| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

السبت 20/12/ 2008

 

لماذا وقفت ضد حذاء منتظر ، رسالة إلى صديق يعاتبني

مثنى حميد مجيد

أخي العزيز
لا أخفي عليك إني دهشت وضحكت لرؤيتي بوش وقد أصبح هدفآ مضحكآ لفردتي حذاء منتظر وشعرت في البداية إن هذا الشاب قد أهان النظام الرأسمالي الإجرامي وكدت أكتب مقالة لصالحه لكني حين هممت بذلك تذكرت إني حين أفعل ذلك فإني في اخر المطاف سأنحاز للحذاء.أجل أما أن أكون مع الحذاء أو ضده بغض النظر عن كل القناعات التي اؤمن بها أو
الموقف السياسي الذي أتخذه.عاد ذهني إلى شتاء عام 1978 وبالضبط يوم 16 ـ 12 . كنت قد أكملت إمتحان الطلبة في مادة الإنكليزية في ثانوية الرفاعي وجمعت الأوراق الإمتحانية وخرجت بحدود الساعة الرابعة عصرآ للعودة إلى البيت في الناصرية وفي طريقي إلى كراج السيارات إستوقفني شرطي أمن طالبآ مني مرافقته إلى مديرية الأمن وحين إعتذرت عن ذلك تم إجباري بالقوة حيث عاونه مدير الثانوية في حملي إلى المديرية.هناك جرت محاورة بيني وبين نقيب الأمن مالك أكدت له فيها أن لائحة حقوق الإنسان التي يحتفل بها العالم في مثل هذه الأيام لا تتيح له إستدعائي إلى مديريته أو الحصول على أي معلومات مني فصرخ بي قائلآ- كم أنت صلف- وتقدم مني وأنتزع حذائي الأيمن وضربني بكامل قوته على رأسي فأنهرت فاقدآ الوعي. ثم شعرت بهم يرشون وجهي بالماء فعدت إلى وعيي وشاهدت أوراق الطلبة وقد تناثرت على الأرض. وليومين تركت في غرفة ضيقة مظلمة حتى ليلة 18 حيث تجمع حولي خمسة أو ستة أشخاص لإنتزاع إعترافاتي بالتعذيب.وتم جلدي بالفلقة الشهيرة لمرات متتالية حتى تورمت وتدمت قدماي و تقريبآ فقدت الشعور بالألم فكانوا يدفعونني في الممر ركلآ وضربآ بالسياط والأحذية لمعاودة الدم الرجوع في أقدامي ثم يواصلون الجلد متداولين السياط وقد تعرقت وجوههم .كنت عضو لجنة نشطة في الحزب الشيوعي العراقي وكان الإعتراف مستحيلآ بالنسبة لي وكنت مستعدآ تمامآ للموت على خيانة الأمانة وسمعت أحدهم يقترح على نقيب مالك إستخدام الكهرباء. كنت أمام إختبار حقيقي أما السقوط والإعتراف أو الموت وكنت مستعدآ للموت بل شعرت به قاب قوسين أو أدنى مني .في مثل هذه الأوقات من الشدة يستذكر الإنسان أفضل ما لديه في الحياة وأقرب الأحباب إليه فتبدى لي وجه المرحوم والدي الفقير المتدين بلحيته الكوساء وكنت قد نسيت احاديثه وحكاياته التي كانت في أغلبها عن الأساطير المندائية وعنترة العبسي والزناتي خليفة وتذكرت في الحال نصيحة له طالما كان يرددها على أسماعنا أنا وإخوتي قائلآ ، إذا وجدت نفسك بشدة فقل فقط ياهيبل زيوا يأتيك بأقل من ثانية ، ويؤشر بطرف اصبعه تأكيدآ على سرعة حضور واهب الضوء أو رسول النور الإلهي. وقررت أن أنفذ نصيحة والدي وبينما كان الجلادون يدفعون بي ركلآ بالسياط والأحذية في الممر لإعادة الدم إلى أقدامي إستجمعت كامل قوتي وأطلقت في وجوههم إسم ملك النور. أقسم لك بروح أخي سعيد الذي لا أعرف حتى الان قبرآ له لقد هرب الأوغاد فارين تمامآ كالكلاب المذعورة، كالجرذان الفارة ،كالخرفان ،وأختفوا هلعآ متوزعين الغرف الجانبية للممر.

