| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

مثنى حميد مجيد

muthana_alsadi9@hotmail.com

 

 

                                                                                    الثلاثاء 13/12/ 2011



تأملات في شجرة عيد الميلاد

مثنى حميد مجيد

نصبتُ اليوم ، على عادتي السنوية ، شجرة عيد الميلاد وسوف تحمِّلها إبنتي الصغيرة ، كالعادة أيضا ، بالكرات الملونة ، الثمرات ، والأشرطة الجميلة وتزينها بالأضوية . وحين كنت طفلا كنت مثلها أصنع طرايين رأس السنة المندائية من الطين الحري الذي أجلبه من نهر الفرات القريب وعلى مبعدة مائة متر من دارنا . والطرايين ، هي موائد طينية مدورة وبأحجام مختلفة تجفف بالشمس وتوضع عليها الثمار والخضار في يوم كنشي وزهلي - يوم الكنس والتنظيف - السابق لعيد الميلاد ، ولا يتم تناولها إلاّ في صبيحة اليوم السابع من السنة الجديدة وهو يوم شيشلام ربّا - السلام العظيم -.
وبينما كنت أنصب الشجرة وأعدها إستغرقت في تأملات متواضعة ذات معنى عن العلاقة الوثيقة والقديمة بين المندائية والمسيحية ، ورحت أتساءل :

أليست هذه الشجرة هي في الأصل الشجرة المرضعة التي تخبرنا عنها الأساطير المندائية أن يحيى يوحنا - يهيا يوهانا - تمجد إسمه - قد رضع منها وتغذى وكبر في عالم النور قبل أن يبلغ أشدة ويتقن الأبجدية ويعود ليقود جموع العبيد والمسحوقين والأحرار ضد سلطة الكهنوت اليهودي المتحالف مع قوة الإحتلال الروماني في أورشليم؟

أليست ميرياي الشجاعة الأبية التي تمردت على والدها رئيس الكهنة هي ذاتها مريم المجدلية التي إتهمها غلاة اليهود بعشق المسيح ؟ وقد كان حقيقةً عشقا رائعا للحق والعدل والنور والجمال والحب وليس ، أو قبل أن يكون ، عشقا للجسد والقيم المادية .

أليس منداددهيي هو رمزٌ للنور ، بل ومن منظور تاريخي وكوني ، نور المسيح في ترتيلة مرياي من كتاب - تعاليم يحيى - ؟
لننصت إلى صوت ميرياي العميق والمعبر يأتينا من أعماق التاريخ معلنا الثورة الإجتماعية التي لم تتوقف يوما على الظلم والإستغلال والإستبداد :

أنا ميرياي ، ميرياي أنا ، إبنةُ ملوك بابل ، إبنةُ الجبابرة حكام أورشليم ، هم من ولدوني ، والكهنوت ربوني ، وبثنيةٍ من ردائهم طووني ، وإلى دار ظلمة حملوني ، وفي المعبد كبَّلني أدوناي من يدي وذراعي ، وقد آنَ الأوان أن أُطهِّر وأنظف الدار التي بلا أركان والتي ليس بها عونٌ يُقدم للفقراء ولا نجدةٌ للنفوس المضطهدة.-
من كتاب دراشة اد يهيا - * .

