| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

محسن ظافر غريب

algharib@kabelfoon.nl

 

 

 

 

السبت 2 / 6 / 2007

 

 
 

الطفولة العراقية السليبة
1


محسن ظافرغريب

وكد البرنامج الإنساني الخاص بتأهيل الأطفال، بمنظمة "يونيسيف"، بأن الطفل العراقي يعاني من أشرس ما يمكن أن يمر به الطفل عالميا، وإن إعادة تأهيله اجتماعيا ترتطم عكسيا بما يراه الطفل أمام عينيه من مجازر وانفجار ات وجثث ودوي قنابل وشظايا ورصاص ودماء، وأن ذلك كله ينعكس سلبيا على حياته وسلوكه، وقد يؤدي به إلى الجنون أوالتخلف العقلي. وكان ذلك جانبا هاما وحيويا من جوانب نكبة العراق في ظل العبث الشوفيني الفاشي في مؤامرة 8شباط 1963م الخيانية الإجرامية العميلة للأجنبي الطامع بمقدرات أجيال العراق بدء بجيل نكبة شباط الأسود من عنف و إرهاب بعثفاشي وحروب وإختلال وإحتلال لحساب ذات ذلك الأجني بقيادة قاطرة شباط ونيسان ربيع بغداد1963ـ2003م. كما لايمكن تجاهل الحالة النفسية السيئة المترتبة عن اللإصابات الجسدية مثل الأمراض والإعاقات ( سرطانات, بتر أطراف ,تشوهات خلقية...إلخ.) على نفسية الطفل وأثرها المستمر وظاهرة التهجير القسري.فجل الأطفال المهجرين داخل وخارج العراق والذين تبلغ أعداهم بالملايين كان أغلبهم يعيشون حياة طبيعية لائقة أما اليوم فحياتهم تفتقر إلى أبسط مقومات الحياة السعيدة.ففجأة وجد هؤلاء الأطفال أنفسهم غرباء فقراء معدمين يقطنون مدرسة أوخيمة لجوء أومسكن بائس بلا مدارس وبلا أشياء خاصة وبلا حقوق وبلا اعتراف بإنسانيتهم المذبوحة وبلا وبلا...فكيف يمكن لهؤلاء تقبل الوضع الجديد والتأقلم مع العدم.إن التأثير النفسي لصدمة الحرب تأثير يتمتع بالديمومة فهو صورة مطبوعة بكل تفاصيلها لا يمحوها تتالي الأيام فكثير من الوقود البشري للحروب من الشباب كانوا أطفالا في الحرب السابقة بعضهم لازالت تسيطر عليهم أطياف مآس سابقةإن التأثير النفسي لصدمة الحرب تأثير يتمتع بالديمومة فهوصورة مطبوعة بكل تفاصيلها لا يمحوها تتالي الأيام فكثير من الوقود البشري للحرب من الشباب كانوا أطفالا بعضهم لازالت تسيطر عليهم أطياف مآس سابقة وقد تستمر لزمن غير معلوم، فتؤثر على صحتهم النفسية ودرجة توافقهم مع المجتمع وعلاقتهم بالآخرين ونظرتهم للمستقبل، وتضيف الدكتورة فيولا أن الأطفال يكونون أكثر تأثرًا بالصدمات؛ لأن مرحلة الطفولة تنطوي على صعوبات التغيرات الجذرية، وهوما يجعلها أكثر استهدافًا لاضطراب التوازن ونقص التوافق مع الذات والمجتمع، ولهذا يتوقع أن تتفاعل ضغوط الحرب مع مشكلات النمو، وهوما يجعلهم أكثر استعدادًا للتأثر بالأحداث التي يتعرضون لها مثل الانفصال عن الوالدين، ومغادرتهم لمنازلهم بسبب الحرب، والشعور بالتهديد والحرمان من الأمن من خلال سماع أصوات المدافع، والأخبار المفزعة، واعتقال أحد أفراد الأسرة، وقد يتعرض الطفل نفسه للاعتقال والضرب، أوحصار المنازل أوالأحياء، وتنتقل آثار الصدمة إلى باقي أفراد الأسرة بأنهم يؤثرون في بعضهم البعض.

