ماجد فيادي
الأحد 9/10/ 2008
اوباما في عين الإعلام العراقيماجد فيادي
في متابعة إعلامية لعدد من الفضائيات العراقية حول فوز السيد اوباما رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية, يتضح بشدة تلكؤ الإعلام في الاستفادة من تجارب السنين الخمسة الماضية, فلو تناولنا الفضائية العراقية والفيحاء والبغدادية والشرقية, نجد فيها سطحية النقاش في اغلب أوقاته بما يخص انتخاب اوباما رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية, معتمدا على الجانب العاطفي مهملا الدروس والعبر الحقيقية مركزا على كون اوباما من اصل أفريقي, ولو بدأنا في تسليط الضوء على الإعلام الغربي لكي نخرج منه باتجاه الإعلام العراقي وإجراء نوع بسيط من المقارنة, نجد أن الإعلام الأمريكي والأوربي كان يحمل هموم واضحة ومشتركة, فقد ناقش المشاكل التي تنتظر اوباما بسبب ألازمة الاقتصادية التي أصابت العالم, نتيجة سياسة اقتصادية أمريكية غير متوازنة, كما ناقش بوضوح مشكلة ايران وسبل التعامل معها, لم تختفي العلاقة الأمريكية الروسية عن هذا الإعلام وما هي مهام حلف الناتو, تناول الإعلام أيضا شكل النظام الاقتصادي الجديد وإمكانية قيادة أمريكا للعالم, كما تناول تغيير في مواقف دول أوربية مهمة في سياستها من الولايات المتحدة مثل فرنسا وألمانيا, لرسم النظام العالمي الجديد في الخروج من المشكلة الاقتصادية الحالية.
إسرائيل ترحب باوباما وتدعوه عبر السيدة تسيبي الى دفع عملية السلام, روسيا ترحب باوباما وتنتقد سياسة القطب الواحد التي أدت الى ألازمة الاقتصادية العالمية, فرنسا متفائلة وتأمل في رفع التعاون والتنسيق مع أوربا في إدارة الاقتصاد العالمي, بريطانيا تشيد برؤى اوباما التقدمية وطموحه في المستقبل العالمي, الصين تركز على ألازمة الاقتصادية ونشر أسلحة الدمار الشامل لأمريكا من حدودها, المانيا تركز على تحسين الأداء الامريكي في قيادة الاقتصاد العالمي ومشاركة اكبر لأوربا في كل ما يؤثر على استقرار العالم.
لم يستغرب الإعلام الأوربي والأمريكي وصول اوباما الى سدة الحكم كونه زنجي ومن أصول افريقية, على العكس من التعاطف الذي انتهجه الإعلام العراقي, في التركيز على أصول اوباما الأفريقية متناسين أن أصول كل الأمريكان باستثناء الهنود الحمر هي من قارات العالم الخمسة, أي أن النسبة العظمى هي من المهاجرين, وأن المواطنين الأصليين لم يصبحوا حتى وزراء لليوم, علاوة على أن السيد اوباما يحمل الجنسية الأمريكية, وهم بذلك قد انتخبوا أمريكيا يقدم برنامجا, وجدوا فيه المخرج من مشاكل المجتمع الأمريكي, مفضليه على برنامج المنافس الجمهوري ماكين.
تناست الفضائيات العراقية المشار لها تناول برنامج اوباما تفصيليا للاستفادة منه, في تركيز الضوء على الانتخابات العراقية القادمة, وتنوير عقلية المواطنة والمواطن العراقي في إتباع البرامج الانتخابية دون التركيز على الطائفية والقومية والحزبية, فأعظم دولة في العالم لم تصبح كذلك دون برامج قدمها مرشحيها وفازوا من خلالها ثم أعيد انتخابهم, لأنهم حققوا ما وعدوا به, بل إن الفيحاء ذهبت الى منحا غير مرغوب فيه, وهي التي بدأنا نستعيد الثقة بها لما تقدمه من برامج متوازنة, تسعى الى نشر الثقافة والحوار وتقبل الآخر, عندما وقعت في خطأ عبر مديرها السيد محمد الطائي, عندما قال في برنامجه, أن الديمقراطية في أمريكا وصلت أن يهنئ السيد ماكين الرئيس الجديد اوباما ويعرض عليه التعاون في مهمته, في حين الساسة العراقيون يلجئون الى إعلان تزوير نتائج الانتخابات لأنهم لم يفوزوا بها, متناسيا هنا وهو الإعلامي المحترف أن في الانتخابات السابقة قد اتهم بوش الابن بالتزوير وعطل إعلان رئيس الولايات المتحدة الأمريكية لحين إصدار قرار المحكمة الفدرالية نتائج التحقيق والتدقيق في أوراق الانتخابات, وأن المنافس الديمقراطي آلكور قد وجه التهم علنا في تزوير نتائج الانتخابات, كما تجاهل السيد الطائي وجود تزوير في الانتخابات العراقية وهذا ما ذكر في تقرير الأمم المتحدة كمراقب محايد, حتى وان كان التقرير يشير الى ضعف حجم التزوير, وكلنا يعلم لماذا جاء هذا التقرير بهذا الشكل, نتيجة الوضع العراقي المعقد.
