| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

محسن جوامير

mohsinjwamir@hotmail.com

 

 

 

 

الثلاثاء 24 /1/ 2006

 

 

 

تصريحات النائب التركي وَضَرْطَة الوالي

 

محسن جوامير ـ كاتب كوردستاني

طالعت في الآونة خبرا مُترْجَما نُقل على لسان ارسونما آرباي النائب في برلمان تركيا ، والذي تضمن تصريحا له بشأن إنتشار فايروس الطيور، معتقدا أنه قد يكون ناجما عن " سلاح كيمياوي " يستخدمه حزب العمال الكوردستاني ضد الأتراك.. ولكي يُفحم المقابل بالدليل ولا يُتصور أنه مخبول أو عليل، تفتقت عبقريته بالقول الجليل: "ما أذكاه من فايروس ليختار مدينتين تركيتين حدوديتين مثل آغدر وآغري، بينما يمتنع عن الدخول في ارمينيا وإيران " في حال أن المدينتين المذكورتين كورديتان، ولا شك أن فيهما اقارب ومؤيدوا الحزب المذكور.. هذا ومن اجل إكتشاف مصدر العلة للملة تسائل النائب النطاسي بشكل حماسي : " قد يكون سلاحا نوويا، لذا يجب التنقيب في أبعاده العسكرية أيضا ".. في الأصباح والأماسي !

( العرب وين والطنبور وين !).. لقد حاولت جهدي وعصرت تلافيف دماغي وجمعت أفكاري عائدا إلى كتب الأخيار والأشرار لكي أجد تفسيرا لهذه النظرة والنظرية الجديدة التي جاء بها هذا السياسي والنائب التركي اللامع في تحليل الأخبار، حتى أقتنع بها ولو كان من باب الإحتمالات والإفتراضات المستحيلة في عالم الواقع أو الخيال ولا اقع بالتالي في حفرة ( إن بعض الظن إثم ).. ولكن لم تسعفني أي نظرية ولم تساعدني أي مقولة لا من سياسي عتيق ولا حديث لتفسير مثل هذه البلاهة السياسية والتحليل الخرافي الذي لم أقرأ مثله ومثيله لا في الوقت الراهن ولا في العهد السحيق .. حتى علم المنطق الذي يقول المناطقة أنه " علم يبحث القواعد العامة للتفكير الصحيج، أي إنه علم يعلمنا كيف نعرف الأشياء تعريفا يبين حقيقتها أو يوضح معناها، ويعلمنا كيف نستدل على صحة الفكرة أو خطأها، ويعلمنا كيف نبحث المعلومات بحثا منظما يبعد البحث عن العقم أو الوقوع في الخطأ والزلل ".. حتى هذا المنهج راجعته ونهرني وكاد يصفعني ولم يسعفني في التبرير أو إقامة الميزان بشئ من القسط لنظرية السيد أرسونما آرباي عن منشأ ومُصَدِّري فايروس أنفلونزا الطيور.. والتي تُذكرني بنظرية " الكورد أتراك الجبل " التي جاء بها آباءهم وأجدادهم قبل عقود بغير علم وآمنوا بها عن جهل، أو تخرصات صغارهم الذين لفقدهم المناعة المكتسبة أشاعوا مفردات تافهة وأوجدوا مقولات هابطة من مثل أن كورد إيران وتركيا وسوريا ومثلث فرمودا وجزر القمر أتوا وصوّتوا لصالح الكورد في كركوك تزويرا ومن ثم رجعوا إلى ديارهم على عجل حتى لا ينكشف أمرهم للجماعات والملل!.

من جَدّ وجَدْ.. فقد وجدت بعد طول البحث والعناء بغيتي وأمنيتي في كتاب ( أخبار الحمقى والمغفلين ) من تصنيف علامة عصره في التأريخ والحديث الحافظ جمال الدين أبي الفرج عبدالرحمن بن الجوزي القرشي البغدادي ( 510 ـ 595 هـ ـ 1116 ـ 1200 م ) والذي من مؤلفاته أيضا " المنتظم في تأريخ الأمم " و " تلبيس إبليس ".. هناك عرفت بانه لا يُشترط لكي يكون الإنسان غافلا أو أبلها، ان يكون أميا، إنما هناك من البلهاء ما يمكن أن يكون من صنف الأمراء والقضاة والولاة والكتاب والحجاب والأئمة والشعراء والوعاظ والمتزهدين والمعلمين وهلم جرا.. أي وبالإصطلاح الحديث يمكن أن يكون سياسيا ونائبا مثل صاحبنا أرسونما آرباي في البرلمان التركي..

في ذكر المغفلين من القراء والمصحفين يورد عبدالرحمن بن الجوزي هذا المثل: سمعت إبن الرومي يقول: خرج رجل إلى قرية فأضافه خطيبها عنده أياما، فقال الخطيب: أنا منذ مدة أصلي بهؤلاء القوم وقد اُشكل عليّ في القرآن بعض مواضع، قال سَلني عنها، قال منها في ( الحمد لله ) إياك نعبد وإياك... أي شئ ( تسعين ) أو ( سبعين ) ؟ اُشكلت عليّ هذه، فأنا أقولها ( تسعين ) آخذ بالإحتياط.. أي لم يكن يعلم بأن الآية هي : إياك نعبد وإياك نستعين..