أعراض المرض النفسي الناجم عن صدمات الحروب الأفعال والحركات اللاإرادية التي تصدر عن أعضاء الجسم ,حركات اليدين أوالرجلين أوالكتفين أوالعينين أوالفم والأسنان والأصابع، النهوض مفزوعًا من النوم، وقلة الشهية للطعام، وتفضيله الابتعاد عن الناس واللجوء للصمت والرغبة في البكاء، والكثير من هؤلاء الأطفال تكون عواطفه جامدة وعلاقته بإخوته غير قوية، ويميل للمشاحنات مع زملائه، ويكون أكثر عنفًا أثناء اللعب، ولديه رغبة في تدمير الأشياء وتخريبها.

كما يتعرض لتأخر دراسي وظهور مشكلات دراسية مثل التمارض عند الذهاب للمدرسة، الصعوبة في التركيز، صعوبة بعض المواد، عدم الاستجابة بطريقة مناسبة للمديح والثناء، تشتت الأفكار أثناء الدرس، وانخفاض مستوى التحصيل عن ذي قبل، وفي جميع هذه الحالات تجب متابعة هؤلاء الأطفال ووضع برنامج علاجي لهم مع اختصاصيين في هذا المجال.

ولا تقتصر الإصابات على الأطفال المعرضين بشكل مباشر للصدمة إذ أن الضغوط الاقتصادية والاجتماعية والنفسية التي يعانيها الوالدين تؤثر تأثيراً كبيراً على الأطفال الذين يعيشون الضغوط التي يقع الآباء تحت وطأتها وهي كثيرة جدا في المجتمع العراقي يعززها حرمان الأطفال من جميع وسائل الترفيه والتسلية واللعب التي تساهم مساهمة أساسية في تكوين شخصية مستقرة مبدعة فالحياة تمر بوتيرة محددة قاسية فلا يمكن ارتياد الحدائق والملاعب أوالملاهي أوحتى إمكانية اللعب داخل أحياءهم وشوارعهم أوارتياد المسارح أودور السينما فجميع هذه الأماكن أضحت محرمة على أطفال العراق بسبب الأوضاع الأمنية من ناحية وسيطرة أفكار ظلامية لمجموعات معينة تعتبر هذه الأمور ضرب من الكفر والبعد عن جادة الصواب ففي مقال نشره موقع أمان تحت عنوان الطفولة المنتهكة يقول كاتبه ( ويحدثني صديق عن مستثمر جاء إلى البصرة بعيد احتلال العراق مباشرة، وباشر في الإعداد لإنشاء مدينة ملاهي (ألعاب) التي تعتبر متنفسا طبيعيا لممارسة حق اللعب لأطفال أي بلد في العالم، وما أن وجد الأرض وشرع في العمل حتى أتاه المسلحون وأمروه بالمغادرة فورا "لأننا لا نحتاج مدن ألعاب..بل تحتاج إلى حسينيات يتعلم فيها أطفالنا اللطم". إن الحاجة إلى اللعب عند الأطفال تشكل العامل الأول من عوامل العلاج التي يجب التركيز عليها لأن الحرمان منها عامل مهدد لتكامل الشخصية إن جميع ما سلف من انتكاسات بحق الطفولة والأطفال داخل أسوار العراق" المحترق "" سيساهم في إنتاج شخصية مستقبلية ضعيفة الثقة بالنفس ,عدوانية تعجز في التعبير عن مشاعرها , مضطربة ,عصابية , لامبالاية , تابعة اجتماعيا للآخرين , لا تتمتع بالاستقلالية ,ينتابها الخوف الشديد , ضعيفة المبادأة , تفكر بالانتحار.إنه جيل العراق الجديد إنه مستقبل العراق القادم لذا يتعين وعلى وجه السرعة تفاديا لمزيد من الخسارة ولوضع حد لهذه الكارثة التي يساهم الجميع بقصد أوبدون قصد في خلقها أن تتكاتف جهود العقلاء من العراقيين وممن لازال يؤمن بالمستقبل ويهتم بحقوق الإنسان وبحق هذا الكائن الضعيف (الطفل) في الحياة والسعادة والصحة والرفاه من العرب والأسرة الدولية العمل على إيجاد القاعدة الأساسية التي يمكن البناء عليها لإيجاد حلول جذرية يساهم بها الجميع.تتمثل أولا في رحيل الاحتلال ووقف العنف ووضع استراتيجيات علاجية لإعادة إعمار الإنسان العراقي وترميم ما تصدع من روحه ونفسه وعقله مع إعادة إعمار جميع ما تهدم في رحم العراق.

