| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

مثنى حميد مجيد

muthana_alsadi9@hotmail.com

 

 

                                                                                    الأثنين 16/7/ 2012



أهدي مقالتي هذه إلى الصديق والرفيق الباحث العراقي الأستاذ وليد مهدي


جذور حضارة شيتل طابا

مثنى حميد مجيد

من أنكي إلى بتاح :

يمكن مقارنة بنية المنظومة الطقوسية واللاهوتية الصابئية المندائية ، زمانياً ومكانياً ، ببنية الكائن الحي ، ويمكن القول أن الطقس المندائي الرافديني يحتل الهيكل العظمي من هذه البنية ومكمن أسرارها الجينية في حين يحتل الفكر بما فيه من لاهوت ومضامين معرفية وغنوصية ذات منابع جغرافية متنوعة ومتسمة في بعضها بسمات مصرية قديمة وهلنيستية ، مكان اللحم والدم والأعلاق في بنية ذلك الكائن الحي. ومن الممكن الإفتراض أيضا أن البزرة الجينية التي تخلق منها هذا الكائن تعود إلى مرحلة نشأة القرى الأولى المشاعية في التاريخ ولها علاقة وثيقة بألواح المعرفة الغامضة للإلهين أنكي وبتاح ، وهما مندائيا ، يمكن الإستعاضة عنهما لغويا وعلى التوالي بشيتل وأنوش . فشيتل هو فعل الشتل ، هو أنكي السابق والموازي لبتاح ،الإله المهندس والمشرِّع لحضارة حورس ، حضارة أنوش ، الفاعل ، الذي هو الإنسان. هذا التعاقب اللغوي للفعل والفاعل ينطوي على ضرورة جدلية لا غنى عنها في الإدراك المعرفي لطبيعة العلاقة التاريخية بين حضارتي وادي الرافدين ووادي النيل. فأنكي وبتاح ، وشيتل وأنوش هما صيغتان لجملة افتراضية واحدة تؤدي معنى واحداً يمكن أن يشكل الشفرة الأساس لمعرفة الأسباب الرئيسية للظهور المتعاقب والمفاجيء نسبياً للمدن الأولى وإنبثاق الحضارة في سومر ثم في مصر القديمة.ومما له دلالته العلمية أن الإلهين أنكي وبتاح قد إقترنا ببعد جغرافي وهندسي واحد تمثل في خط العرض الشمالي ٣٠ أي في مدينة منف بالنسبة لبتاح - وكانت تعروف باسم "الجدار الأبيض" حتي القرن السادس والعشرين قبل الميلاد - وأقصى جنوب العراق بالنسبة لأنكي إله الأعماق المائية ـ إي أبسو ـ . وكلاهما كان يمتلك لوحاً للمعرفة العلمية التي تم إعتمادها في تشييد المدن الأولى في مصر والعراق ، وفقا لما فيهما من معارف وأسرار علمية وكل لوح منهما كان يتشكل من معدل ٦١ بندا أو مفردة مازالت موضع جدل وتساؤل عن معانيها ودلالاتها الغامضة والرمزية في أوساط علماء الآثار.

أريدو ـ أري دوكا ـ كرحم لحضارة أنكي - شيت:

إقترن نشوء القرى الأولى في الألف الرابع قبل الميلاد بالري الاصطناعي ، وكان اصلاح البيئة النهرية بحفر القنوات والمجاري المائية على نهري دجلة والفرات هو السمة التي ميزت النشاط الإنساني لترويض الطبيعة القاسية بما في ذلك إخضاع الفيضانات وكان ذلك يتطلب عملآ منظمآ ومشتركآ وجماعيآ من قبل جميع الأفراد.ويتفق المؤرخون ان ذلك النشاط الجبار الجماعي لتنظيم الري والبزل اضافة الى إكتشاف المحراث والعجلات ذات الدولابين واستخدام الحيوانات وتعدين النحاس المتقدم هي الأسباب الكامنة وراء نشوء تلك القرى الأولى في سومر القديمة.وكان المعبد الذي يتوسط المزارع الجماعية يقوم بالدور الاداري والتنسيقي بينها بالاضافة الى دوره الديني.ان هناك عدة أسباب تجعلنا نعتقد أن طقس التعميد المندائي ـ المصبتا ـ يمتد بجذوره ويرتبط بوشائج مع الطقس السومري للتعميد في مدينة أريدو.

كان المعبد السومري الذي يسمى بالزقورة يعني ـ الجبل الأبيض ـ وكان عادة يطلى من الخارج بمادة بيضاء وكذلك الدكة التي كانت تقدم عليها الأضاحي.ويرى بعض علماء الاثار ان الأشجار كانت تزرع عليه خاصة في فترة قيام المدن السومرية الكبرى لتضفى عليه صفة الجبل و هناك الكثير من التراتيل السومرية التي تتوجه الى الجبل كرمز ديني له إرتباط بالذاكرة الجمعية للأقوام التي نزحت من جبال زاغروس في ايران أو طوروس في الأناضول - تركيا لتستقر جنوب وادي الرافدين في الحقب السابقة لظهور الحضارة السومرية.والمهم هنا هو هذا التشابه في النظرة والتوجه للجبل كرمز ديني يرتبط بالذاكرة الوطنية .

في التراتيل المندائية يمكن أن يشير - الجبل الأبيض - طورا اد هيوارا - وأحيانا يستعاض عن الجبل بالشجرة أو الكرمة ، إلى الزقورة أو إلى الهرم أو إلى جبل ما في جهة الشمال فكل هذه الإفتراضات ممكنة إلا إننا نعتقد أن الترتيلة التالية تحمل دلالة جغرافية مكانية إلى الهرم المصري:

اني رأيتُ جبلاً أبيضاً ،
بياضَ جمعٍ فوقهُ التأمْ.
إنْ هبَّت الريحُ عليه يوماً هلّلتْ ،
من عطرها الأمم.
وإنْ الريح يومآ في وديانه جَرَتْ ،
بالنور أشرقت.
اني وقفت في مكاني رافعاً
دعائي العظيم ، قد دعوتْ
أن أُوهبَ ، هبةً ، من موطني الجبلْ
من موطن الجمع العظيم ذاك:
شافٍ يُطبِّب النفوس أن يجئ من هناك
يشفي ولا يسأل أي أجرْ
وحيثُ كنت في مكاني واقفا مُنحتُ ما طلبتْ
وقد وهبت الهبة التي رجوتْ
من موطني الجبل
من موطن الجمع العظيم ذاك
فصرت شاف للنفوس
شاف للنفوس صرت
يشفي ولا يسأل أي أجر.
عندها شددت راحلآ وسرت
حتى بوابات بابل بلغت.
وكان أن أغلق بعض أهل بابل
في وجهي الأبواب.
وبعضهم قد فتح الأبواب.
من أغلقوا الأبواب كارهون للحياة عاشقون للموتِ ،
لهم قرار بهيمْ
به سيُلزمون.
من فتحوا الأبوابَ عاشقون للحياة كارهون للموتِ ،
هم في نقاءٍ سوف يعرجون
لهم مقام منير
له سيشهدون
                
 الترتيلة ١٦٤من كتاب قلستا:

ان حوض الماء في المعبد السومري ، كما لاحظت ذلك المستشرقة الليدي دراور التي درست المندائيين ، مطابق لحوض الماء الطقسي للمندائيين فكلاهما يرتبطان بنهر الفرات برافد صغير من اليمين ومجرى للبزل الى اليسار لتوفير الماء الجاري أو ماء الحياة ـ اليردنا ـ واعداده بهذا الشكل ينسجم مع عصب الحياة الذي يقوم عليه المجتمع السومري في اعداد الشبكات الكبرى للري والبزل ، وتعميد الفرد هنا يحمل صفة اجتماعية وهي إضفاء الأهلية على مكتسب العماد كعضو فاعل ومقبول في الهيئة الاجتماعية التي تقوم حياتها أساسآ على النشاط الجماعي للمشاعية الزراعية.ان مفهوم التعميد الصابئي مشابه لهذا الطرح رغم مرور الاف السنين والفرد الصابئي المعاصر لا يقتنع ولا تستقر وتطمئن نفسه لسلامة حصوله على التعميد الا بهذا الشكل أي بتوفير الماء الجاري.ورغم غياب الوظيفة الاجتماعية القديمة لهذا الطقس لكنه مازال ركنآ أساسيآ في الديانة الصابئية ولم تستبعد دراور أن يكون ذات الطقس قد كان مطبقآ في معابد أريدو.

