| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

موسى فرج

 

 

 

                                                                                     الثلاثاء 15/3/ 2011

     

تعالوا شوفوا ديمقراطيتكم .. هذه ديمقراطية الحكام وليست ديمقراطية الشعب ...!

موسى فرج  

الشعب السوي كما الإنسان السوي .. يثور في حالتين : عندما تنتهك كرامته وعندما تنتهك معيشته .. والشعب عادة يمنح مزية لا تقل بأي حال عن المزية الممنوحة للزبون .. فالزبون يوصف عادة بأنه دائما على حق .. ومن باب أولى أن يمنح هذا الحق للشعب أيضا بوصفه الزبون الدائم للحكام ولولاه لبارت بضاعتهم وفرغت جيوبهم ... أليست مقاربة منطقيه ..؟ أليس من حق الشعب العراقي أن يقول لحكامه : يمعودين عاد اعتبروني زبون .. مو جيوبكم متروسه دولارات من عندي وعقاراتكم برا من حرماني .. لو آنا غلطان ..؟..

تنتهك كرامة الإنسان عندما يسود الاستبداد في حين تنتهك معيشة الإنسان عندما يستشري الفساد ، وعندما يستشري الفساد والاستبداد معا يكون الإنسان أمام انتهاك مزدوج للكرامة والمعيشة معا .. وعندها لا يثور فقط ..بل يكون : لاكف ( باللهجة المحلية العراقية .. بمعنى : شايش وهذه أيضا باللهجة المحلية العراقية .. لأن الفصحى باتت قاصرة عن التعبير بدقة عن خصوصية العراق .. ) .

ومن يكون في مثل هذه الحال من انتهاك مزدوج للكرامة والمعيشة ولا يجد نفسه لاكفا و لا شايشا فهو ليس إنسانا سويا.. وإلا فانه قد ضمرت في مخه منطقتين هامتين هما غدة الشعور بالكرامة وغدة الشعور بالمسؤولية .. وقديما قالها أبو ذر : أني لأعجب من أمريء يبيت جائعا ولا يشهر سيفه .. فان كان أبا ذر يبيح للمرء أن يكون لاكفا وشايشا عندما تنتهك معيشته فقط .. فهل يعقل أن يكون أبا ذر وهو الحليم مستنكرا للمرء عندما يتعرض للانتهاك المزدوج في كرامته وفي معيشته إلا أن يكون .. لاكفا..؟ ..هذا خلاف المنطق ...!

الديمقراطية .. أيها العراقيون أمثالي أنا اللاكف .. إن قفزنا على مفهوم ألقذافي للديمقراطية حيث يفسر العقيد المنظّر مصطلح الديمقراطية باعتباره مكون من مقطعين احدهما ايطالي وهو ديمو ويعني حكم .. واكراسي وهو عربي بالأصل ويعني كراسي لكنهم حوروه ..! والرجل (ألقذافي) لا ينطلق من فراغ فالكثير من المصطلحات الدارجة معشقة من لغتين ( بالتعبير العراقي .. منغّله ..) مثل مسافر خانه وتلخانه وغيرها ..

وبالتالي فان الديمقراطية من وجهة نظر ألقذافي تعني حكم الكراسي ..! يعني وضع مجموعة من الكراسي في قاعة أو على منصة ونقول لها احكمي يا كراسي .. ليس مهما أن تكون الكراسي فارغه.. أو تعتليها .. (معزى على غنم .. ما دامت الكروش من أمامهم والكروش من وراءهم .. فمن يشابه كرشه فما ظلم ..) على رأي مظفر النواب ...

والمصيبة أن الناطق باسم ألقذافي يقول في المؤتمر الصحفي الذي عقده أمس أن عقيده ليس ملكية ليبية محض إنما ملكية عالمية تعود عائديتها إلى كل الإنسانية ...

