| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

ماجد فيادي

saliem200@hotmail.com

 

 

 

                                                                                      الأحد 22/1/ 2012

 

الاعسم في ضيافة الديوان

ماجد فيادي

استضاف الديوان الشرقي الغربي في مدينة كولون الالمانية الكاتب والصحفي والمحلل السياسي عبد المنعم الاعسم، يوم السبت الموافق 14/01/2012 في محاضرة له بعنوان (( الريادة التأسيسية في فكر جميل صدقي الزهاوي)). في بداية الامسية قدمت الكاتب في نبذة تاريخية لا تفيه حقه، فقد أصر أن يكون التقديم مختصراً وبعيداً عن المديح، ولانني من المتتبعين له لم اكتفي بما توفر من معلومات تقليدية عن الاعسم، فكان لمتابعة كتاباته اهمية كبيرة في تحليل اسلوبه  من خلال عموده ((جملة مفيدة)) وهو يعتمد منهج الرصد والتحليل لكل حدث بالاضافة الى اسلوب المعلم الذي خبر الحياة، فهو يرسم الحدث في لوحة فنية، كأنه رسام بارع ويختتمها بتوقيع رسام الكاريكاتير بحكمة لشخصية مهمة في التاريخ، ويتصف الاعسم بقدرته البحثية التي مكنته من اصدار عدد من الكتب القيمة، أما مميزات المحلل السياسي الذي يتصف بها، فهو ممزوج بروح المواطنة، لانه لا يكتفي برصد وتحليل الواقع السياسي العراقي، انما يهتم خلال حديثه بتقديم النصح للسياسيين العراقيين، بتهدئة الامور والاشارة الى الحلول العملية، أما عندما يدرك الاعسم المحلل السياسي أن الامور تسير نحو التصعيد، نجده ينتقد الساسة بكلمات لاذعة  منتقاة، تعكس خلفيته السياسية والعلمية والاخلاقية.

يقول الاعسم في بداية محاضرته، انه مهتم بالزهاوي لانه ينتمي الى نفس العائلة كمدرسة في الحياة، وهذا ما اوضحه من خلال تقديمه لجانب من شخصية جميل صدقي الزهاوي التي غيبت عن المثقف العراقي لسنين طويلة، مرة بأداء حكومي متخلف واخرى بفعل المثقفين العراقيين، الذين لم يجهدوا انفسهم في البحث عن نتاج الزهاوي الفكري والانساني.

في بداية الامسية عرف الاعسم معنى الريادة والتاسيس ثم انتقل الى حوادث عاشها الزهاوي تعكس هاتين الصفتين فيه، لجأ الاعسم الى التركيز على صفة العقل والتفكير الذي يمتاز بها الزهاوي، شاعرا وانساناً، لم يكن عنصرياً أو منقاداً لعادات وتقاليد بالية حجمت المجتمع العراقي ومنعته من التطور. استشهد الاعسم بالعديد من الاشعار التي تعكس اهتمام الزاهوي بالعقل والتفكير، والحوادث التي مر بها وكان له منها موقف مميز، وفي تناوله لحياة الزهاوي ومؤلفاته ووفاته، أن اختتم الاعسم بالتالي

توفي الزهاوي ببغداد في العام 1936م. وقد رثاه (إبراهيم المازني) قائلاً: ( والحق إن الزهاوي كان أعجوبة، وطراز وحده ، وحسبك من أعاجيبه أن ذهنه رياضي أو علمي بفطرته ، ولكنه اشتهر بالشعر أكثر مما اشتهر بسواه ). وكتب (طه حسين) حينما علم بوفاته "إنني محزون لهذا النبأ الذي نعى إلينا الزهاوي؛ إذ كان شاعر العقل، وكان معري هذا العصر".

أما عن ريادة الزهاوي فقد ركز الاعسم على قصيدته الطويلة (ثورة في الحجيم) التي اعتبرها ترجمة لمحاولته العقلية التأسيسية للاصلاح الديني، واعتبرها تستلهم رسالة الغفران للمعمري والكوميديا الالهية لدانتي والنرفانا الهندوسية، عندما القى الزهاوي الضوء على اعماله الانسانية التي خدم بها المجتمع في مقابل الاسئلة التي يطرحها منكر ونكير على من يدخل حياة القبر.