وقد عثر على قرص دائري في أحد معابد أريدو يمكن اعتباره النموذج الأقدم للسكيندولا الصابئية ، والسكيندولا هي قرص معدني دائري في داخله نقش لفراشة وعقرب وأسد مع حية تلتف على محيط القرص وتمثل بالتتالي العناصر الأربعة ،الهواء ، الماء ، النار والتراب وغالبآ مايدفن الصابئة السكيندولا في الأرض تحت عتبة الدار دفعآ للشر المحتمل من قوى الظلام حيث يعتقد ان الملاك النوراني ـ هيبل زيوا ـ قد غنمها عند نزوله الى عالم الظلام وأسره للروها المتحكمة بذلك العالم.أما القرص السومري فقد وجد أيضآ مدفونآ تحت دكة تقديم الأضاحي التي ثبت أنها أساسآ من الأسماك ، وهي مادة شائعة جدآ في الطعام الطقسي المندائي ، وتظهر فيه أيضآ أربعة رموز وهي الجوزاء والعقرب والحمل اضافة الى الحية الملتفة على محيط القرص وتمثل بالتتالي الهواء ، الماء ، النار والتراب حيث يرمز الحمل للنار بدلآ من الأسد والجوزاء للهواء بدلآ من الفراشة.ورغم تبدل رمزين الا ان الحلقتين متشابهتان في المعاني الطقسية والوظيفية والفلكية ، علمآ بأن نظرية العناصر الأربعة ذات أهمية كبيرة لا تخفى في فهم الميثولوجيا المشتركة وبالأخص بانثيون الالهة في وادي الرافدين ، وقد انتقلت هذه النظرية فيما بعد الى اليونان في النصف الأخير من الألف الأول قبل الميلاد.

ان مدينة أريدو هي بحق مدينة الماء والسمك والطيور البرية وكل مظاهر حياة الأهوار في جنوب العراق ، وكانت تُعرف بالمحاصيل الحقلية كالحنطة والشعير والكتان وتشتهر بزراعة النخيل والسمسم. والسمسم ، الأبيض خاصة ، مادة طقسية مهمة بزيته الذي يدخل في أغلب الطقوس ولاسيما طقس التعميد ، وتصفه الترتيلة ــ٢٣ من كتاب القلستا المندائي بإبن الفرات الثمين الذي باركه الحي بيده والذي يحمل أسرار الشفاء.وكذلك الحنطة التي طلب من ادم وحواء الامتناع عن تناولها تمامآ مثل ما طلب من أدابا في المثيولوجيا السومرية المرتبطة بمدينة أريدو. وقد أشرنا أيضآ الى المادة الطقسية المهمة والمشتركة الا وهي السمك حيث وجدت أصدافه على دكة المعبد في أريدو.وثمة صورة لأنكي ، أو أيا الأكدي ، تنطلق من كتفيه أربعة ينابيع ويحمل بيده طيرآ من طيور الأهوار والى الأسفل من رجليه حمل صغير وهو بلحيته وملابسه أشبه ما يكون بكاهن صابئي . وتربط العديد من النصوص والتراتيل المندائية ينابيع الماء بأذرع ملائكة النور.
لاحظ الترتيلة ٣١١ من كتاب قلستا مثلآ.

كانت أريدو مركزآ للتعميد في سومر ، وكان ملوك أوروك وأور وحتى نيبور ، المركز الديني الرئيسي ، وكل المدن السومرية يأتون لغرض التعميد الى أريدو ، وهي مدينة الإله أنكي ومعبده إساكيلي ـ البيت الطاهر ـ أو معبد المياه العميقة ـ إي أبسو ـ الذي تحدثنا الأسطورة السومرية أنه كان مشيدآ من البلور تمامآ كما يرد في أسطورة مندائية.وكان كهنة أريدو يرتدون الملابس الدينية البيضاء المنسوجة من الكتان وهو من المحاصيل الشهيرة التي تنتجها مزارع أريدو مشابهين الكهنة المندائيين بملابسهم الكتانية التي يطلق عليها أسم الرستة. .والسكيندولا المندائية مأخوذة من عالم الظلام وتحمل شفرة أسراره في حين ان القرص المشابه لها المشار اليه سابقآ ، هو الوسيلة السحرية لتحفيز عناصر الطبيعة في أعماق الأرض من أجل الإنبات والإثمار.وهكذا يكون هذا الإختلاف الظاهري بحد ذاته دليلآ على هذا الترابط القديم والوثيق في النشأة بين التقاليد والطقوس المندائية وتلك الخاصة بأريدو. و يمثل زيو سودرا أوتونوبشتم واحدة من الحلقات المشتركة الأساسية المفعمة بالدلالة بين ما هو رافديني ومصري فزيوسودرا هو في الحقيقة أوزير السومري أو أوصار هيي المندائي لذات المهمة الخاصة بإيصال نفس المتوفي إلى عالم الحياة الخالدة ويقوم بما يشبه طقس تكريز المرشح لدرجة التلميذ المندائية ـ الشولية ـ بتقديم طقس مماثل في جوهره لجلجامش الذي يقصده طلبآ للخلود والخلاص من هاجس الموت الذي ألح عليه وأفقده راحة العيش بعد وفاة صديقه أنكيدو ، حيث يمتنع المرشح للكهانة عن النوم لمدة اسبوع وتجرى الطقوس التي تتضمن اعداد فطائر الخبز ويدخل بها زيت السمسم والتمر والفاكهة وباقي المفردات الطقسية وحيث يفشل جلجامش في إنصياعه للإجراءات الطقسية وبالتالي نيله الإستحقاق في حياة أبدية فأن زيوسودرا يعوضه بنبات دائم الخضرة لتجديد شبابه هو أقرب ما يكون الى نبات الأس ذي الأهمية الطقسية لدى المندائيين.

ورغم التباينات والإختلافات الميثيولوجية بين الأساطير المندائية والسومرية والخاصة بأريدو الا اننا نلحظ تقاربا جماليا في الدراما والمغزى الى درجة كبيرة .وممكن القول أن جزءآ كبيرأ من ماثر الجانبين يقوم على حياة تعتمد على مزاولة الزراعة وصيد الأسماك وتربية الماشية.وتشد بشكل خاص لغة الحياة اليومية للصيادين ، فكما تظهر الأسماك من الماء مسبحة لمندادهيي حين يتجسد ليحيا يوحنا بهيئة طفل ، كذلك تتقافز فوق الماء راقصة لأنكي وهو يشق طريقه بالزورق الى نيبور للحج.وأدابا، الذي يقارن بادم ، كان صيادآ قبل رحلته الى - انو - طلبآ للخلود لكنه لم يفلح في نيله لتناوله الخبز الذي طلب منه أنكي الإمتناع عن تقبله تمامآ كالإغراء الذي دفع بادم الى تناول الحنطة.والعجلة ، التي أخترعت في سومر وساهمت في قيام مدن ما قبل التاريخ ، هي مفردة شعرية في العديد من التراتيل المندائية ، ومثلها الزورق والناعور والسنارة وشبكة الصيد،السلية في العامية العراقية ، وسليتا في المندائية.وتتواجد في بعض المخطوطات المندائية صور للزورق والعجلة ، وتمثل الكواكب بزوارق مبحرة في السماء تمامآ كما يرد في أساطير أريدو.وكانت الزوارق تصنع من القصب والبردي وتطلى بالقار ويطلق على الصغير منها ـ كوفا ـ بالكاف المعجمة ، وهي مازالت مستخدمة في العامية العراقية.ويدخل القصب وسعف النخيل والصفصاف في العديد من الرموز الدينية والطقسية كالمندلتا التي تشير في جانب من رمزيتها إلى بيت النفس.

