبررات لجوهر هذه التحولات. اذ لايمكن استغراق اي منا في المعطيات السياسية والحلول التي تجيء من هنا او هناك ، على حساب الجوانب العملية لهذه العاصفة التي تنذر بالنهايات. لابد من التعامل مع هذه " النبوءة" على انها الوعاء الذي يحتفظ بكل العيوب والكشوفات التي يعيشها المواطن العراقي يوميا، واولها لغة الظفر التي تتحدث بها جميع القوى المتحاربة داخل ساحة المطحنة العراقية الرهيبة هذا اليوم.
ان تقارير الانتصار التي تتحدث بها هذه الطائفة وتلك، لاتنطوي الا على شعور بالخيبة المبكرة، بالنتائج اكثر منها قراءة ممعنة بالواقع المنهار، وهذه اللغة تجد تعارضها الواقعي الذي يكشف عن نفسه في كل لحظة.
والوقائع كافية للتدليل على ان هذا الانهيار سوف لن يختصر على ارض العراق، بل سيجد له ابعاد في عموم المنطقة بكاملها بشكل سريع اذ ان هذه المتغيرات التي ستؤول الى احداث النهاية المرتقبة، لن تكن الا انعطافة مفاجئة وحاسمة في شكل العلاقات داخل المنطقة العربية اولا، وايضا في طبيعة التوازنات الجغرافية والسياسية العالمية لتنهي وعود وطموحات واحلام وكراسي كثيرة.
ولان هذه المتغيرات ذات اثر حاسم في تغيير " شكل التاريخ " فانها تمشي الى ما وراء نشوة دول الجوار( ايران وسوريا ) كانتصار متوج للسقوط الذي سيصيبها في مرحلة قادمة وسريعة كما سنرى.
ان الزلزال الذي يعيشه العراق هذا اليوم والماثل امام اعيننا، لايمكن لاي عاقل ان ينأي بنفسه عن النتائج المباشرة لما سيسببه، من انشطارات وتناحرات متعارضة ومتناقضة ، وبعودة الحرب الباردة باساليب واشكال جديدة، وبانهيارات نخب عشائرية وطائفية، لتنسف كل الاحلام المبشرة بوحدة العراق. ولهذا نلاحظ بان الجميع بدأ يشعر برجفاته الاولى ليبدء العد التنازلي بانتهاء الدورة الكاملة لتاريخ منطقة الشرق الاوسط ، لنعود جميعا الى نقطة البداية التي هي النهاية، وبداية فرض ايديولوجيات الزمن الماضي السحيق المتسم بهيمنة العشائر والطوائف ، ليحل عصر سلفي مظلم وكالح تنتج عنه مشكلات وتحديات حضارية لاقبل لنا بها.
ان ما نشهده اليوم ليس مجرد حرب طوائف ستعيد بناء صفحة جديدة منتصرة كما تحلم به قيادات هذه الطوائف المتصارعة، بل هو حتما نهاية تاريخ العراق ما دام الفاعلون من حملة معاول التهديم غير واعين لما يقومون به، وما دام الوعي الوطني الكامن بدأ ينتقل الى وعي طائفي، ومن دولة القانون الى دولة السلطة، وما يتبع ذلك من عودة الى الحالة البدائية سواء كانت دينية او عشائرية او طائفية . هل هي اعلانات لنهاية تاريخ العراق؟.