| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

مثنى حميد مجيد

muthana_alsadi9@hotmail.com

 

 

                                                                                    الثلاثاء 18/10/ 2011



صورة الشهيد هيثم ناصر الحيدر

مثنى حميد مجيد

يشبه الشهيد النصير هيثم ناصر الحيدر - عايد - أخي الأصغر إلى درجة كبيرة ومُلفتة وكلاهما يصغراني بسنتين. زارتني أخت الشهيد هيثم ذات يوم في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي وطلبت مني أن أرسم صورته ، ولم تكن تملك له أي صورة فوتوغرافية يمكن أن أعتمد عليها فأقترحنا معآ إعتماد صورة أخي الأصغر كبديل وحيد لا نملك غيره لرسم صورة الشهيد لمعرفتنا المشتركة بذلك الشبه الشديد في الملامح الذي يجمعهما. وهكذا شرعت بالرسم بإحضار بعض الصور لأخي الأصغر . هذا الشبه الشديد بينهما يعود إلى وموروث عن المرحومة جدتي لوالدتي فقد أورَثَت ملامحها الطيبة لوالدة الشهيد ، الأنف المكوّر ، والجبهة العريضة ، والشعر السرح ، ومنهما ورث الشهيد هيثم وأخي الأصغر ذلك الشبه. ورحت أستحث وأُعمل الخيال لأستذكر ملامح الأحباب الموتى منهم والأحياء وأستحضر تقاطيع وتفاصيل وجوههم بالقدر الذي يساعدني على رسم صورة جيدة لشهيد عزيز ليست له صورة إلا في قلوبنا ومخيلاتنا.

كانت الصعوبة في إستحضاري لملامح الشهيد هيثم في كون معاني صورته المطبوعة في مخيلتي تعود إلى زمن الطفولة والصبا الجميل ، حيث كنا نلتقي ويجمعنا اللعب والمرح والشقاوة عند زياراتنا العائلية لهم في بغداد اتين من الناصرية ، ولم تكن تلك الزيارات كثيرة لكنها كانت كافية لتترك ذكريات عزيزة لا تمحى عنه ولتطبع عميقا ملامحه في ذاكرتي.

وتذكرت وأنا أحرك قلمي على صفحة ورق الرسم تلك الظهيرة الصيفية المشمسة التي لعبنا وأدينا فيها تمثيلية ضاجة مرحة أنا وهيثم وخالد الشيخ دخيل إبن خالتنا المشترك الذي أغتيل هو الاخر من قبل أياد ظلامية فيما بعد وبشكل مفجع. وكنت أنا تقريبا صاحب الفكرة والمخرج لتلك التمثيلية ، فألبست هيثم شيلة خالتي وعباءتها مسندا له دور البطلة العروسة أما خالد فأخذ دور البطل العريس ووضعت على رأسه قطعة قماش بيضاء على أنها كوفية وفتلت عصّابة خالتي السوداء كعقال لتثبيتها على رأسه ، ثم أحضرنا ما أمكننا من قدور المطبخ وأدواته لنبدأ القرع عليها والإنشاد والضجيج بإعتبار أن التمثيلية هي زفة عرس ريفي في قرية جنوبية!. وكنا من المرح والشقاوة بحيث إننا لم نحفل كثيرا لنداءات خالتي المتكررة وتوسلاتها الراجية لنا بإيقاف القرع والضجيج والهرج الطفولي الذي ملأ البيت وعكر عليها راحتها.

لم تكن مهمتي الفنية سهلة ، فقد كان علي قبل أن أخُطَّ أي خط أو أضع أي لون أن أتنقل عبر ثلاثة محاور وثلاثة أزمنة ، الصورة الملموسة لأخي الأصغر التي أمامي ، وصورة هيثم الصغير بضحكاته البريئة وضجيجه الطفولي في أعماق ذاكرتي ، وصورته في المشهد الأخير من حياته وهو نصير بطل وشيوعي يواجه جلاوزة البعث الفاشي ليلاقي الموت ببسالة في جبال كردستان ، في معركة سينا وشيخ خدر ، تلك البسالة التي وصفها الرفيق توما توماس بقوله - أن بطولة النصير الشهيد عايد وتحليه بهذه الروحية الجهادية العالية والنادرة هي من صفات أبطال الحزب فهد وسلام عادل وسوف لا تنسى عبر الزمن -.

بعد أيام حضرت أخت الشهيد لرؤية ما أنجزت. كنت قلقا بشأن مقدار نجاحي أو إخفاقي في مهمتي التشكيلية العزيزة والصعبة ، وعرضت أمامها الصورة المرسومة مراقبا بحذر وقع مشاهدتها وردود فعلها. جالت بعينيها على الرسم متأملة فيه بحزن وحنان وأسى ثم رفعت رأسها ونظرت إلى بإستحسان ورضا لتشكرني قائلة :

- عاشت يدك يا أخي ! صورة جيدة ، سأضع لها إطار.

 

free web counter