ويوكد س.ن.كريمر على قوة التشابه بين قصة السيد المسيح والام دوموزي وتعذيبه للنزول الى العالم السفلي من أجل تخصيب الطبيعة وديمومة الحياة ، ويورد تفاصيل كثيرة تؤكد قدم الفكرة المسيحية عن تضحية الإله من أجل الانسان والحياة.ومما يلفت الإنتباه ذهاب دوموزي نفسه الى أريدو لنيل التعميد فكما سبق يوحنا المعمدان المسيح في ظهوره ، سبقت أريدو في ظهورها التاريخي مدينة اوروك ، وهي مقر دوموزي وانانا ـ عشتار البابلية ـ التي يقارنها كريمر بمريم العذراء.وهناك تفاصيل ميثولوجية كثيرة تؤكد ما ذهب اليه كريمر. ويبدو أن مدينة أور قد دخلت في منافسة مع أريدو وكانت تخضع للإله نانّا ، وهو اسم اخر لسين ، اله القمر الذي كان نتاج اغتصاب انليل اله الهواء ل ـ نيليل.وتؤكد اسطورة مندائية ان اليهودية لها علاقة بتعظيم القمر كما للمندائية علاقة بتعظيم الشمس ، شامش ، وتربط أور بالشر ، وكل ذلك يفسر لنا الإنتقادات المتشددة في الكتب المندائية الموجهة لليهودية فهي تعبر عن ذلك الصراع القديم بين أريدو القرية الزراعية وأور ، المدينة الناهضة بعلاقاتها الاجتماعية والطبقية الأكثر تطوراً.

ومع كل هذه الشروحات والإستجلاءات التي سقناها عن العلاقة التاريخية والحضارية بين ما هو سامي ، صابئي ، وما هو رافديني سومري في حقلي الميثيولوجيا واللاهوت تبقى المقارنة قاصرة من الناحية البحثية ، وغير متكاملة ومستوفية لشروطها نظراً لقلة الأدلة والشواخص الاثارية الضرورية واللازمة التي تدعمها ، فما نسميه هنا - حضارة أنكي - أو حضارة شيت هي حضارة لبنية قلقة ومتناقضة في مقوماتها ،تعرضت معظم معالمها وآثارها للتلف والتآكل والدمار والنهب ،فهي على النقيض من الحضارة المصرية الصخرية المنسجمة في تركيبتها والتي صمدت لعوادي الزمن وعوامل الطبيعة ، والتي يمكن أن نجد في معطياتها وشواهدها ما يوفر لنا مادة بحثية جيدة لسد الثغرات ،وتفعيل المقارنات ،وإعادة رصف وربط المعلومات بما يخدم الهدف المعرفي والبحثي في إستجلاء الحقيقة التاريخية.
ومقدما من الممكن والمفيد تلخيص بعض الرموز الدينية بالمعادلات المبسطة التالية:

أنكي السومري - بتاح المصري - يوحنا السامي
دوموزي السومري - أوزريس المصري - المسيح السامي
انانا السومرية - إيزيس المصرية - مريم السامية
أريدو أنكي - منف بتاح - أورشليم يوحنا
أنليل ،خليفة أنكي - حورس ،خليفة أوزريس - البابا ،خليفة المسيح

مدخل لغوي وبياني إلى حضارة شيت في مصر :

يذكر الأستاذ عزيز سباهي أن أحبار اليهود قد أشاروا في مؤلفاتهم إلى دوسيثيوس كواحد من أتباع يوحنا المعمدان الثلاثين وأنه مع صبّوئيوس كانا مؤسسين لفرقتين بإسمهم. ويورد أيضا ما قاله أوريجن ١٨٥ - ٢٥٣ م عن دوسيثيوس من أن فرقته كانت في زمنه على وشك الإنقراض ولم يتبق منها سوى ٣٠ شخصا. ثم يستشهد الأستاذ سباهي بما جاء في ترتيلة من ضمن ثلاث تراتيل وردت في مخطوطات نجع حمادي تُعرف بإسم رؤيا دوسيثيوس أو الألواح الثلاثة لشيت:

لنبتهج ، لنبتهج ، لنبتهج!
نحن رأينا ، نحن رأينا ، نحن رأينا
ما هو كان في البداية ، ما كان حقاً
ما كان الخالد الأول ، الذي لم يولد
الذين منك تولّد الخالدون والأيونيون الكاملون            
  - المتقنون - ص١٥٣

ويرى الأستاذ سباهي أن اسلوب الترتيلة يذكر بالمندائيين مع تأكيدهم على علاقتهم بمصر وبهرمس وشيت .
أصول الصابئة المندائيين .ص١٥٣. و من الممكن الإضافة هنا إلى أن هؤلاء الأيونيين ، وعددهم أربعة عشر ، ما هم في الحقيقة إلا الملائكة الأثري الموزعين على كوكبتي الدب الكبير والدب الصغير ، وهما بمثابة كفتين فلكتين لميزان أباثر ، ومصريا ميزان أبيدوس ، ويسترشد بهما لتحديد مكان نجم الشمال والذي على أساسه أيضا بنيت الأهرام كما يرى العديد من الكتاب والباحثين.أما النجم سيريوس المرتبط بفيضان النيل فهو أساسآ كان يحمل في دلالته رمزية ترتبط بشيت خلال الألف الرابع ق م ، أو كلا من الإله سيتي وزوجته نفتيس قبل أن تنتقل هذه الرمزية بفعل التطور الإجتماعي والإقتصادي إلى كل من إيزيس وأوزريس وإبنهما حورس.وفيما بعد إنتقلت هذه الرمزية إلى الإسلام في تأكيد القران الكريم على نجمة الشّعرى اليمانية - سيريوس - في سورة النجم كونها ليست إلها ،كما كان بعض العرب يتصورون ،بل أن الله هو رب الشعرى كما ورد في آية منها ، في حين إنتقلت رمزية - الأيونيون الكاملون الأربعة عشر - من الصابئة والهرامسة لتشكل رمزية فيثاغورسية دالة على الأئمة الأربعة عشر في المذهب الشيعي الذي حافظ به شيت على مكانته ومرتبته التاريخية الأصيلة كإمام في شجرة العرفان .عن الإسلام في إيران - مشاهد روحية وفلسفية ، هنري كوربان ص ٩٥ .


