| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

محسن ظافر غريب

algharib@kabelfoon.nl

 

 

 

 

الأربعاء 8 / 11 / 2006

 

 

الموتُ يـُغيّب الشاعر بُـلند أجاويد اليوم



محسن ظــافــرغريب

غيّب الموتُ فجر اليوم الشاعر التركي الرومانسي بُلند أجاويد في المستشفى الذي دخله أمس الأوّل عن77 ربيعا(مواليد 1925م) بعد ألم ألمّ ببطنه وظهره. كان الشعر عنده فعله الخاص، فلم نعتن بكونه ذو الرئاستين؛ رئيس حكومة الجمهورية التركية خلال 4 عقود من الزمن ولمدة 5 مرّات، ورئيس حزب" الشعب الجمهوري" العلماني، وزعيم المعارضة العلمانية المُخضرم، للحكومة في تركيا الإسلامية بعد إرث أتاتورك مؤسس جمهوريتها على أنقاض الخلافة الإسلامية العثمانية الوارثة لدولتها في سُرّة الدنيا حرتها بغداد السمراء بوصف شاعرنا الراحل بلندن بُلند الحيدري. ومثلما يُغيّب الموت (أجاويد) الناس، كذلك عسكرالعلمانية غيّب شاعر تركيا الغرّيد أجاويد، إثر إنقلاب(12 أيلول سبتمبر1980م) الجنرال كنعان أفرين، لمدّة عام ولمدّة عقد من الزمن حرّم عليه العمل السياسي بعد مصادرة ممتلكات الأحزاب التركية آنذاك. لكنّ أجاويد قبض على زعيم حزب العمال الكردي المحظور( السجين عبد الله أوجلان)، قائلآ ليلة القبض عليه بأنّ"الإرهابي الهارب في قبضتنا"، وقبل القبض على" صدّام المُدان" أمس الأوّل، نقل أجاويد إليه في شباط فبراير2002م رسالة الرئيس الأميركي" بوش الإبن" تحذيرا بأنّ عاقبته وخيمة على حدّ تعبيره!.

عمل أجاويد مُراسلآ لإذاعة BBC البريطانية بين عامي1983-1987م ولصحيفة تايمس اللندنية في وقت كان يعمل فيه محررا لصحيفة"ميلليت" واسعة الإنتشار في العاصمة التركية أنقرة. وكان من أوائل من ترجم شعر أليوت، ديلان توماس، أزرا باوند، و أوّل من حاز من الشرق على جائزة نوبل في الآداب (الثاني العربي الروائي نجيب محفوظ والثالث الأخير، الروائي التركي أوهان باموق) شاعر شبه القارة الهندية"طاغور" الذي لأجله تعلم أجاويد اللغة السنسكريتية البنغالية شغفا بفلسفة الهند؛ Mahatma أي الروح العظيم ( روح مطلقAtma )، Paratma أي الإنسان المقدّس، ومرجعه Gaiyan، أي تعاليم المتصوّفة للمعلم الصوفي الهندي"حضرات عنايات"(1882-1927م)، فتعرّف على الفلسفة الشرقية الهندية القديمة متأثرا بالعديد من جوانبها، مترجما بها غافانيغا (أنشودة الآله) إحدى ملاحم مهابهارتا الهندية، ومترجما أحاديث كريشنا الذي يحلّ بالإله فيشنو ليتجلى للأمير أرجونا.

كما الروح الذي في الجسد / نتحول من طفل إلي شاب / ومن شاب إلي شيخ / نتناسخ بعد الموت في كيان آخر. من الحواس ينتقل إلي الإنسان / القيظ والبرد / الألم واللذة / كل ذلك وقتي / لا يخلق من العدم / ولا يفني الموجود /
الخلود دائم / في أبدان الكائنات / لا يقام العزاء لموت الخالد.
لا يكتفي أجاويد بالولوج إلي أقبية الروح والمعني الإنساني في الفلسفة الهندية، بل يهتم بمقولات الحكيم الصيني لاو تسو الذي عاش في القرن السادس قبل الميلاد. وهو مؤسس العقيدة التاوية، التي ترجم أجاويد بعض أفكارها إلي التركية: تاو/ تاو إناء فارغ / لا يمتلئ قط / هو مصدر الأبدية / طريق لا يبلغ قط / انه في الأعماق / لكنه دائما موجود / لا أحد يدري / من أين هو قادم.


