|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

 السبت 30/6/ 2012                                 موسى فرج                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

المدخل إلى.. مواجهة الفساد في العراق

موسى فرج

القارئ الكريم
في بلدنا العراق .. بلاد مابين النهرين والذي كان في ما مضى يسمى أرض السواد لكثرة النباتات التي تغطي أديمه وهو لا زال ـ نظرياً ـ بلد النخيل الأول في العالم ، وكانت من بين ألقابه أيضا : سلة العرب لكثرة خيراته ، ومستودع خزائن علم الله لازدهار العلم والمعرفة في ربوعه ، وجمجمة العرب لأن السياسة تتراقص على نغماتها فصوص المخ في قحاف الناس في أرض ما بين النهرين .. فيه خطّت أول الحروف وفيه كتبت أول الكلم، وفيه سنت أول القوانين في العالم ..ألوان علمه وأعلام معظم الدول العربية مستمدة من بيت للشاعر العراقي صفي الدين الحلي :

بيض صنائعنا ، سود وقائعنا .. خضر مرابعنا ، حمر مواضينا

كل ذلك .. كان .. لكنه لم يعد كائنا اليوم باستثناء ألوان العلم .. فالألوان لازالت هي هي لكن مدلولاتها تغيرت كثيراً فالفساد الأسود بات هو الطاغي ولم يعد يمثل وقائعنا بل يمثل واقعنا.. وغطى لونه الأسود على صنائعنا البيض فدفع بها الى الحضيض , وطبع صنائع حكامنا بلونه الحالك ، وبات الهوية التعريفية لهم .. هذا هو الفساد ، أما الإرهاب فهو إرهاب دام طبع لون الشوارع في هذا العراق وأيضا لون السماء ولم يعد يشير إلى الماضي بل الحاضر اليومي ، وهو لا يمت بصلة إلى ما صنعناه بالآخر بل إلى ما يصنعه الآخر بنا ..

الحياة باتت محاصرة اليوم في العراق وهي كائن ضعيف محشور بين وجهي العملة .. الفساد والإرهاب.. وأنْا قلبت وجهك تبحث عن مخرج يرتد عليك طرفك يحمل أخبارا غير ساره .. . هذا الكلام عن واقع العراق تقوله اليوم فئتان من الناس في العراق.. فئة تتمسك بقوة بالماضي وتسعى إلى استعادة الحكم والنفوذ الذي فقدته بعد عام 2003 .. وتقوله أيضا فئة أخرى من العراقيين وهؤلاء هم الديمقراطيون الوطنيون والذين لا تربطهم أية صلة بنظام صدام .. لكنهم في الوقت نفسه يؤمنون أن البديل عن نظام صدام ودكتاتوريته البغيضة ليس هو الفساد والإرهاب إنما نظام ديمقراطي يصون سيادة ووحدة العراق ويحقق الازدهار للشعب العراقي ويضمن حقوق الإنسان وكرامته .. هؤلاء ( وأنا من بينهم طبعاً ) يرون أن هذا الفساد وهذا الإرهاب لم ينشئا من فراغ إنما شكل التخلف و الدكتاتورية حاضنتهما الطبيعية .. وكلاهما كانا السبب والنتيجة للآخر فالتخلف ينجب الدكتاتورية والدكتاتورية تعمق وتديم التخلف ..

من هنا نبدأ..عندما نناقش موضوعة الفساد أو نسعى لمكافحته أو مواجهته .. فإن نقطة الشروع في هذا المسعى تبدأ من مواجهة التخلف والدكتاتورية.. . قد يقول قائل منكم أن في جوارنا أنظمة سياسية دكتاتورية وشمولية والتخلف عندهم لا يقل عن التخلف عندنا فلماذا مستويات الفساد عندهم اقل من الذي عندنا وهو كلام منطقي .. ولكن لاحظوا الفارق أن النظم السياسية في تلك الدول تتمتع باستقرار نسبي في حين أن الحال عندنا تدهور إلى الفوضى السياسية والفوضى في العمل الحكومي وبات الجميع يسعى لإسقاط الجميع.. . لنؤجل الكلام عن الفوضى السياسية في العراق وهي رأس البلاء ولنناقش الفوضى في العمل الحكومي .. هل تعلمون ما علاقة الفوضى في العمل الحكومي بالفساد ..؟ تعالوا معي لنناقش الأمر..