ولتفعيل هذه المداخلة التراثية والأدبية لغوياً وبيانياً سأعتمد على جملة مندائية ذات مغزى وتراتبية زمنية غالبا ما تتوارد بإطّراد في المآثر المندائية هي:

آدم هيبل شيتل أنوش
آدم وهب الذرية للإنسان

و الجملة ،على بساطتها المتناهية ،تختزل المراحل التطورية للتاريخ البشري ويمكن إعتمادها كمعادلة كرونولوجية لدراسة التاريخ المصري في الألفين الرابع والثالث أي المرحلة التي شهدت التحول والإنتقال من حضارة سيت الزراعية المشاعية إلى حضارة حورس العبودية ،في مفصل زمني كان ومازال مثاراً للجدل يتعلق بتاريخ بناء تمثال - أبو الهول - وما يمثله من معان حضارية وتطورية وجمالية .إن الإحتكام لهذه التراتبية اللغوية في تناول المراحل التطورية للتاريخ المصري سيضعنا أمام إستنتاج أولي ومنطقي يتلخص في أن تمثال - ابو الهول - كان أصلاً يمثل ويرمز لشيت بن آدم أو الإله سيت المصري ، بمعنى أن الهرم الأوسط يمكن نسبته أو الإشارة به إليه ، في حين يمكن الإشارة بالهرم الأكبر لأنوش - حورس - والدولة المصرية العبودية المنتصرة بعد توحيدها ، أي أن تمثال - أبو الهول - لا يحمل أي دلالة أو رمزية مباشرة للملك خوفو بل لمعنى الملوكية كمفهوم وليد لسيادة الدولة ومؤسساتها.وهذا يحيلنا إلى الإفتراض أن النظرية التي تؤكد أن رأس التمثال قد تعرض إلى تحوير هي نظرية أقرب إلى الصحة ، ومع ذلك يمكن القول ان مثل هذا التحوير المفترض الذي جرى على رأس التمثال ، وبغض النظر عما يطرحه من أسئلة على المستوى الجمالي ، قد كان مبررا من منظور المرحلة التاريخية لنشأة الدولة المصرية وظهور الحضارة ببناها السياسية والقانونية والأخلاقية المألوفة لدينا وكذلك يؤرخ إلى قمة المنجز العلمي والمعرفي للشعوب القديمة والبشرية.

و استطرادا ،سأفترض أن أحد الآباء المندائيين القدامى من الشيثيين الذين دفع بهم الإضطهاد الديني في القرنين الثالث والرابع الميلاديين إلى الهجرة من مصر إلى حران فجنوب العراق ،سأفترض أن هذا الأب قد جلس ليكتب صلاة أو دعاء وهو في حالة من التأمل العميق والحنين إلى الماضي البعيد فماذا سو ف يستعيد في ذهنه وقرارة نفسه قبل أن يستل ريشته ويغمسها بالحبر ليكتب.لا شك أنه سيلجأ إلى ماضيه الكامن في ذاكرته وعقله الباطن ، إلى تاريخه وخلفيته الحضارية والثقافية التي ترعرعت في أشهر حاضرتين عرفهما ذلك العصر هما الإسكندرية وحران كقبلتين للمعارف والعلوم ومدارس الفلسفة ،ولا شك أنه سيستعيد الأهرامات ،لا ككتل صخرية جامدة بل كأشجار معرفية عالية حافلة بالمعاني والأسرار العلمية والروحانية .وقبل أن تخط يده أي حرف سيكون قد إستغرق تماماً في حالة من الإلهام التي بقدر ما تمنحه عمق الرؤيا فإنها تجعله في حالة من النشوة الحسية والسرور الذي يصله العارف عند إرتقائه السلم التصاعدي الذي يمكنه من إقتطاف الثمار المحسوسة المتولدة عن الملامسة المباشرة للحقيقة .


هناك كرمة لشيتل وأخرى لأنوش
لشيتل شجرة هناك
بك يا أرض الحق ،
محملة بالجزاء ، محملة بالثواب ، محملة بالناصيروثا .
البراعم في نهايات أوراقها
مكنوزة بالصلوات ، والتراتيل والقصص الساميات.
حينما قمت واقفآ في مكاني
دعوت دعاءاً وكان دعاءاً عظيما ؛
سائلآ أن أوهب سلماً عاليا
أركنه إلى الكرمة مرتقىً للارتقاء ،
مرتقىً للارتقاء أركنه إلى الكرمة ،
عساني به أعتلي كرمتي ،
فأكبر نفساً وأمسك أوراقها ،
أطعم وأورف في فيئها
أتنعَّم بايراقها ،
عساني أجدل اكليلاً لنفسي من براعمها
وأُحكمه على هامتي.
حينما قمت واقفاً في مكاني ، إستُجيبَ دعائي الذي قد دعوت .
منحوني سلماً عالياً أركنه إلى الكرمة مرتقى للارتقاء.
إلى الكرمة مرتقى أركنته.
صعدت على كرمتي ، كبرت نفسي ، وأمسكت أوراقها ،
طعَمتُ ، وأُورفت في فيئها
تنعمت بايراقها ومن براعمها
جدلت اكليلاً وأحكمته على هامتي.
والتأم الناس من كل صوبٍ ، ومن كل أصل وفصل ،
وجدل الجادلون على صورة إكليلي أكاليلهم ،
لكن ما جدلوا لم يكُ قط شبهاً لهُ.
وراحوا ، وقد قلدوا نفسهم ورق الكرم ،
يقولون لي، أنت ، من أين اكليلك ،
ومن أين هو الكائن الذي جدله ؟
وها أنا ذا أردُّ عليهم ، بئساً لكم ، أما تغربوا عن وجودي ،
موتى ، خطاة لم تعرفوا الحي .
فأنا ليس اكليلي من الأرض ؛
وليس من العالم ذا الكائن الذي جدله.
إنَّ اكليلي من كرمة الروض
والكائن الذي جدله ، من موقع النور.
والكائن الذي جلبه ، وعلى هامتي ثبته
من موطن الخلد.
          
            الترتيلة ٢١٢ .قلستا.

إن أرض الحق في هذه الترتيلة ، ومن منظور غير لاهوتي ، ممكن أن تكون أرض مصر . أما هذا التأكيد في الترتيلة على وجود شجرة لشيت في أرض مصر فهو دعوة صميمة منها لمعرفة هذه الشجرة والبحث عنها وكشفها وتمييزها عن شجرة أنوش .إن أسلوب الكاتب في إستطراده التأملي الحسي وتصعيده لأفكاره عبر إستخدامه لصورة السلم يذكر بنصوص الأهرامات التي يرد فيها صعود الملك إلى السماء عبر سلم أو قابضاً على ذيل البقرة السماوية أو محلقاً كطائر أو محمولا إليها من دخان البخور المحترق ...- وهذه التفاصيل ربما لم تكن أكثر من خيال شاعر ولكنها توضح أن السماء كانت عندئذ المستقر الفعلي للميت -
الديانة المصرية القديمة. ياروسلاف تشرني.ص١٠٨ . لقد تعرضت حضارة شيت - مصريا سيت - الزراعية إلى الكثير من الإندثار والتهميش نظرا لأن التاريخ كما يقال يكتبه المنتصرون إلى درجة أن الإله سيت قد جُرد ، إستنادا إلى أسطورة مصرية ، من قدراته التخصيبية وبذوره الجنسية ، لصالح حورس الصقر المنتصر وتمت مصادرة رمزه الفلكي - الثعبان - بعد أن أفِل دوره كنجم للشمال ليصبح مجرد رمز يزين تاج الملك ويثبت الشرعية التاريخية للسيادة. ويذكر المؤرخ اليهودي جوزيفوس ٣٧ - ١٠٠ م في كتابه - التاريخ القديم لليهود - أن أسلاف شيت هم من إخترع حكمة الأجرام السماوية وأشادوا ، بناءً على تكهنات آدم بدمار العالم بالنار والطوفان ، عمودين لحفظ المعرفة يحملان الإكتشافات والإختراعات أحدهما مصنوع من الحجر - اللبن - ، وهو إشارة لحضارة وادي الرافدين ، والآخر من الصخر ، وهو إشارة لحضارة وادي النيل. فإذا تعرض عمود اللبن إلى الدمار يبقى عمود الصخر يكتنز تلك المعارف وينقلها إلى الأجيال القادمة من البشر.إن ما ذكره المؤرخ جوزيفوس يتواشج مع المعنى العميق للترتيلة السابقة وتأتي مخطوطات نجع حمادي لتؤكده وثائقياً رغم أن بعضها ما زال محتجزاً عن متناول البحث العلمي لأسباب لا يمكن تفسيرها إلا بالموقف المتحفظ من قبل الأوساط اللاهوتية الأصولية الغربية وخشيتها من إفتضاح أيديولوجيتها المتوارثة إزاء تسليط حقائق التاريخ على موروثها الديني التقليدي الذي يمر بمرحلة الشيخوخة إضافة إلى الحقائق المتعلقة بإبادة الشيثيين حملة وورثة الفكر المصري القديم.

