| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

موسى الخميسي

 

 

 

 

الجمعة 10 / 11 / 2006

 

 

في بيت الشاعر


موسى الخميسي - روما

كأنه حلم قديم استوطن الروح.
هكذا يبدو المنزل الصغير للشاعرالفنان المسرحي صلاح الحمداني الذي يقع
في ضواحي باريس، في الطابق الرابع لاحد الابنية الشعبية التي بنتها الدولة لفقراء المدينة
انه جمال غير ميال للمديح ولاتنطبق عليه اوصاف التمايز والتفرد
ابيت يسمح باحتراق صاحبة وحيدا وهو ينظر من شباكه الى جمال المدينة البعيدة ، التي تكاد تبكي زائرها من فرط ثرائها بعناصر الجمال، وتدرجات الظلام والنور في معالمها المعمارية
وفي افضل الاحوال ، فان منزل الضيافة البغدادية هذا، الذي تبدأ اول عتبة بذكر" وانت رب المنزل"
يساير باستيحاء جمال باريس البعيدة بألفته
ولا احد يدخل عتبة بابه ليدّوخ البراءة التي فيه
فهي تفرش نفسها لتتزود رؤيا الزائر بأوهام غير زائفة
بيت المنفي، يجعل كل منا بطلا بخوفه وحنينه وتذمره ونكد حاضره
فكل ما يستهوي الروح ويروق لها تجده عامرا غير متوارى
به الهشاشة والضعف ،وبه النشيج والدموع، وبه التزمت والاسرار الاولى
انه باب منفتح على ابواب رحمة بقاء هجراتنا الاولى بعيدا عن الوطن
الذي ستنبت زهوره على قبورنا في منافينا البعيدة

* * * *
بعد ان تسولنا وطنا كان في القلب
بعد ان سرقنا انفسننا من فضائل القتل اليومي ومن انخاب الغدر والشماتة والخديعة
في بلد ممنوع من الصرف، يكثر به الهمس والدس وقص الرقاب والتصدع والتلاشي
هاجرنا من حلق السبع وعتاد الايام الخوالي لنضع بعض من احلامنا على جدران مساكننا الجديدة
حتى لاينقطع استمرار الوطن في ارواحنا
ولايشجعنا على التجرد وفك الايمان بتلك العودة الحلم

* * * *
جمال يتبجح
واذا ما تطفلت عليه انت وعشيرتك العائلية لايستعصي على قبولك
انه صبور باستيحاء الفنان مثل صاحبه
بحشمته وعفته التي تختلط بدعاباته وثروته التي علقها على جدران بيته
انه مكان الجماليات والفواجع، باقواسه ومتوالياته، وتلك اللوحات التي تغطي جدران غرفه وممراته الصغيرة

* * * *
دخلته اول الامر بحياء الكرم
وغادرته قسرا لارحل الى بيتي
وبين يوم الدخول وليلة الخروج، ثمة هاجس ظل يغلي في قلبي لاعادة صياغة العراق وفق متخيل
الشاعر صلاح الحمداني
لبذكرني بما قاله هولدرلين مرة: انهم لن يجدوا انفسهم لافي الوطن ولا في الجالية، لا في الاقامة ولا في الترحال، وانهم محكوم عليهم بعدم السكن في اي مكان
كل شيء تحمله هذه الجدران القديمة يتحرك في القلب ويستوطن الاوردة
ينادي من يدخل فضاءاتها ليكتشف العراق مرة اخرى
تصاوير قوتوغرافية بالاسود والابيض، ومرئيات، تواريخ ، كتب، معلقات، جماليات، فواجع ، امهات وآباء
ومواطن الحلم الاولى في عيون امرأة عراقية
حسن المسعود، صلاح جياد، غسان فيضي، فيصل لعيبي، علي عساف، جبر علوان، موسى الخميسي، كاويان محمود، حمادي الهاشمي، على فنجان، عادل رضا، حيدر، سعد علي، مليكة، طارق الدوري، عماد البكري، ظافر عباس... الخ
انه دعوة للغوص في تراب ميثولوجيا الفن المعاصر
دعوة لنبش الولع والفتنة والغموض
انه نصف عمر الشاعر الذي لايزال يترنح من الامل بمعارفه و رحلات عشقه الجديدة

* * * *
بيت الشاعر يرد من يرى حيطانه الى العراق
الى تلك الطفولة الحاضرة فينا
بوضوح تقصيلاتها، ورحابة عوالمها، ورسوخ جذورها الممتدة عميقا في تربة الروح
اجد معالم وطني كانة على تلك الجدران
افهي صلة ذلك الماضي بالحاضر
انها مكان الوطن المعلق على الجدران
بالناس والاحداث التي لاتبرح الذاكرة، لاتبعد احد منا انا الرسام ،وصلاح الشاعر عن عراقنا
فقد عدنا مرة اليه
وكان كل منا يشعر بانه هامشا
زرنا احبائنا وقبور موتانا
وبكينا وفرحنا
لكننا لم نستعيده، فقد ابتعدنا عنه من اقتربنا اليه في كل لحظات العمر
لان ما يفجعنا الان، هو موته البطيء الذي سيكون بعيدا عن تلك الترع المائية التي تظهر كل شتاء في محلة الفضل وابو سيفين والطاطران
وهل يموت الوطن؟
ونحن نشده بحزن مشوب بالحصرة حين يرض كيانه بين الحين والاخر

* * * *
يرممه الشاعربتلك الالوان والخطوط التي سكنت على جدران بيته بسلام
فهو يشعل الانوار الشعرية كل مساء وكانها فراديس بغدادية صغيرة مطعمة بالحرية
التي لابد ان تأتي يوما