| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. مصدّق الحبيب

 

 

 

 

الجمعة 11/1/ 2008



الحريّة الأكاديميّة ونظام التعليم الحر المستقل

د. مصدق الحبيب

"
ليس هناك امضى من التعليم اذا ما سُخّر لتكثيف الجهالة في العقول عن طريق حشوها بالحقائق المطلقة المقدسة"
                                                                               
هنري آدمز (1838-1918)

مبررات الحرية الاكاديمية:
يتجسد هدف الجامعات المركزي في العمل على استكشاف وتمحيص الحقائق واختبار الفرضيات وتطوير النظريات عن طريق البحث العلمي، وتوسيع دائرة المعارف وتنمية الابداع عن طريق التعليم ، وتعميم ومتابعة وتعديل التطبيقات النظرية من خلال التواصل مع المجتمع والاستجابة الى حاجاته المادية والثقافية. يتحقق هذا الهدف عبر آلية انتاج المعرفة الخلاقة واعادة انتاجها من خلال حامليها من الاجيال المتتابعة من الطلاب، ليس فقط كمتخرجين، انما كمواطنين صالحين مؤهلين ومبدعين في خدمة المجتمع ومخلصين في تأمين مستلزمات بقاءه وتطوره. ولايمكن صياغة وتنفيذ ماهو ضروري لتحقيق ذلك الهدف من دون توفر مواده الاولية من موارد اقتصادية واجتماعية وفكرية كافية وموجهة بوضوح وانسجام باتجاه الهدف المنشود. على ان تفعيل عمل تلك الموارد وتعظيم مردوداتها يستلزم المناخ الصحيح لنمو ثمارها ونضوجها. يتمثل هذا المناخ بجملة الحريات الاكاديمية الضرورية لتحقيق الهدف التعليمي كحرية الاستعلام واستقصاء الحقائق وحرية البحث العلمي والاستنتاج المنطقي وحرية النشر وتوزيع النتائج العلمية وحريات التعليم والتعلّم التي تنطوي جميعها على وجوب جعل عمل الاكاديميين غير خاضع للتسلط الاداري والسياسي والاجتماعي والديني. على ان هناك صنفان مترابطان من الحرية الاكاديمية، وهما: الحرية الاكاديمية الفردية التي تحمي الاستاذ من التعسف السلطوي داخل الجامعة وخارجها. والحرية الاكاديمية المؤسسية التي تحمي الجامعة كنظام من التعسف السلطوي الذي يمارسه السياسيون ورجال الدين والمتنفذون بقوة المال اوالسلاح او النسب او العشيرة او الطائفة. ولايمكن البتة ان تسود هذه الحريات وتعمل عملها من دون اشاعة القيم الظهيرة التي تسندها وترسي دعائمها. والتوكيد هنا على القيم، وليس الشعارات والاوامر والاجراءات، انما القيم المتأصلة في الضمائر كقيم الايمان بحياة الانسان وحقوقه المدنية، والايمان بالتعددية الفكرية والانفتاح الثقافي واحترام الاختلافات، وقيم الانتماء والمواطنة وتكافؤ الفرص والمساواة والعدالة الاجتماعية. على ان القيم الانسانية هي الاخرى لاتنشأ بقرار حزبي او قانون سياسي انما تحتاج الارضية الاقتصادية والاجتماعية والفكرية المناسبة والوقت الطويل اللازم لنموها وتطورها.

وانطلاقا من مبدأ ان الحق لايتجسد الا من خلال استحقاق الجميع، وان الحقيقة ليست حكراً على احد، فان احلال الحق واستبيان الحقيقة مضمون بالسعي الحر والحثيث لبلوغهما. السعي المتسلح بالمعرفة بوصفه حق جمعي يشرعن كشف الحقيقة بمساهمة الجميع ويعمم فائدتها للجميع. ولذلك فان الحرية الاكاديمية تشكل العامل الحيوي الرئيس في حماية الاستقلال الفكري وتسهيل السعي من اجل اكتشاف المعارف واختبارها وتجريبها عمليا. كما تلعب الدور الاساس في السماح بالتعبير عن الافكار المختلفة والمشاعر المغايرة عبر النتاجات العلمية والادبية والفنية دون اعاقة ادارية او تدخل سياسي اوملابسات اجتماعية او دينية. وفوق هذا وذاك، دون تخوين وطني او تكفير عقائدي، ودون عقوبات سماوية او دنيوية.