من الجلي و المنطقي القول أن نهر الأديان ما هو إلاّ نهر واحد ينبع من أعماق التاريخ وأن المندائية في جوهرها ماهي إلاّ المسيحية تكتنز في باطنها بذورها وعناصرها ، ولكن لطول الدهور وإمتداد القرون والعبث الذي تعرضت له الحقائق الأصيلة والقديمة من قبل قوى الظلام والإستغلال والجهل ، كل ذلك أدى إلى هذا الفصام الظاهري بين الأديان عامة والمندائية والمسيحية خاصة. لكن هذا لا يعني قط أنه لا توجد إستقلالية لكل دين فالإستقلالية مطلوبة وضرورية بحدود حفظ الثقافة الخاصة بكل شعب أو دين أو مجموعة بشرية فأنا كمندائي أشعر إني أعمِّق وعيي بثقافتي المندائية وتاريخي وفكري بقدر ما أخلق جسورا توصلني بالآخر . فالمندائي يجب أن لا يخشى الآخر أو يبخسه حقه الإنساني في التقييم والتثمين لأنه معرفي وينتمي إلى جيل الريادة ممن بذروا البذور الأولى لشجرة المعرفة الإنسانية ، ومعرفة الآخر جزء مهم من مقومات إيمانه الحقيقي .أقول هذا لبعض الجهلة وخاصة الذين يحاولون تشويه آرائي المتواضعة وإنفتاحي كمندائي على المذاهب الأخرى ، كل المذاهب والأديان ، أقول لهم أن هذه الشجرة الوارفة الظلال هي ذاتها الشجرة التي شتلها شيتل طابا وبدأت به ، وهي ذاتها شجرة يهيا يوهانا ، والمسيح ، وبوذا ، والتي ورد ذكرها في القرآن الكريم على أنها الكلمة الطيبة الشبيهة بالشجرة المثمرة ، وهي ذاتها التي يقف على فرع من فروعها الخضراء العظيم كارل ماركس وفلاسفة الفكر الإنساني. وادعاؤكم بالتدين والورع لا يمنع قط من تساقط أغصانكم اليابسة وأوراقكم الصفراء عن هذه الشجرة العظيمة ما لم تُصلحوا أنفسكم وتدركوا ما أنتم فيه من بؤسٍ وجهل.

ومما أود تثبيته هنا بإختصار أن عيد رأس السنة المندائية - الكرصة - ما هو إلا عيد رأس السنة الميلادية المسيحية. لكن الإختلاف في التقويم أدى تدريجيا ، إلى جانب أسباب أخرى ، إلى تفرع النهر الواحد إلى فروع إزهرت على ضفافها أساطير وطقوس وعادات متنوعة ومختلفة ظاهريا لكن النهر ، في الحقيقة ، كان ومازال واحدا والمنبع واحد.
وتشير البينات إلى أن الصابئة القدماء قد إعتمدوا أصلا ، بل وقبل قدماء المصريين ، نظاما خاصا للتقويم وحساب الأيام يقوم على التوفيق بين ثلاثة أنظمة حسابية :

١. النظام النجمي الذي يعتمد على الظهور الإحتراقي للنجم سايروس - الشعرى اليمانية - كل أربع سنوات ودورته الكونية التي تتم كل ١٤٦٠ سنة . وقد لاحظ الفلكيون ومن خلال الرصد التجريبي لأكثر من ألف عام إمتدت طوال الألف الرابع قبل الميلاد ومطلع الألف الثالث أن النجم سايروس يتأخر عن ظهوره الإحتراقي في الأفق الشرقي يوما واحدا كل أربع سنوات ولا يعود إلى الظهور في موعده الحقيقي إلا بإتمامه تلك الدورة الكونية. ولأن هذا الأساس ، كما يظهر ، هو أقدم الأسس الحسابية التي إعتمد عليها قدماء الصابئة لذلك ظلت مناسباتهم وأعيادهم الدينية ملتزمة به.

٢. النظام القمري . لقد تم إعتماده لتثبيت المناسبات الدينية وتصحيح الفرق الذي لوحظ بإعتماد الحساب النجمي. لكن الصابئة ، وكما تشير إليه أسماء أشهر تقويمهم الذي يبدأ بشهر شباط ، قد إلتزموا وثبتوا تقويمهم على أساس يتطابق مع النظام النجمي منذ حوالي منتصف الألف الثالث قبل الميلاد أي في العصر البابلي القديم.