والمصيبة الأعظم إن الحكام العرب ما إن يتناوش احدهم الكرسي حتى تمتد طموحاته إلى حكم العالم برمته فمنهم من يدّعي بان حكمه تجربة خاصة و فريده يعمل على نشرها في كل بقاع العالم بعد إن بات شعبه في جيبه الصغير ويتقاتل على حكم الأمة .. وبعضهم يصدر كتابا اخضرا لا تجد بين دفتيه إلا ترهات يريد بها أن يمحق النظريتين العالميتين ..

والمصيبة الأعظم جدا جدا .. إن هؤلاء القشامر لا يتوقعون من شعوبهم أن تقول لهم .. مجرد أن تقول : انتم قشامر .. بل انتم مجرد ماعز ولصوص ولستم أكثر .. والحكام العرب كما وصفهم شلقم ممثل الجماهيرية الاشتراكية الديمقراطية القذافية العظمى في الأمم المتحدة بعد إن ركل العقيد في قفاه وبات حرا بان منهجهم الثابت هو : لو أحكمكم لو أقتلكم ..!

وهذا المنهج لم يكتشفه السيد شلقم فهو موجود وسائد في العراق على الأقل تختص به شريحة من الناس تنتم في أصولها إن لم تكن مطعمة مثل اللالنكي إلى أصول علوية.. وابتلى الأصل بالفروع ... فالواحد منهم عندما يريد بغية من غيره يقول له : لو أبطحك لو أشوّر بيك ...! ولو انه بانتشار وتنامي الثقافة العلمانية خفت وطأة هذه الحالة في العراق .. حتى بت إنا الفقير لو سمعت أحدا يقول لي لو أبطحك لو أشوّر بيك .. سأقول له : وخر .. قشمر! .. أنا أبطحك وابطح اللي خلفوك.. وعود.. أدفع كفاره ..

فإذن هذا هو الفهم السائد للديمقراطية في ربوع العام العربي .. لو أحكمك .. لو أقتلك .. الأمر الذي دفع بالمضطهدين والمسحوقين إلى انفجارهم التسونامي الذي انطلق من مدينة سيدي بوزيد التونسية ليجرف أنظمة الحكم الفاسدة في تونس ومصر ويكاد في ليبيا العقيد واليمن غير السعيد وهو يمور في البحرين وعمان وبغدان والمغرب والأردن والكويت والسعودية حتى السعودية التي تقوم الآن بحرب استباقية ضد شعب البحرين لدفع الحرب إلى خارج حدودها..

لقد تعلم القشامر الاستباقية ولم يتعلموا الديمقراطية .. في حين أن الديمقراطية بمعناها الحقيقي تقف على ساقين أثنين إن كان في احداهما عيب كانت عرجاء وان كان العيب في الساقين معا كانت مشلولة كسيحة ..

تلكم الساقان هما :

الأول: الشرعية الديمقراطية بمعنى انبثاق السلطة عن إرادة المجتمع المحلي وليس عن جزء منه أو شريحة.. فيكون الحكام ممثلين للمجتمع المحلي حقيقة وليس تزويرا لا في إرادة الناخبين ولا في صناديق الانتخابات ...

الثاني: اتفاق قيم ومعايير السلطة وممارساتها مع قيم ومعايير المجتمعات التي تخضع لها .. فتكون قيم وممارسات السلطة التي جاءت بانتخابات حرة ونزيهة يشكلون أداة صادقة لتحويل طموحات الناخبين إلى واقع معاش على ارض الواقع إما أن يصل المرشح إلى السلطة عن طريق الناخبين ويتضح لاحقا بأنه يعمل لنفسه أو لجهات أخرى فهو في هذه الحالة مثل المحامي الذي تنتدبه ليدافع عنك فيبيعك ويعمل لصالح خصمك .. وعندها يكون من الواجب عزله وفسخ الوكالة الممنوحة له ومصادرة بقية أتعابه ..