لمحــة تأريخيـــة:
تُرجع موسوعة أوكسفورد الانكَليزية أول استخدام لمصطلح الحرية الاكاديمية الى عام1901 في انكَلترا. ولكن الاستاذ مايكل باك يختلف مع هذا التأريخ في بحثه الموسوم "الحرية الاكاديمية وتحرير اساتذة الامة" المنشور في مجلة "فكر وعمل" الصادرة في خريف 2007. يؤكد الاستاذ باك بالتوثيق بأن تأريخ الحرية الاكاديمية يعود في الولايات المتحدة الى زمن أقدم بستة عشر سنة من التأريخ الذي أفادت به موسوعة أوكسفورد. بالاضافة الى ذلك، فان تعبير الحرية الاكاديمية لم يرد في ذلك التأريخ كمصطلح عابر انما ورد كمفهوم محدد قيد المناقشة في المقال الموسوم "ماهي الحرية الاكاديمية؟" للكاتب أندرو وست الذي نشرته مجلة "الشمال الامريكي" عام 1885. ويذهب الاستاذ باك الى التوضيح بأن المفهوم كان قد استعير بالاصل من الفكرة الالمانية الابداعية حول حرية البحث العلمي والتي عرفت بشقيها المترابطين المعنيين بحرية التعليم وحرية التعلّم (
Lernfreiheit , Lehrfreiheit) التي وجدت جذورها في الدستور البروسي لعام 1850 . وكانت هذه الفكرة من ضمن العديد من الافكار الالمانية التي لاقت شعبية ورواج في الوسط الاكاديمي الامريكي في نهاية القرن التاسع عشر والتي تتمحور حول جعل البحث العلمي المحور الاساسي للعمل الجامعي. وليس من قبيل الصدف ان يتزامن الاهتمام بالبحث العلمي وشيوع افكار الحرية الاكاديمية والشروع بالتنظيمات النقابية والمهنية للدفاع عن حقوق التدريسيين. فقد شهدت تلك الفترة توسيع مهام ومسؤوليات جمعية المعلمين الامريكية وتحويلها الى منظمة التعليم الوطني الامريكية عام 1870. كما تم تأسيس جمعية اساتذة الجامعات الامريكية عام 1915. وكنتيجة للنهوض بحقوق الاكاديميين تميزت تلك الفترة باطلاق حرية البحوث والاستكشافات العلمية وتوسيع نطاقها وتزايد استقلال التدريسيين فيما يتعلق بوضع المناهج وصياغة فلسفة التعليم وتخطيط اتجاهاته.

ساهمت طبيعة الوسط الاكاديمي الامريكي مساهمة خاصة في تنمية وشيوع افكار الحرية الاكاديمية ليس في الولايات المتحدة فحسب انما في بقية انحاء العالم. فخلافا للجامعات الاوربية التي تأسست في مراكز المدن خلال القرون الوسطى بوحي من ارادة المتعلمين والمثقفين واستجابة لنشاط الاوساط الفكرية والثقافية السائدة آنذاك خصوصا في أوربا الغربية، نشأت اغلب الجامعات الامريكية الاولى تحت وصاية وتمويل جهات بعيدة عن الوسط الثقافي وتلبية لحاجات نمو رأس المال وتطور المؤسسة الصناعية وشيوع الذهنية التجارية. لقد كان من شأن هذا الاختلاف الجوهري ترسيخ فكرة ان الاساتذة مجرد عاملين مأجورين لدى ادارات الجامعات شأنهم شأن بقية المهنيين والمحترفين الذين تستخدمهم الشركات الكبرى. كان ذلك جليا في المراحل الاولى عندما كان هدف الجامعة الاول هو النهوض بالدراسات الاولية التي كانت تخصصاتها ومناهجها تستجيب لحاجة السوق وتسمح بهيمنة البورد الاداري على استحداث تلك التخصصات وصياغة تلك المناهج. وهنا يؤكد الاستاذ باك بان الامر اختلف تماما في مرحلة التركيز على البحث العلمي حيث لم يكن بمقدور الهيئات الادارية ومجالس امناء الجامعات تقييم عمل الباحثين العلميين المتخصصين مما فسح المجال لضرورة التقييم من قبل زملائهم العلماء. وبهذا بدأت بوادر انهيار الهيمنة الادارية واحداث التغييرات الهيكلية في ادارة شؤون الجامعات بما يضمن المساهمة الفعالة لمنتسبيها من الاساتذة. والاستنتاج الحاسم هنا هو انه كلما ازداد التركيز على البحث العلمي والتخصصات الدقيقة كلما زادت استقلالية اساتذة الجامعات وتوسعت دائرة مساهماتهم في ادارة شؤونهم وترسخت المعاييرالموضوعية في تقييم ادائهم.