أن هذه الترتيلة تحيلنا مجازيا ولغويا إلى الهرم كتعبير عن الثمرة داخل الثمرة أو الإثمار والولادة من الداخل .إن الأهرام ومن منظور مندائي إفتراضي هي أشجار مثمرة ، كرمات ، جفنات عالية كالجبال ، تكتنز بالأسرار المعرفية والألغاز، وتتطلب وجود سلالم للإرتقاء إلى أعاليها وبالتالي بلوغ ثمارها العلمية والمعرفية والروحية ، فهي إذن أعمدة للحكمة ، وليست قبوراً للموتى ومخلفات آثارية لشعوب بدائية وثنية كما يتصور علماء اللاهوت الأصولي.عن فيزياء الهرم وطاقته تراجع المقالة ٤٠ للباحث وليد مهدي في سلسلة مقالاته في الحوار المتمدن.

بتاح كرمز للخلق بالعلم لا بالخرافة:

الحقيقة أن النجم سيريوس كان ومازال يستثير الكثير من الخيال العلمي الذي يُلفت النظر ويستحق المداولة نظرا لتوفر العديد من المبررات والأسانيد العلمية والتاريخية التي تُغري بطرح فرضيات قابلة للنقاش والبحث العلمي والنظري المجرد.إن تحليل كم من الأساطير المتعلقة بالإلهين ، أنكي السومري وبتاح المصري ، أو من ينتمي تاريخيا أو إسطوريا إلى فصيلتهم أو سلالتهم التي إشتهرت بالمعارف المختلفة والصنائع مثل زيوسودرا ، إثراحاسس ، أوتونبشتم ، أدابا تلميذ أنكي ، أيا ، شيت ، سيت ،أنوبيس بن نفتيس ، تحوت ، إمحوتب ، إمنوحتب ، دنانوخ ، أخنوخ ، نوح ، هرمز ، إدريس ، عاذيمون ، ...إلخ ، يستنتج أنهم جميعا ينتمون ، وبمستويات متفاوته ريادةً وعمقا زمنياً ،إلى نمط خاص من البشر يمكن تسميته بالإنسان المبدع الأول في التاريخ الذي إقترن ظهوره بحقبة تاريخية إستثنائية حصل فيها تحول نوعي في تطور وتصنيع أدوات الإنتاج وإنقلاب نوعي في أنماط التفكير والإبداع المادي والروحي تمثل بنقلة كبرى في التعدين والتنجيم والفلك والطب والرياضيات والصناعات المختلفة والآداب والفنون ، وتمثل أيضاً في الظهور السريع نسبياً للمدن الأولى والدولة العبودية في سومر في الألف الرابع ق م ، ثم في مصر بعد توحيدها في الربع الأول من الألف الثالث.ويستنتج أيضاً أن هؤلاء جميعاً كانوا أصدقاء للإنسان ، يهتمون بشؤونه وسعادة وتقدم حياته المادية والمعنوية وينجدون البشر في أوقات الشدة وأنهم رغم كل ما تعرضوا له من تهميش لاحق لمكانتهم الأصلية بسبب ظهور ذوات جدد وآلهة جديدة فإنهم حافظوا نسبياً على مكانتهم القديمة وحرص كل إله أو شخصية جديدة أن ينسب نفسه إليهم لتأكيد شرعيته الدينية والدنيوية ، وأستمر هذا التقليد حتى ظهور المسيح الذي ربط عقيدته بيوحنا المعمدان ، ومن قبله بثلاثة آلاف عام ربط حورس عقيدته وعقيدة والده أوزريس ببتاح وأعتبر نفسه إبنه ومن سلالته وأنه الوريث الشرعي للوائح المعرفة التي كتبها بتاح ، وكما ربطت أيضاً آلهة أوروك معارفها وعقائدها المائية بلوائح أنكي وأريدو ، القرية الأخيرة للنظام المشاعي المتداعي آنذاك.ومما يستنتجه الباحث أيضاً أن الإلهين أنكي وبتاح والذوات المنحدرين لغوياً وإسطورياً وتاريخياً إلى سلالتهم كانوا جميعاً ممن يستغرقون في حالات من التأمل الداخلي العميق بل والغيبوبة ، أو حتى فقدان الوعي الشبيه بالسكر ، كما حدث مع أنكي حين صادرت إبنته - إنانّا - لوحاته المعرفية المسماة بالميات ، جمع مي ، ونقلتها لتشييد مدينة أوروك . هذه الأساطير المنسوجة بشأنهم تؤكد أيضاً أنهم كانوا يتصلون بالآلهة التي هي أعلى منهم درجة أو يصعدون إلى السماوات العليا ويعودون محملين بالرؤى الإبداعية والصحائف المعرفية في مختلف العلوم والصنائع إبتداءاُ باللاهوت والآداب وإنتهاءاً بالطب والرياضيات والموسيقى ومختلف الفنون.