وللوقوف على السيرة الذاتية للديمقراطية في المنطقة العربية أشير إلى ما جاء به السيد برهان غليون ـ مدير مركز الشرق المعاصر ـ وأستاذ علم الاجتماع السياسي في جامعة السوربون .. في بحثه المنشور تحت عنوان (الديمقراطية وحقوق الإنسان في الوطن العربي ـ مشاكل الانتقال وصعوبة المشاركة .. الصادر عن مركز دراسات الوحدة العربية ..بيروت 1991) ومن خلاله يمكن النظر للسيرة الذاتية للديمقراطية في المنطقة العربية وفقا للآتي :

1 . مرحلة الاستعمار الأجنبي للدول العربية : حيث أنشأت الدول الاستعمارية بفعل التقليد للأنظمة السائدة فيها ديمقراطيات شكلية في الدول العربية المستعمرة قبل وبعد استقلالها الشكلي تعتمد النظم البرلمانية والتعددية .. إلا أنه ولضيق أفق تلك النظم البرلمانية والتعددية وغياب الأرضية الاجتماعية والفكرية لها تحولت بسرعة إلى واجهات شكلية تضم نخبة شبه ارستقراطية تتداول السلطة بين أعضاءها ولا تتيح توسيع قاعدة الممارسات السياسية الشعبية.. كانت هذه النسخة الأولى من الديمقراطية بمعنى التعددية البسيطة والتي ساهمت في تمديد أجل البنيان السياسي العربي التقليدي الذي شكلت الوجاهة المحلية والعشائرية قاعدته ألرئيسيه .. كانت التعددية للأغلبية من النخبة قاعدة لإنتاج سلطة محافظة من الناحية الاجتماعية وكانت عصبوية من الناحية السياسية .. معتمدة على زعامات الأحياء والعشائر والوجاهات المتنافسة المتصارعة والمنطوية في رؤيتها السياسية وممارساتها على حقول نفوذها المحلية دون نظرة وطنية شموليه .. وعاجزة كليا تجاه الخارج بل مرتبطة بالنفوذ الأجنبي .. ومع نمو هذه الأشكال الجنينية المشوهة للديمقراطية نمت الطبقة الوسطى بسرعة بعد الاستقلال نتيجة التعليم ومن جراء التوظيف في الحكومة وخصوصا المؤسسة العسكرية ولم تستطع هذه الديمقراطيات أن تقاوم طويلا وتهاوت بسرعة تحت ضربات القوى الاجتماعية الجديدة التي سلمت دون تردد مقاليد أمورها للجيش والنخبة العسكرية .. لقد سقطت النماذج التعددية البرلمانية من جراء التخلف والفساد الناجم عن طبيعة النخب الحاكمة من شيوخ وإقطاع ووجهات في الوطن العربي كما في العديد من دول العالم الثالث ..

2 . أنظمة الحزب الواحد : من جراء عقم أنظمة الديمقراطية الشكلية والتي كانت تفتقر إلى الأساسين معا فلا هي تمثل الشرعية الحقيقية ولا قيمها ومعاييرها وممارساتها تمثل مطامح الشعوب الحقيقية .. ونتيجة لنمو الطبقة الوسطى واحتدام الصراع بينها وبين النخبة الحاكمة وعدم قدرة تلك الطبقة من حسم الصراع لصالحها من جراء التخلف المجتمعي وانتشار الأمية فقد تلقف العسكر ذلك الصراع وامسك العصى من وسطها فتوالت الانقلابات العسكرية الواحدة تلو الأخرى في الدول العربية حيث أنشأت أنظمة الحزب الواحد بشكل صريح في بعض الدول وبشكل مغطى بواجهات شكلية في دول أخرى.. وكان من جراء ذلك إن امتصت تلك النظم حتى مكسب التعددية .. لقد وظفت أنظمة الحزب الواحد ما كان يجري في الدول الاشتراكية في تلك الحقبة لصالحها باعتبارها مستعيرة ومستفيدة من تلك التجربة ومتحالفة معها .. في حين كان الذي يجري في الدول الاشتراكية تحولات حقيقية في المجتمع والتنمية خارج البناء السياسي ألتعددي التقليدي .. أما أنظمة الحزب الواحد العربية فقد عجزت عن توفير وسائل الحماية الخارجية وفشلت فشلا ذريعا في التحول الاقتصادي والصناعي وتعثر الاندماج القومي وما رافق ذلك من تراجع حاد في بنية السلطة الوطنية وتقاليدها الأمر الذي أدى إلى افتقاد النظام السياسي الواحدي الذي ارتبطت به صدقيته وشرعية وجوده .. وبقدر ما كان هذا النظام يعبر عن الإرادة الشابة الوطنية والقومية المتفتحة للتغيير والتجديد تحول بسرعة إلى رمز للانحطاط والفساد .. وبقدر ما كانت تقنيات الحزب الواحد تشير إلى الفاعلية والانجاز أصبحت ترمز إلى العنف والقمع المفتقر إلى أي معنى .. وترمز إلى اغتصاب السلطة ورفض المشاركة والتداول الطبيعي لها مع بقية أبناء الشعب ..