٣. النظام الشمسي. لقد تم إعتماد هذا النظام من قبل الصابئة القدماء في عز إزدهار الحضارات القديمة وأفادوا منه لكنهم وكما يبدو من حرصهم الدؤوب والمعروف في حفظهم للقديم قد ظلوا ملتزمين بالنظام النجمي القديم ولم يغيروه وقد وجدوا أن هذا النظام الشمسي يتطابق أصلا مع تقاليدهم وأعيادهم ومعانيها ولأن النظام النجمي أكثر دقة منه ، وهو ما تؤكده الدراسات الحديثة أيضا ، وأبعد مغزى من الناحية الكونية وأكثر قدما كما أن لهذا النظام ميزة تصحيح نفسه ذاتيا كل ١٤٦٠ سنة لذلك تم تفضيله والإلتزام به. إن هذا الترابط بين النظامين النجمي والشمسي نلمسه في دلالات ومعاني المناسبات والأعياد المندائية لكنه مازال بحاجة إلى مزيد من البحث والتقصي وخاصة من قبل علماء المصريات والمختصين بالدراسات المندائية.
ولكي لا أترك القاريء يدور في متاهة التخمين ، سأضع أمام ناظره الكريم فيما يلي جدولا يتضمن بعض المناسبات والأعياد المندائية مع ملاحظات وشروح أولية عن معانيها ودلالاتها :

رأس السنة المندائية - الكرصة - الإعتكاف :

كانون الأول - طابيت ٢١ - ١٢ إلى ١٩ - ١ قيام برج الجدي كديا. في المسيحية الجدي رمز السيد المسيح. في المندائية ولادة النور، يحيا يوحنا . أول يوم يطول فيه النهار على الليل. ليلة كنشي وزهلي ، هي الليلة الأطول في السنة يعقبها نهار أطول وليلة أقل طولا. إنتصار النور. تمثل الكرصة بساعاتها الست والثلاثين إعتكاف الزوج بزوجته ثُلث للمداعبة وثلث للفعل الجنسي وثلث لنزول الحيمن وتلقيحه البويضة في رحم المرأة . في اليوم السابع - عيد شوشبان - الرفيق ، تتثبت البيضة الملقحة في جدار رحم المرأة. وهذا بمثابة رمز ضمني لتشكل الخلايا الأولى للجنين ، حضور - الروح - ، المسيح ، مع - النفس - نفشا ، المتمثلة بيحيى يوحنا ، النور مع السلام ، الألفة والإتحاد بين النفس والجسد. اليوم السابع له إسمان شوشبان ، الرفيق ، الصاحب ، وشيشلام أي السلام. نلاحظ هنا أسبقية ميلاد يوحنا على المسيح وقد أكد الإنجيل ذلك بالقول على لسان يوحنا - ينبغي أن ذلك يزيد وإني أنا أنقص -
يو ٣ : ٣٠

ومن أجل أن لا يقع القاريء في أخطاء محتملة لحساب التقويم تجدر الإشارة إلى أنه في العصور القديمة لم يكن الإنقلاب الشتوي يحدث في موعده الحالي ولذلك كان عيد الميلاد يصادف في كانون الثاني ، أو الأول من شباط ، كما تشير إلى ذلك الباحثة ناجية المراني - طاب ثراها - وكان الإعتدال الربيعي يصادف في ٢١ نيسان وليس في موعده الحالي في ٢١ اذار بسبب الإنتقال الذي حدث عام ٤٥٠ ق م من برج الثور إلى برج الحمل والذي إقترن بظهور المسيحية .

عيد أبو الفل ١ نيسان ميلادي - ١ ايار مندائي :

من ٢١ - ٣ إلى ٢٠ - ٤ قيام برج الحمل ، أمبرا ، أكيتو البابلي ، الإعتدال الربيعي ، تساوي طول النهار بالليل ، دخول الجنين شهره الرابع ، بداية فصل الحصاد الربيعي في العراق. نزول هيبل زيوا إلى الأرض وإزدهار الزرع والثمر والعمران. سطوع نجم سايروس في السماء. عيد القيامة الذي يصادف في الأحد الذي يلي يوم الإعتدال الربيعي ، بعد فصح اليهود المرتبط بالحصاد .

العيد الصغير: ١٨ نيسان ميلادي ، ١٨ايار مندائي :

غياب النجم سايروس في الأفق الجنوبي . عودة هيبل زيوا بعد تعميره للأرض وإزدهارها بالزروع . إبتداء مناسيب دجلة بالإنخفاض منذ ١٥ - ٤ في حين تبدأ كذلك بالفرات بعد ١٥ - ٥ . عامل القلق من تخريب المحصول الزراعي بالفيضان ، إضافة إلى إحتمالات الأمطار الشديدة ، كان قائما لدى العراقيين القدماء بالتزامن مع التاريخين المذكورين أعلاه.