لقد واجه الاكاديميون الامريكيون عقبات كبيرة وخاضوا كفاحا طويلا من أجل الخروج من تحت مظلة هيمنة رأس المال الاحتكاري وانتزاع استقلالهم المهني، لاسيما في المراحل الاولى من النمو الاقتصادي والاجتماعي التي اتسمت بالصراع العنيف المستميت بين العمل ورأس المال في ظل الانفجار الصناعي وظهور التكتلات المالية والتجارية العملاقة التي اخذت تبتلع المزيد من الكيانات الصناعية والتجارية الصغيرة، الامر الذي ساهم في احتكار سلطة القرار وتركيزها في اعلى الهرم واعتبار كل مايقع تحت رأس الهرم تابعا مطيعا. وكان للتجمعات المهنية والنقابية الدور الكبير في اسناد الاكاديميين ودعم قضيتهم من دون التفريط بمصالحهم التي كان السبيل اليها يمر من بين اصابع رأس المال الاحتكاري. وكان للاسلوب السلمي الدبلوماسي الذي سلكته التنظيمات المهنية للاكاديميين والذي عمل على كسب القانون وثقة الرأي العام وتعاطف مؤسسات الصحافة والاعلام الاثر الكبير في النجاح الذي احرزته تلك التنظيمات في حماية مصالح منتسبيها وتأمين مستقبلهم. ولاشك بأن تنظيمات الاكاديميين كانت، والى حد كبير ماتزال، توازن نفسها على الصراط المستقيم بين ان تحترم حرية التعبير والامانة العلمية وتوفي بمستلزماتها من جهة ، وبين ان تحافظ على نعمتها من عطاءات ومنح رأس المال وتحجم عن التفريط بالمساهمات التمويلية الضامنة لبقائها من جهة اخرى، وذلك من دون الوقوع في درك التحول الى تابع متخاذل يخون ضميره ويتنكر الى رسالته.

تشير التجربة الامريكية الى انه بين عامي 1920 و1940 قامت لجان مشتركة من جمعية اساتذة الجامعات الامريكية والمنظمة الادارية للكليات الامريكية بعقد عدة مؤتمرات للاتفاق على دليل العمل الاكاديمي وصياغة المبادئ الجوهرية التي تحكم العمل في هذا الحقل الابداعي. وقد تمخضت هذه الاجتماعات عن اصدار ماسمي ببيان المبادئ الاكاديمية الاولية لعام 1940، والذي تبنته الغالبية العظمى من الجامعات الامريكية والتي لاتزال تتخذه وتلتزم به كدليل عمل معروف لكل الاطراف. وكان هذا البيان قد تضمن مايلي بخصوص حق ومسؤولية الاستاذ الجامعي في ظل الحرية الاكاديمية:

" يتمتع اساتذة الجامعة بالحرية الكاملة فيما يبحثون علميا وما ينشرون وما يعلّمون طلابهم في قاعات الدرس. وذلك ضمن الاطر العامة لمناهج وفلسفة التعليم الحر المستقل التي يصممها ويقرّها زملائهم في اقسامهم وكلياتهم المعنية. على ان من المستحسن ان يعمد الاستاذ الملتزم الى تجنب الخوض في مناقشة، او فسح المجال للسجال العقيم، في الامور المثيرة للجدل التي تقع خارج نطاق اختصاصاتهم الاكاديمية أو تلك التي ليس لها علاقة بالمادة التي يدرّسون. أما في الجامعات المنشأة اصلا على اسس دينية وسياسية فمن الواجب قيام ادارات هذه الجامعات باعلام من يتم تعيينه بالشروط والمحددات التي تتطلبها تلك الجامعة. كما يتمتع الاساتذة بحرية الكلام الكاملة كمواطنين عندما يتحدثون خارج نطاق المؤسسة الجامعية شريطة ان يؤكدوا على ان وجهات نظرهم الشخصية لاتمثل سياسة وفلسفة مؤسساتهم مراعين في ذلك صيانة السمعة العلمية والاجتماعية للمؤسسة التعليمية التي ينتمون اليها"

مسؤولية نظام التعليم الحر المستقل:
لايمكن ان يكون الاقتصار على الانعتاق من المحددات الادارية والاجتماعية والسياسية والدينية كافيا او حتى ممكنا لتحقيق الحرية الاكاديمية ما لم تتضمن هذه الحرية ايضا حرية وحق الاساتذة والطلاب في صياغة وبناء نظام تعليمي حر مستقل ورصين يمكنهّم من تحقيق اهدافهم التربوية والتعليمية العليا ويؤهلهم للاستمرار في ابطال مفعول تلك المحددات الخارجية وجعلها غير مؤثرة حتى وان شاءت الاقدار ان يجددها الزمن وتبعثها التغييرات من جديد. ان مسألة التأكيد على بناء وترسيخ النظام التعليمي الحر المستقل الذي تترعرع وتنمو فيه الحرية الاكاديمية تكتسب اهمية بالغة واستثنائية في خضم تعدد الفلسفات واختلاف النظريات وتضارب الآراء وتصادم المواقف وتعارض المصالح واستفحال مؤثرات السياسة والدين وتزايد محددات التقاليد. ولذا فان ما يبرر الدعوة الى تأسيس نظام التعليم الحر المستقل هو كونه النظام الكفوء الفعال الذي يؤمّن:

- توسيع وتطوير المهام الاساسية في نشر المعرفة من الدراسة التقليدية لتاريخ وتطور العلوم الطبيعية والاجتماعية والتطبيقية والانسانيات والثقافات والاداب والفنون الى اعتماد الوسائل المعاصرة في الاستقصاء والتحليل العلمي والمختبري، واساليب التفكير الناقد الخلاق، ووسائل الاتصالات الشفهية والتحريرية، وطرق التحليل الكمي والاحصائي، ونظم المعلومات، واساليب الحوار الثقافي والتبادل الفكري والعمل الجماعي وطرق حل المعضلات وتسوية النزاعات. فلابد ان يتزاوج هدف التسلح بالمعرفة مع اهداف تنمية المواهب وتطوير المهارات واشاعة اساليب العمل الاخلاقي وتعزيز الواجب الوطني.

- تبني فلسفة ومناهج التعددية الفكرية ليس كشعار سياسي فضفاض انما كألتزام فكري ومسؤولية اجتماعية نابعة من الايمان بأن التعددية ظاهرة صحية ومنها تُستمَد القوة وفيها تتعظم الفائدة. وهي المفتاح الرئيس للتقدم والازدهار والطريق الى عالم خال من العدوانية والاحتراب.

- توفير البديل الافضل للتعليم المؤدلج والمسيس والمتحزب والمنحاز. وهو بهذا يضطلع بمهمات بناء الشخصية القوية المستقلة، المتعلمة والمطلعة والمنفتحة والقادرة فكريا على كشف وسائل غسيل الادمغة وتعرية ونبذ اساليب التلقين الايديولوجي والمسخ العقائدي.

- تنمية قدرات الطلاب على انتاج المعرفة اينما وحالما تبرز الحاجة اليها وفي ظل الظروف التي تقتضيها. كما يركز النظام على تنمية القدرة على الحكم واتخاذ القرار المبني على اكتشاف واختبار وتقييم البدائل المتوفرة. ويوفر الفرصة لتكوين الاراء وصياغة المواقف وينمي القابلية على الدفاع عن تلك المواقف والبرهنة على صحتها باستخدام الطرق العلمية والاساليب المدنية الحضارية.

- اتاحة الفرص الوافرة لتمحيص وتقييم البدائل التي تعين الاجيال على ايجاد قيمة للحياة وادراك معانيها السامية والالتزام بقضية الانسان ونضاله السلمي من اجل حياة افضل وسعادة اكبر للبشرية جمعاء. وبذلك يسهم النظام في انقاذ الاجيال من الوقوع في براثن ثقافة العنف والموت وخزعبلات الدين وترهات الكفاح المسلح .

- اشاعة مناخ الحوار المتكافئ السليم والعمل على تدريب الاجيال على اكتساب فضائل تقدير الاختلافات واحترام التباينات، والاحجام عن الاساءة لمشاعر الاخرين والتعرض لمقدساتهم. كما يعمل على تطوير قوة الاقناع بالحجة والانتصار بالبراهين. وهو بذلك يعزز مبدأ تكافؤ الفرص ويحث باتجاه الاجتهاد والنبوغ، وينتهج التقييم والمكافأة على اساس القدرات والكفاءات والجهود المبذولة.

- ضمان الحرية الشخصية ومساعدة الاجيال على التخلص من التردد والانعزال والخوف. كما يعمل النظام على اطلاق العنان للمواهب والكفاءات الخلاقة والسماح لها ان تأخذ مكانها المناسب. يصبح ذلك تحصيلا حاصلا اذا ما نشأت الاجيال على تقليد سماع كل الاراء وألفت الاصغاء الى جميع وجهات النظر كبديل للاحتكار الفكري وثقافة الحزب القائد والهرم العقائدي التي تؤدي الى لجم الافواه بالتهديد والتخويف والتخوين والتكفير والتمييز والعقاب. كما يساهم نظام التعليم الحر المستقل في التأكيد على الحذر من اختطاف الحرية من قبل الغوغاء وتجار الثقافة واستغلالها من اجل كسب المنافع الشخصية وتسخيرها لاغراض تأجيج الصراعات واشعال الفتن واطلاق مشاعر العدوانية والشروع بأعمال الشغب والعنف.

- تعزيز النظرة الواقعية البراغماتية لحياة الانسان والعالم الذي يحيطه. تلك النظرة البعيدة عن قصر النظر والحديّة والتطرف والتعصب الاعمى، والتي تقوم على حقيقة اننا لايمكن لنا تقسيم عالمنا الى فريقين متناحرين للخير والشر، خاصة عندما نضع انفسنا بجانب الخير ونضع الاخرين بجانب الشر. التعليم الواقعي المنفتح يثبت بالبراهين ان العالم الذي نعيش فيه لايتلون بكل حذافيره بين الابيض والاسود فقط انما هناك اطياف لونية لانهائية العدد تلون كل قسمات العالم الطبيعية والاجتماعية والثقافية. والاهم في ذلك كله هو سعي الانسان لخدمة نفسه وعائلته ومجتمعه وعالمه بأفضل طريقة يتمكن منها.

- بناء الشخصية القوية الواثقة والقادرة على النقد، وقبول النقد، والنقد الذاتي. على ان يكون الهدف الاول والاخير للنقد بكل صنوفه هو التقويم من اجل الافضل بدلا من ان يكون لمجرد اظهار العيوب وتعرية المثالب وتصفية الحسابات وتحويل الاخطاء الى خطايا.

- توفير امتيازات تقييم الاداء الذاتية التي يصوغها ويقرها ويديرها المنتسبون فيما بينهم بعيدا عن التقييم الحكومي والمؤسسي، الامر الذي يرفع من مستوى المسؤولية الفردية والجماعية ويعزز شرعية الخبرة والتجربة المهنية ويعطي الكفاءات والمهارات التقييم التي تستحق بموجب المعايير الموضوعية ودليل العمل المنبثق من بين المنتسبين انفسهم. كما يؤمن النظام فرص وآليات الشكوى والاحتكام والمناشدة والتمييز والاستئناف استجابة لمن يرى في التعامل اي تمييز اوظلم او اجحاف.

- واخيراً، وليس آخرًا فان نظام التعليم الحر المستقل يعمل على تأمين وصيانة النظام الديمقراطي العام الذي ينتعش ويبقى ويتخلد بالعلم والثقافة المنفتحة والمبادرة والاخلاص في العمل والابداع فيه . على ان نظام التعليم هذا لابد ان يستظل هو الاخر بمظلة النظام الديمقراطي العام الذي تقع عليه مهمات تأمين البيئة الآمنة وتوفير الضمانات القانونية والاقتصادية والاجتماعية اللازمة لتأسيس ودعم نظام التعليم وتعزيزتطوره وازدهاره.

 

Counters