| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. مهند البراك

 

 

 

                                                      الأحد  9 / 2 / 2014

 


الى من يحاول تجميل جرائم 8 شباط الاسود
(1)

د. مهند البراك  
 

في غمرة الأحداث العاصفة والمعقدة التي تمر بها البلاد، يحاول البعض تجميل الوجه القبيح لانقلاب 8 شباط الدموي عام 1963 ، منهم ما تحدّث به حازم جواد بعد سقوط الدكتاتورية، وبعد غياب عن مسرح الأحداث وهو الذي كان احد ابرز اربعة اشخاص، كانوا مسؤولي ذلك الانقلاب ان لم يكن ابرزهم على صعيد البعث . وبعد مرور نصف قرن على الذكرى المؤلمة لاكبر مجزرة في الشرق الأوسط عهدذاك، و لم يزل فعلها مؤثراً الى الآن ، التي لم يفوقها سوى انقلاب اندونيسيا الذي تسبب بمقتل اكثر من مليون مواطن، بقيادة الدكتاتور سوهارتو، آنذاك.

ان خطورة تلك الافكار تطلّبت و تتطلب الرد عليها و توضيح الحقائق التي جرت حينها . . حيث قال في مقابلة اجراها معه الصحافي الأخ غسان شربل في صحيفة الحياة اللندنية، ( اعداد 9 ـ 18 / 2 / 2004 ) باعتبار ان انقلاب 8 شباط، كان محاولة لـ ( تحقيق وحدة العرب ومن اجل سعادة الشعوب العربية والوقوف بقوة امام اعدائها . . ) ؟؟ و بذلك فانه يعود الى نكئ الجرح العراقي الكبير، في محاولة يائسة ترمي الى تكذيب وتسفيه ما اعلنه عدد من قادة الأنقلاب واقرب رفاقه اليه، عن عمق وسعة الخطأ في ذلك الأنقلاب الذي جرّ الى ويلات ومذابح، نقلت البلاد الى مشاكل وتعقيدات اكبر وعطّلت طاقاتها في التقدّم والرقي الحضاري (1).

ان ما تحدّث به حازم جواد لايذكّر الاّ بدوام وجود اشخاص في مراكز القرار، لا يفكّرون الاّ بأنفسهم ومشاريعهم، غير مبالين من انها قد تكون على حساب سعادة وحياة الملايين من ابناء شعبهم. ان حديثه ومحاولته القائه الذنب على الآخرين وعدم تورّعه  ن المس بذكرى شخصيات ورموز مثّلوا ويمثّلون الضمير الشعبي، الذين خسرهم الشعب على ايديهم هم، من الزعيم عبد الكريم قاسم والشهيد سلام عادل الى الشهداء اللاحقين فؤاد الركابي والأمامين الصدر . . يؤكّد مجدداً ان على العراقيين لمّ الصفوف وتوحيد الكلمة والاّ فهاهم موجودون، انهم يشعرون انها فرصتهم وليست فرصة قوى الشعب العراقي في تحقيق شئ من الفرح والأستقرار، بعد ان طغت الأحزان وسادت لعقود من السنين .

هل فعلاً، لايتصوّر السيد جواد ماذا فعل انقلاب شباط 1963، الأنقلاب الذي اهان وعذّب الشعب العراقي كلّه، متحدياً قدسية شهر رمضان المبارك وكما عبّر شاعر العرب الأكبر محمد مهدي الجواهري حين قال موجهاً كلامه الى قائد الأنقلاب :

"ياعبد حرب وعدو السلام    يا خزي من زكىّ وصلىّ وصام"

لقد شكّل الأنقلاب الصدمة الأجتماعية الكبرى الأولى للشعب، التي لم يكن عبثاً ان دعاها العديد من الباحثين، انها كانت العقوبة الموجّهة الى الشعب العراقي، على قيامه بثورة 14 تموز 1958 ومحاولته البدء بأخذ قضيّته بيده في ظلّ ظروف ذلك الزمان . وانه ـ أي الأنقلاب ـ كان مخططاً من دوائر عليا لتطبيق تلك العقوبة، بعد محاولات اسقاط الثورة والحد من توسّع تأثيرها فى المنطقة ومنذ البداية، مستغلة ما ساد المنطقة من طموحات للزعامة على عموم العالم العربي، ومن طموح وعمل بعض العراقيين للأستيلاء على السلطة وتحقيق زعامتهم الأنانية هم (2) .

لقد صعقت شراسة الأنقلاب ودمويّته اضافة الى البالغين، الأطفال والأجيال الجديدة، التي فتحت ذهنها واعينها على سهولة القتل في الشوارع نهاراً جهاراً، وعلى مئات من مراهقين كانوا يحملون غداّرات بورسعيد، يلبسون ملابس كاكية مفتوحة الصدر مصففين شعورهم على طريقة جيمس دين والفس برسلي، كانوا يشتمون ويهينون ويضربون ويسوقون ويصفّون نحو الجدران شخصيات البلد ووجهائه من محامين واطباء ومهندسين وفنانين وادباء وصحفيين وسياسيين وعسكريين من ضباط ومراتب، وطلاب وعمال ورجال دين، نساءً ورجالاً واطفالاً وشيوخاً، الذين جاوز عددهم عشرات الآلاف في العاصمة بغداد لوحدها.