ومما يُلفت النظر أيضاً أن أغلب الذوات أعلاه أو زوجاتهم وقريناتهم لهم علاقة رمزية تدل عليهم بشكل أو بآخر بكوكبة الكلب الكبير للنجم سيريوس أو به مباشرة وأيضاً بكوكبتي الدب الصغير والدب الكبير والنجم القطبي.وكما كان الإله أنكي ، وآباؤه من الآله السومرية ، يخلقون بالكلمة - نمّ - بالسومرية ، شمتو بالأكدية ، والتي يشير معناها إلى القلب والطاقة الداخلية للإنسان كان الإله بتاح ، وبشكل صريح تؤكده كل الأساطير والأسانيد الآثارية بشأنه ، يخلق أيضاً بالحلم والقلب الذي يحوله إلى نطق وكلمة خلاقة مبدعة.ووفق عقيدة هيليوبولس كان بتاح هو خالق الإنسان والمتحكم بالقيم الفاضلة والنظام القائم على أربعة مباديء تبدو في أعلى صولجانه - العناصر الأربعة عند الصابئة المتحكمة بخلق العالم المادي - وتبدأ فكرة الخلق عنده - في العقل أو القلب ثم يتحقق من خلال الكلمة المنطوقة أو الأمر وما الآلهة الأخرى إلا اللسان والقلب والأسنان والشفاه للإله بتاح -
الديانة المصرية القديمة.ياروسلاف تشرني ص٥٥. وهذا يؤكد أن الإله بتاح كان إلها مستقلاً بشخصيته يستخدم حواسه وقدراته ويركزها في عملية خلقه للأشياء ، ولم يخلقه إله أو يُرمز له بحيوان كأغلب الآلهة بل كان يظهر في النقوش بصورة إنسان يمسك بصولجان الربوبية .وكما أسلفت في الجزء الأول من هذه المقالة ، تبدو عقيدته في أغلب تفاصيلها ومحتواها مشابهة للمعتقدات الصابئية المندائية حتى في شكلانية الأسماء المقدسة مثل الواحد القديم ، المبدأ الأول ، الأصل الأول مما أشار إليه الأستاذ سباهي في تعقيبه عن الترتيلة الشيثية التي أوردناها .وتظهر ذات الثنائية للتذكير والتأنيث في منظومة الأسماء المقدسة مثل نون ونونيت ، حوح وحوحت ، كوك وكوكت ، آمون وآمونت المتناظرة مع أسماء مندائية مثل رام ورود ، زرتاي وزرتناي ، كاف وكافان ، هاغ وماغ ، شورباي وشرهبيل ...إلخ.هذا إضافة إلى العديد من المفردات والصلوات التي إنعكست فيما بعد في عقيدة أوزريس الشمسية والتي تبدو في بعضها وكأنها صلوات مندائية كهذا الدعاء الموجه إلى أوزريس لتحقيق أماني الملك أو السائل : - لسوف تحبونني بالصحة وبالعمر الطويل ، وبعهد ملكي ممتد ، وبالقوة لكل أطرافي ، البصر لعيني والسمع لأذني والهناء لقلبي كل يوم ...- المصدر السابق ص٦٨.إن مفردات هذا الدعاء تكاد تتطابق مع الصلاة المندائية الأولية والمعروفة التي تقول : أسوثا وزكوثا ، وهيلا وشرارا ، وشيما وميمرا ، وهدوتا ليلبا ، وشافق هطايي لديلي - الإسم الديني - وترجمتها: الصحة والزكاة ، والقوة والثبات ، والسمع والنطق ، وهناء القلب ، وغفران الأخطاء ، تُمنح لي أنا فلان ...ومثلها معاني المفردات والمفاهيم الأساسية الأخرى فالمعرفة في العقيدتين المصرية والمندائية يُعبر عنها في الكتابة كفعل سحري وتوق ومحبة للحقيقة ، والضمير المعرفي ، الناصيروثا ، مستقره القلب - إيب - هيروغليفي - ليلبا - مندائي ، وصوت القلب هو صوت الإله و - ذلك الذي يقوده القلب إلى نسق طيب من السلوك هو السعيد - المصدر السابق ص١٠٣ ، هذا التأكيد المتوارد على مفردة القلب ونظافته كنقطة تتمحور حولها مكونات الشخصية الإيجابية والصالحة نلمسه في مفردات مندائية كثيرة ومماثلة لعل أبرزها الكلمات الأربع التي تفتتح بها الكنزا ربا - مشبا ماري بلبا دكيا - مسبَّح ربي بقلبٍ نقي - .و قد إستخدم المصريون كلمة نفر ، نيوتر، - للدلالة على الطيب والجميل وهم يتحدثون على سبيل المثال عن ، شخصية طيبة ، وعن شيء أو شخص بأنه من الجميل النظر إليه ، كما أن نفر يرتبط أيضاً مع البهجة والحظ الطيب - المصدر السابق ص ١٠٢ - ١٠٣. ولا عجب بعد ذلك أن تتشابه معايير نجاح الإنسان في نيله حياةً أخرى بين المصري القديم والمندائي متمثلة في مفردات ميزاني أباثر وأبيدوس فالنفس البشرية في المندائية توضع بكفة مقابلة للكفة التي تحتلها نفس شيت - الشتل الطيب فمن كان باهر الصدق - بهيرا زدقا - يكون بمكنته إجتياز هذا الإختبار الدقيق في ميزان أباثر ومن كان - باهر الصوت - وفق ميزان أبيدوس يكون بمكنته أيضاً إجتياز الإختبار حين يوضع قلبه في كفة تقابلها ريشة تمثل الإلهة معات إلهة الحق والعدالة.وفي كلا العقيدتين المصرية والمندائية تتقارب المفاهيم المعبرة عن العالم الآخر فالمندائية ترى أن الموت ما هو إلا باب يفضي إلى تكوين أو إئتلاف لحياة جديدة - لوفا ورواه اد هيي - وهو مشابه لما عند المصريين حيث - لا توجد كلمة تعبر عن الخلود في لغتهم فكلمة الحياة نفسها تستخدم لكل من الحياة على الأرض والحياة بعد الموت - المصدر السابق ص ١٠٦.

أن هذا غيض من فيض من المعلومات التاريخية والميثيولوجية التي تؤشر إلى تقارب وتماثل نظرية المعرفة عند قدماء المصريين والمندائيين بإعتبار أن نظافة القلب ونزاهة الضمير المقترنة بصحة الجسد وإتزان عناصره الداخلية وإنسجامها مع بعضها مع إعتدال ميزان تلبية حاجاتها كل ذلك يضع الأساس الذي تستطيع به النفس إرتقاء سلم المعرفة الحقة الذي يرتفع بها إلى السماء لتبلغ أعلى درجة ممكنة ،وتؤشر أيضاً إلى طبيعة المسلك العقلاني أو الأسلوب السايكولوجي الذي كان يمارسه الكهنة والتلاميذ في تلك الحقبة من التاريخ ، و تدفع بإتجاه طرح الإفتراض ، وبمزيد من حذر الوقوع في براثن التخريف ، عما إذا كان هؤلاء يمارسون فعلياً نمطاً من الفعل التخاطري مع قوى فعلية في كواكب أو مجرات بعيدة عنا أو في عالم المادة المضادة وهو ما تؤكد وجوده الكتب المندائية التي تؤمن بوجود عوالم أخرى مختلفة ومقرات لعدد كبير من أنواع الحياة المشابهة أو المختلفة عن حياتنا الأرضية.وقد سبق أن طرح فرضية مشابهة لهذه العلامة المندائي غضبان رومي وأكد وجود معطيات علمية في المخطوطات المندائية عن المادة المضادة وأن الثقوب السوداء ما هي إلا منافذ وقنوات لها .وقد كان يتمتع بثقافة علمية ومندائية عالية لا تجعله يُطلق الإفتراضات جزافاً كما يفعل في الوقت الحاضر العديد ممن يخلطون المجاز الديني ويقحمونه دون أساس علمي أو خلفية تاريخية بآخر النظريات العلمية. و أود هنا أن أضيف أن كل الكم المعلوماتي والميثيولوجي يدفع إلى الإفتراض أن هناك نشاط باراسايكولوجي تخاطري قد حدث في فجر نشوء الحضارة في وادي الرافدين ووادي النيل وأن هذا الكم المعلوماتي يؤشر أيضاً إلى أن هذا النشاط له علاقة ما بكوكبة الكلب الأكبر ويرتبط بشكل من أشكال المادة غير المنظورة أو المضادة أو ثقب أسود ناشيء ومقارب للنجمين سيريوس ، وسيريوس بي ، لكن هذا لا يتجاوز حدود الإفتراض الأولي المجرد.ويؤيد الباحث المهتم بعلم الباراسايكولوجي الأستاذ وليد مهدي إمكانية قيام مثل هذا النشاط التخاطري بقولة - ربما تكرار الشكل الهرمي في معابد اهم الحضارات الروحانية مثل السومرية والمايا والمصرية قد يشير إلى ان " الآلهة " التي كان الكهنة والعرافين يزعمون الاتصال بها ما هي إلا تجليات للتخاطر مع بنى من الوعي الماورائي ... -
سلسلة مقالات الباحث وليد مهدي في الحوار المتمدن. المقالة ٣٨ .

الغنوصية ونظرية المعرفة المندائية :