3 . مرحلة الردة على الفكر الشمولي والتطلع إلى الديمقراطية : منذ نهاية السبعينات وبداية الثمانينات وبعد إن اكتوت الشعوب العربية بنار أنظمة الحزب الواحد بدأ تحول فكري واسع وعميق باتجاه الردة على الفكر الشمولي تتخذ طابعا أكثر عنفا منذ بداية الثمانينات التي شهدت عودة قوية لقيم الفكر الديمقراطي تجسدت في الكتابات والندوات واللقاءات السياسية .. وبعد سلسلة من الانتفاضات الشعبية التي كانت بمثابة الردود العفوية على الاستبداد وتفاقم الأحوال المعيشية أخذت الفكرة الديمقراطية تفرض نفسها من جديد على الرأي العام وكان من نتيجة ذلك إن شهد العالم العربي أولى حلقات انكسار النظام المطلق ودخول العرب مرحلة عصر الانتقال نحو الديمقراطية... هذه هي السيرة الذاتية للديمقراطية في الوطن العربي كما وردت على لسان السيد برهان غليون ..

هل أن الحال في العراق مختلف ..؟ ما الذي حصل في العراق بعد 2003 .. هل انه دخول إلى عصر الديمقراطية أم انه عودة الديمقراطية الشكلية الفاسدة التي كانت قائمة قبل نظام الحزب الواحد في العراق ..؟ .. هل يتوفر في ديمقراطية العراق الحالية الأساسين التي تقوم عليها الديمقراطية اعني الشرعية التي تقوم على التمثيل الحقيقي للشعب .. وتبني المعايير والقيم والممارسات الممثلة لتطلعات الشعب ..؟.. أم أنها ديمقراطية أبناء النخبة الإقطاعية وشيوخ العشائر التي أطاحت بها ثورة 14 تموز 1958 في العراق بسبب فسادها وتخلفها وفشلها ..؟ مضاف أليها النطيحة والثولاء من نظام الحزب الواحد ..؟ وإنها لا تفتقر إلى التمثيل الحقيقي في قيمها ومعاييرها وممارساتها لقيم ومعايير الشعب ؟.. وإنما تمثل التركيبة المزدوجة لفساد وتخلف الديمقراطية الشكلية وعنف وشمولية نظام الحزب الواحد ..؟

هل هي ديمقراطية الطبقة السياسية الفاسدة الحاكمة .. أم أنها ديمقراطية الشعب ..؟ هل أن الشعب العراقي يتعرض حاليا إلى الانتهاك في كرامته ومعيشته معا ..؟ وهل بات الشعب من حقه بل ومن واجبه أن يكون ..لاكف .. بمعنى ثائر ؟.. هذا ما نتابعه في الحلقة القادمة ....

 

 

free web counter