ماجد فيادي
الثلاثاء 18/11/ 2008
فرقة أور ضحية عاشق الظلامماجد فيادي
قدمت فرقة أور المسرحية عملها الأول بعنوان عاشق الظلام للكاتب والصحفي ماجد الخطيب, حيث شاركت في المهرجان الثقافي لنادي الرافدين في برلين ومن ثم في المهرجان الثقافي في كوبنهاكن, وكانت آخر عرضها في مدينة كولون على مسرح ارقداش, يتناول العمل المثقف الذي يبيع نتاجه للدكتاتور بعد أن يكون عاشقا للظلام, الظلام يعطيه الطمأنينة في الهروب من الضمير, والإبداع دون رقيب يسخر ويحتقر في نفس الوقت ما ينتجه من عمل فني في خدمة الدكتاتور, ضمن حالة تبرع وخضوع لا يفرضها احد غير الضعف وغياب المبادئ.
دار الكثير من الحوارات في الوسط الثقافي عن المبدعين, وهل تطلق صفة فنان أو مبدع عليهم عندما ينزلون الى مستوى الحضيض في مدح الدكتاتور, أو يتحول الى كلب بوليسي يستخدمه الجلاد في إيقاع الآخرين من المبدعين في فخاخه, هل يتم تناول الفنان في إطاره العام من مواقف إنسانية وأخرى إبداعية, أم أن الفنان يمكن تجزئته بين ما ينتجه من فن راقي, وفصله عن مواقفه الإنسانية عندما ينتج فنا مبتذل في مدح الدكتاتور والنزول الى مستوى رجل الأمن في كتابة التقارير عن زملائه الفنانين.
يتناول النص المكتوب قضية المثقف الذي يبيع نفسه الى الدكتاتور ضمن فلسفة لتبرير في ما انجرف اليه من الحضيض, كذلك ذهبت المسرحية في تناول نفس القضية لكن بسيناريو مختلف قليلا عما جرت الأحداث فيه في النص المكتوب, تاركة الباب أمام المشاهد في قبول أو رفض المبررات التي ساقها عاشق الظلام, على خلاف النص المكتوب الذي كان واضحا في انحيازه لإدانته. لو تناولنا الأداء الفني لفرقة أور المسرحية لوجدنا وضوح في تباين الخبرات بين الإخراج والتمثيل والديكور, فقد تفوق التمثيل على الإخراج والديكور ضمن معادلة مقبولة في اختلاف لممارسة الهواية والموهبة بين الطرفين, لكن هذا لا يعني ارتقاء التمثيل الى إمكانيات الممثلين, فقد عانى أيضا قلة في عدد التجارب المسرحية التي لم تتجاوز التجربتين خلال عشرة سنوات من الهجرة, وهذا يعكس بشكل واضح كون أعضاء فرقة أور ضحايا عاشق الظلام الذي أطال في عمر الدكتاتور, بعد أن تخرجوا من معهد الفنون الجميلة وأكاديمية الفنون, وجدوا أنفسهم بين ثلاثة خيارات أحلاهم مر, الأول أن يعشقوا الظلام, الثاني أن يركنوا موهبتهم جانبا حتى يكسوها الغبار وتفقد بريقها, الثالث أن يهاجروا الى مكان تختلف فيه اللغة والثقافة وقلة الجمهور ومصاعب مالية وانعدام الدعم المادي, وهنا أيضا سيكسو الغبار موهبتهم, فيما عدى محاولة هنا وأخرى هناك, هكذا جاء الخيار الأخير لأعضاء الفرقة الذين هاجروا فرادا الى دولة المانيا الاتحادية.
لان موهبة التمثيل والإخراج تختلف عن موهبة الكتابة جاء الفرق واضحا بين النص المسرحي الذي كتبه ماجد الخطيب والمسرحية التي قدمتها فرقة أور, الأول استطاع أن يمارس موهبته في الكتابة وأن يطورها على مدى سنين الهجرة التي تجاوزت العشرين, أما الثانية فقد أصابها التعطيل بسبب اختلاف الحاجة الى المتلقي, فالمسرح يعني الجمهور والإمكانيات المادية وعدد من المسرحين ( ممثلين ومخرج وإنارة وماكياج) وهذه لا تتوفر للمسرح المهاجر, فظهر ديكور المسرحية غير متوافق مع ما يجزله الدكتاتور على عشاق الظلام من هبات وهدايا, والسبب انعدام التمويل والدعم المادي, كما كان الإخراج يفتقر الى الخبرة, فالتجارب الأولى دائما يشوبها الضعف.
ما قدمته الفرقة المسرحية من قيمة ثقافية ومتعة بصرية وشعور بحضور مسرح عراقي وتوفير فرصة لتجمع العراقيين في المهجر ضمن جو ثقافي وفني, لم يكن قليلا, فقد ذكرت فرقة أور العراقيين بالمواهب التي ينتجوها, وقدمت نموذج مختلف عن عاشق الظلام الذي باع نفسه للدكتاتور, كما شاركت في تنشيط حركة المجتمع المدني العراقي على مستوى الجالية العراقية, قدمت الفرقة نموذج فني وإبداعي عراقي للجمهور الألماني الذي حضر العرض الأول والثاني على قلة عدده.
صار لا بد من ذكر بعض الحقائق التي رافقت العرض المسرحي في مدينة كولون, قدمت المسرحية على ليلتين الأربعاء والخميس وهذا يقلل من فرص حضور جمهور كبير بسبب العمل والدراسة, كان عدد الجمهور يوم الخميس اكبر بكثير عن يوم الأربعاء, مجموع الجمهور لليلتين كان تقريبا السبعين شخصا, وهو عدد غير قليل لمدينة كولون, الجمهور كان من النخبة والعوائل التي تهتم بالثقافة والفن, تدرب أعضاء الفرقة على المسرحية بعد الانتهاء من العمل اليومي وكانوا يضطرون الى السفر مسافات طويلة بسبب ابتعاد أماكن سكناهم عن بعضهم, لم تحصل الفرقة على دعم مادي من أي جهة عراقية, دفع أعضاء الفرقة تكاليف الديكور من حسابهم الخاص كما تحملوا نفقات النقل أيضا, جرى التدريب على المسرحية في الديوان الشرقي الغربي وعرضت على مسرح ارقداش, عادت أثمان تذاكر الدخول الى مسرح ارقداش ولم تحصل الفرقة على عوائد مالية من العرض.
لا بد من الإشادة بروح الإصرار للفرقة التي قام أعضائها بكل شيء فالتغيرات على النص قام بها الجميع بالتعاون مع الكاتب, المخرج محمد السوداني صمم الديكور وعمل بالإضاءة أيضا, الممثلين حسن الدبو وثامر الشكرجي ساهما في كتابة السيناريو ونصب الديكور, شارك الفنان لطيف الدبو في العزف خلال العرض.
شكرا لفرقة أور التي منحتنا أيام من المسرح العراقي في مدينتي برلين وكولون الألمانيتين وكوبنهاكن الدنمركية.