ماجد فيادي
ساحة التحرير تجبر الحكومة على ارتداء رداء الحمل
ماجد فيادي
كثيراً ما خرجت التظاهرات في ساحة الفردوس ببغداد قبل أن يقدم البو عزيزي على احراق نفسه في تونس، لكن الحكومات المتعاقبة بعد سقوط الصنم استهترت بهذه التظاهرات، لأن منظمات المجتمع المدني والاحزاب الديمقراطية الضعيفة في العراق هي من قامت بها، في حين المد الجماهيري باتجاه المسيرات المليونية نحو زيارة الائمة أو استعراضات اتباع التيار الصدري العسكرية وشبه العسكرية، لا تعمل على تغيير الواقع السياسي والاداء الحكومي، فقد اهملت الحكومات المتعاقبة مطالب تظاهرات ساحة الفردوس تماماً، لكن الحكمة الصينية التي طالما سمعناها (لا تحتقر الافعى لانها بلا قرون فقد يأتي اليوم الذي تصبح فيه تنين) قد تحققت، عندما ثار الشعب التونسي ومن بعده المصري والليبي والبحريني والسوري، لتتحول ساحات التحرير الى رمز يرعب ويقلق منام الحكومات في الوطن العربي، بما فيهم العراق.
تغيرت ردود افعال الحكومة العراقية تجاه تظاهرات ساحة الفردوس بعدما انتقلت الى ساحة التحرير، لتتناغم واهداف مثيلاتها من الساحات في الوطن العربي، خاصة وقد احرجت منظمات المجتمع المدني كل الكتل الفائزة في الانتخابات الاخيرة، عندما اوقفت مهزلة الجلسة المفتوحة، بقرار من المحكمة الفدرالية، فكان اول رد فعل اكبر من المتوقع، أن تقابل تظاهرة 25 شباط باجراءات امنية تفوق الخيال ومنع لحركة وسائط النقل في عموم بغداد ومنح شرف تنظيم الفعالية لشبح حزب البعث واتهامات بالجملة، ومحاولة غلق لمقر وجريدة الحزب الشيوعي العراقي كنوع من التهديد، ثم تكررت الاجراءات مع تظاهرة 4 اذار.
في 7 اذار وفي محاولة لانهاء الازمة التي نشأت جراء معاملة الجماهير المتظاهرة في ساحة التحرير، بالعنف وتشويه السمعة وانتهاك حقوق الصحفيين، أن صرح المالكي بشرعية طلبات المتظاهرين، وطالب بمهلة مئة يوم لتقييم اداء الحكومة ومحاسبة المقصرين. مع استمرار تظاهرات شباب شباط في ساحة التحرير ومآزرتها بتظاهرات في مدن عراقية اخرى وعواصم اوربية عديدة، يوازيه صعوبات حقيقية تواجه المالكي في ادارة الحكومة، منها تتعلق بالشركاء واخرى بالتركة الثقيلة للنظام الدكتاتوري واخرى للوزراء السابقين بعد السقوط، فقد تصاعدت القسوة في التعامل مع المتظاهرين حتى وصلت الى الاعتقال والحجز بدون مذكرات قضائية، وتلفيق تهم متناقضة، سخر منها المتظاهرين والمجتمع الدولي بالعديد من رساءل الاستنكار والرفض التي وجهت الى الحكومة العراقية، لتنتهي الحكومة بالتراجع عن محاولة التلاعب بانتخابات اتحاد نقابات العمال، والافراج عن المحتجزين الاربعة من شباب ساحة التحرير، كمحاولة لتهدئة الرأي العام واقناع العالم بان الحكومة ديمقراطية لا تسمح باجراءات من هذا النوع.
قبل انتهاء فترة المائة يوم ادركت الحكومة ان شباب ساحة التحرير مصرين على طلباتهم وقد اضيف لها مطلب لم يكن في حساباتها، عندما رفعوا شعار الانتخابات المبكرة، كخطوة مسبوقة بتعديل قانون الانتخابات وتشريع قانون الاحزاب وتغيير الهيئة المستقلة للانتخابت واجراء التعداد السكاني العام، هنا وصلت الحكومة الى اقصى اساليب العنف عندما ادخلت البلطجية الى ساحة التحرير لتفرقة المتظاهرين في 4 حزيران، باثارة اعمال الشغب واستخدام الهراوات والسكاكين، لتعود التظاهرة الى مكان انطلاقها الاول ساحة الفردوس، مبتعدة عن البلطجية والحفاظ على ارواح متظاهريها.
قبل ايام تواردت الاخبار عن محاولات للجلوس على طاولة واحدة بين الحكومة بممثل عن رئيس الوزراء وعدد من المتظاهرين من شباب ساحة التحرير (علماً أن ممثلي ساحة التحرير لم يخولهم احد)، في محاولة استباقية لاظهار رداء الحمل الوديع على الحكومة التي طالما لجأت الى اجراءات غير ديمقراطية في تحجيم التظاهرات، حتى يفاجئنا رئيس الوزراء في 23 حزيران عن مطالبته بترشيق الحكومة وتغيير الوزراء والوكلاء والمدراء العامين من غير الكفوئين، وان يحدد مجلس النواب سقف زمني لتشريع القوانين المتأخرة.
يظهر الرداء الحقيقي للحكومة العراقية، في كل اعمال القسوة التي استخدمتها ضد المتظاهرين والمنظمين لها، على مدى الفترة من 25 شباط الى 10 حزيران، في حين حاولت الظهور برداء الحمل تحت ضغط منظمات المجتمع المدني والاحزاب الديمقراطية، عندما اعترفت بشرعية المطالب واعلان مهلة المائة يوم واطلاق سراح الشباب الاربعة وايقاف التلاعب بانتخابات اتحاد نقابات العمال والجلوس على طاولة الحوار مع عدد من شباب ساحة التحرير واخيرا خطاب رئيس الوزراء في 23 حزيران.
هل انتهت المهمة بأن اجبرت الحكومة على رداء الحمل، يبدو أن المهمة صعبة وطويلة، فالقوانين المتعلقة بالانتخابات لاتزال غير مشرعة، هيمنة الاحزاب الحاكمة على كلمرافق الوزارات، استمرار الصراع السياسي وغير السياسي بن الكتل الفائزة بالبرلمان، عدم جدية علاوي في تبني فكرة الانتخابات المبكرة، مطالبة المالكي بترشيق الحكومة تبدو كمحاولة سياسية لاحراج شركائه ومنع مساعي شباب ساحة التحرير في تحقيق الانتخابات المبكرة، تفعيل البرلمان لادائه في تشريع القوانين المهمة والمرتبطة في تسهيل وتسريع عمل الحكومة متوقف، محاسبة الفاسدين وتقديمهم للعدالة لا دليل عليه، فصل المزورين للشهادات العلمية وتعين بدلا منهم مجرد هواء في شبك، الاستمرار في تقديم الخدمات السيئة، تطوير ورفع انتاج الثروات الوطنية محدود جداً، تأهيل واستثمار الموارد البشرية لايزال على رفوف السياسيين، وامور اخرى كثيرة تدفع شباب ساحة التحرير للعمل المتواصل وتطوير اساليبهم وجذب شباب جدد لهم وتوحيد الجهود نحو مطالب عامة تبتعد عن المطالب الفردية والضيقة، من اجل عراق فدرالي ديمقراطي موحد، تحترم فيه حقوق الانسان وتحترم المهارات الفردية بعيدا عن الحزبية والطائفية والقومية.