وكذلك يقول: كان رجل كثير المخاصمة لامرأته وله جار يعاتبه على ذلك، فلما كان في بعض الليالي خاصمها خصومة شديدة وضربها.. فاطلع عليه جاره قارئ القرآن فقال : يا هذا إعمل معها كما قال الله تعالى : إما إمساك إيش أو تسريح ما أدري إيش .. أي لم يكن يعلم بأن الآية هي : فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان.

وفي ذكر المغفلين من المؤذنين يقول: وقال بعضهم : رايت مؤذنا يؤذن ثم عدا، فقلت أين ؟ فقال : أحب أن أعرف إلى أين يبلغ صوتي .

وفي ذكر المغفلين من الأئمة يقول : مر رجل بإمام يصلي بقوم فقرأ : ألم.. غلبت الترك.. فلما فرغ قلت : يا هذا ! إنما هو ( غلبت الروم ) فقال : كلهم أعداء، لا نبالي من ذكر منهم.

وعن أحوال المغفلين من الأعراب يقول : تذاكر قوم قيام الليل وعندهم أعرابي، فقالوا له أتقوم الليل ؟ قال : إي والله.. فقالوا : فما تصنع؟ قال : أبول وأرجع أنام .

وكذلك يذكر: كان أعرابي يقول : اللهم اغفر لي وحدي، فقيل له : لو عَمّمْتَ بدعائك فإن الله واسع الرحمة، فقال : أكره أن أثقل على ربي !

وفي ذكر القصاصين يقول : وعن عبدالرحمن بن محمد الحنفي قال : قال أبو كعب القاص في قصصه : كان إسم الذئب الذي أكل يوسف كذا وكذا، فقالوا له : فإن يوسف لم يأكله الذئب، فقال : فهو إسم الذئب الذي لم يأكل يوسف.

ويروي عن أبي عثمان الجاحظ قوله : أخبرني النظام، قال : مررت بناحية باب الشام، فرأيت شيخا قاعدا على باب داره وبين يديه حصى ونوى وهو يسبح ويعد بهما ويقول : حسبي الله حسبي الله ، فقلت : يا عم، ليس هذا هو التسبيح، قال : كيف هو التسبيح عندك ؟ قلت : سبحان الله، قال : أحمق ! هذا تسبيح تعلمته بعبادان منذ ستين سنة أسبِّح به، فاتركه لقولك يا جاهل ؟

وفي ذكر المغفلين على الإطلاق يذكر: إجتمع رجلان في طريق الحج، فقال أحدهما للآخر : كم مرة حججت ؟ قال : مع هذه التي نحن فيها واحدة.

ويروي كذلك : ماتت جارية لرجل فلما دفنها قال: لقد كنت تقومين بحقوقي، فلأكافئنك، أشهدوا على أنها حرة.

وفي ذكر المغفلين من القراء والمصحفين يقول : قرأ علينا عثمان بن أبي شيبة " فضرب بينهم سنور له باب " فقيل له : إنه ( بسور له باب ) فقال : أنا لا أقرأ قراءة حمزة، قراءة حمزة عندنا بدعة.

ويقول أيضا : قال حدثني أبو الحسين أحمد بن يحيى، قال : مررت بشيخ في حجره مصحف وهو يقرأ " ولله ميزاب السموات والأرض " فقلت يا شيخ ! ما معنى " ولله ميزاب السموات والأرض " ؟ قال : هذا المطر الذي تراه، فقلت : ما يكون التصحيف إلا إذا كان بتفسير، يا هذا إنما هو ( ميراث السموات والأرض ) فقال : اللهم إغفر لي، أنا منذ أربعين سنة وأقرؤها، وهي في مصحفي هكذا !

أما بخصوص الولاة والأمراء، يحدثنا بقوله : وجاء بعض النصارى إلى عبدالله بن بشار ـ وكان عامل المدينة ـ فقال : أريد أن أسلم على يديك، فقال : يا إبن الفاعلة ما وجدت في عسكر أمير المؤمنين أهون مني، جئت تريد أن تلقي بيني وبين عيسى ابن مريم كلاما إلى يوم القيامة ؟

أخيرا وليس أخرا ... ذكر أيضا أن صعد بعض الولاة المنبر فخطب فقال :
إن أكرمتموني أكرمتكم وإن أهنتموني ليكونن أهون على ضرطتي هذه ... وضَرَط َضَرْطة !

والآن ما أوجه الشبه والإختلاف بين تصريح صاحبنا النائب التركي الذي يدعي أن الحزب العمال الكوردستاني هو الذي أبدع فايروس الطيور ويستعمله كسلاح نووي ذري، والضَرْطة التي ضَرَِطها الوالي في قديم الزمان؟!

أجيبوني أعانكم الله الذي ( لا يعزب عنه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض ) !