وساد الصمت وشعرت للحظات كمن يتحرر من قيد ولمحت الجبناء يظهرون رؤوسهم من جحورهم يتبصبصون ليستطلعوا حقيقة ما حدث لهم من خسة وهزيمة وإذا بنقيب مالك يخرج معلنآ إنتهاء التحقيق هاتفآ بهم ـ تعالوا تعالوا ، هذا مو شيوعي، تعال وقل لي منو هذا هيبلزيوا!

هكذا كتب لي أن أنجو من موتين الموت البايلوجي والموت في الحياة من الإعتراف وخيانة نفسي والأمانة وواصلت عملي ضد النظام الفاشي كصديق لحزب الشهيد فهد حتى عام 1986 ،حيث شرفت في هذا العام بالمشاركة في كتابة منشور وزع في كافة أنحاء العراق إستبدلت فيه كلمة الدكتاتور صدام بتعبير مجرم الحرب النتن صدام. وما تعرضت له من تعذيب وإهانة بالأحذية والسياط البعثية هو قطرة في بحر من المآسي والأهوال التي تعرض لها شعبنا العراقي فأنتهكت أعراض وأهينت بالأحذية ومختلف صنوف التعذيب السادي مئات الألوف من العراقيين.لقد كان الحذاء أحد أساليب التعذيب الفاشي المستخدمة على نطاق واسع من قبل الفاشست ولذلك ذكر حذاء منتظر الخارج من قناة البغدادية البعثية العراقيين بنظام صدام فالحذاء يقترن في الذاكرة العراقية بالبعث الفاشي فهو يدل ويشير إليه هذا بغض النظر عن الهوية السياسية لمنتظر. حذاء منتظر لم يكن في الحقيقة موجهآ للسفيه بوش بل هو بمثابة رسالة للمتحاصصين الذين نسوا ما كانوا عليه بالأمس في ظل نظام صدام الفاشي.

أما البطولة الحقيقية فهي بطولة الأيام الصعبة وليس بطولة إستغلال المؤتمرات الصحفية وفسحة الحرية المتاحة لتحقيق شهرة ومجد شخصي بالحذاء ،البطولة الحقيقية يوم كانت أناشيد القائد الضرورة تصدح ممجدة مذابحه وأنتصاراته الوهمية وكان الرعاع يردحون الأرض حماسة في مدح مآثره ومكرماته الزائفة.لقد أهان منتظر القضية التي يدافع عنها قبل إهانته لبوش فصاحب المباديء الحقيقية لا يضرب حتى عدوه بالحذاء خاصة إذا كان عراقيآ بحق ويعرف أي نظام فاشي وإجرامي كان نظام صدام.الإنسان إنسان حتى لو كان مجرمآ ساديآ كصدام أو ممثل سفيه لنظام إستغلالي إجرامي رأسمالي كبوش والحذاء حذاء حتى لو كان من الذهب أو مشبعآ بالهزل والتراجيديا كحذاء منتظر.

مع ذلك أدعو مع الجميع إلى إطلاق سراح الصحفي مظفر الزيدي فنحن في أغلبيتنا نحمل في داخلنا التهور وإنعكاسات الإستبداد الصدامي النفسية التي تطفح وتنعكس في تصرفات الكثيرين منا في العديد من المواقف.أنها تأثيرات المخلفات المؤلمة المكتسبة لأبشع نظام فاشي شهده التاريخ عشنا وترعرعنا وكبرنا في ظلال أيامه السوداء الجائرة.

 

free web counter

 

أرشيف المقالات