ماجد فيادي
الأربعاء 24/9/ 2008
عندما يكون المبدعون بينناماجد فيادي
من مظاهر الثقافة لأي مجتمع, النشاطات التي تقوم بها منظمات المجتمع المدني, تختلف النشاطات من منظمة الى أخرى حسب الهدف الذي تأسست من اجله, فالمجموعات البشرية تختلف في ميولها واهتماتها وحركتها الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية, وسط هذا التنوع تبرز الحاجة الى اللقاءات المباشرة بين الجماهير والمبدعين في مختلف المجالات, كوسيلة تواصل بين طرفين والتعرف على مدى التفاعل لنتاج المبدع وانعكاسه على المتلقي, إن كان المتلقي مستفيداًَ من الإبداع أو معترضا عليه, لأسباب فكرية وعقائدية ودينية وقومية واقتصادية. المسألة لا تقف عند هذا الحد من التواصل بل هي تتعدى ذلك حتى تصل الى التأثير النفسي لشخصية المبدع على المتلقي, الذي يتحول في الكثير من الأحيان الى فاعل في تفاعلات النتاج الإبداعي.
عند عكس هذه الحالة على الواقع العراقي من ركود واسع لنشاط المجتمع المدني, وحرمان المجتمع العراقي لوسائل التواصل مع أهم الشخصيات التي تأثر في حركة وشكل المجتمع, واقتصار التواصل عبر وسائل أصبحت وبالرغم من أهميتها, ذات مضار في جوانب عديدة, فالفضائيات التي تعوض اليوم عن لقاء مبدع عراقي مع جماهير وإن قل عددهم ضمن نشاط لمنظمة مجتمع مدني, حولت جمهور المشاهدين على وسع انتشارهم وكثرة عددهم, الى مجرد أذان تستقبل ولا تحاور, أي تحول المتلقي الذي من الصحيح أن يكون فاعلا في تفعيل الأفكار ومحاوراًَ, تحول الى اخرس يستقبل ولا يعكس ما تلقاه على المبدع لغرض تكملة الحلقة الحوارية والإبداعية, كما أصبح المبدع يمثل طرف واحد يرسل ولا يستقبل, لا يعلم مدى استيعاب الجمهور لإنتاجه, ولا يجد الوسيلة والمساعدة من قبل المتلقي لتطوير نتاجه.
هناك إيجابيات كثيرة من خلال اللقاء المباشر مع المبدع أهمها كسر الحاجز بين الاثنين, خاصة عندما تلتقي الشبيبة اليافعة مع رموز تنظر لها إنها مُثل عليا تحلم أن تكون مثلها مستقبلا, هذا اللقاء يفتح أبواب على توسيع أفق الشبيبة نحو رحاب لم تطرقها سابقا, من حيث المعلومات والاسلوب في الكلام والحوار وتبادل الآراء والجرأة في طرح الأسئلة والنقاش.
اليوم وبسبب سوء الوضع الأمني قلت نشاطات منظمات المجتمع المدني, في خلق جو من التواصل بين المبدع والمجتمع, المبرر مفهوم ومقبول, والنشاطات لم تتوقف تماما على قلتها, لكن المجتمع العراقي ترك فريسة سهلة لأفكار من طرف واحد, أفكار تطرح بكثافة عبر بيوت العبادة باتجاهات طائفية أو معادية ورافضة للعلمانية واللبرالية المعتدلة, أفكار لا تخلق حركة داخل المجتمع لأنها تحلل وتحرم على مزاج مطلقيها, أفكار لا تجيد خلق فرص ومجالات تخدم المجتمع في توفير فرص عمل والرقي بالمزاج العام, لأنها تكبت كل شيء وتقيد الإبداع تحت مسميات عديدة ينتج منها آثار سلبية على المجتمع كله. على العكس منه في النشاطات المتنوعة التي تطلق العنان للإبداع وتحرير الجمال من قيوده, فالجمال الذي يصلنا من النشاطات الفنية والثقافية والفكرية والاقتصادية, يحمل معه الحاجة الى خدمات وفرص عمل وإمكانيات تترجم هذا الجمال الى واقع. إذن النشاط الثقافي لا يتقيد في إطار ترفيهي كمالي يقتصر على فئة معينة من البشر, إنما يتعدى ذلك ليصل الى محرك لإطلاق الأفكار البناءة التي تدخل كل مجالات الحياة.
في أمسية ثقافية فنية أقامها الديوان الشرقي الغربي في مدينة كولون الألمانية للفنان المبدع حميد البصري والفنانة شوقية العطار تحدث فيها عن أغنية الفلكلور العراقي مع أمثلة من الغناء العراقي الجميل, استطاع الفنانين خلق جو من التواصل, نقل فيه الجمهور الى عالم الجمال عبر موسيقى البصري وصوت شوقية الساحر وكلمات الشعراء العراقيين, أما الحوار الذي دار بين الجمهور والفنان حميد البصري فقد دل على تعلق الجمهور بهذا الفن وتأثرهم به, في هذه الأثناء تبادر الى ذهني كم هم محرومين الشبيبة العراقية من هكذا فعاليات, وتذكرت كلمات الفنان فؤاد سالم عندما قدم حفل فني في المسرح الوطني, حضره جمهرة كبيرة من الشبيبة وهي تغني معه أجمل أغانيه, فكان انعكاس ذلك اكبر على الفنان المرهف فؤاد سالم, عندما فوجئ بالشبيبة وهي تعرف أغانيه التي حاول النظام الدكتاتوري على مدى سنين من حجبها عنهم, كما هناك فعاليات سياسية استضافت عدد من الأسماء العراقية مثل مفيد الجزائري وبرلمانيين آخرين ولقاء مهم بين الجالية العراقية مع السيد رئيس الوزراء نوري المالكي, كل هذه اللقاءات جرت في برلين ومدن أوربية أخرى, كان لها مردود ايجابي على الضيوف والجمهور.
يعاني المجتمع المدني العراقي من مشكلة خطيرة تقيد حركته الطبيعية, والتي تكمن في منظمات صنيعة جهات تمتلك الأموال على حساب جهات أخرى غير قادرة على المساهمة في تأسيس ودعم منظمات توازن حركة المجتمع وتخلق تنوع يخدم في زيادة التفاعل, وتنشيط الحوار والتعود على تقبل الآخر. هذه الجهات تمكنت من الهيمنة على مزاج وتوجه الجماهير العراقية لفترة من الزمن, وظفت هذا المجهود لمصالح معينة دون الاهتمام بالمصلحة العامة, حتى وصلت الجماهير الى اتخاذ موقف من منظمات المجتمع المدني وعدم الاهتمام بها.
من هنا تظهر الحاجة الى الدعم الحقيقي لمنظمات المجتمع المدني التي تعمل على نشر الفكر والثقافة, والتركيز على استضافة المبدعين العراقيين, من اجل اخذ دورهم الريادي وسط الجماهير, وعكس تجاربهم وإبداعاتهم لبناء عراق ديمقراطي حقيقي تحترم فيه الكلمة.