أولا : الفساد المالي:
1 . الفوضى في العمل الحكومي تؤدي إلى تعطيل القوانين هذا يعني غياب المصدات التي تقف في وجه الفاسدين عند ممارستهم أفعال الفساد ..
2 . وأيضاً تؤدي إلى فقدان سلسلة الأوامر والنواهي الحكومية فلا احد يمنع احد مما يمارسه هو لأنه يعرف أن الجواب سيكون ..وأنت..؟.. ولا أحد يخشى من نواهي أحد إذا كان يمارس ذات الفعل .. وفي هذه الحالة يتحول الفساد لأن يكون الاختصاص الرئيسي لموظف الدولة يمارسه من خلال وظيفته أما بقية المهام فاختصاصات ثانوية ..
3 . وهي تؤدي أيضا ـ وهذا هو الأخطر ـ إلى انخراط الأدنى والأعلى في أفعال الفساد على حد سواء .. فالفوضى في العمل الحكومي تؤدي إلى رفع الحرج من أمام من يريد ممارسة الفساد وانهيار الضوابط والكوابح التي تقف في سبيله.. هذا يعني حصول الأمرين معاً : من آمن العقاب أساء الأدب + لا تستحي وأفعل ما شئت = الفرهود ...
فإذن الفساد عندنا : فرهود .. ولا يمكن مقارنته بالفساد لا في دول الجوار ولا في الدول البعيدة .. انتم تسمعون أن أخطر مراحل الفساد هي تلك التي يتحول فيها الفساد إلى ثقافة .. وهذا ما عنيته بالضبط فقد بات الفساد ثقافة يتبارى الفاسدون في ميادينها بتفاخر..

ثانيا : الفساد الإداري :
مثل الباخرة تماماً فان الجزء الظاهر من الفساد هو السرقة والاختلاس والكومشنات .. لكن الجزء الغاطس وهو طبعا الأثقل والأكثر ضرراً .. هو الفساد الإداري ..
وهو يعني وضع أشخاص لا يمتلكون المقدرة أو التأهيل العلمي أو الخبرة والممارسة في مواقع قيادية وإشرافية في الجهاز الحكومي الأمر الذي ينجم عنه فشل الأداء الحكومي في تحقيق نتائج موازية للمقدرات البشرية والمادية والمالية الموضوعة تحت تصرف الحكومة ككل أو تحت تصرف قطاعا منها كأن يكون وزارة أو جهاز حكومي .. والفساد الإداري تربطه علاقة جدلية مع الفوضى في العمل الحكومي فهو يتسبب فيها ويتعمق بسببها ..
الفرق بين الاثنين ـ الفساد المالي والفساد الإداري ـ هو.. أن النصوص العقابية العراقية وفي معظم الدول تعاقب على النوع الأول في حين تغض النظر عن النوع الثاني ، ليس لأن الثاني اقل ضررا ولكن لأن الثاني تشترك في ممارسته سلسلة طويلة من المواقع الحكومية تصل إلى قمة هرم الحكومة والطبقة السياسية في البلد وهؤلاء ليسوا مثل غيرهم فهم في منأى عن القانون أو الإجراءات العقابية وهنا دخلنا في حرم نوع آخر من الفساد هو الفساد السياسي ..

ثالثاً : الفساد السياسي:
وهو الحاضن لكلا الفسادين المالي والإداري فهو يوفر لمرتكبي كلا النوعين الحماية من القانون ويمنع ملاحقتهم ويمنع عنهم غضب الشعب ويغلف تلك الأفعال بتشريعات قانونية تحت بند ما يسمى بشرعنة الفساد ويفرغ الاجراءات والنصوص العقابية القانونية من مضامينها ويكبل القضاء ويغل أيدي الجهات المسؤولة عن مواجهة الفساد ويقوّض استقلالها .. ويجعل منها خاضعة لسطوة الفاسدين أنفسهم وعندها تكون هي أيضا إحدى ضحايا الفساد ..