وثمة علاقة وثيقة لأجاويد بالرسم فوالدته (نازلي أجاويد) من الرسامات المعروفات في تركيا. كذلك زوجته (رخشان اجويد). وفي مقال له عن بيكاسو وعبقريته الفنية يقول أجاويد .. لقد أسس بيكاسو عبقريته الفنية علي قواعد راسخة في معرفة الرسم الكلاسيكي. فهو لم يبتعد ويتجرد عن عصره أبدا. لكنه في الوقت ذاته لم يكتف بأن تكون حداثويته محصورة بالفترة الزمنية التي عاشها لذلك فانه رسام كل العصور. أجل ان بيكاسو لم يتجرد من الأسس التقليدية للرسم ،ولكنه في الوقت نفسه أسير عصره .
أما عن الشاعر الأمريكي آزرا باوند الذي تأثر بالفكرة الفاشية ودعا لها، واتهم بالخيانة العظمي بسببها بعد الحرب العالمية الثانية، ولم يتحرر إلا بتقرير طبي يثبت جنونه فيقول أجاويد لقد فتح آزرا باوند مثل عالم آثار، دهاليز وممرات من عصره إلي العصور والأزمنة القديمة، وساهم في إخراج الكنوز الثقافية المنسية إلي النور .
لم يتوان خصوم أجاويد في السياسة من محاولة النيل منه عن طريق شعره.فقد استغلوا مرارا قصيدته (القصيدة التركية ــ اليونانية) التي كتبها عام 1948 والتي يتحدث فيها عن التآخي بين الشعبين:
في دهاليز الغربة / ستشعر انك أخ لليوناني / ستهبط أغنية يونانية / كحمامة بيضاء علي أعماقك يابن استانبول / كما لم يتوان غلاة العلمانيين واليساريين من انتقاد قصائده الصوفية التي تغرف من ينابيع أفكار مولانا جلال الدين الرومي، وحاج بكتاش ولي، ويونس أمرة :
يري أجاويد ضرورة التوافق بين الحرية الخارجية (الظاهرة) والحرية في ذات الإنسان وأعماقه. يتحدث أجاويد عن فيلم رآه حول معاناة البطلة وعجزها من مجاراة البطل في أفكاره. فتقرر الابتعاد عنه. ولكي تثبت أنها تحررت منه، تقوم بالتجول عارية في الشوارع وهي تصرخ : انظر لقد أصبحت حرة. يرد البطل: أنت لست حرة بل عارية فقط!..
يري أجاويد الشاعر، أن المهم بالنسبة للإنسان، هو قدرته علي تحقيق حريته الداخلية. والذي يعجز عن ذلك، لن يخدم نفسه، ولا المجتمع الذي ينتمي إليه.
قصيدتان لبلند أجاويد

الغد
ثمة شيء سيحدث غدا / ذلك واضح / من وقوف الجياد في العراء/ من هرولة الغيوم في السماء/ من قلق أسراب النمل / ثمة شيء سيحدث غدا / ربما ستتفتح برعمة / أو تسقط ورقة من غصنها / ذلك واضح / من طيران الطيور /
غدا سيحدث شيء ما / شيء أقل أهمية من الأمس/ وأكثر أهمية من اليوم.

رجل بوجهين
ابتسم قليلا يا وجهي الثاني / أنا سأبكي قليلا / تحدث عن التفاهات دون تردد / أنا سأعشق بجنون
يا وجهي الثاني
اعتن بأعمالك اليومية / أنا سأكتب الشعر / دقق الملفات المتربة / واكتب التقارير / دون أن يشعر بي حتي أصدقائي/ سأموت ثانية
وجهي الثاني
لا أزال في الانتظار / احضر لي قليلا من الخبز

نشر" أجاويد " خلال محنة إنقلاب العلمانية العسكري الغاشم خريف سنة 1980م ديوانه الشعري الثاني، الذي ضمّ قصائد: هديل الحمامة البيضاء، قصة جبل جودي، العامل الضيف، الطاقة، محمّد البائس!، نساء مغرورات، إمرأة لا تعرف الشيخوخة، ملحمة حرب التحرير، مصطفى كمال أتاتورك، و"معا للحبّ"(1980م)، عبّر فيها عن معاناته من تسلط العلمانية الى تركيا اليوم والى زوجته الوفية حبيبته رخشان:" معا تعلمنا الحبّ / من دفقات قلب الحمامة القابعة في أحضاننا / ونقلنا معآ ذلك الحب/ الى أحجار البحر التي تـُناجيها الأمواج منذ آلاف السنين / لأننا نـُحبّ معا تـُراب وأحجار هذا الوطن/ مثلُ حبّ الصبّير لقطرات المطر / و الفلآح لأرضه ومحراثه/ والعامل لجعجعة الآلة.