وفي موقف الزهاوي من السلطة، فقد اكد الاعسم أنه اهتم بالعدالة والحرية والمساواة، وما خيبة امله بعد انضمامه الى حزب الاتحادي سوى اشارة لمقدرة الزهاوي على التمييز بين الشعارات والتطبيق، كما انه تنقل في مجالات متعددة فقد عين استاذ الفلسفة الاسلامية في الاستانة باسطنبول، واسباب عودته الى بغداد بعد ثورة 1908، ثم معارضته لوالي بغداد وتسميته بطاغية بغداد، فقد قال الزهاوي عنه (وسع الطرق وضيق الحريات)، ثم تنقل الاعسم في تاريخ الزهاوي السياسي مثل (عام 1912 اصبح نائبا في مجلس المبعوثان عن المنتفك وغادر الى الاستانة في وقت سيطر الاتحاديون القوميون على الحكم، لكنه عارض سياساتهم ضد العرب والارمن، والاهم عارض قوانين الضرائب.واستمر في المجلس حتى حله عام 1914) بالاضافة الى موقفه من الاحتلال الانكليزي الذي انقلب من مؤيداً له الى رافضاً بعد ثورة العشرين، خلال حادث لقاء السير كوكس مع ممثلي الرأي العام.

عن موقف الزهاوي من القضايا الاجتماعية، يذكر الاعسم انه كان الى جانب المرأة والطبقات المسحوقة والحريات العامة، مسترشدا بنص مقال كتبه الزهاوي في جريدة المؤيد المصرية يقول فيه ( سيادة الرجل على المرأة ليس لها ما يبررها، فإن كانت القوة البدنية، فان هناك من الحيوان من هو اشدّ منه نابا واوجع رفسا، وإن كانت القوة العقلية فان الرجال انفسهم يختلفون في المستوى العقلي ولم يهضم احد منهم حق الاخر.) وهاجم الحجاب من منطلقات محسوسة في الوعي الاجتماعي السائد، مثل فقدان المرأة المحجبة الثقة بنفسها والثقة بالرجل واحتمال ان يستخدم الحجاب في ممارسة الرذيلة، وعلاقة الحجاب بالانحراف الى الغلمان.

في الحريات العامة يقول الزهاوي (اذا وجد احد في شعري ما يمس شعوره او معتقده فلا يغضبنّ عليّ، فلطالما سمعت ما يخالف رأيي فلم اتذمر)

وفي مجال العلم ذهب الزهاوي بعيدا في خلافه مع المع علماء العصر مثل نيوتن، وراح يطلق نظريته التي اختلف معها كل العلماء في زمنه، حتى مات وهو يعتقد أن زمناً سيأتي يثبت ما ذهب اليه، لكن الزمن مر ولم تتحقق افكاره العلمية لان الزهاوي، كأبناء عصره ومنطقته يميلون الى الاستنتاج وفقاً لتاملاتهم وليس لتجاربهم العلمية.

لقد ذهب الزهاوي في الشعر الى ابعد مدى وكتب كل اشكال القصيدة، حتى قال عنه الشاعر الالماني (ودمر) انه يتحد بالحياة ويقتفي اثر المعري في الكثير من ارائه الفلسفية.

بعدها قدم الاعسم نماذج شعرية منتقاة للزهاوي تدل على صفة التاسيس التي تناولها.

سئمت كل قديم عرفته في حياتي...إنْ كان عندك شيئ من الجديد فهاتي

افي الحق ان البعض يشبع بطنه.............. وان بطون الاكثرين تجوعُ

اسائلتي عن غاية الخالق اسكتي ........ فما ليَ عن هذا السؤال جوابِ

إذا قلت حقا خفتُ لوم مخاطبي .......... وإن لم اقل حقا اخاف ظميري

يقولون ان الملح يصلح فاسدا ........... فما حيلة الانسان إن فسد الملحُ

زينوّا الباطلَ حتى ظنه الناظرُ حقا........................ إن شعبا جهــــــــل الباطل والحق ليشـــــقى  

يختتم الاعسم محاضرته بالقول ( لو عنيت وحدي أو بالتعاون مع غيري من الادباء بوضع كتاب عن الزهاوي، فبماذا كنا نعني اكثر من موضوعات هذا الكتاب؟ لا شك إننا كنا سنهتم اكثر من كل شئن باستنباط الفكرة الكامنة غير المنطلقة من قصائد الزهاوي، اعني الفكرة التي كان المجتمع السائد في العراق يخنق الكثير منها أو يلقي عليها حجابا). بعد هذه المحاضرة المهمة في معلوماتها ومضمونها، فتح باب الحوار مع الجمهور، الذي كان متابعاً جيدا وعكس تفاعلاً كبيراً مع الزهاوي والاعسم.

خرج اغلب الحضور بانطباع أن الاعسم اراد من خلال الزهاوي أن يقول ( عندما يحضر العقل تغيب المقدسات، وإن ما يقيد الانسان به نفسه انما هي قيود وهمية، وما يصلح في الامس قد لايصلح اليوم، فالعقل والتجربة هما المفتاح لمستقبل افضل).

 

 

 

 

 

  

 

free web counter