رابعاً: موارد وإمكانات العراق ليست سهلة قطعا فالموازنة السنوية العراقية الأخيرة تأتي بعد الموازنة السعودية من حيث ضخامتها .. وقد أشرت في مقالة سابقة إلى أن : موازنة العراق تفوق موازنات : الأردن + سوريا + لبنان + مصر مجتمعة لكن معدل الفقر في العراق يفوق حاصل جمع معدلاته في تلك الدول مجتمعة أيضا.. وهي حجة ليس بمقدور أي ادعاء أن يقف في وجهها .. ولكن لذوي الألباب .. وفي حال لا يوجد ألباب فهل أن ذلك ذنبي ..؟..

خامسا: لنستعرض مثلا يضم تحت إبطيه الفساد المالي والإداري والسياسي وليكن قضية الكهرباء في العراق فالجميع يتعامل معها ويعاني من جراءها :
1 . المصروف على الكهرباء منذ عام 2003 يفوق 37 مليار دولار بحسب المصادر الحكومية والنيابية والإعلامية .. وهو يكفي لإنارة نصف أفريقيا ..

2 . في قطاع الكهرباء توجد خاصية معروفة وهي أنك إن أردت بناء محطات توليد كهرباء فانه توجد تسعيرة عالمية تقول أن كلفة ميكا واط واحد هي 800 ألف دولار بمعنى .. إن كانت المحطة بسعة 100 ميكا واط فان المطلوب منك 80 مليون دولار وان كانت سعتها 1000 ميكا فان المبلغ المطلوب هو 8 مليار دولار ( هذا طبعا بالحد الأعلى وإلا فان شركات فرنسية قامت بإنشاء محطتين في ليبيا في عام 2007 طاقة الواحدة منهما 1300 ميكا واط بمبلغ مليار دولار لكل واحدة تنجزان خلال سنة واحدة هذا يعني أن محطتين تنتجان 2300 ميكا واط كلفتهما 2 مليار دولار ..)..

3 . في عام 2003 كان إنتاج الكهرباء في العراق 2500 ميكا واط وفي حزيران 2004 ارتفع إلى 4250 ميكا واط بعد إعادة تأهيل المحطات التي تضررت من جراء العمليات الحربية.. قبل شهر ونصف تقريبا كنت أتابع على إحدى الفضائيات العراقية ندوة ضمت أعضاء من مجلس النواب العراقي في لجنة الطاقة والناطق الرسمي باسم وزارة الكهرباء فتبين أن إنتاج الكهرباء في العراق بتاريخ 14/4/2012 كان 4800 ميكا واط ...! هذا يعني انه لم يزد عن حزيران 2004 إلا بمقدار 550 وهذه كلفتها وبالحد الأعلى لا تتجاوز 4 مليار دولار .. في حين أن المصروف على الكهرباء 37 مليار دولار ... أين ذهبت الأموال ..؟ وأين النتائج ..؟.. هذا فيما يتعلق بالفساد المالي .. مع إشارة لأغراض المقارنة : حجم الموازنة السنوية لدولة الأردن بخويطها 6 مليار دولار ..