في سنة أولى ألفية ثالثة للميلاد ذكرت وثائق منظمة الصحة العالمية الصادرة في يوم الصحة العالمي عام 2001 أن العراق كان في طليعة دول إقليم شرق المتوسط في ما يتعلق بالاهتمام بموضوع الرعاية الصحة النفسية, غير أن هذه الرعاية تراجعت بشكل واضح وتأثـَّرت تأثـُّراً سيئاً منذ عام 1990 بسبب الحرب والحظر الاقتصادي.وقد أوردت المنظمة أرقاما حول عدد المرافق الصحية النفسية الموجودة في العراق قبل 2001, فذكرت أنه يوجد في البلد 23 مرفقاً للطب النفسي، 16 منها في بغداد، وستة منها عبارة عن أقسام جامعية، وتدير وزارة الصحة جميع هذه المرافق,التي تضم مستشفى الرشيد للصحة النفسية، الذي أقيم في عام 1956 في بغداد، وهومؤسسة للإقامة الطويلة، وبه وحدة للطب النفسي الشرعي , ومستشفى ابن رُشد للطب النفسي في بغداد (الذي أنشئ في عام 1968)، وهومستشفى للإقامة القصيرة, ملحق به مركز لمعالجة إدمان المخدِّرات، أنشئ في عام 1979، كما توجد وحدات للطب النفسي في المستشفيات العامة كمستشفى بغداد التعليمي ومستشفى اليرموك التعليمي، والمستشفى التعليمي لكلية صدام للطب، ومستشفى الموصل العام، ومستشفى البصرة العام، ومستشفى النجف العام , ومستشفى المختار، الذي أقيم في عام 1989، هومستشفى خاص كما يوجد 12 مدرسة ومعهداً للمتخلفين عقلياً تعمل تحت إشراف وزارة العمل والشؤون الاجتماعية.أما عن العاملين والاختصاصين فيوجد160 طبيبـاً نفسياً استشاريـاً، و10 أخصائيين اجتماعيـين و20-30 ممرضة نفسية.ويتم التدريب والتأهيل على الرعاية الصحية النفسية عبر برنامج للدراسات الجامعية العليا يؤدي إلى التأهيل الكامل في الطب النفسي وقد بدأت في عام 1994 دورة جديدة مدتها سنتان للحصول على درجة الماجستير في علم النفس السريري (الإكلينيكي). وتُعقد سنوياً دورتان لتدريب الأخصائيين الاجتماعيين النفسيين.وفي ما يتعلق بتعليم المساعدين الطبيين فتقوم جميع كليات الطب في المرحلة الجامعية الأولى بتدريس رعاية الصحة النفسية في سنتَيْ دراسةِ العلوم الأساسية.وتُخصَّص حوالي 15 ساعة للمحاصرات ولكن حجم المشاكل والأمراض النفسية فاق جميع الإمكانيات الذاتية المتيسرة لدى العراقيين في أعقاب الحروب السابقة وما تلاها من حصار فقد شكلت الضغوط النفسية هماً يومياً للجميع, بحسب المصادر الرسمية العراقية، فقد ازدادت الحالات النفسية بحسب المصادر السابقة من 24.8 % قبل عام 1989 إلى 62 % في عام 2002.وجاء في تقرير أعده فريق من الخبراء الحقوقيين وإختصاصيي الصحة العامة من جامعة هارفارد، صدر في تشرين الأول/ اكتوبر 1991، أي بعد 7 أشهر على انتهاء حرب الخليج الثانية، كشف بان الأطفال العراقيين يشبهون الناجين من قنبلة هيروشيما.وقد علق البروفسور الدكتور ماغن راوندالن- مدير برنامج بحوث الأطفال في مركز علم نفس الأزمات التابع لجامعة بيرغن بالنرويج:إن الأطفال في العراق يشبهون "الأموات الأحياء"، وإنهم " فقدوا مشاعرهم كافة، وهم لا يتمتعون بحياتهم.كما نبه الباحث جيف سيمونز الى إرتفاع حالات السلوك العدواني وسط التلاميذ من 24% عام 1989 الى 60 % في عام 1993.وقال جيمس سكالي- رئيس الجمعية الاميركية للأطباء النفسانيين (هناك حاجة ماسة إلى زيادة أعداد العاملين في قطاع الصحة النفسية ليس فقط في العراق بل في غالبية دول المنطقة.وأجرى مقارنة بين استراليا (20 مليون نسمة) والعراق (22 مليون نسمة) حيث " تمتلك الأولى 2800 طبيباً نفسانياً و1000 معالجاً نفسياً، بينما يوجد في العراق 100 طبيب نفساني، وليس هناك أي عيادة للعلاج النفسي كما نبه- المنسق السابق لبرنامج الأمم المتحدة الإنساني هآنز فون سبونيك - في تقرير له إلى أن الوضع القائم في العراق سوف يؤدي إلى ظهور جيل من الشباب أكثر تطرفا وعنفا من أي وضع سابق معروف، فهؤلاء الشباب يشعرون بالمرارة والغضب، ويحسون أن العالم كله قد تخلى عنهم.