وبعيداً عن فرضية بلوغ المعرفة العلمية بإسلوب التخاطر والتركيز الذهني التي قد يعدها البعض خارجة عن السياق العلمي فإن ما أوضحناه من أوجه التشابه في الأسلوب البنائي لتنمية وتكوين الأركان السايكولوجية للشخصية الإيجابية والفاعلة للفرد عند الصابئي والمصري القديم هو أسلوب طبيعي وعقلاني ويتسم بطابع ينتمي إلى مرحلة الطفولة الفكرية للإنسانية ويعتمد أسساً أولية من البساطة التي تنمّي في الفرد قدراته الداخلية الكامنة وتساعده على إستحضارها ببداهة البراءة الطفولية وهي صفات تبعد المحتوى الجوهري لهذا الإسلوب البنائي عن الأسلوب الديني العام والمعقد الذي تتبناه المدارس الغنوصية في إعتبار العالم المادي شراً وأن أولى خطوات بلوغ المعرفة تكمن في قتل رغبات الجسد أو تذليلها وقمعها ، فالنظرية المندائية ومثلها المصرية القديمة أبعد ما تكون عن ذلك وتطرح العكس تماماً وترى في تلبية رغبات الجسد الجنسية والمادية وتطمينها شرطاً أولياً لبناء الشخصية الطيبة والسعيدة والصالحة والنظيفة المؤهلة ببداهتها الداخلية للخطو والإرتقاء في سلم المعرفة.أن هذا الوصف الذي يربط تلقي المعرفة بإحتقار الغرائز يصح على غنوصية الحقبة الهلينستية التي شهدت ظهور المدارس الغنوصية المتنوعة كإتجاه فكري خارج عن التلفيقية كظاهرة عكست التزاوج والتلاقح بين المعتقدات الشرقية والفكر الهلينستي وعليه فإقحام - الغنوصية - المندائية ضمن هذه المدارس هو إخراج قسري لها من تربتها الأصلية التي نشأت فيها وجذورها وسياقها التاريخي القديم.من جهة أخرى فإن من الخطأ أيضاً القول أن المعرفية المندائية ظلت في حصن حصين وبمعزل عن التلفيقية كإتجاه فكري عام وحتى عن الغنوصية الإفلوطينية كإتجاه رجعي عام سابق لإنهيار الإمبراطورية الرومانية. لكن هذا البحث والتنقيب في المحتوى التفصيلي للغنوصية المندائية ينبغي أن لا يكون تعسفياً أو يضع حجاباً يحول دون رؤية جوهرها الحقيقي وأصولها التاريخية الأولية القديمة التي تربطها مباشرة وجوهرياً بعقيدتي أنكي وبتاح.

وقد يبدو هذا الطرح مخالفاً ومقاطعاً لطرح الأستاذ عزيز سباهي في دراسته عن أصول الصابئة المندائيين لكنه في واقع الأمر إختلاف تمليه جدلية المنهج التاريخي في البحث فهو في كتابه عامةً وفي الصفحات التي يتناول فيها علاقة الغنوصية المندائية بالمدارس الغنوصية الهلنيستية ينطلق في بحثه أساساً عن أصول المندائيين من خارجهم بإتجاههم أي من البنى الخارجية المحاذية لهم وصولاً إلى التركيبة الداخلية العامة والجامعة لمعتقداتهم في حين ينطلق طرحي هذا من تفكيك بنية هذه المعتقدات ذاتها والطقوس المرتبطة بها وإعادة تركيبها بإتجاه أصولها التاريخية الأولى التي نشأت منها ، ومن هنا فقد وجدت أن الأستاذ سباهي بقدر ما يصيب الهدف في ربطه العلمي بين المندائيين والشيثيين بقدر ما يبدو في الظاهر مبتعداً عن رؤية التفاصيل الجزئية الداخلية الجوهرية المشكلة لبنية معتقداتهم والتي يمكن أن ترسم خيوط إضاءة صوب نتائج أكثر فائدة وأقرب إلى الحقيقة.

تهميش وإندثار حضارة شيت:

ويبدو أن الإله ست كان أكثر هؤلاء الذين أشرنا إليهم في فقرة سابقة تهميشاً وسوء حظ ، إذ انه رغم محافظته على مكانته كإله يُحتفل به في اليوم الثالث من الأيام الفرعونية الخمسة الخاصة بإحتفالات الخلق ، ورغم أنه إستمر كإله مشاعي رئيسي للزراعة والخصب والتعدين منذ حقبة طويلة وقديمة ضاربة في الألف الرابع ق م وحتى عصر ما قبل الأسرات ، وكان يُرمز له بالفأس ويتَسَمى بإسمه وبإسم زوجته الإلهة نفتيس النجم سيريوس ، إضافة إلى تمتعه برمزية نجم الثعبان المُعتَمد في الألف الرابع وحتى أوائل الألف الثالث كنجمً للشمال ، بل أن بعض الآثاريين وعلماء المصريات ينسبون إليه رمزية تمثال - أبو الهول - رغم كل ذلك ، فقد إنتهى إلى الهزيمة بعد صراعات طويلة مع أسرة الإله أوسير - أوزريس - وزوجته إيسيت - إيزيس - وإبنهما الشاب حابي - حورس - هذه الصراعات التي إنتهت تاريخيا بتوحيد مصر وسيادة النظام العبودي للإنتاج الإجتماعي.ومنذ ذلك الوقت بدأت الأيديولوجيا الميثولوجية للنظام الجديد تصفه كإله للفوضى والحرب والغرباء ، وهو فعلاً وكما يؤكد العديد من الباحثين كان من أصول شرقية سامية بل أن إسمه لغوياً يعادل إسم شيت بن آدم وربما كان هذا أحد أسباب محنته . وقد حيكت حوله في ظل النظام المنتصر أساطير تصفه بالحقد والحسد الذي ملأ قلبه على أخيه أوسير بسبب من وصول الأخير إلى عرش الملوكية والربوبية فتآمر عليه وقتله لتبدأ الحرب التي تنتهي بخسارته لها على مستوى التاريخ والأسطورة. وتحكي لنا أسطورة أخرى جميلة وذات مغزى كيف تآمر حورس وأمه إيزيس وخططا لتجريد ست من قدراته التخصيبة والجنسية التي كانت شرطاً أساساً للهيمنة السياسية والسطوة الدينية والدنيوية فقاما بسلبه بزره ، أو سائله المنوي ، وتم رشّه في نهر النيل وفي ذات الوقت طلبت إيسيت من إبنها الإستمناء ورشت سائله المنوي على حقل الخس الذي كان ست مولعاً بأكله كنبتة ذات قوة جنسية ودلالة تخصيبية بلغة ذلك العصر لدى المصريين ، ومن قبلهم السومريين ، ثم بعد ذلك إحتكم الجميع لدى الآلهة للفصل بينهم فشهد نهر النيل ضد سيت في المحكمة قائلاً أن ست لا يملك منيه في حين شهد أقرب المقربين لست وهو الخس ، أكلته المفضله ونبتته الأثيرة ، ضده أيضاً قائلاً أن مني حورس في جسد ست وأنه الآن تحت هيمنة الأول وأنه أي ست قد أصبح فاقداً لمقدراته التخصيبية في الهيمنة والسيادة ، وبذلك أُسقط بيده وفقد مكانته التاريخية.ومن المفيد القول أن كلمة كاكول تشير في السومرية إلى نوع من الخس ، ومازالت متواصلة في العامية العراقية فكلمة - كعكول - تعني الشي المكوّر والمدّور وقد وردت أيضاً في أناشيد سومرية بدلالة جنسية وكإشارة لرأس العضو التناسلي.

هكذا يكتب المنتصرون التاريخ لصالحهم لكنهم عادة ما يفعلون ذلك بلغة عصرهم متصورين انهم قد دونوا الحقيقة التي ستذكرهم بها الأجيال فيأتي عصر آخر بغير لغتهم ومنظوماتهم المنهجية والفكرية التي ألفوها ودونوا بها أحداث تاريخهم ، عصر لا يخطر على بالهم ، فُتفكك وتُركب رموزهم الجميلة من جديد وُتكشف أساطيرهم ومعانيها ودلالاتها وتعاد كتابة التاريخ بأشكال وصيغ مختلفة مغايرة وربما أكثر إنصافاً وعدالةً بحسب التركيبة الإجتماعية والإقتصادية والفوقية التي جاء بها ذلك العصر.

