| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

مثنى حميد مجيد

muthana_alsadi9@hotmail.com
 

 

 

الأثنين 3/5/ 2010



باقتي ورد لكارل ماركس وأبنتي لارا

مثنى حميد مجيد

ولد كارل ماركس في الخامس من مايو عام 1818 وولدت لارا إبنتي الصغرى ايضا في الخامس من مايو عام 1995 وولدت أنا قبلهما بيوم أي في الرابع من مايو عام 1953.نحن إذن الثلاثة ولدنا في وقت متقارب جدا وننتمي إلى برج الثور.يسعدني أن أتطرق إلى شخصية كارل ماركس من هذا الباب الطريف باب الأبراج الفلكية.ورغم العديد من الخرافات والخزعبلات التي تحيط بهذا الموضوع لكن هناك معان ذات بعد علمي يمكن تلمسها واستنتاجها وخاصة في مجال التحليل النفسي والعقلي للشخصية الإنسانية المرتبطة بأي واحد من الأبراج المختلفة.يتميز مواليد هذا البرج بصفتين تبدوان متناقضتين لكنهما في الحقيقة تكملان بعضهما.الأولى هي صفة الخيال الواسع اللامشروط والفعال والصفة الثانية هي الروح العلمية التدقيقية في كل ما يقررونه من قناعات أو أفكار فهم واقعيون حد العظم.هناك ميزة أخرى هي ميزة ـ صبر الثور وطول نفسه ـ التي تعطي إمكانية التوفيق والتأليف بين ماهو في حكم الخيال وماهو علمي وموضوعي.لقد إستطاع ماركس كفيلسوف يستمتع بخيال واسع الجمع بين علوم مختلفة فقبله كان عالم الفلاسفة هو الميتافيزيقيا فأنزل ماركس الفلسفة من عالم ماوراء الطبيعة إلى الطبيعة ، وكما يقال قلب هيغل الذي كان يقف على رأسه ليقف على قدميه في العالم الواقعي مستخرجا من لغته الصوفية المعقدة الديالكتيك ليكون أداته في التحليل وسمة لمنطقه ومنهجه الفلسفي.ونظر ماركس إلى الإنسان فوجد أن بؤسه وإغترابه الإجتماعي هو الأجدر بالتناول من إغتراب الإنسان عن عالم ما وراء الطبيعة ولذلك درس التاريخ والإقتصاد والنظريات الطوباوية التي كان أصحابها يحلمون بمجتمع فاضل لكل البشر وأستنتج أن إغتراب الإنسان يكمن في الإستغلال وأن الإستغلال هو نتاج التناقض بين الطابع الإجتماعي للعمل الإنساني والطابع الفردي لوسائل الإنتاج وأستدل أن الإستغلال والإغتراب لا يزولان إلا بمنح وإكساب وسائل الإنتاج تلك طابعا إجتماعيا أي أنسنتها وبالتالي تحرير الإنسان. وبذلك جمع ماركس الفيلسوف الفلسفة مع الحياة الواقعية وأنزلها ، كما يقال ، من رفوف الكتب المظلمة إلى الشارع الرحب ، إلى الناس ،وهنا تكمن ليس فقط عظمته كفيلسوف بل كإنسان بصر الشعوب أن بإمكانها التحرر من الإستغلال والإغتراب والإستلاب بمقدار وعيها للضرورة التاريخية التي تحتمها قوانين التطور الإقتصادي والإجتماعي في أنسنة وسائل الإنتاج وإكسابها طابعا إجتماعيا.ومما قاله ماركس أن الرأسمالية تحفر قبرها بيدها وهذا قانون علمي وليس شتيمة كما قد يتصور البعض فالثورة العلمية التكنولوجية توحد البشر وتجعل قضية الشعوب واحدة مشتركة وما هذا الإنترنت إلا واحدا من أدوات الحفر التي ستقبر بها المفاهيم المعادية لسنن التطور وتحرر البشر من الأطر الفردية الضيقة للإنتاج الذي يخدم أفرادا قليلين إلى أطر ذات طابع إجتماعي.وتنبأ ماركس أيضا من خلال نظريته الإقتصادية بالأزمات الدورية التي تعصف بالإقتصاد الرأسمالي وتؤدي تدريجيا إلى التغيرات الإجتماعية الكبرى صوب الإشتراكية وهو ما نشاهده اليوم من انهيارات مالية كبرى تجتاح إقتصاديات العالم وتدفع حكوماتها إلى التدخل لتنظيم إقتصاد السوق.

لقد كان ماركس وهو المثقف العبقري يحسن ويتمكن من 14 لغة وكان بإمكاناته العقلية الفذة قادرا على توفير حياة رغيدة لنفسه لكنه وبإصرار الثور وثباته وصبره قرر أن يكرس نفسه للكادحين والمعدمين ، قرر أن يجعل من فكره النير مشعلا لتحرر الإنسان من البؤس والإستلاب والإستغلال والإغتراب فطرد من وطنه ألمانيا وعاش مشردا محاربا من البرجوازية في فقر مدقع مع أطفاله في لندن وكان أغلب طعام العائلة يتكون من البطاطس ومقانق السمك.وكان ماركس ، على عكس ما يشاع عن جفاف شخصيته وخشونتها ، رقيق المشاعر مليئا بالمحبة والرحمة للفقراء فكان وهو يتجول أحيانا في شوارع لندن بحذائه العتيق لا يتردد من إخراج البعض من البنسات النقدية من جيب معطفه القديم ليحسن بها على المتسولين.كان في إنسانية شخصيته ورهافة أحاسيسه نموذجيا في إنتمائه لبرج الثور.وكان محبا لعائلته ورسائله الغرامية لزوجته تنبض بالحب ورغم مشاغله في عمله الفكري الرفيع كان يجلس مع أطفاله يقرأ لهم مقتطفات وقصص ممتعة من كتاب ألف ليلة وليلة.لكن شبح الجوع ظل دائما مخيما على العائلة وكانت صحة ماركس تنتكس وكان ينظر إلى أطفاله يذوون من الجوع فماتوا أمام ناظره إلا إليانورا إبنته الكبرى.

باقة ورد عطرة لكارل ماركس الإنسان المضحي الحي دائما في ضمير الشعوب السائرة إلى تحررها وإنعتاقها الحتمي من قوى الإستغلال والإستلاب والحروب والمجاعات.

سيبقى نجمك دائما ساطعا في سماء الإنسانية يوميء بالحقيقة.

باقة ورد أخرى أهديها لإبنتي لارا وكل أطفال العالم وأهديهم مقالتي هذه كي يعودوا دائما لماركس ويتسلحوا بالعلم ، بالنور ، بالديالكتيك ، بالفكر النظيف السديد المكرس لتحرر الإنسان من الظلم والعبودية والخرافة والإستغلال.

 

 

free web counter