ما أريد الذهاب اليه هنا أن العاطفية في تناول المواضيع والتركيز على أمور, وان كانت مهمة لكنها ليست الأهم, لا يخدم العراقيين في شيء, بل سيعقد الأمور ويبقيها في المربع الحالي, في ضل سياسات حزبية تقودها أفراد تتحكم بالقرار, وبرلمانيين كل مهمتهم هي ملئ الفراغات, يتضح بشكل صارخ في نسبة تمثيل المرأة في البرلمان ودورها الضعيف لليوم.
كان يمكن للإعلام العراقي التركيز على الجانب الأهم في الانتخابات الأمريكية وفوز السيد باراك حسين اوباما كما يحلو لهم تسميته ( وجدت هذا الاسم صارخ جدا في الإعلام العراقي) في أن دولة كانت تعاني من التمييز العنصري للسود والهنود الحمر انتخبت اوباما الأفريقي الأصل, متجاوزة هذه الأفكار عبر الأجيال الجديدة التي ساهمت بشكل صارخ في الانتخابات الأخيرة, كان يمكن عكس هذه الصورة على العراق في أهمية التركيز على البرامج الانتخابية خلال انتخابات المجالس المحلية القادمة, كون العراق فيه من التنوع الكثير, خاصة وفي هذه الأيام تعاني مكونات العراقية (الأقليات) من التهميش, كان يمكن التركيز على أن السيد اوباما يحمل شهادة الدكتوراه في حين العديد من القادة العراقيين قد قدموا شهادات الدكتوراه المزورة ( هذا ما انفردت به البغدادية), كان يمكن التركيز على الأسلوب الحضاري في التنافس خلال الانتخابات وعدم اللجوء الى التزوير وحرق المقرات الحزبية المنافسة وقتل المرشحين المنافسين, وكيف كانت أمريكا بمؤسساتها لا تنحاز الى مرشح دون أخر, عندما حمت اوباما من محاولة اغتيال لاثنين من المتطرفين, بامكان الإعلام العراقي التركيز على التراجع في الوضع الاقتصادي الامريكي بسبب سياسة الجمهوريين مما أدى الى انتخاب المنافس الديمقراطي انطلاقا من تفضيل الشعب الامريكي مصلحته في التخلي عمن لا ينفذ وعوده, وعكسه على الواقع العراقي الذي لم يتحسن كثيرا على يد الحكومة الحالية, بسبب عدم تمسك أحزابها المتنفذة في تحقيق وعودها التي أطلقوها خلال الانتخابات.
تناول موضوع اللون والأصل الأفريقي للرئيس الامريكي القادم باراك اوباما لم يكن بالمرتبة الأولى في الإعلام الغربي لأسباب عديدة, فقد شرعت القوانين في أوربا تمنع أي مظهر من مظاهر التميز العنصري, وان أوربا تفهم أهمية استقطاب العقول من دول العالم الثالث, التي تمتاز باللون الغامق إن كان اصفر أو اسود أو حنطي, وسعيها للاستفادة منها في تطوير إمكانياتها الاقتصادية والتكنولوجية, وهي تعلم إمكانية وصول احدهم في يوم من الأيام الى سدة الحكم, شأنهم في تصدرهم منتخباتها الرياضية ولعدة دول, إذن لم يعد هذا الموضوع يشغل بال أوربا أو أمريكا مثلما هو الحال في العراق, الإعلام العراقي لم يناقش أن أمريكا لم تنتخب رئيسها كما هو ظاهر بالمعنى الحقيقي, بل إن الحزب الجمهوري هو من انتخب الرئيس, عندما فاز اوباما ممثلا له, في التنافس بينه وبين السيدة كلنتون, فترشيح زنجي أو سيدة لرئاسة الولايات المتحدة تعتبر مجازفة من الحزب, لو لم يكن احتمال الفوز بالرئاسة شبه أكيد, كون الجمهوريين قد أوصلوا الولايات المتحدة الى الكثير من الكوارث عبر شن الحروب والأزمات الاقتصادية, مما يعني هناك تربية اجتماعية تركز على انتخاب المواطن لمن يحقق مصالحه, لا لمن يخاطبه بالقومية والطائفية.
هي دعوة للفضائية العراقية التزام مبدأ الحياد خلال الانتخابات القادمة, وعدم الانحياز لجهة دون أخرى, وتتخذ من القناة الحرة التي تمولها الولايات المتحدة النموذج في الإعلام الرزين لمصالح البلد وليس للحزب الحاكم, هي دعوة للفيحاء التي نستعيد الثقة بها بعد أن كانت منحازة لجهة دون أخرى في سنواتها الأولى, أن تستمر في نهجها الحيادي وإعطاء الفرصة لمن يحمل أفكار وطنية, وتبعد عن شاشتها من يحمل أفكار حزبية تمتد الى خارج حدود العراق, هي دعوة الى الفضائية البغدادية والشرقية في ممارسة دور المعارض الكاشف للحقيقة لا محاولة التشكيك في كل شيء ولأي شيء.