4 . أما الفساد الإداري : فان أيهم السامرائي الذي اعتمدته إحدى الكتل السياسية وزيرا للكهرباء.. فقد كان يتعاقد على شراء ونصب محطات مستعمله خرده وعندما تم إيداعه في مركز شرطة كرادة مريم من قبل هيئة النزاهة بسبب قضايا فساد ، حمله الأمريكان بطائرة عمودية إلى مطار بغداد باعتباره مواطنا أمريكيا .. أما الوزير الذي جاء بعده وهو محسن شلاش فقد أحيل إلى المحكمة بتهمة التحرش الجنسي بإحدى موظفاته .. والوزير الذي جاء بعدهما اعني كريم وحيد والذي أقيل تحت ضغط مظاهرات عارمة انطلقت ضده في مختلف محافظات العراق ووصفه المالكي رئيس الحكومة بأنه من النادر أن تنجب عراقية مثله فقد أقام حفل زفاف لابنه في أرقى فنادق أمريكا والذي يرتاده مشاهير هوليوود وبطاقات الدعوة التي وجهها لمعارفه في مختلف أنحاء العالم لحضور حفل الزفاف كانت مرفقة بها تذاكر السفر بالطائرات (مرجع) كما نقلت وسائل الإعلام ذلك بشكل تفصيلي..( كنت في هيئة النزاهة يوم كان وزيرا للكهرباء ويصف في اجتماع مجلس الوزراء هيئة النزاهة بأنها الإرهاب الثاني بعد القاعدة ولا يقول له رئيسه بأنك تتكلم عن هيئة تمارس واجباتها وفقا لأحكام الدستور بل بالعكس يستجلب لها من يجعلها تجعل من عملها جهة إحصاء عن مستويات الرشوة في المحافظات فلا يخشاها لا وزير كهرباء ولا وزير ماء..!) .. الوزير الحالي عندما تذهب ابنته إلى المدرسة لأداء الامتحانات ينعم سكنة المنطقة التي تقع فيها المدرسة بالكهرباء وعندما تغادر المدرسة تأخذ الكهرباء معها فتقطع النعمة عن سكنة المنطقة ..

5 . السيد المالكي رئيس الوزراء أقام الدنيا وأقعدها ضد مجلس النواب خلال السنتين الأخيرتين بدعوى أن مجلس النواب ضده شخصيا وانه يسعى لإفشاله وحكومته أمام الشعب .. ما هي حجته ..؟ إن مجلس النواب لم يوافق على طلب رئيس الحكومة المقدم للمجلس والقاضي بطلب التعاقد على أساس الدفع بالآجل لشراء محطات توليد كهرباء بمبلغ 4 مليار دولار ..! أليس من حق بل من واجب مجلس النواب أن يقول له : والـ 37 مليار دولار ما هو مصيرها وأين نتائجها ..؟

6 . ما الذي حصل مؤخراً..؟ سأقول لكم : لقد تم العثور على معدات ومحطات كهرباء مستوردة منذ عام 2007 موجودة في مخازن أم قصر في العراء تالفة .. قيمتها 4 مليار دولار ..! ..

7 . هل تعلمون ماذا يعني هذا ..؟ هذا يعني : أن قيمة تلك المعدات تساوي 5 ألاف ميكا واط تسليم مفتاح .. ويعني طاقة كهرباء تفوق الشغالة حاليا في العراق وهي (4800 ميكا واط ) المنجزة في عهد الديمقراطية او المنتقلة إليها من أيام أديسون ولغاية تاريخه ..