ولم تتسع السجون للأعداد الهائلة من الموقوفين في بغداد لوحدها مثلاً، فحوّلوا عشرات الأبنية والملاعب والمؤسسات الى سجون جماعية لسجنهم وتعذيبهم وتوقيفهم؛ من قصر النهاية، توسيع سجن رقم واحد في معسكر الرشيد، مقر سرية الخيالة في الكسرة، اقسام من البلاط الملكي القديم، ملاعب الشرطة والشرطة السيارة خلف السدة، ملعب بني سعد، النوادي الرياضية (كالأولمبي في الأعظمية، نادي قريش في الكاظمية . . وغيرها)، ملعب المنصور الرياضي، ملعب الكشافة و نادي سباق الخيل في المنصور . . اضافة الى فتح المئات من مقرات الحرس القومي والمواقع والثكنات العسكرية، الأمر الذي اثار وحدات الجيش عليهم بعدئذ.

لقد عاشت بغداد طيلة عهد البعث الأول حتى سقوطه، وكأنها بلدة محتلة من عدو غاصب . . . الدبابات والمدرعات ـ التي لم يشاهدها الناس حقيقة قبلئذ الاّ في الأفلام ـ صاروا يشاهدوها في مفارق الشوارع، سيطرات التفتيش (تفتيش الأشخاص والأمتعة والسيارات ذاتها بعد انزال ركابها) وتدقيق الهويات، اضافة الى مفارز التفتيش المفاجئ التي غزت المناطق التي كانت قد قاومت والأخرى التي لم ترحّب علناً بالأنقلاب، التي شكّلت اكثر من ثلثي العاصمة. ولم تنم العاصمة عهدذاك الاّ نادراً بسبب اطلاق الرصاص المتنوع، وبسبب كثافة هدير الدبابات المنبعث من واقع خطير غير مستقر كان يدار ويحرّك القطعات في الظلام .

لقد عاش غالبية العراقيين والأطفال بشكل اخص توليفة مخيفة لايمحى اثرها ونتائجها بسهولة، من ضياع اخبار آباء وامهات، الى الوقوع جميعاً في قبضة كمائن الحرس القومي السئ الصيت تمهيداً لضرب واعتقال وسَوق الأب او الأم او كليهما بالركلات امام الأطفال، الى رمي البيوت بمدافع الدبابات ورشاشاتها على ساكنيها، الى مناظر الجثث والمشوهين والفواتح والفقر والبطالة. والطواف على المعتقلات بداية ومنتصف كلّ شهر، نساءً واطفالاً صحبة شئ من طعام ونقود مقترضة وامل ودعاء بالعثور ولو على خبر او اثر للعزيز الغائب، كانت تنتهي في الغالب بلا أمل، وبدموع وبقع زرقاء مؤلمة من ضرب اخامص اسلحة الحرس (لترتيب) الجموع المتحرّكة لعشرات آلاف الزائرات والأطفال، عرباً وكرداً واقليات، مسلمين ومسيحيين ومن كلّ الوان الطيف العراقي . . وسط ضجيج مكبرات صوت كانت تصم الأذن بحماسيات " امجاد ياعرب امجاد . . " ، " جيش العروبة يابطل . ." وغيرها من الحماسيات ( التي ما قتلت ذبابة ! )(2)، التي كانت تطغي حتى على صوت مدفع الأفطار والآذان وعلى انين المعَذّبين والمعذّبات .

ان حازم جواد لا يتذكّر جهود القوى الوطنية وعلى رأسها الحزب الشيوعي والحزب الوطني الديمقراطي ـ الجناح المعارض، والحزب الديمقراطي الكردستاني، ومحاولتها دعوة حزب البعث لتشكيل جبهة وطنية، للضغط من اجل وقاية البلاد من مخاطر الفردية والأستعداد للصفح عن الأخطاء التي اقترفها البعث بداية عهد الجمهورية، التي تجاهلها البعث واخذ ينشط في الظلام مبيحاً لنفسه عقد شتىّ الأتصالات والأتفاقات المخلّة، آنذاك، واعطاء شتى الوعود التي تنكّر لها لاحقاً، من اجل تحقيق زعامة عدد من افراده ليس الاّ (3)، الأمر الذي ـ اضافة لعوامل اخرى ـ ادى الى انفراط عقد القوى الوطنية واضعف دورها .

(يتبع)


8 / شباط / 2014
 

(1) راجع : مذكرات طالب شبيب " عراق 8 شباط من حوار المفاهيم الى حوار الدم " .
" اوكار الهزيمة " لهاني الفكيكي . "المنحرفون" الكتاب الأسود حول الحرس القومي، عن مطابع الحكومة العراقية في تشرين ثاني 1963 .
(2) نزار قباني، " على هامش النكسة "، 1967 .
(3) راجع : حنا بطاطو، " كتاب العراق " ـ حول انقلاب شباط 1963 . مذكرات رتشارد هيلمز رئيس ادارة المخابرات الأميركية الأسبق، واخيه هيلمز السفير الأميركي في طهران آنذاك. وثائق المعلومات الأميركية التي كشف عنها مؤخراً، عملاً بقوانين حفظ الوثائق والمعلومات، حول الأنقلاب العسكري في 8 شباط . " من هو صدام التكريتي؟ " عن وثائق السفارة الأيرانية في واشنطن التي سقطت بيد الطلبة عام 1979 ، اثر الثورة الأيرانية . مذكرات حردان التكريتي ـ الجزء الأول، فصل الكواليس .

 

 

free web counter