واقع الصحة النفسية للأطفال العراقيين في مرحلة ما بعد الاحتلال لا يحتاج الباحث إلى الكثير من الجهد للدلالة على الواقع النفسي المتأزم أولنقل شديد التأزم للطفل العراقي ذلك الواقع المثقل بمشاهد القتل والتدمير والدماء والجثث المتناثرة في الشوارع وأصوات القصف ودوي القنابل والحرائق ورعب المفخخات والمداهمات وشظايا الزجاج المتطاير وحالات الاختطاف والاغتصاب والتهجير...فكل ما ذكر وأكثر يشكل حالة من الضغط النفسي والعصبي والعقلي المتواصل على الذات الطفولية ستنعكس على سلوك الطفل وانفعالاته وتوجهاته الحالية والمستقبلية عبر ردود أفعال مختلفة تصب جميعها في بؤرة التدمير المنهجي لهذه الذات كونها النواة الأولى والأهم استراتيجيا في نماء المجتمع وبناءه حاضرا ومستقبلا. فما الذي يتعرض له الطفل العراقي وماهي انعكاسات الواقع عليه.

في دراسة أجراها أطباء نفسانيون عراقيون بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية بشأن الصحة العقلية لأطفال العراق بحثوا خلالها في منعكسات الحرب وتداعياتها على الصحة العقلية لأطفال العراق من خلال دراسة أوضاع الأطفال في ثلاث مدارس ابتدائية بمدن بغداد، الموصل ودهوك. كشفت الدراسة في بغداد أن حوالي نصف ألـ 600 تلميذ محل الفحص يُعانون من صدمات كبيرة منذ بداية الحرب.واحد من كل عشرة يُعانون من اضطراب عقلي ناجم عن صدمات ضاغطة،ووجدت أن الأطفال الأكبر سناً في الموصل يُعانون بشكل أسوأ: 30% من الأطفال محل المسح الميداني وعددهم 1090 أظهروا علامات اضطراب عقلي ناجم عن صدمات ضاغطة.تقريباً كل هؤلاء يُعانون من أعراض مرضية عقلية وأن 92% منهم لم يحصلوا على أي علاج وأوردت إحصائيات صادرة عن وزارة الصحة العراقية وجود أكثر من 2.5 مليون طفلا مريضاً نفسياً.لكن تقارير طبية غير رسمية تؤكد بأن العدد يتجاوز الخمسة ملايين طفلا، إذ تركت هذه الفظائع على حياة أطفالنا الأبرياء آثارا مدمرة فالآلاف منهم يعانون من حالات مرضية وخيمة،أبرزها الحالات النفسية والعصبية والتي أصبحت سمة مؤلمة جلية للعيان،، خصوصاً وهم يفتقرون إلى الرعاية الصحية اللازمة.نتيجة تداعي الهياكل الصحية الأساسية التي أخذت تترنح أمام إهمال المرافق الصحية وفقرها وأمام العدد المتزايد من الضحايا المراجعين المصابين بأمراض نفسية مما يجعل من الصعب التعامل معهم على نحومناسب.يُضاف إلى ذلك، أن الكثير من أفضل وألمع أطباء العراق ليسوا مُحصَّنين ضد مخاطر هذا العنف.فقد تعرض كثير منهم للقتل الممنهج والتهجير القسري , فقد قُتل 50% من الأطباء النفسانيين العراقيين منذ بداية الحرب. وقد ازداد هذا العدد في الآونة الأخيرة نتيجة زيادة التردي في الأوضاع الأمنية والاستهداف المقصود للأطباء والأكادميين العراقيين الأمر الذي ترك مهمة الرعاية النفسية للأطفال إلى فريق صغير من الأطباء المحليين غير لأخصائيين.

وللموضوع صلة.