8 . وهل تعلمون ماذا يعني هذا أيضا..؟ يعني أنه لو كان الشعب العراقي في مستوى معين من الوعي بحقوقه والتمسك بها والدفاع عنها وانه ينظر لحكامه بأنهم مسؤولون أمامه وليسوا أسياد عليه وان هيئة النزاهة والقضاء جهات تمارس واجباتها كما في بقية دول العالم وليست شخشيخات تابعة للحكومة فان الأمر لا ينتهي بإقالة وزير كهرباء إنما سحب الثقة من رئيس الحكومة وسحب الثقة من نائب رئيس الوزراء لشؤون الطاقة ووزراء الكهرباء منذ عام 2007 ووكلاء الوزارة والمدراء العامين فيها وسلسلة الأتباع من بغداد إلى البصرة وإحالة الجميع إلى المحكمة المركزية بتهمة الفساد وإلحاق الضرر بأموال الدولة والتسبب في معاناة الشعب .. ولكن هذا لم يحصل واصلا لم يتم التوقف عند هذه الحالة بل تداولتها إشارات إعلامية عابرة من قبل هذا الشخص أو ذاك .. ولم يتم توجيه سؤال واحد لرئيس الحكومة أو نائبه لشؤون الطاقة مفاده: بأنكم صرفتم على الكهرباء مبالغ من الموازنات تكفي لإنارة نصف قارة أفريقيا وتشنون حربا لا هوادة فيها على مجلس النواب بسبب عدم موافقته على تعاقدكم بالدفع الآجل لاستقدام مزيد من عقود الكهرباء في حين أن لديكم معدات توليد طاقة تعادل مجموع ما ينتج من كهرباء في العراق بل أكبر ( معكوطة ) منذ سنوات في العراء تالفة .. ماذا تفعلون في اجتماعات مجلس الوزراء ..؟ ولو كان أحدكم مدير دائرة فرعية في أحدى دوائر الدولة وطلب منه رئيس شعبة المشتريات فيها شراء مجموعة من المصابيح لقال له لقد صرفنا لك في السابق مئة دينار .. قل لنا ماذا فعلت بها وكم مصباح اشتريت وكم الصالح منها وكم هي الحاجة ..؟ فلماذا لم تسألوا فلتتكم الذي عجزت نساء العراق أن ينجبن نظيرا له.. كريم وحيد !.. كم المليارات التي تم صرفها على الكهرباء وأين هي النتائج ..؟؟؟... هذا نموذج عن الفساد في العراق .. وبقية القطاعات في الدولة ينطبق عليها ما ينطبق على قطاع الكهرباء بل وأكثر .. .

9 . كيف واجه العراقيون عجز الحكومة عن توفير الكهرباء ..؟.. لقد توجهوا إلى المولدات الأهلية فقام متعهدون بشراء تلك المولدات ونصبها في كل دربونه وفلكه وشارع وباتت الشبكة العنكبوتية من الأسلاك تغطي شوارعهم وبيوتهم في منظر منفر لا شبيه له في بقية أنحاء المعمورة ، وباتت الضوضاء وكأنهم في سوق الصفافير .. وتلبدت سماءهم بسحب الدخان السام وأتلف العادم المنبعث من تلك المولدات المجاري التنفسية لأطفالهم وباتت عيونهم دامعة في مناسبات الأتراح والأفراح معاً .. ورغم الأضرار الصحية التي تسببها تلك المولدات لكنها لن تغطي حاجة الناس فالكهرباء الحكومية لا تغطي في أحسن الأحوال أكثر من 25 % من اليوم ومولدات الشوارع الربع الآخر أما تغطية نصف اليوم المتبقي فمن خلال المولدات المنزلية التي صرف العراقيون لشرائها من جيوبهم ما يفوق المليارات التي صرفت على الكهرباء الحكومية وباتت الضوضاء والعادم ليس في الدربونة فقط إنما في الطارمة أيضا.. وجيب الدهن جيب البنزين .. كامت الصالنصه وكعد الباتري ..! وفوق هذا يصرّح الشهرستاني عضيد رئيس الحكومة بين الفينة والفينة : أن العراق بات بإمكانه تصدير الكهرباء إلى دول الجوار ..!!.

10 . هل الأمر يقف عند هذا ..؟ لا طبعا فتسعيرة الكهرباء الحكومية ارتفعت في عهد الديمقراطية فباتت قائمة الكهرباء من معدل 7 ألاف دينار لكل شهرين قبل عام 2003 إلى 700 ألف دينار في الوقت الحاضر وأجور مولدة الشارع بحدود 100 ألف دينار شهرياً وصرفيات مولدة الكهرباء المنزلية تفوق الكلفتين معا فالبنزين بات بخمس أمثال سعره والدهن والتصليح .. ماذا يعني هذا ..؟ يعني أن شبك خط الفقر لم يعد يشمل ألزوري فقط بل بات يشمل ألحمري والصبور والكطان والبني ولا يفلت منه إلا الحوت الازرق وسمك القرش العراقي ..