أن الشعب الأيزيدي القديم في ثقافته ، والذي تربطه بالتقاليد الصابئية المندائية صلة حضارية ، رغم كل الإضطهاد الذي تعرض له مادياً ومعنوياً وعلى مستوى التراث والثقافة والوجود ، قد ظل محافظاً على إنتمائه لحضارة شيت القديمة . فالأيزيديون حين يرفضون مفردة شيطان إنما يعبرون عن وعي جمعي في رفضهم التام لأساطير المنتصرين التي تشوه منجزهم في صرح الحضارة والتاريخ وهم إنما يرفضون هذه المفردة ، ليس إيماناً منهم بقوى الظلام وإنما لشعورهم الباطن ورفضهم لخلط مفردات الخير والشر ، النور والظلام ... وهو رفض لغوي وصوتي لكنه هام بالنسبة لشعب مضطهد ، هو نوع من الآلية للدفاع المشروع عن النفس والوجود ، وفي قرارة ذاتهم الجمعية يرفضون تناول نبتة الخس أيضاً ، ليس كراهيةً لنبتة مفيدة ، ولا لسذاجةً منهم بل هو تعبير لاواع عن حقهم في منجزهم التاريخي وإنتمائهم إلى العصر الذي لم تكن فيه الآلهة تتصارع مع بعضها بالدرجة الأولى من أجل السلطة والسيطرة الطبقية والأيديولوجية .لقد إنتقلت مكانة شيت إلى العقائد التي تلت تاريخياً الصابئية والأيزيدية وأكتسب إسمه معانٍ ودلالات ذات مسحة لاهوتية تقترب أحياناً وتبتعد أخرى عن المعنى الجوهري للإسم الذي يرتبط بالزراعة والري وأدوات الفلاحة والفنون والعلوم القديمة ذات العلاقة بالتعدين والحساب والتقويم وتنظيم الحياة العامة ، فقد ورد مثلاً في سفر التكوين بمعنى مشابه لمعناه المندائي لكنه في العرفان الشيعي يكتسب دلالات معبرة عن جذورها الصابئية الهرمزية.وكما يؤكد هنري كوربان فإن شيت هو بمثابة الإمام الوصي لآدم - وليس أقل إثارة ، الشبه بين الإمام الثاني عشر ، رابع عشر المعصومين ، والفيض الرابع عشر. تتحدث رؤيا آدم ، أيضاً ، عن الرابع عشر كمن هو وافد ، كغريب -
ص ٩٥ هنري كوربان - عن الإسلام في إيران - مشاهد روحية وفلسفية ، الجزء الأول ترجمة وتقديم وتحقيق نوّاف الموسوي. ويتحدث كوربان أيضاً عن - اللوح الأخضر الذي أتى به الملك جبرائيل من السماء إلى فاطمة الزهراء ، أو أتى به إلى النبي الذي أعطاه إلى إبنته من ساعته - ص ٩٧ ويضيف كوربان بعد ذلك مباشرة - سيتداعى هنا إلى البال موضوع اللوح الزمردي في المأثور الهرمسي - ص ٩٧. ويمكن أن نضيف هنا أنه سيتداعى إلى البال أيضاً ، ومن منظور تاريخي ، موضوع اللوح المعرفي لأنكي الذي شُيِّدت على أساس من بنوده - المايات - مدينة أوروك ، ومثله اللوح المعرفي لبتاح الذي قامت على أسسه الدولة المصرية الحديثة الممثلة بحورس وصروح الأهرامات.

إن تعرض حضارة شيت في مصر للتهميش والإندثار كان أمراً طبيعياً وله مبرراته التاريخية لقدم هذه الحضارة ولأنها شرقية المنشأ سومرية الجذور ولأنها أصلاً حضارة طوبية - لبنية - تعرضت للدمار والنهب لا صخرية كحضارة أنوش - حورس - التي إستطاعت الصمود أمام عوامل الطبيعة والزمن وبالتالي المحافظة النسبية على مقوماتها وميزاتها المتمثلة بالآثار المصرية والأهرامات.مع ذلك فإن القاسم المشترك المندائي الذي يمكن إستخلاصه من دراسة الحضارتين بالعلاقة مع التراث والطقوس الصابئية ، هذا القاسم الذي من الممكن إختزاله بطرفي معادلة إسمية قوامها أنكي - بتاح ، شيت - أنوش ، سيكون على درجة كبيرة من الفائدة البحثية عند الربط الديناميكي بين الحضارتين مدعوماً باللقى والأسانيد الآثارية وما يستجد في حقلي السومريات والمصريات.

ومن المهم التأكيد وبشكل جدي على ضرورة تجنب الخلط والدمج الميكانيكي السطحي بين الشيتيين والمندائيين على مستوى التراث والطقوس والأصول فالصابئة هم من سكان وادي الرافدين وبشكل خاص في طقوسهم التي هي الهيكل العظمي الذي حافظ على وجودهم تاريخياً ، لكن هذا لا يمنع أن بعض الشيتيين ، وهم على الأرجح قلّة من الكهنة والناصورائيين الملتزمين عقائدياً ممن رفضوا الإندماج بالتيارات المسيحية التي فرضت نفسها في مصر خلال القرون الميلادية الخمس الأولى ، فهاجروا من مصر شرقاً إلى حران وجنوب العراق بعد أن دفنوا أغلب مكتباتهم في باطن الأرض في زمن يسوده الخوف والإضطهاد والقلق والأمل بالعودة ، هؤلاء قد وجدوا في المندائيين إستمرارية وملاذا طبيعياً لهم وعودة إلى الأصل والجذور على مستوى الفكر والعقيدة فأندمجوا مؤثرين ومتأثرين بهم.
 

مصادر:

مفاهيم صابئية مندائية .ناجية مراني . بغداد ١٩٨١ طبعة ثانية
أصول الصابئة المندائيين و معتقداتهم الدينية.عزيز سباهي.دار المدى للثقافة والنشر بيروت 1996 م
الديانة المصرية القديمة.ياروسلاف تشرني. ترجمة د.أحمد قدري مراجعة د. محمود ماهر طه.دار الشواف.الطبعة الأولى1996.
.المعجم الوجيز في اللغة المصرية بالخط الهيروغليفي .برناديت موني. الترجمة عن الفرنسية ماهر جويجاتي. الطبعة الأولى. القاهرة 1999 دار الفكر للدراسات والنشر والتوزيع
المدن الأولى ـ غولايف ـ الجزء الأول ـ دار التقدم ، موسكو
تاريخ الانسان حتى ظهور المدنيات.د.أسامة النور ـ د.ابو بكر شلابي ـ منشورات النور.
إينانا ودوموزي.طقوس الجنس المقدس ـ س.كريمر.ترجمة نهاد خياطة
ديوان الأساطير.سومر وأكد واشور.نقله الى العربية قاسم الشواف
الصابئة المندائيون.إ.دراور.ترجمة نعيم بدوي وغضبان رومي
ملحمة جلجامش.ترجمة د.طه باقر
عن الإسلام في إيران - مشاهد روحية وفلسفية ، هنري كوربان .الجزء الأول ترجمة وتقديم وتحقيق نوّاف الموسوي
سلسلة مقالات الباحث وليد مهدي في الحوار المتمدن.المقالات ٣٨ ، ٣٩ ،٤٠
The Canonical Prayerbook of the Mandaeans .E.S.Drower.Leiden.E.J.Brill.1959
٧.Peter.J.Brand.The Monuments of Seti and their Historical Significance.1998-PDF

مصادر من الإنترنت:

1.Encyclopedia Britannica
2.The Pseudepigraphical Book of Enoch
3.The Catholic Encyclopedia
4.Samuel Noah Kramer and John Meier.Myths of Enki,The Grafty God.New York.OxfordUniversity.Press.1989.
5.Sumerian Poetry in Translation by Thorkild Jacobsen.Yale University Press,Puplishers;copyright1987.
6.George Roux , Ancient Iraq,Cleveland,1965
7.The Adapa Legend,Alexander Heidel.
 

ملاحظة:
المقالة أعلاه هي تعبير عن وجهة نظر شخصية بحتة وقد حاولت قدر الإمكان وبما تيسر لي من مصادر وموارد معلوماتية أن أُقيمها على أسس علمية ، ونظراً لأن وجهة النظر هذه تتعامل مع أُطر ومعتقدات قديمة وتعالج حقبة زمنية موغلة في القدم فهي في  تفاصيلها قابلة للنقد والتفنيد والتصويب والتقييم والإضافة مع التقدير لكافة الآراء والإجتهادات

 

 

free web counter