| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

محمود حمد

 

 

 

                                                                                    الأثنين 12 / 8 / 2013

 

رحيل الفنان عبد اللطيف ماضي..
غروب الشمس وصمت المشاحيف!

محمود حمد

في إبريل عام 1960 تحلقنا نحن الطلاب المُتَيَّمون بسطوع اللون وجنون الاشياء في المتوسطة المركزية..حول لوحة تزدهي بضوء الشمس وزُرْقَة شطآن الهور.. لوحة مركونة الى الجدار ..بإنتظار دورها للصعود الى جدران العرض..سألت أستاذنا  المرحوم عبد الرحيم البياتي عن صاحب اللوحة..أشار بابتسامته الودودة الى شاب نحيل أنيق هادئ ذو نظارات سميكه ، يفرض عليك برصانته ..إنه استاذاً..

توجهت اليه وعبرت له عن إعجابي باللوحة.. وضع يده على كتفي وقال لي بصيغة آمرة وحريصة:

لاتترك الرسم!

وكنا في تلك المرحلة الحرجة من العمر..نستعين به كلما حاصرنا المدرسون " النمطيون " ، وأهالوا معاول الإحباط  في نفوسنا حيثما وجدونا نرسم ..

منذ تلك اللحظة إستقر الاستاذ عبد اللطيف ماضي في الذاكرة المُؤَسِسَة لكل ما أعقبها من محاولاتنا ومغامراتنا المعرفية والفنية على مدى مايقرب من نصف قرن!

بقولهم:

 "انتم فاضين..إدرسوا ..رياضيات..كيميا ..احسن لكم من هذه الترهات"!!..

وكنا نشتكي إليه ..خِلْسَةً ..

لكنه ..لتهذيبه الجَمْ لم يُعَلِّق ..سوى بإبتسامته التي تُشيع فينا الثقة بالنفس..فنعود الى لوحاتنا بحماس أعلى!

كان شديد الحرص على ان نكمل دربنا..

جلس معنا ينظم لنا استمارات التقديم الى معهد الفنون الجميلة عام 1962..

 كان مزهوا عندما تلقى خبر نجاحنا في اختبار القبول في بغداد..!

أدركت يومها كم كان محبا لمدينته ولأهلها وهو يُسَطِّر سيمفونية ..الشمس ..والماء ..والقصب ..والمشحوف ..والمرأة الفارعة!

وكم كان حالماً بان تكون مدينته ككل وطنه..مدينة سومرية مُنتجة للمبدعين!

يطل عَليَّ من زحام ذاكرتي حتى في أشد المنعطفات والمنحدارات قسوة من سني العمر..

كلما ذُكِرَت ميسان ..

وكلما جاء حديث الفن المُغَيَّب..

وكلما ذكر الزُهّاد من أهل الفن والثقافة في المحافظات العراقية ..الذين حاصرتهم " حثالات " الفوضى الثقافية على امتداد عقود من الزمن..

"الحثالات" الذين يتلبدون في كل زمان ومكان على رئة الثقافة والفن لكتم انفاسهما!!

فيما أغفلت " ثقافة " موالي السلطات المُستبدة المتعاقبة على العراق منذ طفولتنا الى يومنا هذا..دور ونتاجات الفنانين والمثقفين الموالين للأرض والرياح وضوء الشمس و"مملكة الماء"!

هؤلاءالفنانين والمثقفين  الذين يشكلون نَسَغْ التمدن للانسان وحواضره!

ومن حزني ..انه لم تسعفني الظروف لكي التقي به منذ عام 1970 عندما غادرت ميسان كزميل له في تدريس الفن..

لقد خسرت ميسان أحد رموزها الفنية..وخسرنا جميعا أستاذا ومربيا وصديقاً ..

الرحمة لإستاذي وصديقي الفنان الرائد عبد اللطيف ماضي ..والصبر والسلوان لاسرته وأصدقائه ومحبيه وتلاميذه..  

 

free web counter