عيد أبو الهريس : ١تموز ميلادي ومندائي :

دخول الجنين شهره السابع ، إكتماله بيولوجيا وغرائزيا ونزوع الروهة في داخله للخروج والتلذذ بمتع ومباهج العالم المادي قبل الإكتمال التام والضروري للجنين وللولادة الأمينة . وفي التقليد يتناول المندائيون الهريسة والدبس والسمن البقري ، وهو بمثابة تعبير عن محاولة لكبح جماح الروها بتطمين وإشباع شهوتها التي تعجلها للخروج المبكر وبالتالي - الولادة المحفوفة بالمخاطر - على الجنين والأم والتي قد تحدث في غير أوانها. في ٢١ . ٦ موعد الإنقلاب الصيفي ويكون النهار هو النهار الأطول في السنة وينتهي خطر الفيضان . لذلك يقول المندائيون أن سفينة نوح قد رست على اليابسة في عيد أبو الهريس في الأول من تموز وكانت كل المؤنة التي حملها في فلكه قد نفدت فتم هرس سبعة أنواع مما تبقى من القمح وصنعت منها الهريسة. إن نجاة الجنين من الإسقاط قبل دخوله الشهر السابع هو بمثابة نجاة للحياة وإنتصار لقواها يقابل ويماثل نجاة سفينة نوح بركابها من عباب الطوفان ورسوها بأمان على جبل الجودي ، فالمعنى الأسطوري يتطابق هنا مع البايلوجي ، وكلاهما ينسجمان مع الدلالة الجغرافية والمناخية . ان رحم المرأة هنا هو سفينة الحياة التي تقابل الفلك الذي شيده نوح وأنقذ به الجنس البشري .

بحدود ٢٠ تموز وما يلي من أيام : الظهور الإحتراقي للنجم ساريوس في الأفق الشرقي لمدينة منف التي تقع في درجة ٣٠ من خطوط الطول وهي ذات الدرجة التي يقع عليها أقصى الجنوب من العراق وشمال الخليج العربي ، وفي الوقت الذي يبلغ فيه فصل الجفاف أشده في العراق يبدأ النيل في مصر ، على العكس ، بالفيضان . وبودي أن أسجل هنا أسطورة مندائية على غاية من الجمال والمعنى لها علاقة ، كما أعتقد ، بهذا التفاوت في موعد الفيضان بين وادي الرافدين ووادي النيل حين يسأل نوح عليه السلام ملاك النور عن العلامة التي يُعرف بها موعد الفيضان فيجيبه بالقول : أن ذلك يحدث حين يظهر الغصن الأخضر في التنور المشتعل !. إنها ومضة عبقرية ، هذه الإسطورة ، من الرؤية الحاذقة في عمق التاريخ القديم لحضارتي وادي النيل ووادي الرافدين وتعبير عن عمق الآصرة التي تجمعهما . ورغم بساطة الأسطورة فإنها تشير إلى حقائق ذات صلة بالتقاويم القديمة تتعلق بتداخل مواعيد موسمي الحصاد والبذار بموسم الجفاف وإرتباط ذلك بتداخل الأبراج الشمسية المائية والنارية والترابية عند إقتراب تبديلها لمواقعها .

البرونايا - عيد الخليقة - الولادة - الحصاد :

٢١ - اب : يتم من هذا التاريخ تحديد موعد الأيام الخمسة المندائية - البنجة - عيد البرونايا أو الخليقة حين يدخل المولود شهره التاسع . ويصادف موعد هذه الأيام المقدسة في نهاية شهر اب وبداية سبتمبر . وكان المصريون القدماء يحتفلون بنفس هذه المناسبة في السادس من سبتمبر وهو الشهر الأخير من موسم الحصاد - شمو - الشهر الثالث عشر في التقويم الفرعوني - من ٦ سبتمبر إلى ١٠ منه - في حين لا تُحتسب أيامه في التقويم المندائي لقدسيتها بل تضاف بدلها خمسة أيام كبيسة إلى الشهر التاسع إضافة إلى يوم واحد إلى شهر شباط كل أربعة أعوام.