هذا المثل تناولت فيه الفساد في قطاع الكهرباء فقط ولو ناقشنا الزراعة أو الصناعة أو التربية.. فان الحال مزرية أكثر .. فآتني أن أشير إلى خبر قرأته على الفضائيات اليوم يقول بان وزارة الصناعة عمدت إلى طرح معامل وشركات الدولة في قطاع الصناعة إلى الاستثمار ( الخصخصة ) لأن تلك الشركات لم تعالج شح الكهرباء فيها ..!.

هذا على صعيد الفساد وفشل الأداء الحكومي على الصعيد المؤسساتي ولكن على صعيد الممارسات الفردية لأركان الحكومة وساسة العراق .. سأطرح عليكم نماذج :
ـ قرأت قبل أسبوع مخاطبات بين دائرة التسجيل العقاري في بغداد وأمانة العاصمة لتسجيل قطعة ارض مباعة من قبل أمانة العاصمة إلى أياد علاوي رئيس الوزراء الأسبق ورئيس القائمة العراقية مساحة القطعة 600 متر مربع ثمنها 6 مليون دينار عراقي لكن سعرها الفعلي في السوق هو 6 مليون دينار عراقي للمتر المربع الواحد وليس لـ 600 متر مربع ..! في نفس الوقت الذي يصدر فيه قاضي عراقي في الناصرية قرار قضائي بحبس معلم أسكن عائلته في بناء على ارض تعود ملكيتها للدولة وأوصل تيار كهربائي من الشبكة الحكومية بطريقة الجطل فاعتبر سارقا لأموال الدولة والشعب ..! وأنا شخصيا استحق وفقا لقوانين الفساد المشرعنة قطعة ارض بحكم كوني قد أشغلت منصبا .. ولكن هل فعلتها ..؟ لا .. لكن أياد علاوي فعلها فهل يعني هذا أن إمكاناته المالية لن تتيح له شراء قطعة ارض ليبتني عليها دارا يلم شعث عائلته ..؟! طبعا أياد علاوي ليس هو الوحيد الذي سلك هذا السلوك .. إنما زملاءه في الطبقة السياسية العراقية جميعهم وهذه من ابسط أفعالهم فقد قرأت كتابا آخر ينص على تسجيل قطعة ارض مماثلة في منطقة العطيفية لخضير الخزاعي نائب رئيس الجمهورية بيعت له من قبل أمانة العاصمة بمبلغ يعادل ثمن متر مربع واحد منها في السوق .. هذه الوقائع هل تصلح لأن تكون مقدمة لشهادة ارويها عن الفساد في العراق ..؟.. لكن ليس لكم أنتم إنما للأجيال القادمة من العراقيين لأنكم لا تحتاجون شهادة مني فانتم تعيشون فصوله تفصيليا وتعانون من وطأته.. ومع ذلك لا تحزمون أمركم على مواجهتهم من خلال صناديق الانتخابات ... نحن نسمع أحيانا القول المأثور ومفاده : كما أنتم يولى عليكم ... نعم هذا صحيح .. كما انتم .. فلا تلعنوا النجوم .. فالعيب فيكم وليس في النجوم ..

لماذا يحصل هذا في العراق ..؟.. يحصل هذا في العراق بسبب الفساد السياسي والفوضى السياسية وهو ما ستتم مناقشته في الحلقة القادمة .. ولكن لحين ذلك الوقت أرجو أن تفكروا معي بالإجابة عن السؤال التالي : يقول السيد رئيس الحكومة بان مجلس النواب ضده ويسعى لإفشاله.. وهو عندما يقول ذلك لا يقصد كتلة أو كتل من المجلس إنما المجلس جمعاً.. كيف يكون ذلك وهو قد جاء بناء على اختيار الكتلة الأكبر التي ينتمي إليها .. كيف يكونون ضده في حين أنهم اختاروه أصلا وكيف يكونون ضده وهو لا زال يمثل خيارهم لحد الآن ..؟.. ألا يشكل ذلك إحدى مفارقات الديمقراطية العراقية ..؟..




 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter