| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

مثنى حميد مجيد

muthana_alsadi9@hotmail.com

 

 

                                                                                    الأربعاء 8/2/ 2012



الروهة والحرس القومي

مثنى حميد مجيد

كان الوقت غروبا . حزنٌ وخوفٌ يخيمان في أجواء بيتنا ، كنت طفلاً في العاشرة من العمر ، في ٨ شباط الأسود ، حين سمعت والدي يهمس بحنان وتحذير في أذن أخي الذي كان يكبرني بست سنوات :
دير بالك بويه من أولاد الروهة إذا خرجت إلى الشارع ، دير بالك ، روح بدربك وتعال بدربك!.

في ذلك الوقت دخلت الروهة لأول مرة خيالي الطفولي ككائن ظلامي مثير للخوف والرهبة وله مدلول خطير ، وفعل تخريبي دموي ، بقدر ما هو مثير للخيال والفنتازيا فهو كائن واقعي في ممارساته المشبوهة والمخيفة في الحياة العامة ، وليس مثل السعلوة وخضرة أم الليف والطنطل ، الكائنات التي كنا نكن لها الحب والخوف الطفولي الممتع الذي ينتهي عادة بالمرح والضحك لمعرفتنا ان هذه الكائنات الخيالية الجميلة إنما هي من بنات الخيال الجميل والمبدع لأمهاتنا وجداتنا الطيبات.كان والدي متدينا وحلاليا من الدرجة الأولى ، ملتزما ورعا وغالبا ما كان يترأس الدفانين ولذلك خمنت أن أبناء الروهة هؤلاء لا بد أن تكون لهم مسحة سوداوية محفوفة بالمحاذير ومشبوهة ولها علاقة بما هو سيء وشرير وباطل وخاطيء في عالمنا. ولم أجد صعوبة لأعرف أن أبناء الروهة الذين يقصدهم والدي هم الحرس القومي.

لقد سقط الزعيم عبد الكريم ، الحبيب إلى قلوب الناس ، سقوطا مروعا ومفاجئا ، وفي جدار ديوانيتنا قمنا وعلى وجه السرعة نسوّي بالسكاكين ونمسح شعار المنجل والجاكوج المحفور والمنقوش على الحائط القديم
المطلى بمادة الجص.وفي الليل قام أخي الأكبر بحفر حفرة في الأرض ودفن في داخلها حقيبة حديدية مملوءة بالكتب.

في تلك الأيام سألني عمي المرحوم أحمد مجيد إن كنت أرغب بالعمل معه كصانع أنظف وأعد الشاي للزبائن والزائرين في محله الصغير الكائن وسط سوق مدينة الناصرية القديم والرئيسي ، فوافقت بفرح وبدأت عملي بنشاط لكني سرعان ما لاحظت أن كل واجباتي كصانع لا تكلف سوى وقت قصير ثم أبقى جالسا عاطلا بلا أي عمل ، وقد لاحظ عمي ذلك فأقترح علي إقتراحا هاما قائلا لي أن هناك عمل بسيط تحصل منه على نقود جيدة إذا وافقت وهو أن تبيع الجرائد في السوق فماذا تقول فأجبت بالموافقة ولكن بشيء من الرهبة كون هذا العمل يتطلب مني مهارات أجربها لأول مرة كالتجوال في الأسواق وإستخدام لغة خاصة لترغيب الناس بشراء الجرائد. وأخذني عمي العزيز إلى صديقه صاحب المكتبة الكبيرة في وسط السوق وأتفق معه على تزويدي ببعض الصحف التي كانت تصدر في زمن الحرس القومي.

ولأيام وجدت نفسي بائع جرائد أتجول في الأسواق وأدخل المقاهي والمحلات الكبيرة بائعا لبضاعتي مروجا لها بكلمات أتقنتها وتفننت بإطلاقها للفت وجذب إنتباه الناس وحثهم لشرائها مثل إقرا الشعب ، إقرا الطليعة ، آخر الأخبار ، خبر مهم يفوتكم ، أخبار هامة إقروها لا تفوتكم ! وهكذ كنت أقوم بعملي بمهارة كبيرة وسعادة طفولية غامرة لم ينغصها إلا بعض أبناء الروهة من الحرس الفومي الذين كانوا يستوقفونني ليأخذوا مني بعض الجرائد ويستغرقون بقراءتها لدقائق طويلة قد تتجاوز أحيانا النصف ساعة وأنا أقف أنتظرهم بصبر وبعض الخوف وحين ينتهون من القراءة ويعيدونها لي أطالبهم بسعرها فأتلقى بدلا من ذلك توبيخا وكلمات سيئة ويصرفونني .وسألني عمي العزيز عن سير العمل فقلت له أنه جيد جدا إلا من شيء واحد فقال لي وماهو فقلت له أبناء الروهة الحرس القومي يقرأون الجرائد ولا يشترونها ! فضحك عمي ضحكة واسعة وسألني من علمك أن هؤلاء هم أبناء الروهة ؟! فقلت له : أبي ، فضحك عمي الحبيب مرة أخرى وعقب قائلا: كنت أتصور أن أبوك لا يعرف غير الدين ودفن الموتى الان عرفت أنه سياسي!

 

free web counter