مقارنة أولية بين عيد الخليقة الصابئي والمصري القديم :

صابئي

مصري

الحياة ايزيس
العظمة أوزوريس
العلم ست
الحق نفتيس
الماء حورس


وبودي أن ألفت إنتباه القاريء المندائي بشكل خاص إلى أن عدد الأيام التي تفصل العيد الصغير وعيد ابو الهريس هو ٤٢ يوما . وبما أن موعد البرونايا الأصلي يقع ، وفق هذا الحساب ، بعد أول شهر قمري من الظهور الإحتراقي للنجم سايروس أي في العشرة الأخيرة من شهر اب أو أوائل سبتمبر فإن هذا القياس ، على ما يبدو ، هو الذي كان في الأصل متبعا لديهم كالمصريين القدماء في تحديد موعد عيد الحصاد أو الخليقة . وبما أن النجم سايروس يختفي لمدة سبعين يوما قبل ظهوره الإحتراقي الكوني في العشرة الأخيرة من تموز فإن موعد العيد الصغير هو ١٨ آيار. وهذا الحساب يتقارب مع الحساب القبطي للأعياد المسيحية في مصر الذي يعتمد على الحساب الفرعوني لكنه لا يتطابق تماما مع التقويم الميلادي الحالي كما أنه من جهة أخرى يقترب من التقويم المندائي الذي أوردته الباحثة المندائية ناجية المراني والشبيه ، لغةً وحساباً ، مع التقويم البابلي القديم الذي تبدأ فيه السنة المندائية في ١ - شباط. وكل هذا التفاوت قد حدث نتيجة الإنتقال من برج الثور إلى برج الحمل في سنة ٤٥٠ ق م .

أن هذا لا يشير إلى خطأ ما في التقويم المندائي الذي يصحح نفسه ذاتيا كل ١٤٦٠ سنة بإكتمال كل دورة كونية للنجم سايروس بقدر ما يشير إلى الخلل العام الناتج عن الإنتقال من برج إلى آخر والذي يحدث كل ٢٣٧٥ سنة .وبودي هنا إيراد جدول بسيط لمواعيد الظهور الإحتراقي للنجم سايروس على مر التاريخ مع مواعيد تبدل الأبراج الشمسية :

الظهور الإحتراقي لسايروس

 إسم البرج وسنة الإنتقال

٥٧٠١ ق م ٥٢٠٠ ق م الجوزاء
٢٧٨١ ق م  ٢٨٢٥ ق م الثور
١٣٩ م ٤٥٠ ق م الحمل
٣٠٥٩ م  ٤٢٠٠ م الحوت

يلاحظ أعلاه أن الفرق الزمني هنا بين الظهور الإحتراقي لسايروس والإنتقال إلى برج الثور هو ٤٢ سنة . وبإجراء عملية حسابية بسيطة نستدل أن هذه الفترة هي أقل الفترات التي تفصلهما زمنيا خلال ٣٦ دورة كونية للنجم سايروس ، وهو رقم ذو دلالة معروفة في الحضارة المصرية القديمة ، مثلا وجدت سفن خشبية مدفونة إلى جانب الإهرامات في حفر مغطاة بشكل طقسي بعدد ٤٢ حجر متساوية الحجم . وهذا الرقم ، وكما أشرت ، له دلالة أسطورية وحسابية لدى الصابئة فهو يشير في معنى من معانيه إلى قيام الطوفان وإستمرار هطول الأمطار حسب الأسطورة لمدة ٤٢ يوما. ومن المُلفت للإنتباه أن الحساب التقويمي لرجال الدين المندائي يأتي مطابقا للحساب المستند على النجم سايروس رغم أن مثل هذا الحساب لا يدخل إطلاقاً في نطاق إهتمامهم حسب معرفتي ، وذلك بحق دليل على قدرتهم الفطرية المتوارثة التي عُرفوا بها في حرصهم وحفظهم للموروث القديم والطقوس المندائية.

