| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

محسن جوامير

mohsinjwamir@hotmail.com

 

 

 

الأثنين 16/5/ 2011



یا حبیبتي لیبیا.. بماذا أدعوک؟

محسن جوامیر ـ کاتب کوردستاني

في اليوم الذي بدأت فيە الثورة اللیبیة، صارت لیبیا لي قضية، وصرت أعيش بکل ما أملک من وجودي الإنساني معها، بمشاعري وإحساسي، وأعصابي وأنفاسي، في کل ساعة، في کل دقيقة، بل وفي کل ثانیة.. وأنتظر رأس کل ساعة لکي أطلع علی مجريات الأحداث ومستجداتها في کل بقعة من بقاع هذا البلد، من طبرق إلی وازن وذهیبة، مرورا ببنغازي وأجدابیا وبريقة ورأس لانوف وبن جواد ومصراتة وزلیتن وزنتان وکاباو وکفرة وکل شبر، بل کل زنقة من الزنقات التي حلف العقيد القذافي أن یحرقها حرقا، ويجعلها قاعا صفصفا، ويدمرها تدمیرا، ويغتال کل الذين يصادفهم، صفا صفا، کبیرا وصغیرا، غنیا وفقيرا، فداء لملک ملوک أفريقيا وقربانا لعمید حکام العرب الذي لا یأتیە الباطل من بین يديە ولا من خلفە، ولا من جانبیە.. لأن لیبیا من دونە لا يمکن أن يفکر عقلاٶها، ولا أن يحکم حکماٶها، ولا أن يشعر شعراٶها.. بل لا یمکن لأرضها أن تنبت القمح والنخيل، ولا لسماءها أن تمطر غدقا، ولا لشمسها أن تطلع وتنور الأفق، ولا لنجومها أن تبتسم أو تتألق بدلال ورفق.

ککوردستاني شاهدت وعايشت وعاینت الظلم، وشعبي تجرع أنواع الآلام والعذابات، وطوابیر المکافحین کانت في إنتظار السجون والملاحقة والإعدامات، ورأیت حملات الأنفال التي إخترعها الدکتاتور للقضاء علی شعب کي لا يبقی له أثر، وتحولت کوردستان إلی مجمعات ومستوطنات لا یحتملها بقر، ناهیکم عن البشر.. أجل أعرف طبیعة الطواغیت وأدرک کم هو صعب العیش مع حاکم صنم، وکذلک مع أقزامە الذين یظنون أنهم جالسون في ظلال القمم، لا تصيبهم اڵشيخوخة والهرم..هذە الأیام بدأت أحلل الدکتاتوريين، من باب قياس مع الفارق، وجدت أن لکل واحد منهم خصائص تمیزە عن الآخر، وصفات تبز عند هذا، ولکن تقل عند ذاک.. يقول المثل : عدو واحد عاقل ولا أصدقاء أغبیاء، هکذا يقول الحکماء. أعان اللە شعب لیبیا، لقد ابتلوا بحاکم شرس، غبي یعيش في سجن تصوراتە، منفصم عن الواقع، ومن یشاهد المدن والقصبات والقری اللیبیة، يعلم يقينا بأن ‌هذا الرجل لم يقدم إلی شعبە، ما قدمە حتی دکتاتور تونس، أو صالح الیمن، وکل الدول الفقيرة التي لا تملک قطرة بترول، تبدو أکثر تقدما برغم غنی لیبیا الجالسة علی عرش النفط.

حینما أستمع إلی قادة عرب، أحدهم يدعي أنە خدم شعبە طوال خمسين عاما، وآخر ستين عاما بامتياز، من دون أن یطمع في منصب وجاە، وآخر يقول أنا لست قائدا أو رأسا ورئیسا، بل الناس وضعوني علی رٶوسهم وأعیش في قلوبهم، ومن ثم تکشف التحقيقات أنهم يبزون قارون في ممتلکاته، أکاد أمیل إلی تبني فکرة أن لا تتجاوز فترة حکم أی حاکم عربي سنة واحدة ولدورة واحدة فقط، وأن يمنع منعا باتا إستعمال أي لقب بجانب إسمە، وأن یفحص فحصا نفسيا دقيقا، وأن تعلن علی الملأ حالتە العصبیة، وأن لا يقرأ أي ورقة دون رقابة، وأن لا ینبس ببنت شفة من دون بروفة مسبقة وموافقة هیئة موثقة. أقول بکل قناعة أن هٶلاء الحکام ليس بامکانهم حتی تربیة الأبقار، ناهیکم عن تمشية امور امة، بکل تعقيداتها. أنا من الذين تابعوا کثیرا کثیرا معمر القذافي، في خطبە، وزياراتە، واستقبالاتە واجتماعاتە، ولکن قلما فهمت مقالاتە وخطبە وفلسفاتە، وکنت دائما أقول أعان اللە سامعیە، کیف لا يصابون بالقبوضية في بطونهم، أو بالانهیار في أعصابهم، أو بالجنون في عقولهم، برغم أني سمعت أن مترجمە في الجمعیة العامة أصابتە نوبة قلبیة، حینما کان يحاول ترجمة ما لم يکن يفهمە من العقيد.

أنا علی يقين من أن لیل لیبیا يوشک أن يتحول إلی نهار ربیعي زاهر، وکل بقعة منها ستصبح علی صبح رائع باهر، وکل قطرة دم بريئة تکون داعیة إلی السلام والإعمار وطرد الظلم، والعزة والکبرياء إلی الأبد، کما کان عمر المختار ورمضان السويحلي وأبطال السابع عشر من فبراير.. ولکن إياکم إياکم أن تسمحوا للأصنام أن ترفع رأسها وفٶوسها من بینکم مرة أخری، وابدٶا منذ الیوم الأول من يوم الإنتصار، بمسح أي أثر للدکتاتوریة، من رئاسة الدولة إلی کل زاوية من زوايا جمهوريتکم، واحسموا میزانیتکم علی الملأ فور الدخول في يوم الإستقلال، والغوا کل لقب ینبئ فوقية إنسان علی آخر أو قبیلة علی أخری أو مدينة علی أختها، فان هذا هو مدخل الفساد بعینە، ما أن دخل کیانا أو دولة إلا قصفها وعصف بها، کما فعل بنظام الکتاب الأخضر.

لا تقولوا لي لماذا سکتت طوال هذە الفترة، ولم تکتب حتی ولو مرة، واخوانک في لیبیا تجرعوا آلاما وعذابات مرة، وأطفالنا ما ضحکوا قدر ذرة، لأن تعالیم العقيد کانت وراءهم شبر شبر، زنقة زنقة، حتی تهدي إلیهم طلقة وراء طلقة.

أقول لکم بکل صدق، إضافة لما قلتە في بداية حسراتي، إن عیني کانت تارة منهمکة بکتابة الدموع، وترنو تارة إلی التلفاز لتری ما حصل لأهلنا في مصراطة وکل أرض منتفضة عندکم، وروحي کان مشغولا بتسجيل الآهات.. أما يدي، فکانت مرتفعة إلی السماء کي تنزل آيات النصر علی ‌بلاد، من فرط عشقي لها؛ لا أدري بماذا أدعوها أو أصفها أو أقدمها لأحبائي ؟

١٥\٥\٢٠١١
 


 

free web counter