ومن المهم التأكيد أن علماء المصريات لم يستطيعوا العثور على أي دليل أو إثبات يشير إلى أي إحتفال ديني أو شعبي بمناسبة الظهور الإحتراقي لسايروس ، ومثلهم الصابئة ، وهو ما يبرهن أن الأقوام القديمة لم تكن تعتمد على علم الفلك بشكل أساس إلا لأسباب إقتصادية لها علاقة بالزراعة والري والحصاد وما إلى ذلك من أمور تخص حياتها المادية ومناسباتها الشعبية .لكن المعارف العلمية عادة تجد صداها وإنعكاساتها العميقة في البنية الفوقية ، الفكرية والأخلاقية والدينية للمجتمع وتتفاعل معها وتؤثر في صيرورتها . وبعيداً عن كل إفتراءات اللاهوت المبتذل واللصيق التابع للطبقات المستغِلة التي تحاول تشويه المقومات الفكرية للأقوام القديمة بنعتها بصفات الوثنية أو عبادة النجوم والبدائية فإن الاهرامات تبقى شامخة بأسسها وألغازها العلمية ، ويبقى أبو الهول ، إبنُ الإنسان ** ، الشتل الطيب للسلالة الأولى ، الجذر الأول لشجرة الحضارة ، يبقى ساخرا ينظر بصمت بإتجاه الأفق الشرقي بإنتظار قدوم طائر الفينيق ، النجم سايروس ، يتوهج ويحترق كرمز للتضحية والفداء ، للخير والنماء ، والبعث من الرماد ، قبل أن تشرق الشمس على العالم.
 


*
يرى أحد الباحثين الأوربيين الأصوليين ، ممن يحبون الإستحواذ على الأسطورة ، رغم أنها ملكية عامة توارثتها الشعوب على مدى التاريخ ، يرى أن المندائيين قد إستبدلوا مفردة المسيح بمفردة مندادههي .ولكن هل تعوزهم ملكة إبتداعها ليفعلوا ذلك وهم الذين يشتهرون بكثرة وجمال موروثهم الإسطوري ؟ ثم لماذا لا يرى العكس وهو الأقرب إلى المنطق العلمي التاريخي ؟ وأسأله أليس من الأفضل والصحيح أن نذهب إلى التاريخ الواقعي عبر تفسيرنا لأساطيرنا بدلاً من مطالبته أن يأتي إلينا بنفسه ليفسرها لنا وهو في هذه الحالة لن يأتي بالطبع فنبقى أسيرين أفكارنا الخيالية .

** من الممتع والمفعم بالمعنى أن نشير هنا إلى أن النجم سايروس ، عند ظهوره الإحتراقي السريع فجرا في الأفق الشرقي قبيل شروق الشمس ، انه يَظهر متوسطا تشكيلة نجمية تتألف من أربعة أنجم تشكل عمودين متقاطعين يتمركز هو تماما في نقطة تقاطعما حين يشكلان علامة الزائد ، الدرفش المندائي ، أو الصليب . ومن المفيد القول أن الجدل اللاهوتي المسيحي المستمر الذي يطرح إشكالية التناقض بين قول المسيح عن نفسه انه إبنُ الإنسان وبين قوله انه ابن الرب ، هذا الجدل اللاهوتي الأصولي الضيق الأفق من الممكن أن يخرج إلى مدارات معرفية أكثر رحابة وأغنى معنى إذا ما تبنى مفاهيم مندائية ذات صلة وثيقة وحميمية بالمسيحية مثل : آدم كسيا ، آدم الخفي ، الإنسان الأثيري ،أنوش أثرا ، أدكاس زيوا فهذه المفاهيم ، الأسماء ، إنما هي تعبير رمزي غنوصي سابق للمسيح ولفكرة الإله المطلقة ، المسيح الذي يجمع في شخصه صفات الإنسان والإله .ان كتاب الكنزا ربا للمندائيين ، والذي يسمى أيضا ، كتاب آدم ، سيدرا اد آدم ، ما هو في معنى عميق وترجمة تأويلية ، إلا - كتاب إبنُ الإنسان - أي الإنجيل المندائي السابق تاريخيا للمسيحية التقليدية


 

free web counter